لمكة موسمها الكبير. أيام معدودات تنتظرها وتتزين لها وتحتفل بها. موسم الحج الذي يغير حياة سكانها. تؤخذ خلاله هذه المدينة الصغيرة منهم، يتضاعف عدد من فيها من حوالى 1.5 مليون نسمة، بحسب مصلحة الإحصاءات العامة عام 2015، إلى ملايين المسلمين من العالم أجمع. يصبحون محط الأضواء ومركز الاهتمام بملابسهم البيض، ويملأون زوايا هذه المدينة وثناياها التي تحيط بها جبال رملية كسور قديم فرضته الطبيعة. كيف تتغير حياتهم وما هي طقوسهم في هذا الموسم؟
يوم الخليف...
هو اليوم التاسع من ذي الحجة، والذي يوافق ذهاب الحجاج من مكة إلى جبل عرفة الذي يبعد منها، يخلو خلاله المسجد الحرام، أو المنطقة المحيطة بالكعبة، وتخلو الشوارع الداخلية لمدينة مكة من الحجاج. في هذا اليوم، يذهب الذين خُلّفوا أو الذين لم يحجوا من سكان مكة وبقوا فيها، إلى الحرم. من هنا، جاءت تسمية هذا اليوم. تصوم غالبية أهل مكة التي لا يسكنها غير المسلمين في يوم عرفة، ويتوافدون في جماعات إلى المسجد الحرام للإفطار فيه، خصوصاً النساء اللاتي يُعددن أكياس الحلويات والوجبات المصغرة لإفطار الصائمين.يعتبر أهل مكة "يوم الخليف" يومَهم الخاص الذي يفرغ فيه الحرم لهم، إذ يندر حتى وجود المعتمرين الذين غالباً ما يقرنون عمرتهم بالحج.
وتعتبر تجربة خلو المسجد الحرام نادرة، ففي بقية أيام السنة يمتلئ المكان بالمعتمرين الذين لا ينقطع توافدهم من داخل السعودية وخارجها.
هذه هي الصورة الحالية ليوم الخليف، ولو شغّلت التلفاز على بث المسجد الحرام في هذا اليوم، لتمكنت من مشاهدة هذا التجمع الذي تغلب عليه العباءات السود، مع وجود بعض الرجال.
أما قديماً فكان هذا اليوم خاصاً بالنساء والأطفال، إذ تجري العادة أن جميع الرجال من أهل مكة يذهبون لخدمة الحجيج، إما عملاً أو تطوّعاً، وكان يُعاب على الرجل بقاؤه في البيت وتقاعسه عن خدمة ضيوف مدينته.
وتذكر سيدات مكة المتقدمات في السن تجمعهن يوم الخليف مرتديات أزياء تنكرية، ليلاحقن بها الرجال المتخلفين عن الخدمة في الحج بالعِصي، مُرددات بعض الأهازيج الشعبية لتوبيخهم بما يسمى عادة "القيس"، ومنها:
"يا قيسنا يا قيس
الناس حجّوا... وانتا قاعد هنا ليش؟
قوم روح لبيتك... قوم اخبزلك عيش!"
يقول شيوخ مكة وكبارها أنهم اختاروا شخصية "قيس" في أغانيهم القديمة تشبيهاً بالعاشق قيس بن الملوح، إذ يزعمون أن المتخلّف عن الخدمة تخلف عن ذلك بسبب تعلقه بالدنيا وبمحبوبته، ما جعل الرجال المتخلفين عن الخدمة يتجنبون الخروج إلى الشوارع خجلاً وخوفاً من اللحاق بهم.
ويعتقد أهل مكة، حتى الآن، أن خدمة الحجيج من أكثر الأعمال الواجبة عليهم، ويعتبرون خداع الحجاج في البيع أو الشراء من أكبر الآثام.
هذه التقاليد تغير بعضها مع الوقت ومع تنظيم حملات الحج، وعزل الطرق الخاصة بالحجيج، وتوافد السّكان إلى مكة من غير أهاليها، أصبح يوم الخليف يوماً رمزياً، يكتفى فيه بالتجمع في المسجد الحرام والإفطار فيه.
