شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل

هل "تنقرض" حرفة تصميم بدلات الرقص في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 31 يوليو 201702:58 م
"ضاحي" هو اسم الشهرة لواحد من أهم مصممي بدلات الرقص في مصر. في شقة عادية بحي عين شمس القاهري تقع ورشته، وبجانبها مصنع يمتلكه تُصنع فيه بدلات الرقص. لا يغطي جدران المشغل بصور الراقصات، بل تبدو مثل أي ورشة ينكب العاملون فيها على الحياكة والتطريز بجدية. درس ضاحي في كلية التجارة، لكنه منذ نعومة أظفاره يهوى الرسم، وتحديداً رسم الزخارف والنقوش، يقول لرصيف22. عمل في تصميم المجوهرات لفترة، حتى طلب منه مصمم بدلات أن يعمل على رسم بدلة رقص، كانت مدخله إلى عالم الأزياء. مع الوقت، ذاع صيته وانتقل إلى التفصيل، ثم احترف عملية التصنيع. صمم خلال عمله بدلات لأشهر راقصات مصر، وبات يعرف ذوق كل واحدة منهن وتفضيلاتها. الراقصة دينا مثلاً تُفضل الفساتين والموديلات المميزة، أما الراقصة لوسي، فتقدر الفن والحرفية في الفستان وفي الرقص. لكنه لا يريد أن يستمر في مهنته بقية حياته.

مهنة تصميم البدلات...مهددة؟

shutterstock_364773146shutterstock_364773146 يعتبر الرقص الشرقي واحداً من أكثر الفنون المرتبطة بالثقافة المصرية. كتب مؤرخون أن نشأة هذا الفن كانت في مصر، ورافقته حرفة تصميم ثياب الرقص المعروفة شعبياً ببدلة الرقص، والتي تطورت عبر الأزمنة. وقد شهد ذلك الزي المزركش الكاشف الذي ترتديه النساء أثناء رقصهن، تطورات وتغيرات كثيرة من فترة إلى فترة. اليوم، لم يعد تصميم بدلات الرقص مهنة رائجة على رغم تميزها بتحقيق أرباح جيدة. فهي مهنة لا تحظى بالتقدير من المجتمع المصري، ويميل كثرٌ إلى الحديث عن كونها فعلاً محرماً يتم من خلاله إعداد أثواب كاشفة ترتديها النساء لإثارة غرائز الرجال. تأثرت هذه المهنة بوجود التيارات الإسلامية. ومع صعود الإسلاميين إلى الحكم عام 2013، شهدت مهنة الرقص الشرقي بكل ما يرتبط بها من نشاطات تراجعاً نظراً إلى التضييق على العاملين في هذا المضمار. حتى ضاحي نفسه الذي حقق شهرة ونجاحاً كبيراً ويفخر دوماً بأنه يصدّر إنتاجه إلى الخارج، يردد أنها مهنة موقتة، وأنه سوف يتركها عاجلاً أم آجلاً لقناعته بحرمانيتها، بخاصة أنه أب لبنتين، على حد قوله.

الرقص في مصر بقدم التاريخ

عرفت مصر الرقص منذ العصر الفرعوني، حيث أظهرت جدران المعابد والمخطوطات القديمة صوراً لراقصات. وفي دراستها المنشورة "الرقص في مصر القديمة"، أوضحت أميرة خالد، الباحثة في الفن المصري القديم، أن الفراعنة عرفوا الرقص وكان وسيلة للترفيه عن النفس وعبادة دينية، فضلاً عن أنه طقس جنائزي، وللرقص الفرعوني 12 نوعاً.
جلباب نانسي في "أغنية آه ونص"، جلباب فيفي في مسرحية "حزمني يا".. طلبات النساء في سوق بدلات الرقص
تأثر تصميم بدلات الرقص بوجود التيارات الإسلامية ومع صعودهم إلى الحكم شهد الرقص الشرقي بكل أنشطته تراجعاً
في بحث أعدته أسماء فتحي أبو عيانة عن الملابس في مصر القديمة، جاء فيه أن ملابس الراقصات كانت تصمم بحيث تتيح لهن حرية التعبير بحركات أجزاء الجسم، لذلك تكون إما قصيرة لإظهار حركة السيقان والأرجل أو من دون أكمام لإظهار حركة الأيدي. وإذا كانت الراقصات يرتدين ملابس طويلة تكون شفافة، وفي كل الأحوال تختلف طبيعة الأزياء حسب نوع الرقصة ومناسبتها. وفي العصر المملوكي، انتعشت حركة الرقص والغناء وتأثرت بالأوضاع السياسية وفق ما جاء في دراسة "الغناء والسياسة"، وكانت الجاريات هنّ المغنيات والراقصات.

