في خطوة لم تكن منتظَرة على المدى القريب، نظراً للادعاءات التي كانت تشير إلى استحالة العمليات العسكرية ضد داعش في مناطق البادية، أتى في الخامس من سبتمبر خبر وصول قوات النظام السوري إلى مدينة دير الزور.
ويأتي هذا التقدم للقوات السورية في إطار تحقيق تقدم سريع للنظام في أكثر من بقعة جغرافية داخل سوريا، وبالأخص في البادية، الأمر الذي يحمل في طياته عدة دلالات إيجابية لصالح النظام، وسلبية لصالح المعارضة.
ومن هذا المنطلق، وفي ضوء وصول النظام إلى مدينة دير الزور، يصبح التساؤل الأكثر إلحاحاً: ما هي السيناريوهات المتوقعة لتحركات قوات النظام السوري والقوى المتحالفة معه بعد استعادة السيطرة على دير الزور؟
كعب النظام العالي
بات النظام السوري صاحب الكعب العالي في منطقة دير الزور. وتتحدث تصريحات الخبراء والصحافيين الموالين للنظام، عن سيناريوهات عدة أبرزها الاستمرار في التحرك نحو مدينتي الميادين والبوكمال وصولاً إلى حدود العراق. ويستند هذا السيناريو إلى بضعة عوامل:- الغطاء الجوي والدعم الدبلوماسي الهائلان المُقدمان من روسيا للنظام.
- وجود عدد واسع من الميليشيات المتعددة الجنسيات التي تحارب إلى جانب النظام، والمتقدمة على عدة جبهات.
- وجود ميليشيات من أبناء دير الزور والعشائر العربية تحارب إلى جانب النظام، كقوات "مقاتلي العشائر" التي يبلغ تعدادها التقديري 5000 فرد.
- وجود توافق أمريكي ـ روسي على حل روسيا للأزمة السورية من الداخل، واحتفاظ الولايات المتحدة بالسيطرة على الحدود بين سوريا وبين كل من العراق والأردن، نظراً لافتقار أمريكا للوسائل الناجعة في فرض تأثيرها على مسار التحركات في قلب البلاد.
- رغبة النظام في إجراء تحرك استباقي ضد تحرك "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والتي تضم أعداداً جيدة من أبناء محافظة دير الزور في هيكليتها، والتي قد تتحرك من محور الشدادي نحو الريف الشمالي للمدينة.
- وجود حقول النفط الوافرة التي تدفع النظام لبذل جهود مضنية للسيطرة على باقي أجزاء المدينة.
- سعي إيران، الداعمة للنظام السوري، للسيطرة على منطقة تصل العراق بسوريا بلبنان.
- إخماد الجبهات القتالية الأخرى.
- ويأتي تفعيل النظام لتحركه المحتمل نحو الميادين والبوكمال في إطار تحرك استباقي قد يحقق له مكاسب ميدانية تؤدي إلى رجوح كفة شروط المفاوضات لصالحه، بحيث يحقق سيطرته الكاملة على محاور المدينة وطرق تصدير نفطها، حتى وإن سعت الولايات المتحدة للسيطرة على بعض حقول النفط في الريف الشمالي والشمالي الشرقي للمدينة.
تقدّم الجيش السوري وحلفائه في البادية ودير الزور... دلالات إيجابية لمصلحة النظام وسلبية للمعارضة
مستقبل دير الزور: يبدو أن نسبة كبيرة من أبناء المحافظة تفضل حكم النظام أو العشائر الموالية له على داعش
سيناريو التوجه نحو إدلب
في سيناريو آخر، قد يرى النظام أن الأفضل هو تأجيل معركة داعش بعد السيطرة على مدينة دير الزور بالكامل، والتوجه نحو محافظة إدلب. قد يرى النظام الذي استطاع فك حصار داعش عن الجزء الذي يسيطر عليه في مدينة دير الزور في ما حققه "انتصاراً معنوياً" يمهد له الطريق نحو تحرك أوسع في إطار مظلة دولية، فيفضّل خيار التحرك نحو إدلب الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" على التحرك "الاستنزافي" نحو مناطق ما بعد دير الزور. ومرد احتمال حصول ذلك هو التوافق الروسي التركي الإيراني الجاري في إطار مفاوضات آستانة، والذي قد يفضى إلى معادلة عسكرية تقضي بضرورة التحرك العسكري المشترك نحو إدلب، أو إلى صياغة مبادرة تركية تهدف إلى احتواء سيطرة "هيئة تحرير الشام"، وتسليمها إدارة مناطق سيطرتها إلى هيئة مدنية، إلى أن يتم نشر قوات روسية تركية إيرانية، تتبعها سيطرة للنظام السوري، ولو إدارياً، على المحافظة. وقد يسبق هذا السيناريو سيناريو تقدم قوات النظام نحو باقي محافظة دير الزور، وقد يتزامن معه، بحيث تحارب الميليشيات في محافظات دير الزور، ويُلقي النظام تركيزه على إدلب.سيناريو التوجه نحو درعا
حاول النظام السوري تحقيق هذا السيناريو قبل صياغة توافق أمريكي روسي أردني بشأن الجنوب السوري، غير أنه فشل في تحقيق ذلك، لاستمرار الولايات المتحدة والأردن في دعم المعارضة هناك. ولا تزال إسرائيل تعارض سيطرة النظام على تلك المنطقة، ما يعني عجزه عن التحرك في درعا ومحيطها في المرحلة الحالية.سيناريو توسيع المصالحات
قد يجري تفعيل سيناريو توسيع المصالحات و"التسويات الوطنية" في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وعلى رأسها القلمون الشرقية، والغوطة الشرقية، وشمال حمص. ويدعم هذا السيناريو اتساع رقعة السيطرة الجغرافية للنظام وزيادة تأثيره السياسي بعد استعادته أكبر مدن سوريا، وتكمن سهولته في عدم وجود دول داعمة للثورة محاذية لهذه المناطق. كما يُؤدي عامل رغبة الدول الداعمة، لا سيما تركيا، في تعجيل عملية الحل، وجمود الجبهات في عدد من المناطق، دوراً أساسياً في تنفيذه.ما رأي أبناء دير الزور؟
تعتبر هذه السيناريوهات الأقوى حول مرحلة ما بعد استعادة دير الزور، لا سيما أن النظام بات صاحب الكلمة الأقوى في الميدان. ولكن في ظل ذلك، يظهر تباين جسيم بين مؤيدي النظام ومعارضيه من أبناء المدينة. بات أبناء دير الزور بين مطرقة الرغبة في التخلص من سيطرة "داعش" المُرهقة وسندان الرعب من احتمال ارتكاب النظام تجاوزات بحقهم كما حدث في مناطق أخرى استعاد السيطرة عليها، غير أن نسبة كبيرة منهم تفضل حكم النظام أو عشائر المدينة الموالية له على حكم "داعش". في كفة المعارضين لسيطرة النظام على المدينة، نجد جيش أسود الشرقية، في مقدمة الفصائل التابعة للجيش الحر، وهو فصيل ديري بامتياز. ويبدو من خلال الحديث مع بعض قادته كالناطق الإعلامي باسمه سعد الحاج، أن الغموض هو سيد الموقف بالنسبة لتحركاتهم المستقبلية. وعلى الأرجح، ينبع هذا الغموض من وجود أنباء عن احتمال قطع الولايات المتحدة الدعم المقدم لهم، ومطالبتها والأردن لهم بترك المناطق التي يسيطرون عليها، فضلاً عن إيقاف الأردن تقديم الدعم اللوجستي والطبي لهم. كذلك يقدر عددهم بـ500 فرد مقابل أعداد كبيرة من الجماعات المؤيدة للنظام، ناهيك بعدم إبداء تركيا الرغبة في دعمهم، عوضاً عن إخفاقهم في "تجارة محاربة داعش"، الأكثر رواجاً في الفترة الحالية، ما أسفر عن عدم اقتناع الأطراف الدولية بفكرة استيعابهم في إطار العمليات المخطط لها حيال المدينة. أما المؤيدون لسيطرة النظام، كمقاتلي العشائر وغيرهم، فنجد أن تعدادهم أكبر، ونوعية الدعم المقدم لهم أكثر نوعية، وهو ما يرجح كفة الميزان لصالحهم. وهناك "التيار الثالث" من أبناء مدينة دير الزور، وهو التيار الذي يعارض النظام ويتعارض مع تحركات الجيش الحر، كقوات النخبة التابعة لتيار الغد بقيادة أحمد الجربا، والتي تتباين تقديرات أفرادها بين 250 فرداً و3000، وتتمركز في أجزاء من الريف الشمالي الشرقي لمدينة دير الزور. هذا التيار، وفقاً للقيادي في قوات النخبة عبد الجليل السعيد، يسعى إلى إقناع القوى الفاعلة، لا سيما التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة، بإشراكه بجدارة في عملية استعادة المدينة، كون مقاتلي هذه القوات من أبناء المدينة الذين لا بد أن يكون لهم الدور الأكبر في استعادتها، للحفاظ على ثروتها، وضمان لعب دور مؤثر في إدارتها في المستقبل. ويضاف إلى هذه المعطيات عدم رغبة القوات الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في خوض معارك داخل المدينة، لعدم وجود حاضنة شعبية لها فيها، واكتفائها بتحقيق سيطرة على بعض الحقول النفطية القريبة من مناطق سيطرتها الأساسية. ويرى الباحث في الشأن الكردي السوري باز بكاري أن "قسد" التي تُعدّ الأكثر دعماً من الدول الغربية، وتملك خبرة ضخمة في محاربة "داعش"، ستدفعها الولايات المتحدة نحو أرياف مدينة دير الزور، مع الحرص على تقدم القوات العربية، كقوات النخبة، وإن كانت برأيه لا تنسق مع "قسد" في الفترة الحالية، والتحالف العربي السوري، لإدارة المجالس الإدارية حتى يتم تحقيق توافق أمريكي ـ روسي يضمن للطرفين تقاسم النفوذ. تميل كفة الميزان في سوريا لصالح النظام السوري الذي على ما يبدو سيستمر في توسيع مناطق نفوذه بحذر، ويبدو أن بعض الفصائل التابعة للجيش الحر سينتهي دورها بالكامل. ويظهر أن تحركات القوات الحليفة للولايات المتحدة ستبقى بالقرب من حدود مناطق سيطرة النظام والقوات الداعمة له، حتى يتم تحقيق تقاسم نفوذ يكفل للولايات المتحدة مصالحها الأمنية والاقتصادية في المستقبل دون التصادم مع روسيا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...