يجيد المجتمع كلّ الأفعال العنصرية ضد كلّ ماهو خارج عن نظرته التقليدية، فالبدينة أو السمراء أو ذات الشعر المجعد وغيرهن من الفتيات خرجن من تصنيفات المجتمع الجميل".
هذا ما تراه ملكة جمال العرب للبدينات لعام 2013، إليانا نعمة، ثم تضيف: "كل فتاة بدينة تتعرض لإزعاج المجتمع، لكنني أبداً لم أكن أنزعج لأني أحب نفسي هكذا. شقيقتي الصغرى رشيقة جداً ومهووسة بالنظم الغذائية الصحية، تحرم نفسها من الأكل حتى في المناسبات التي تجتمع فيها العائلة لتناول الأطعمة التقليدية، أما أنا فأستطيع التمتع بذلك".
ترى إليانا أن لأهلها دوراً كبيراً في تعزيز ثقتها بنفسها. لم يضايقوها بسبب وزنها ولم يقارنوا بينها وبين شقيقتها النحيفة: "عندما علمت بأن هناك مسابقة لملكات الجمال البدينات لم أفكر طويلاً وقررت المشاركة"، تقول إليانا، "فلطالما كان يروادني حلم المشاركة بمثل هذه المسابقات، وكم من مرة تخيلت نفسي أتوج وأنا أتابع مسابقات الجمال العالمية على التلفاز. ها هو الحلم يتحقق".
ترى إليانا أن فوزها باللقب ليس سوى اعتراف رسمي بكونها جميلة، حتى مع وزن 110 كيلوغرام: "لقد برهن فوزي للعالم أنني إنسانة عادية، أستطيع خوض مسابقة لملكات الجمال وأفوز أيضاً، لأكسر النظرة التي يرمقنا بها الناس في كل الأماكن". وتضيف لرصيف 22: "لقد منحني التاج ثقة بنفسي كبيرة أستطيع بها تحقيق كل أمنياتي، وأولها مساعدة الناس أصحاب الوزن الزائد، ليس بأن يفقدوا وزنهم بل ليعشوا ويحققوا أهدافهم، لأمنحهم الثقة بأنفسهم وبأجسادهم. لم أفكر أبداً أن أقلل من وزني، طالما أن صحتي جيدة. أنا لا أروّج للبدانة، لكن إذا ما صار أحدهم بديناً لن أطالبه بالانتحار".
ترى إليانا أن بدانتها كانت العائق أمام حلمها، لكن بالإصرار صار بداية لتحقيق حلمها، فهي تكتب الآن مسلسلاً ستقوم ببطولته وتتناول فيه قصة فتاة بدينة. تتلخص رؤية إليانا نعمة إلى الجسد والجمال بهذه العبارة: "إن كل فتاة ترى نفسها جميلة وقوية ستجبر الناس على الاقتناع برؤيتها. لاتزعجوا أنفسكن أبداً برغبات المجتمع، فقط انشغلوا برغباتكن، فالجمال لا يقترن بالرشاقة دائماً؛ إذ هنالك فتيات رشيقات لا يملكن أرواحاً بدينة". جاء تعليق إليانا هذا، بعد فوزها بمسابقة ملكات جمال العرب للبدينات التي أقيمت في فبراير الجاري في لبنان بمشاركة 10 فتيات عربيات.
"أدخل محلات الملابس وأسمع الفتيات يتهامسن ويكتمن ضحكاتهن بسبب وزني، وتأتي الجملة الأولى على ألسنتهن: لا يوجد مقاسك. هكذا أخرج من محل إلى آخر دون أن أجد ما أشتريه سوى ضحكات مكتومة وهمسات سخرية".
مروة السعيد، مصممة أزياء الأحجام الكبيرة، تبدأ حكايتها قائلة: "كنت أشعر كثيراً أن المجتمع لا يتسع لمثل أحجامنا، فلا ملابس لنا، وحتى في العمل يعتقدون أننا لسنا جديرات به، لأننا ثقيلات الوزن والحركة. أصريت على برهنة العكس بإطلاق أول خط إنتاج لأزياء الحجم الكبير والذي يصل لـ 7xl". لم يكن تمرد مروة وتحديها للمجتمع فقط في صنعها لأزياء بمقاسات كبيرة، بل بصنع ملابس "ذات ألوان لم تكن البدينة تملك الجرأة لارتدائها".
تقول مروة: "اعتادت الفتاة البدينة على الاختباء وراء ألوان كئيبة وغامقة لتقليل وزنها. اللون الغامق لا يمنح الرشاقة لأحد، ولن يغير من الوضع شيئاً سوى إضفاء الكآبة على من يرتديه. على الفتيات التمتع بحياتهن وارتداء ألوان مبهجة تعكس جمال أرواحهن".
لقد نجح مشروع مروة نجاحاً كبيراً، وبذلك منح للبدينات فرصة ارتداء ملابس، سواء للسهرة أو لليوم العادي، تحاكي الموضة العالمية.
تضيف مروة: "بعد احتكاكي بمجموعة كبيرة من الفتيات البدينات، خطرت لي فكرة إقامة مسابقة لملكة جمال مصر للبدينات، وكانت الفكرة صغيرة وتقتصر على التصويت للمتسابقات عبر صفحة المسابقة على الفيس بوك".
تقدم للمسابقة 100 فتاة بدينة، وتراوحت أوزانهنّ ما بين 85 و120 كيلوغرام. جرى اختيار الفائزة من خلال لجنة تحكيم تكونت من مروة السعيد مصممة الأزياء، والمصور شريف اليماني إضافة إلى آراء الجمهور على صفحة "فيسبوك" الخاصة بالمسابقة.
"منذ الطفولة وأنا أحلم بأن أكون عارضة أزياء، لكن وزني كان بالطبع مصدر إحباطي، حتى جاءت مسابقة ملكة جمال مصر للبدينات، لتعيد لي الأمل". هذا ما قالته ندى سلام (22 عاماً)، ملكة جمال مصر للبدينات، التي ترى أن اللقب أو المشاركة في المسابقة أعاد إليها الأمل بالعمل في مجال الأزياء. تضيف لرصيف 22: "تجربتي مع المسابقة مختلفة وتعتبر فرصة كنت أتمناها منذ فترة طويلة، خاصة أني قد تعرضت لكثير من الإحباط عندما كنت أذهب للتقدم لأعمل في مجال الأزياء فيكون الرد: اذهبي وقللي من وزنك أولاً، وهو ما كنت أفشل فيه دوماً. أنا أحب شكلي هذا، وأحب أن آكل بحرية، وأتمنى أن يتركني الناس دون تعليقات مثل "مع الأسف أنتي جميلة لكنك سمينة"، وكأن الأمرين، الجمال والبدانة، على النقيض من بعضهما البعض. أنا جميلة وفقط، وأنا اليوم بعد نيلي اللقب حققت أولى أمنياتي بالعمل كعارضة أزياء ضمن فريق عمل مروة السعيد".
إليانا ومروة وندى، مجرد نماذج لفتيات عربيات من بلدان شتى، رفضن الانصياع لمعايير ظالمة، وقررن أن للجمال معاني عدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...