للبدلة أصول، وتصميمها يخضع لقوانين

تقضي القوانين المصرية بضرورة حصول الراقصة على تصريح من وزارة الثقافة، ويشترط فيه تحديد جهة العمل، ويتم إصدار ترخيص في حالة سفر الراقصة إلى الخارج. تتولى شرطة الآداب مهمة الإشراف على قانونية ملابس الراقصة، وتتعرض للعقوبة القانونية إذا تجاوزت القواعد، ومنها تغطية الثلث الأسفل من الثدي، وارتداء بنطلون قصير يصل إلى منتصف الفخذ، فضلاً عن تغطية المسافة بين الصدر والبطن، وهي القواعد المطبقة منذ الخمسينات في فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر. بالنسبة إلى الراقصات الأجنبيات يشترط الحصول على تصريح من وزارة القوى العاملة، والرقابة على المصنفات الفنية، إضافة إلى حصولها على إقامة دائمة، ويتم تقديم استمارات لجهات عدة منها شرطة الآداب وأمن الدولة. في نهاية الخمسينات وبالتحديد عام 1959، انطلقت فرقة رضا للفنون الشعبية ولقيت نجاحاً كبيراً، وفي عام 1961 تم ضمها إلى وزارة الثقافة. إضافة إلى الرقصات الجماعية والتراثية، قدمت الفرقة الرقص الشرقي من خلال فريدة فهمي راقصة الفرقة الأولى، والتي ارتدت بدلات رقص وفق المواصفات المعمول بها في ذلك الوقت. في الفترة نفسها أنشئت الفرقة القومية للفنون الشعبية التابعة أيضاً لوزارة الثقافة، واتسمت بإحياء الفنون الشعبية، وكان التحفظ سمة ملابس الراقصات، ويغلب عليها ارتداء الجلباب البلدي. تحدثت الراقصة المصرية نجوى فؤاد في أحد حواراتها التلفزيونية عن اشتراط تغطية السرّة، وهو ما كان يدفع الراقصات إلى الابتكار في تصميم نجمة أو أي قطعة بشكل مميز تغطي تلك المنطقة، إضافة إلى قطع تشبه الأساور مصنوعة من القماش المطرز بالخرز والترتر تُوضع في المعصم، وقالت أنهن تحايلن على القيود بزيادة فتحة الأرجل في البدلة، وكنّ يستخدمن شالاً حريرياً في الرقص.

البيع للأجانب ولو في الصين

باعتزاز شديد، يقول ضاحي أن غالبية زبائنه من الأجانب، فهو يبيع بدلات الرقص عبر مواقع التسوق المشهورة منها E-bay وأمازون، وعبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. "أفضّل التعامل مع الأجانب لأنهم أكثر احترافاً ويقدرون فني، ولا يناقشون في السعر لأنهم يقدرون قيمة عملي، ويعتبرون الرقص الشرقي رياضة، لذلك يتحمسون لشراء الملابس الخاصة بالرقص"، يقول ضاحي لرصيف22. يبدأ سعر البدلة من 250 دولاراً ويصل إلى 700 دولار، بحسب ضاحي، ويضيف أن البدلات عليها طلب كبير في الصين. يقول أن تصنيع بدلة الرقص لا يحتاج إلى "صنايعي" مختصّ، لأنه يقوم بقص الموديل ويتولى العامل الخياطة، مشيراً إلى أن غالبية الموديلات تُصنّع يدوياً. يستخدم قطع الكريستال الصيني في تطريز ملابس الرقص، أما القماش فيكون من الليكرا أو الشيفون، ويُبطّن الجزء العلوي بالإسفنج. "يوجد 5 مصممين مختصّين بتصميم بدلات الرقص، ومن المشهورين في المجال أميرة قطان وعبلة وسحر عكاشة، أما البقية فهي تقلد الموديلات مثل الموجودين في الحسين أو في شارع محمد علي، والتصميم مهنة صعبة تحتاج إلى الإبداع"، يقول لرصيف22.

بضاعة حي الحسين... مطلب عرائس مصر

يقول صلاح نديم، أحد الباعة في حي الحسين لرصيف22، أن بدلة الرقص تعتبر جزءاً أصيلاً من مشتريات العروس في مصر. فهي لا غنى عنها عند كثيرات، وتتفاوت الموديلات والأسعار. فهناك جلباب نانسي عجرم الذي ارتدته في أغنيتها الشهيرة "آه ونص"، وجلباب فيفي عبده الذي ارتدته في مسرحية "حزمني يا"، ولعل الأكثر رواجاً هو بدلات "صوفينار"، الراقصة الأرمينية. تبدأ الأسعار من 100 جنيه وتصل إلى 2000 جنيه حسب الموديل والتطريز والخامة. وتتنوع الخامات ما بين قماش الشيفون والليكرا والكريب، وهناك البدلة المكونة من قطعتين، أو المكونة من قطعة واحدة وهي الأكثر رواجاً بين المصريات بخلاف الأجنبيات. ولفت إلى أن بدلات الرقص كانت دوماً تذكاراً مهماً لدى السائحات، لكنّ بيعها قلّ بسبب ضعف حركة السياحة في مصر نتيجة الظروف الأمنية، كما أن إقبال المصريات على الشراء لم يعد كبيراً نظراً إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام. عن تطور تصميمات بدلات الرقص يقول "نديم" أنها متأثرة بالثقافات التركية والفارسية، ومنها الموديلات التي تتكون من قطعة تغطي الصدر والبطن وبنطلون واسع مطرز بالخرز والسلاسل. وتحدث أيضاً عن التأثر بالموديلات الهندية، تحديداً الساري الهندي الذي أصبح مطلباً مهماً لدى كثر من الفتيات، ويتسم بألوانه الزاهية وهو جزء يغطي الصدر، والجزء السفلي يكون واسعاً ومن قماش لامع. ومن الملاحظ رواج بدلات الرقص الشرقي للأطفال، والتي تتوافر بسعر يبدأ من 50 جنيهاً ويصل إلى 300 جنيه، وهي موجودة في العتبة ووسط البلد وشارع محمد علي، وغالباً في محالّ البازار المختصّة ببيع التحف الأثرية. "ليلة مصرية" و "أهلاً وسهلاً" و "نايل جروب" و "رقص أوف كورس"، هي أسماء أشهر معارض الرقص الشرقي، والتي يقول "ضاحي" أنها لا تُشترط إقامتها في مصر، بل تقام عادة في دول غربية منها إسبانيا والمكسيك والصين، ومؤخراً أصبح بعضها يُقام في دبي. لكن، على رغم رواج البدلات ما زال يتخوف من حرمانية مهنته، علماً أنه حصل على تطمين من بعض الشيوخ. "سألت في دار الإفتاء في مصر والسعودية ودبي وتلقيت الرد نفسه بأنه لا يوجد فيها حرمانية"، يقول ضاحي. فقد أخبره الشيوخ أن كل ما له شقّان ليس حراماً والعقوبة تقع على المستخدم، فقد ترتديها سيدة أمام سيدات أو تستخدمها في الرياضة أو قد تستخدمها للرقص في الملاهي الليلية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image