تذكر سيدات مكة تجمعهن مرتديات أزياء تنكرية، ليلاحقن بها في الشارع الرجال المتخلفين عن خدمة الحجاج
عادات أهل مكة في موسم الحج التي لا يعرفها من لا يعرفهم.... ما هي أشهرها؟
موسم الحج في عيون أهل مكة… بين زمان والآن
موائد طعام خالية من اللحم…
يتوقف بعض أهالي مكة عن شراء اللحم وتناوله منذ دخول شهر ذي الحجة حتى يوم العيد. وهي عادة قديمة بدأت في الوقت الذي لم تكن وسائل النقل والتخزين آمنة. ففي فترة الحج، يزداد اللحم في أسواق مكة بسبب الهدي، وهي الذبيحة التي يقوم بها الحجاج، والأضاحي التي يقوم بها المسلمون في العيد. واللحم الكثير بغياب التبريد يجعله عرضة للجراثيم، فيتجنبه السكان، خاصة أن فترة الحج تكثر فيها الأمراض الناتجة من الازدحام كالرّشح أو "البرد"، وهم يرون أنه من المعيب التذمر من هذه الأمراض لذلك يحاولون تجنبها. ويستعيضون عن اللحم بشراء السمك والروبيان المجفف والاعتماد على الحبوب.وفي يوم العيد، يأكل أهل مكة اللحم الكثير، بل ويبدأون صباحهم باللحم المقلقل، وهو مكعبات لحم تُقلى مع الدهن وتُضاف إليها الطماطم.
التنظيم الحالي لعملية ذبح الهدي والأضاحي في ظروف صحية بالغة النظافة والترتيب، إضافة إلى شيوع فتاوى بجواز دفع قيمة الهدي ثمناً لمن يضحي حتى ولو خارج الحرم، قلل من شيوع هذه العادة.
حلويات... الكثير من الحلويات...
تشترك المائدة المكّية في فترة الحج مع عدد من البلدان العربية من ناحية إضافة الحلويات الخاصة بالحج، مثل الغُريبة (طحين الحمص معجون بالسكر الناعم والسمن) والمعمول. وتمتاز مائدة مكة بتحضير ما يُسمى "التعتيمة" وهي مجموعة من الحلويات والموالح التي تستخدم للتقديم وللإفطار مثل: حلوى اللدو واللبنية، الجبن الأبيض، الهريسة الحمراء. وينشغل الأطفال ببيع بعضها مثل البليلة والترمس، ويبدأ موسم تحضير مشروبي قمر الدين والقهوة الحلوة (قهوة اللوز، أو الحليب باللوز).ويختص أهل مكة بتحضير ما يُعرف بالنقل، وهو مجموعة من المكسرات كالفستق واللوز والحمص والكاجو والشرشبك وحلوى الليمون وحلوى النعناع.
ويستخدم أهل مكة النقل في عادات عدة، إما في يوم الخليف أو في عادة الجوجو. ولكن ماهي عادة الجوجو؟
حجّوا وجو!
تُعرف اختصاراً بعادة "جوجو" أي جاؤوا... جاؤوا، وهي عادة تختص باستقبال أهالي مكة الذين غادروها للحج. وهناك عوائل تستخدمها خصوصاً لمن يحج لأول مرة، أو لمن زار المدينة لأول مرة. تتعدد أساليبها باختلاف العوائل، وتسميه بعض العوائل النثيرة، حيث يُنثر على العائدين من الحج النقل، وبعض أوراق المال فوق شراشف توضع فوق رؤوسهم كطريقة للترحيب والتهليل، فرحاً بإتمام الحج ورجوعهم بالسلامة، ويستقبلهم الأطفال بالغناء: "جَو جَو... حجّوا وجو" يتنافس الأطفال على التقاط الحلويات والنقل والنقود، بعد ذلك يتم توزيع القهوة الحلوة على الحاضرين. وقد نتج من هذه العادات تكوّن عائلة من التجار، عائلة النقلي، الذين اشتهروا ببيع هذا النوع من المكسرات مع تطويرها لتضم أنواعاً من الشوكولاته.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه