"قبل أن تغزونا فضائيات النيلسات بقنوات الرحمة والناس ومحمد حسان وحسين يعقوب وغيرهما من الدعاة، كانت الأثواب والتنانير القصيرة صديقة طفولتي. لكن التغيير الذي شهدته الطبقات البسيطة بعد ذلك، كان درامياً. فقد انتشر الحجاب بين بنات جيلي وصارت الأكمامُ الطويلة والسراويل الواسعة قاعدة لا استثناءً، وقد كان عمري في ذلك الوقت قرابة الرابعة عشرة". هذا ما ترويه عبير، البالغة من العمر اليوم عشرين عاماً قبل أن تضيف: "ترددت كثيراً قبل أن أعطي شهادتي هذه، لكنني قررت الإدلاء بها بعد أن تذكرت واقعة الشابين اللذين حاصراني في الطريق عندما كنت عائدة من المعهد، وقد انهالا علي بألفاظ جنسية مقززة. كانت هذه أول عملية تحرش واجهتها في حياتي. عند العودة، خفت أن أخبر أمي التي كانت حينها تشاهد برنامجاً للداعية عمرو خالد". تعرّضت عبير للتحرش في سن يافعة إذاً، ولم تكن تعرف أن جسمها هو الدافع وراء مضايقتها. تسترجع الشابة العشرينية هذه الذكرى اليوم، لدى جوابها عما قد تعنيه الخطوة التاريخية التي شهدتها تونس في الأيام الماضية، للنساء التونسيات. فقد أقرّ مجلس نواب الشعب التونسي القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، بـ146 صوتاً مؤيداً من دون أي تحفظ من الكتل السياسية الحاضرة في المجلس، وهذا ما اُعتبر "ثورة تشريعية في مجال حقوق المرأة وإنصافها" بحسب بيان الاتحاد العام التونسي للشغل، ذي النفوذ السياسي القوي في تونس. فرحة النواب الواضحة في البث المباشر الذي صاحب جلسة التصويت جذبت الانتباه لهذا القانون ودعت إلى البحث فيه. يقول أستاذ القانون أسامة هلال لرصيف22 إن النص الذي أُقر "يختتم فترة طويلة من الإحباط بالنسبة للنسويين والتقدميين بشكل عام في تونس، وهو إنجاز تاريخي لتونس والعالم العربي والعالم أيضاً، نظراً للتماهي الكبير بين هذا القانون والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان".
تقوم فلسفة القانون على تحمّل الدولة مسؤوليتها إزاء كل من يرتكب عنفاً ضدّ المرأة مهما كان نوعه، سواء كان مادياً أو لفظياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً.
ويفرض القانون في فصله الأول وضع التدابير الكفيلة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من العنف ضد المرأة وحماية الضحايا.
يقول أسامة هلال: "هو قانون يناصر المرأة ويمنحها حقوقاً واسعة، ورغم أنه أثار ردود أفعال ضده، فإن الجميع يعلمون أن اختلال التوازن لمصلحة المرأة يساهم في مواجهة التراث الثقيل من العادات والتقاليد التي تظلم المرأة ولا تنصفها تحت ذرائع عدة".
"ثورة تشريعية في مجال حقوق المرأة وإنصافها" عن قانون القضاء على العنف ضد المرأة في تونس نتحدث
القانون "ماقالش ما تبزنسش، قال الركاكة لا" أي أنه لم يمنع المغازلة بل الطرق غير الأخلاقية في مخاطبة المرأةوأبدت ممثلات حركة النهضة الإسلامية في البرلمان، وهي الحركة التي قاومت لفترة طويلة هذا القانون واعتبرت أنه يمس القيم الأسرية والتماسك المجتمعي، سروراً واضحاً ومستغرباً عند إعلان نتائج التصويت. وفي محاولة لتفسير هذه الفرحة، أشارت يسرى فراوس، إحدى الناشطات في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إلى أن منظمات المجتمع المدني، وخاصة المنظمات النسوية التقدمية، كانت قد قامت بمسار طويل جداً من النقاشات والحوارات مع نساء الحركة الإسلامية وخاصة النائبات. وقد ارتكزت تلك النقاشات على جملة من الحجج ومن بينها الفصل 46 من الدستور، الذي يقضي بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة ويعمل على دعمها وتطويرها، كما يضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. بحسب فراوس: "يعدّ هذا الفصل الحجة القوية والحد الأدنى القانوني الذي بنى عليه المناضلون التقدميون مساراً طويلاً للدفاع عن القانون والدفع به نحو إقراره". وأضافت فراوس لرصيف22: "الحوار مع نوّاب حركة النهضة كان فعالاً جداً، فرغم إنكارهن في البداية ضرورة هذا القانون، وصلنا بالنقاش العقلاني إلى الاقتناع بأن حماية المرأة وإلزام الدولة بالقضاء على العنف المسلط ضدها هما دعامة للقيم الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام". وسألت: "هل يعقل أن يكون الإسلام دين رحمة ومحبة بينما تتخلل الأسرة ظواهر مناقضة لهما، مثل العنف والذكورية والهيمنة على المرأة وإنكار مواطنتها وقيمتها؟". ولم تخلُ المصادقة على قانون القضاء على العنف ضد المرأة من تعليقات طريفة أثارها عدد من الصحافيين والحقوقيين. ومن بين أبرز البنود التي أثارت جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، البند 17 ومضمونه: "يعاقب بخطية من خمسمئة دينار إلى ألف دينار كل من يعمد إلى مضايقة امرأة في فضاء عمومي، بكل فعل أو قول أو إشارة من شأنها أن تنال من كرامتها أو اعتبارها أو تخدش حياءها". علّق البعض على هذا البند بالقول إن أي كلمة، حتى لو كانت تعبيراً عن إعجاب بجمال قوام فتاة مثلاً، تعدّ فعلاً غير قانوني يستوجب العقاب. وقد لخّص المصور الفوتوغرافي التونسي توفيق عمران هذه الفكرة بصورة كاريكاتورية أرسلها لرصيف22، تتضمن شاباً يلقي أبياتاً من الشعر على فتاة، فتُعجب بما يقول وتلوم المشترع على إمكان أن يدفع هذا الشاعر غرامة، إذا لم تعجب الفتاة بالشعر.
قال عمران إن هذا القانون "قد يجبر الرجال على اتقان فنون الإلقاء والكلام الناعم، إذ ربما يشفع ذلك لهم متى أرادوا مغازلة فتاة في مكان عام".
وبرغم هذه التعليقات، لم يخفِ التونسيون سعادتهم بهذا القانون. وقد أوضح رجل القانون المعروف في تونس سليم اللغماني هذا البند قائلاً "القانون ماقالش ما تبزنسش، القانون قال الركاكة لا"، ويعني ذلك أن القانون لم يمنع المغازلة، بل منع الطريقة الركيكة وغير الأخلاقية في مخاطبة المرأة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين