شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مدينة للصناعات السورية في مصر… حلم مؤجل أم مشروع المستقبل القريب؟

مدينة للصناعات السورية في مصر… حلم مؤجل أم مشروع المستقبل القريب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 26 سبتمبر 201703:44 م
"المدينة دي هتكون فاتحة خير علينا"، بهذه العبارة وصف (م. س)، أحد عمال الغزل في مصنع "قطونيل"، مشروع تأسيس مدينة للصناعات السورية في مصر بمنطقة العاشر من رمضان. هو مشروع اقترحه خلدون الموقع، رئيس رابطة رجال الأعمال السوريين في مصر، أثناء لقاء جمعه بطارق قابيل، وزير التجارة والصناعة المصري، في 15 مارس 2017، وأبدى خلاله قابيل ترحيباً بالفكرة. يعتبر (م. س) مشروع مدينة الصناعات السورية "فاتحة خير"، على حد وصفه، ليس لأنها ستزيد فرص العمل فقط، بل لأنه يجد في الاستثمارات السورية في مصر – خصوصاً في مجال الغزل – وفي استقرارها وتوسعها ملاذاً آمناً له ولأبناء حرفته. "بعد الثورة تحول المصنع الذي كنت أعمل فيه بشبرا الخيمة مقلب قمامة، وفضلت في البيت من غير شغل لمدة شهور، وآلاف غيري قعدوا سنين، حتى عملت في قطونيل، ومصانع سوريين آخرين وظفت عشرات من زملائي"، يقول (م. س). يملك باسل سماقية، رجل الأعمال السوري المقيم في مصر، مصنع "قطونيل"، وهو أحد أشهر مصانع الغزل والنسيج فيها ويستحوذ على نسبة كبيرة من مبيعات المنسوجات القطنية في السوق المصرية. يختتم (م. س) حديثه إلى رصيف22، قائلاً: "عمال غزل كتير تشردوا وخربت بيوتهم بسبب الظروف الاقتصادية في انتظار هذه المدينة ليكون لهم عمل، لكن محدش يعرف التأخير في بداية المشروع من عند مين؟".

ماذا تعني الاستثمارات السورية؟

قدر خلدون الموقع، رئيس رابطة رجال الأعمال السوريين في مصر، عدد المستثمرين السوريين فيها بـ30 ألف مستثمر، ووعد خلال حوار له مع جريدة الوفد، يوم 8 أغسطس، بضخ المزيد من الاستثمارات في حال تأسيس مدينة صناعية للمستثمرين السوريين "على مساحة 2 مليون متر مربع، لتضم 100 شركة سورية في قطاعات الأغذية والنسيج والخدمات المالية والهندسية"، بحسب تصريحاته، متوقعاً أن يضخ السوريون مليارات الدولارات في تلك المدينة. [caption id="attachment_122073" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptSyriaIndustries1INSIDE_EgyptSyriaIndustries1 خلدون الموقع، رئيس رابطة رجال الأعمال السوريين في مصر[/caption]

وماذا تعني الاستثمارات السورية؟

ربما يستهين البعض بقيمة الاستثمارات السورية وتأثيرها، إلا أن تقريراً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في مايو 2017، كشف أن السوريين في مصر ضخوا 800 مليون دولار استثمارات في السوق المصرية منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، وقال التقرير أنهم ربما كانت لهم استثمارات كثيرة فضّلوا تسجيلها بأسماء شركاء مصريين تسهيلاً للإجراءات. تجدر الإشارة إلى أن التقارير المتعاقبة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) تكشف أن تدفقات الاستثمارات السورية إلى مصر خلال تلك السنوات – البالغة 800 مليون دولار – تمثل حوالى 2.68% من إجمالي التدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى السوق المصرية ويبلغ 29 ملياراً و891 مليون دولار. infographic_EgyptSyrianIndustries2infographic_EgyptSyrianIndustries2

التوظيف والإنتاج والتصدير في المعادلة أيضاً

على رغم أن نسبة 2.68% تبدو ضئيلة، يقول وائل النحاس، المستشار الاقتصادي لعدد من المؤسسات الاستثمارية والخبير في الأوراق المالية، لرصيف22: "إلا أن الأمر لا يقتصر على قيمة الاستثمارات السورية أو نسبتها من إجمالي التدفقات الأجنبية، ويجب أن نضع في اعتبارنا عنصر كثافة التوظيف وأهمية الإنتاج في تقييم أهمية هذه الاستثمارات وجدوى تقديم التسهيلات لها". وتابع: "هناك استثمارات بالمليارات ولا توظف إلا عدداً قليلاً من العاملين وهناك استثمارات برأسمال صغير أو متوسط يمكن أن توظف أعداداً أكبر بكثير، والاستثمارات السورية تستوعب عدداً كبيراً من العاملين لأن خبرات السوريين بغالبيتها تتركز في صناعة الغزل وهي صناعة كثيفة العمالة، وساهمت الاستثمارات السورية في إنعاش صناعة الغزل وتقديم الملابس بأسعار مناسبة بدلاً من استيرادها، إضافة إلى التصدير وضخ العملة الأجنبية من خلالها في السوق المصرية". تجدر الإشارة إلى أن خلدون الموقع كشف، في تصريحات صحافية له في يوليو 2017، أن مصانع الغزل السورية تصنّع ما لا يقل عن 10 ملايين قطعة ملابس للسوق المصرية شهرياً، وهذا ما يوفر عليها نفقات استيراد تلك البضائع. في سياق تصريحات النحاس عن كثافة التوظيف، تجدر الإشارة إلى أن شركات عالمية ضخت في السوق المصرية مليارات الدولارات بالفعل لتنمية اكتشافات الغاز، حيث كشفت وزارة البترول، في بيان يوم 21 أغسطس، أن إجمالي استثمارات تنمية حقل ظهر – وحده – خلال عامين من اكتشافه بلغت 4 مليارات دولار، ويعمل فيه 899 عاملاً فقط، بينما يضم مصنع "قطونيل"، المملوك للسوري باسل سماقية، أكثر من 12 ألف عامل. [caption id="attachment_122074" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptSyriaIndustries2INSIDE_EgyptSyriaIndustries2 صورة "باسل سماقية"[/caption]

الحكومة المصرية: محلك سر؟

بالعودة إلى المدينة الصناعية السورية، على رغم ما سبق توضيحه من أهمية الاستثمارات السورية، نجد أن سيناريو بطء الحكومة في إنهاء الاتفاقات عليها هو السائد. وقال خلدون الموقع في تصريحاته يوم 8 أغسطس: "تقدمنا بطلب إلى وزارة الصناعة المصرية لتنفيذ المدينة ولم يُنفّذ أي شيء في هذا الموضوع ولا توجد هناك أي خطوة تنفيذية". تبدو حال البطء غامضة، خصوصاً بعد أن أعلن الوزير طارق قابيل، في بيان رسمي  يوم 15 مارس 2017، ترحيبه بدراسة مقترح تأسيس المدينة الصناعية السورية، بعد لقاء جمعه بخلدون الموقع في اليوم نفسه. وعلى رغم ما للاستثمارات السورية من مميزات سبق ذكرها، إلا أنها ترتبط بشبكة معقدة من المخاوف أبرزها من تأثير المنافسة السورية في صناعة الغزل والنسيج الحكومية، ومن تأثير توسع الاستثمارات السورية على استفادة مصر من اتفاقية "الكويز"، فضلاً عن المخاوف الأمنية من بعض المستثمرين السوريين. وربما عقّدت تلك المخاوف دراسة الحكومة المصرية جدوى مشروع المدينة الصناعية السورية وجعلتها أشبه بـ "حسبة برما"، وهو مصطلح يستخدمه المصريون للدلالة على صعوبة دراسة أمر ما وتعقيدها، كما هي الحال في المدينة الصناعية السورية التي  تتعدد مميزاتها وتتعدد المخاوف منها. [caption id="attachment_122071" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptSyriaIndustries3_AFPINSIDE_EgyptSyriaIndustries3_AFP طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة[/caption]

الغزل يفك شفرة التباطؤ...

يبدو أن المخاوف من منافسة صناعة الغزل المصرية تفسر جزءاً من حال بطء الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الاتفاقات على المدينة الصناعية السورية، حيث تواصل رصيف22 مع مصدر مطلع في وزارة التجارة والصناعة، وقال – مفضلاً عدم ذكر اسمه – أن "مصانع الغزل الحكومية تواجه أزمات كثيرة ولا تحقق أرباحاً في الوقت الحالي، لذلك قرار منح مزيد من المنافسين السوريين تسهيلات، صعبٌ في الوقت الحالي، إلا أنه ليس مرفوضاً على الإطلاق، فقد تضطر الدولة إلى خصخصة مصانعها وبيعها، بالتالي ستوفر المصانع السورية فرص عمل للآلاف من العمال الذين سيسرّحون بعد الخصخصة". تواجه مصانع الغزل الحكومية المصرية أزمات كثيرة، كان آخرها يوم 6 أغسطس عندما أضرب عمال الشركة المصرية للغزل والنسيج في المحلة، مطالبين بزيادة أجورهم والحصول على علاواتهم، وفك العمال إضرابهم يوم 20 أغسطس مع وعود الحكومة بدراسة مطالبهم والتدرج في تنفيذها. يختلف رأي حماد عبدالله، رئيس غرفة صناعة الغزل في نقابة المهندسين، عن مصدر وزارة التجارة والصناعة، حيث قال لرصيف22: "مصانع الغزل والنسيج السورية ستكون على أراضٍ مصرية وبعمالة وخبرات وخامات مصرية، بالتالي ستكون نهضة لصناعة الغزل والنسيج في مصر بعد تدهور القطاع، والمصانع الحكومية المصرية قادرة على حماية نفسها في هذه المنافسة بتميزها في المنسوجات القطنية والصوفية في حين تتميز الصناعات السورية بأنواع أخرى من المنسوجات كالحرير". اتفق معه في الرأي وائل النحاس، وأضاف إلى رصيف22: "على رغم المنافسة، إلا أن الحكومة تملك القدرة على الاستفادة من الاستثمارات السورية وفقاً للشروط التي تتفق عليها مع المستثمرين السوريين في المدينة، مثل أن يكون المنتج السوري تصديرياً في الأساس إلى أسواق محددة لا ينافس فيها المنتج المصري لجذب مزيد من النقد الأجنبي إلى السوق المصرية، كما يمكن الحكومة أن تشجع الشراكات بين المستثمرين السوريين أصحاب الخبرة في صناعة الغزل والقطاع الخاص المصري وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المجال نفسه". [caption id="attachment_122076" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptSyriaIndustries4INSIDE_EgyptSyriaIndustries4 شركة مصر للغزل والنسيج في المحلة الكبرى[/caption] ومن وجهة النظر السورية قال خلدون الموقع، في تصريحات إلى رصيف22: "السوريون لم يأتوا في الأساس منافسين للصناعة المصرية، والسوق المصرية كبيرة وتستوعب ما هو أكثر، بخاصة في ظل سياسة ترشيد الاستيراد التي تتبعها مصر، الأمر الذي يتطلب ضخ كميات أكبر من المنتجات المصنعة محلياً لتعويض الكميات التي كانت تستورد في السابق، ناهيك بأن الصناعات النسيجية السورية في مصر تهتم اهتماماً شديداً بعملية تصدير منتجاتها". وعن العمالة في المدينة الصناعية السورية، قال لرصيف22: "ستكون العمالة المصرية أساسية، فبموجب قانون العمل المصري لا يسمح لنا بتشغيل أكثر من 10% كعمالة سورية"، وهذا بالفعل المنصوص عليه في القرار 306 لعام 2015، الصادر عن وزارة القوى العاملة المصرية. أخيراً، عن مستقبل الشراكة بين المستثمرين السوريين والحكومة أو القطاع الخاص المصري، أجاب: "السوريون لهم أسلوبهم الخاص وطريقتهم في العمل التي تجعل مثل هذه الشراكات مستبعدة".

"الكويز": اتفاقية بلا سوريين

تسلط اتفاقية "الكويز" مزيداً من الضوء على العيوب المتوقعة لتوسع الاستثمارات السورية في مصر، تحديداً في مجال الغزل والنسيج، فوفقاً لموقع "كويز إيجيبت"، التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية، بلغت صادرات مصر من الغزل والنسيج إلى الولايات المتحدة الأميركية في إطار الاتفاقية حوالى 8 مليارات و257 مليون دولار ما بين عامي 2005 و2015، وهي تمثل بذلك 55.4% من إجمالي صادرات مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية وتبلغ حوالى 14 ملياراً و900 مليون خلال السنوات نفسها، وفقاً لإحصاءات موقع Trade Map، المختصّ بتتبع حركة التجارة العالمية. وتقضي اتفاقية الكويز بدخول منتجات مصرية مصنعة في المناطق الصناعية المؤهلة (Qualified Industrial Zones) السوق الأميركية معفاة من الضرائب والجمارك مقابل استخدام المناطق الصناعية المؤهلة مكونات أو خامات إسرائيلية ضمن عملية الإنتاج. وبسؤال خلدون الموقع عن موقف المستثمرين السوريين من "الكويز"، قال لرصيف22: "السوريون لا يتعاملون من خلالها، سواء في المدينة الصناعية المرتقبة أو خارجها، تحت أي مسمى ترويجي أو تصديري". تجدر الإشارة إلى أن مصر بدأت، في أبريل 2017، التفاوض على تخفيض المكون الإسرائيلي في المنتجات المستفيدة من اتفاقية الكويز، بعد أن ارتفعت أسعار استيراده مع قرار تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر 2016. وفي ذلك السياق قال مصدر في وزارة التجارة والصناعة لرصيف22: "تخفيض المكون الإسرائيلي وما سيترتب عليه من تخفيض نفقات الإنتاج، سيساهمان في إنعاش المصانع الحكومية وإنعاش جهود الدولة للنهوض بصناعة الغزل، الأمر الذي قد يدفعها إلى مزيد من الحذر من نمو نشاط المنافسين السوريين وما سيترتب عليه من زيادة الطلب على الخامات وارتفاع أسعارها، غير أن الحكومة تعطي المستثمرين المستفيدين من اتفاقية الكويز لما تمنحه إلى مصر من فرص تصديرية كبيرة بمكاسب أكبر من أي سوق أخرى، أولويةَ الأراضي في المناطق الصناعية المؤهلة مثل العاشر من رمضان".

وأمنياً؟

في فترة اضطراب سعر النقد الأجنبي في مصر قبل قرار تحرير سعر الصرف، ألقت قوات الأمن القبض على تجار سوريين كثر متعاملين في السوق السوداء للعملة. وفي هذا السياق، قال علاء بازيد، المدير في مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية، لرصيف22: "لا يصح الاعتماد على جرائم بعض التجار مؤشراً للتحذير من الاستثمارات السورية أو غيرها لأن ذلك يتعارض مع تشجيع الاستثمار وهو أهم دعائم استقرار الاقتصاد المصري، ولكن يكتفى أن تمارس الأجهزة الرقابية دورها على الاستثمارات كافة سواء سورية أو غيرها". ولم ينف الموقع في تصريحاته إلى رصيف22، تورط بعض السوريين في السوق السوداء للعملة، إلا أنه استدرك قائلاً: "أي مخالف سوري شأنه شأن المصري المخالف يخضع لأحكام القانون المصري، ولكن لا بد من ألّا يؤخذ جميع السوريين بجريرة هذه الحالات التي دنتها في تصريحات كثيرة أدليت بها". وجدير بالذكر أن من بين الأوراق المطلوبة لتأسيس أي استثمار في مصر نموذجَ الاستعلام الأمني من طريق وزارة الداخلية. وللمستثمرين الأجانب نموذج خاص. وحاول رصيف22 التواصل مع اللواء طارق عطية، مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام والعلاقات العامة، للتعرف إلى خطوات التعامل مع ذلك النموذج والتحريات الخاصة بالراغبين في الاستثمار، إلا أنه لم يجب على هاتفه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image