بعد مرور أكثر من أسبوع على الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة برشلونة في إقليم كاتالونيا، تسود الجالية المغربية في إسبانيا حالة من القلق والخوف، وذلك عقب سلسلة من الاعتداءات العنصرية التي كان عدد من المهاجرين المغاربة ضحية لها، مباشرةً بعد الهجوم الذي تورطت فيه خلية جهادية مغربية موالية لداعش.
ويحصل ذلك بالتزامن مع ازدياد حجم التعليقات المحرّضة على كراهية المغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعتقد عدد من مغاربة إسبانيا الذين استقى رصيف22 انطباعاتهم أنهم مقبلون على أيام عصيبة للغاية.
وبالرغم من وجود إجماع على ازدياد حدة النزعات العنصرية في المجتمع الإسباني، غداة أي اعتداء إرهابي تشهده أوروبا، فإن الحوادث الأخيرة أعادت النقاش في أوساط "الدياسبورا" المغربية في إسبانيا حول المشاكل البنيوية الذاتية التي تواجه هذه الجالية التي تعتبر واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية في البلاد، إذ يرى عدد من المراقبين أن جزءاً من أبناء هذه الجالية يعاني من مشاكل التفاعل السلبي مع بلد الاستقبال.
تنامي الموروفوبيا
من استهداف القنصلية المغربية في تاراغونا في كاتالونيا بكتابات عنصرية إلى وقفة احتجاجية أمام مسجد مغربي في غرناطة، مروراً بضرب طفل مغربي في فالنسيا، توالت في الأيام الماضية سلسلة من الحوادث العنصرية مسّت المغاربة في إسبانيا، كردود فعل على هجمات برشلونة. باختصار، تنامت الموروفوبيا، أو الخوف من المغاربة. والموروفوبيا هي جمع لكلمتين: الفوبيا أي الخوف، والموروس وهو مصطلح يحيل على المغاربة ويقال للتقليل من شأنهم وعاد استخدامه مرة أخرى بعد الهجمات الأخيرة في الشعارات أو في الكتابات العنصرية. [caption id="attachment_120224" align="alignnone" width="700"] لافتة كُتب عليها "الإسلام يدمر أوروبا، ونحن نفتح أبوابنا (لهم)"، رفعتها مجموعة "هوغار سوسيال" اليمينية المتطرفة في مدريد بعد الاعتداء.[/caption] يعتقد الصحافي المغربي المقيم في إسبانيا علي لمرابط أن هجمات برشلونة التي نفذها جهاديون مغاربة أيقظت الشعور "المعادي للمغاربة" الذي تغديه بعض أوساط اليمين المتطرف والتيار الراديكالي في اليمين التقليدي. وسجل لمرابط تنامي التعليقات العنصرية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فاق ما حصل بعد الاعتداءات التي شهدتها مدريد سنة 2004.هجوم برشلونة زاد نسبة العداء للمغاربة بين الإسبان كما أعاد النقاش حول المشاكل البنيوية الذاتية التي تواجه هذه الجالية
تغيّرت نظرة الإسبان إلى المغاربة كثيراً بعد هجوم برشلونة وأصبحت أكثر عدوانية وامتدت لتشمل صحافيين وممثلين ومغنّين"تغيّر الخطاب كثيراً بالمقارنة مع الماضي وأصبح أكثر عدوانية. ولم يعد هذا الخطاب حكراً على أفراد عاديين بل امتد ليشمل صحافيين معروفين وممثلين ومغنّين تصدر عنهم كتابات تحريضية تقوم بتهييج الناس للانتقال إلى مرحلة الفعل"، قال لرصيف22 مضيفاً: "المغاربة في إسبانيا يعيشون أياماً عصيبة فعلاً في الوقت الحالي". حينما ضربت الأزمة الاقتصادية إسبانيا كانت الجالية المغربية أكبر المتضررين منها. "كانت مأساة حقيقية بالنسبة للمغاربة هنا، أتحدث تحديداً عن الفئة الغالبة من المهاجرين الذين جاءوا بحثاً عن لقمة عيش وليس بغرض الدراسة أو العمل الثابت والمستقر أو الذين كانوا يحملون مشروع استقرار نهائي"، يشرح صهيب الحساني، ناشط مدني من أبناء الجالية المغربية في كاتالونيا. ويضيف لرصيف22 أن "أغلبهم كانوا يزاولون حرفاً ومهناً بسيطة كالبناء، ومعظمهم فقدوا أعمالهم، ولم يستطيعوا التأقلم مع الظروف الجديدة وزاد وضعهم سوءاً"، مُقراً بأن الهجمات الأخيرة ستجعل الأمور أكثر تعقيداً. "لدينا ما يكفي من المشاكل فعلاً. هناك مشاكل رفض توظيف النساء المحجبات ورفض تأجير المنازل للعائلات المغربية والبطالة والهشاشة وغيرها. نحن نشعر الآن بالحزن ونأمل أن تمر هذه الظروف بشكل سريع وأن تكون هذه الاعتداءات محدودة. نراهن على ذكاء الشعب الكاتالوني وفطنته، فهم يعرفون أن المستفيد الوحيد من هذه الأجواء المتشنجة هو اليمين المتطرف الذي يعادي الكاتالونيين أيضاَ"، يتابع. من ناحيتها، تربط الباحثة في جامعة كاتالونيا المستقلة فتيحة الموعلي تنامي الخطاب العنصري في المجتمع الإسباني بالأزمة الاقتصادية. "هذه الأزمة جعلت الوضع الاجتماعي محتقناً جداً وبالتالي فإن تضاعف الخطاب العنصري ليس وليد اللحظة، لكن الأحداث الأخيرة تؤجج هذه المشاعر لدى المواطن البسيط الذي يصبح سريع الانفعال"، تقول. وتضيف: "الإعلام في معظمه هنا عنصري وكذلك جزء كبير من الطبقة السياسية والشعب الإسباني، رغم أنه ليس عنصرياً بطبيعته لكنه يتأثر كثيراً بالخطاب السائد إعلامياً". وترى أيضاً أن ثقل التاريخ يلقي بظلاله على نظرة الإسبان للمغاربة، إذ لا يزال طرد العرب والمسلمين مثلاً طقساً سنوياً يحتفى به في المدارس كما يدرس الأطفال تاريخاً يقدم العرب في صورة دونية. و"لذلك تجد الوعي العام ينظر إلى المغربي بشكل خاص على أنه أقل تحضراً، وقادم من عالم فقير ومجتمع ديكتاتوري"، تردف. الشعور بأن القادم أسوأ يهيمن على تفكير مغاربة كثر ومنهم الشاب عبد العالي بريكي، المقيم في مدينة إشبيلية الأندلسية، والذي يتوقع تزايد الاعتداءات والاستفزازات العنصرية ضد المغاربة في الأيام القادمة. ويقول لرصيف22: "في مدينتي تم استهداف مسجد مغربي بعبارات عنصرية، ونرى أن معظم العبارات العنصرية تهاجم "الموروس" بشكل مباشر. ثم لا ننسى أن نصف المسلمين في إسبانيا هم مغاربة، مما يعني أننا سنكون دائماً في فوهة المدفع كلما حصلت هجمات إرهابية في أوروبا".
آثار الانغلاق على الذات
تذهب تحليلات أخرى إلى وجود مشاكل ذاتية مرتبطة بتكوين وأصل الجالية المغربية نفسها، ما يضعها في وضع معقد داخل النسق الإسباني. فالناشط السياسي حماد البدوي المقيم في العاصمة مدريد منذ سنوات، لا يرى أن المشكلة الحقيقية التي تواجه هذه الجالية هي العنصرية، فهي تعتبر ثاني أكبر الجاليات بعد الرومانية، كما أنها متجذرة في إسبانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي وحاضرة في معظم الأقاليم الإسبانية، لكنها تعاني من الانغلاق على الذات وضعف التفاعل مع مجتمع الاستقبال. "مشكلة هذه الجالية هي أنها جالية ضعيفة بحكم ظروف لها علاقة بمصدرها وأصلها. فهي، كما نعلم، ذات أصول ريفية ومستوى تعليمي ضعيف جداً ممزوج بنسبة أمية عالية، ومهارات مهنية ضعيفة، فضلاً عما لحق بها من أعطاب وتضييع للفرص والموارد كونها كانت في مجملها في بدايتها جزءاً من الهجرة غير الشرعية"، يقول البدوي لرصيف22. ويشير إلى أن الجالية المغربية لم تستطع التأقلم مع هذه الظروف الجديدة على عكس جاليات أخرى عمدت، بعد أزمة 2008 الاقتصادية، إلى الانتقال إلى قطاعات أخرى تنتج مناصب شغل كقطاعات: الفندقة، الخدمات، الأسواق الكبرى، فظلت العائلات المغربية تعيش بالمساعدات التي تقدمها البلديات والحكومات المحلية. وجذور نشوء الجالية المغربية في إسبانيا هي ما يمكن أن يفسر حالة ميل غالبية أفراد هذه الجالية إلى إعادة نمط حياة البلد الأصلي، بحسب وصف عبد العالي بريكي. ويقول لرصيف22: "عموماً الجالية المغربية في إسبانيا في معظمها غير مندمجة نظراً لطبيعة الذين يهاجرون إلى إسبانيا، فأغلبهم لم يكن يطمح للاستقرار في إسبانيا وإنما للعمل ثم العودة قبل أن يجد نفسه يكوّن عائلة وينجب أبناء في بيئة لم يعتدها". ويلفت إلى أن هناك تقصيراً عائلياً كبيراً في التربية على الاندماج. "كثيراً ما سمعت مغاربة يقولون إنهم لن يسمحوا لأبنائهم بمخالطة الإسبان خوفاً من تأثرهم بالبيئة الغربية"، يقول. ويشير إلى أن الأجيال الأولى للهجرة المغربية إلى إسبانيا لم تشجع أبناءها على الدراسة. وهذا، برأيه، "يزيد من صعوبة الأمور ويعزز حظوظ وقوعهم في شباك المتطرفين، وخير مثال على ذلك عناصر الخلية التي نفذت هجمات برشلونة". طرح البريكي يدعمه صهيب الحساني القريب من مغاربة كاتالونيا باعتباره أن "قسماً مهماً من الجالية المغربية خلق مجتمعاً موازياً صغيراً داخل المجتمع الكاتالوني مفضلاً التقوقع على الذات والعيش على الهامش دون أن تكون له أيّة طموحات للارتقاء داخل المجتمع الإسباني". ولكن الباحثة فتيحة الموعلي تعتبر الحديث عن مسألة الاندماج من عدمه نسبية خصوصاً أن المجتمع الإسباني ليس نسيجاً واحداً ومتناسقاً، "فكيف يطلب من المهاجرين أن يكونوا جميعاً على صورة واحدة؟"، تتساءل وتضيف: "أعتقد أننا نتعامل بقساوة مبالغ فيها حينما نحمل المهاجرين كل المسؤولية ونلقي اللوم عليهم وحدهم. الإنسان ابن بيئته والكثير من المغاربة الآن بيئتهم هي الواقع الذي وجدوه في إسبانيا". الخشية الأكبر الآن هي من أن تؤدي موجة الشعور المعادي للمهاجرين المغاربة في إسبانيا، والتي تغذيها جهات محسوبة على اليمين المتطرف والمجموعات النازية الجديدة، إلى انهيار الثقة بشكل نهائي بهذه الجالية وسيادة مشاعر التوجس منها، ما قد يدفعها إلى مزيد من الانغلاق، وهو ما يضعها تحت تأثير المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تتحيّن مثل هذه الظروف لدغدغة المشاعر وفرض تقابل وهمي بين المسلمين من جهة و"الكفار" من جهة أخرى، بحسب الناشط حماد البدوي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...