تستعد ربة المنزل منى شاكر لمغادرة السعودية والعودة مع ابنهما إلى مصر تاركة زوجها في الرياض. هم عائلة مصرية تقيم في العاصمة السعودية منذ خمس سنوات، حيث يعمل الزوج. وقد جاء قرار زوجها بعدما فرضت المملكة رسوماً إضافية لتجديد إقامات الأجانب المرافقين، أو أفراد الأسرة.
لكن شاكر لن تغادر قبل انتهاء موسم الحج، فهي لا تريد أن تترك المكان إلا بعد حجة الوداع.
"على رغم أنني مقيمة في السعودية، إلا أنها المرة الأولى التي أؤدي فيها مناسك الحج، وستكون الأخيرة"، تقول لرصيف22.
وعلى المنوال ذاته، تعمد عوائل كثيرة إلى تأخير مغادرتها الأراضي السعودية، إلى ما بعد موسم الحج، ليتسنى لها تأدية المناسك، فقد تتعذر عودة كثير منها إلى الأراضي المقدسة مرة أخرى.
فهذه الحجة هي الأخيرة لكثير من سكان السعودية، أو حجة الوداع كما يسمونها نسبة إلى رحلة الحج الأخيرة التي قام بها الرسول محمد قبل وفاته.
ما هي حكاية الرسوم؟
يعيش كثر من الأجانب في السعودية مع أبنائهم وزوجاتهم، إلا أنه وبحسب الأنظمة السعودية، يتم إدراج أفراد أسرة المقيم تحت إقامته تابعين له. وفي بعض الأحيان، يمكن المقيم إدراج أبويه بإقامته في السعودية بصفة مرافقين. وتصنف السعودية كلاً من الزوجة والبنات والأبناء الذكور حتى سن 18، تابعين للمقيم، أما الأبناء الذكور فوق الـ18، والزوجة الثانية والثالثة والرابعة، إضافة إلى الأب والأم وأب الزوجة وأم الزوجة والعمالة المنزلية والسائقين، فجميعهم يصنفون مرافقين للمقيم. فرضت السعودية رسوماً على أفراد الأسرة التابعين لصاحب الإقامة الأساسي عند تجديد إقاماتهم سنوياً، بعدما كان تجديدها يتم من دون كلفة إضافية في الماضي. أصبحت التكلفة السنوية في العام الأول 1200 ريال، ويتضاعف المبلغ تصاعدياً، لتصبح تكلفة تجديد الإقامة السنوية لكل فرد من أفراد الأسرة 4800 ريال بحلول عام 2020. سيجبر هذا القرار المقيمين على دفع رسوم شهرية عن كل فرد من أفراد الأسرة، في حال كانوا مدرجين بإقامته بصفة تابعين أو مرافقين، ما يشكل عبئاً جديداً يلقى على كاهله، وفي منظور كثر من الأجانب، لا سيما ذوي الدخل المحدود، قد يصعب سداد هذه الرسوم سنوياً لعائلة تتكون من 4 أشخاص على الأقل، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة. ومع بدء سريان قرار تطبيق رسوم المرافقين ابتداءً من شهر يوليو الماضي، همَّ كثرٌ من الأجانب بالمغادرة، أو على الأقل ترحيل أفراد عوائلهم إلى بلدانهم، تجنباً لدفع تلك الرسوم التي ستزداد تدريجاً ابتداء من هذا العام وحتى عام 2020. لذلك، يفضل أجانب كثيرون تأدية مناسك الحج، قبل حزم أمتعتهم والعودة إلى بلدانهم. تقول شاكر لرصيف22: "من السهل الذهاب إلى الأراضي المقدسة بصفتي مقيمة في السعودية، ولكن بعد المغادرة النهائية، قد يصعب الحصول على تأشيرة الحج أو العمرة، فلا بد من اغتنام الفرصة".همَّ كثرٌ من الأجانب بترحيل أفراد عوائلهم إلى بلدانهم من السعودية تجنباً لدفع الرسوم الجديدة لتجديد الإقامات هذا العام
هذه الحجة هي الأخيرة لكثير من سكان السعودية، أو حجة الوداع كما يسمونها... لماذا؟
بالنسبة إلى أجانب كثر، قد تكون مشاعر الوداع هي السائدة خلال تأديتهم مناسك الحج لهذا العام...
المغادرة هي الحل
يصف الدكتور محمد الربيعي، الأستاذ في علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، إقبال كثر من المقيمين على تأدية مناسك الحج قبل مغادرتهم السعودية، بأنه ترجمة لتعلق بعضهم بالأراضي المقدسة، وفي الوقت ذاته انعكاس لخوفهم من عدم تمكنهم مرة أخرى من رؤية الحرمين الشريفين، وهو أمر مهم لدى المسلمين. ويضيف الدكتور الربيعي لرصيف22: "في أوقات أخرى، يفضل كثر من المقيمين الأجانب الاكتفاء بتأدية العمرة دون البقاء حتى موسم الحج، وذلك عندما يقررون العودة إلى بلادهم، في حال تسريحهم من أعمالهم في السعودية".الأجانب وموسم الحج الأخير
أسر كثيرة مقيمة في السعودية اختارت المغادرة هرباً من التكاليف الباهظة لرسوم المرافقين، وكانت اعتادت الذهاب إلى مكة لأداء العمرة في أي وقت تشاء، ومن دون تكبد أي عناء أو تكلفة. وبعد عودة تلك الأسر إلى بلدانها، ستضطر إلى التقدم للحصول على تأشيرة عمرة من الممثليات السعودية، ومهما كانت بساطة تلك الإجراءات للحصول على تأشيرة، إلا أنه سيتحتم عليها دفع تكلفة السفر على أقل تقدير. يستعد عادل رمضان، وهو شاب سوداني مقيم في السعودية لسداد رسوم المرافقين عن عائلته المكونة من خمسة أشخاص، تزامناً مع تجديد إقامته نهاية هذا العام. وهنا يضيف رمضان لرصيف22: "لا أدري على ماذا ستنطوي الأمور، ولكن يتوجب علي التفكير جدياً في الرحيل أنا وأفراد عائلتي، فمن الصعب جداً تحمل تلك الأعباءة المالية الجديدة، وقد يكون من الأنسب لنا، الذهاب إلى الحج هذا العام، فلا ندري ما إذا كانت هناك فرصة أخرى للمجيء إلى هذه الديار". وبالنسبة إلى أجانب كثر، قد تكون مشاعر الوداع هي السائدة خلال تأديتهم مناسك الحج لهذا العام، بخاصة أولئك الذين أمضوا عقوداً طويلة في السعودية. هذا ما حدث مع زهير خان، وهو مقيم هندي عمل في السعودية لـ20 عاماً تقريباً، ويستعد الآن للمغادرة وأفراد أسرته، نظراً إلى عدم استطاعته سداد رسوم المرافقين. يقول لرصيف22 أنه حزين لاتخاذه هذا القرار، رغم أن فرحته بالذهاب إلى الحج، بحسب قوله، لا يعادلها أي شعور آخر، ويبدو من الصعب مفارقة البلد الذي أقام فيه أكثر من 20 عاماً. وبالفعل، بدأ خان حزم القليل من أمتعته هو وأسرته، استعداداً للمغادرة إلى جدة، ومنها إلى المشاعر المقدسة لأداء مناسك الحج للمرة الثانية، والتي قد تكون الأخيرة. "لا أدري ما إذا كنت سأستطيع العودة مرة أخرى، وقد أجد في نفسي بعض الحزن، عندما أعجز عن أداء العمرة في رمضان من كل عام، وهو الأمر الذي اعتدت القيام به، خلال فترة عملي في السعودية التي امتدت لعشرين عاماً"، يقول لرصيف22.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين