في مبادرة هي الأولى من نوعها في تركيا، تحتضن مدينة إسطنبول حفل زفاف جماعي لغير القادرين على الزواج من الجالية العربية ممن يعانون من مشاكل اقتصادية تدفعهم لتأخير فكرة الزواج أو العزوف عنها نهائياً نتيجة لغلاء المعيشة وارتفاع بدل إيجار المنازل وقلة الأجور مع صعوبة تأمين متطلبات الزواج الباهظة، فليلة العمر التي يحلم بها كل شاب وفتاة بتفاصيلها وجمالها، باتت تثقل كاهل الشبان وتستنزف طاقاتهم وتجرهم لبدء حياتهم الزوجية بقيود الديون وأعبائها.
ولمساعدة الشباب الراغبين في الزواج وإقامة حفل زفاف بأقل التكاليف، تقام العديد من حفلات الزواج الجماعي التي تعد طوق نجاة للشاب للبدء بحياته الزوجية دون أعباء مادية ومعنوية.
حفل زفاف جماعي سيقام لقرابة ألف شاب عربي على مرحلتين، برعاية عدد من الجمعيات السورية والتركية والعربية التي تعمل على تنظيم الحفل وتأمين احتياجات العرسان المنزلية من أدوات كهربائية وأثاث وغيرها.
تشجيع وقبول
ظاهرة الزواج الجماعي، وإن لم تكن منتشرة في المدن السورية سابقاً، إلا أن ظروف الحرب والنزوح والفقر ساهمت في انتشارها وقبولها في عدد كبير من المناطق السورية، حيث تساهم الجمعيات الخيرية والمنظمات المحلية بإقامة هذه الحفلات وتغطية مستلزماتها لتشجيع الشباب على الزواج والتخفيف من نسب تأخر الزواج الآخذة في الارتفاع. وهو ما قامت به مجموعة من الجمعيات والمنظمات المحلية السورية مؤخراً إذ نظمت حفل زواج جماعي في مدينة إدلب السورية لستين شاباً نازحاً من أبناء مدينة داريا في ريف دمشق، وذلك لمساعدتهم على إتمام أمور زواجهم، هذا الحفل الكبير تم وفقاً لتقاليد أبناء داريا وعاداتهم فتضمن عروضاً شامية للسيف والترس وأقيمت مأدبة عشاء للمدعوين، إضافة لتأمين متطلبات الزواج من أدوات كهربائية وغيرها وتقديم مساعدات مالية للشبان.غياب للخصوصية وانتقاص للفرحة
وعلى الرغم من مزايا حفلات الزفاف الجماعي وما تقدمه للشبان من راحة مادية ومعنوية إلا أن الظاهرة لا تلقى ترحيباً من عدد كبير من الشبان الذين يرون فيها غياباً للخصوصية وانتقاصاً من فرحة ليلة العمر. سعاد محمد طالبة في كلية الآداب من جامعة دمشق، تؤكد رفضها لفكرة الزواج الجماعي لغياب خصوصية العروسين في ليلة العمر، وتفضل أن لا تقيم حفلاً على أن تشاركها في حفلها نساء أخريات. وتشاركها الرأي في ذلك ريم طالبة الهندسة المعمارية، والتي ترى أن الأعراس الجماعية تمنع العروسين من الاستمتاع بحفل زفافهما، وتقول:" أفضل القيام بحفل زفاف صغير وسط أهلي وأصدقائي على الاشتراك بحفل زفاف جماعي، فالعروسان لا يمكنهما الاستمتاع بحفل زفافهما وهما يشاركانه مع عشرات العرائس، وفي هذه الحال، كيف يمكن للعروس أن تشعر بالتفرد والتميز في ليلة زفافها وهي تتشاركها مع عشرات النساء، وبالطبع لا يمكن للعروسين أن يضيفا تفاصيلهما الخاصة على الحفل الذي يكون معداً وفقاً لمعايير منظمي الحفل".مبادرة لاقت نجاحاً
محمد رضوان أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق، يؤكد أن عادات وتقاليد الزفاف في المجتمعات تختلف وتتغير وفقاً لانفتاح المجتمع وثقافته وأسلوب الحياة فيه، فبعض البلاد العربية المعروفة اليوم بإقامتها لمهرجانات للزفاف الجماعي مثل السعودية والإمارات، لم تكن الأعراس الجماعية جزءاً من تقاليدها وثقافتها، بل كانت عبارة عن مبادرة اتخذتها جمعيات خيرية في أواسط التسعينيات لمساعدة الشباب على تحمل تكاليف الزفاف الباهظة والتوقف عن ظاهرة المغالاة والبذخ في الأعراس. هذه المبادرة لاقت القبول في تلك المجتمعات، ما ساهم في انتشارها وتطورها لتصبح سمة من سمات المشاركة والتكافل الاجتماعي بين أبناء تلك المجتمعات. ولتحظى باهتمام حكومي رسمي، ومع زيادة الوعي لدى أبناء المجتمعات الأخرى لمزايا الزواج الجماعي يمكن لظاهرة الأعراس الجماعية أن تلاقي قبولاً وانتشاراً أوسع مع الزمن".تقليد تتبعه القبائل العربية منذ القدم
وبالعودة إلى تاريخ الأعراس الجماعية في المنطقة العربية، يشير رضوان إلى أنها عادة قديمة من عادات القبائل العربية في الجنوب الشرقي من المغرب العربي، فرضتها الأعراف القبلية المتوارثة التي تحتم على العريس دعوة كل سكان المنطقة وتقديم الطعام والشراب لهم في ليلة زفافه، وهذا ما دفع سكان تلك المناطق لإقامة أعراس جماعية لأبناء المنطقة للمحافظة على تقاليدهم ولتخفيف تكاليف العرس على العرسان، الذين يتقاسمون تكاليف إطعام الضيوف وإشرابهم في حفل زفاف جماعي يستمر ثلاثة أيام. يتم في اليوم الأول إلباس العروس والعريس كامل الزينة والملابس التقليدية وفق مراسم اللباس المتعارف عليها، ويجتمع العرائس الذين يرتدين زياً موحداً ويشاركن الحضور في الرقص على أهازيجهن الشعبية. وتكرر الطقوس في اليوم الثاني، ليأتي اليوم الثالث الذي ينتظره الضيوف حيث يختتم الاحتفال بإبراز وجوه العرائس وزينتهن أمام الحضور. ولا تعتبر تقاليد الزواج الجماعي واحدة، بل تختلف من بلد لآخر، ففي الجزائر تقام الأعراس الجماعية للنساء في خيمة وسط الصحراء حيث تجتمع النسوة بملابسهن التقليدية للاحتفال مع العرائس بالغناء والرقص والقرع على الطبول، ومن العادات المتعارف عليها ألا تظهر العروس وجهها لأهل زوجها خلال الحفل مخافة أن يسرقوا منها جمالها ولا تكشف وجهها لهم إلا من خلال مرآة ليلة الزفاف، وفي اليوم التالي، يحتفل العرسان في حفل منفصل بعد ارتدائهم الزي التقليدي الجزائري (البرنوس) وسيوفاً ذهبياً على خصورهم.غرائب حفلات الزواج الجماعي
ومن غرائب حفلات الزواج الجماعي التي تقام حول العالم أنها لا تقام للبالغين فقط، بل تقام للأطفال أيضاً، إذ يقيم عدد من القرى الهندية في مقاطعة راجستان حفلات زفاف جماعي لأطفالهم ممن تراوح أعمارهم بين 7 و 16 سنة، وفقاً لأعرافهم وتقاليدهم رغم مخالفتهم لقانون البلاد، وفي كولومبيا سمحت الحكومة الكولومبية بإقامة حفل زفاف جماعي لـ17 سجيناً ممن قرروا الزواج وهم خلف القضبان، حيث أقيمت مراسم الزواج الدينية والتقليدية بعد دخول العرائس والمدعوين إلى السجن وإتمام مراسم الزواج، وفي الوقت الذي احتفلت فيه كوريا الجنوبية بتزويج 3500 شاب وفتاة من مختلف مناطق العالم، دخلت اليمن موسوعة غينيس باحتضانها أكبر حفل زفاف جماعي لـ4000 شاب وفتاة تم عقد قرانهم في وقت واحد وفي مكان واحد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه