"توكتوكي ده أمان لا فيه معاكسة ولا إدمان" شعار كُتب على ملصق يغطي دراجة النقل الصغيرة ذات العجلات الثلاث التي يقودها محمد سيد النمر (23 عاماً)، في منطقة منشأة ناصر.
[caption id="attachment_104780" align="alignnone" width="700"]هيئة كير الدولية عام 2013 من خلال شراكتها مع ثلاث جمعيات محلية، هي الجمعية المصرية للتنمية الشاملة وجمعية حواء المستقبل ومؤسسة الشهاب للتنمية.
وقد استخدم المشروع الفنون ومنها المسرح والأوريجامي والنشاط الرياضي لتدريب الشباب في مناطق منشأة ناصر وعزبة الهجانة وإمبابة، وهي مناطق تتسم بالعشوائية وتتسع فيها نسبة التحرش بشكل عام.
بعدسة شيماء السيد[/caption]
يسير بعربة التوكتوك هذه بين شوارع المنطقة الضيقة ناقلاً سكانها، فخوراً بين أصدقائه وجيرانه بثقة السيدات به. وقد بدأ بتوعية زملائه في المنطقة عن التحرش الجنسي.
سيد النمر هو واحد من عشرات الشباب الذين تم تدريبهم في إطار مشروع "مدن آمنة"، الذي أطلقته في "منشية ناصر"
حي منشأة ناصر أو كما يقول عليه العامة "منشية ناصر"، هو أحد الأحياء العشوائية في المنطقة الشرقية من محافظة القاهرة.وقدسمي نسبة إلى الرئيس جمال عبد الناصر. تعداد سكان المنطقة على موقع المحافظة الرسمي يعود لعام 2009، وقد نشر موقع "فيتو" إحصائية عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي تقول أن عدد سكان الحي وصلت في عام 2013 إلى 296380 نسمة، ويعمل 65% من قاطنيه في الأعمال الحرفية، و14% في الأعمال المرتبطة بفرز مخلفات القمامة و21% في الأعمال الحرة. يقوم مشروع "مدن آمنة"، الذي يُنفذ بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بإعداد المتطوعين من أهل الحي ليكونوا هم سفراء التغيير في مجتمعهم وينشروا ثقافة الأمن فيه، بهدف خلق مساحات خالية من العنف ضد النساء والأطفال، ولتتمكن النساء من التمتع بحقوقهن في التحرك والعمل بأمان في الأماكن الخاصة والعامة. [caption id="attachment_104783" align="alignnone" width="700"] بعدسة شيماء السيد[/caption] تقول خديجة الطاهر، المشرفة الميدانية على المشروع إن الهدف هو العمل على أرض الواقع من أجل تغيير الأفكار المغلوطة عن المرأة ومحاربة التنميط من خلال أبناء المنطقة أنفسهم، خاصة الشباب، لينقلوا ما تعلموه لذويهم. "نعمل بمبدأ الطَرْق أكثر من مرة انتظاراً لحدوث استجابة؛ لأن التفكير لا يمكن أن يتغير بعد حملة توعية واحدة بل يتغير مع الوقت". يكون التدريب من خلال الأعمال الفنية كالجرافيتي والأوريجامي، بالإضافة إلى المسرح والرياضة، وهم يستخدمون ملصقات كالتي يضعها سيد النمر على عربته لتكون الرسالة واضحة، وترسخ في ذهن الركاب وأهل الحي من خلال رؤيتها باستمرار. [caption id="attachment_104781" align="alignnone" width="700"] بعدسة شيماء السيد[/caption]"توكتوكي بقى أمان"
في البداية رفضت السيدات والفتيات ركوب التوكتوك الذي يقوده محمد عبد التواب (21 سنة) في المنطقة، وكان ذلك يزعجه. هو كغيره من السائقين يعانون من التنميط الذي يصبغهم بصبغة اللصوص. كان يزعج الأمر عبد التواب، لكن الوضع تغير بعد تلقيه التدريب ومشاركته في حملات مناهضة التحرش. وقد شارك في رسم جرافيتي على مبنى الجمعية المصرية للتنمية الشاملة. بدأ ظهور هذه العربة الصغيرة في الهند في أوائل الستينيات، ثم ظهرت في البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية، وذلك لانخفاض تكلفتها وقدرتها علي السير داخل الشوارع الضيقة. ظهر التوكتوك بالظهور في مصر منذ عام 2006، ويصل سعره الآن إلى 32 ألف جنيهاً. يعتبره البعض وسيلة لحل أزمة البطالة في مصر، إذ تقدر دراسة استفادة 30 مليون مواطن منه يومياً. استخدامه غير مقنن حتى الآن ولا يخضع لرقابة هيئة مواصلات، ما تسبب بإلحاق صورة سلبية عن سائقي التوكتوك، تقرتهم عادة بتعاطي المخدرات واتصالهم بعالم الجرائم. وهو أمر لا يمكن تعميمه. ولا يوجد تقدير رسمي لأعداد التوكتوك في مصر، لكنه ينتشر بكثرة في المناطق العشوائية والقرى، وإن كان بدأ انتشاره في الشوارع الرئيسية في عدة مناطق سكنية كحي المعادي على سبيل المثال. [caption id="attachment_104779" align="alignnone" width="700"] بعدسة شيماء السيد[/caption]"أنتم إزاي بتتكلموا في الحاجات دي؟"
"أنتم إزاي بتتكلموا في الحاجات دي عادي كده؟"، كان هذا رد فعل سيد النمر عند حضوره أول محاضرة. "تعجبت من الحديث عن التحرش لكن مع الاستمرارية والتدريبات عرفت أنواعه، فهو يشمل النظرة والصفير، وتدربت أيضا على معرفة حقوق المرأة وأوجه انتقاص هذه الحقوق في المجتمع"، يقول لرصيف22. يعتبر سيد النمر تعلم "الأوريجامي" في المؤسسة، أو فن طي الورق الياباني، من أجمل التجارب التي خاضها في حياته. وقد شارك في المسرح التفاعلي الذي نتج عنه تقديم عروض مسرحية نبعت أفكارها من المناقشات بين المتطوعين، وتناولت قضايا التحرش وحرمان المرأة من الميراث وحرمان الفتيات من التعليم، وغيرها من أشكال العنف والتمييز ضد المرأة. "كنت منمط إني سواق توكتوك مينفعش أعمل أي حاجة كويسة. دلوقتي اجتهدت إني أقول للناس إني مش وحش وإني طورت نفسي وإتعلمت مهارات جديدة"، يحكي سيد النمر لرصيف22 عما يعتبره النقطة الفارقة في حياته، التي دفعته للمشاركة في حملات لنبذ التحرش بالمرأة في حي منشأة ناصر. تقول الطاهر أن فكرة المشروع باعتماد التغيير من داخل المجتمع حققت نجاحاً، وقد لمستها من خلال سائقي التوكتوك وتوعيتهم لزملائهم عن التحرش وهو ما له تأثير أكبر من قيام شخص من خارج المنطقة بتوعيتهم.مبادرة مدن خالية من العنف والتحرش الجنسي في القاهرة تغير حياة سكان بعض أحياء القاهرة عبر المسرح والفن
"كنت منمط إني سواق توكتوك مينفعش أعمل حاجة كويسة، اجتهدت وقلت للناس إني مش وحش وإني طورت نفسي"[caption id="attachment_104782" align="alignnone" width="700"] بعدسة شيماء السيد[/caption]
"فيه ناس الكلام ميعجبهاش"
"فيه ناس الكلام ميعجبهاش"، تقول نورهان سمير، الطالبة الجامعية والمتطوعة في البرنامج، لرصيف22 عن محاولتها نشر ثقافة مكافحة التحرش في الحي. يستأذنون ويطلبون المغادرة دون إتمام الاستماع لحديثها وزملائها. سبب رفض سماع السكان لكلام المتطوعين في الحي هو اقتناع غالبيتهم الراسخ بأن التحرش سببه الفتاة. فهي التي تُلام وهي، بلباسها وحركتها وتصرفاتها، المسؤولة عن تطاول الرجال عليها. ومحاولة تغيير هذه المفاهيم بالنسبة لهم أمر مرفوض. تقول سمير هي نفسها تفاجأت مما سمعته حينما شاركت في البرنامج أول مرة. "كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن التحرش وأن الفتاة ليست هي السبب في حدوثه كما كنت أظن"، فقد كانت تشعر بالذنب وتلوم نفسها إذا تحرش بها أحد. وتعاني السيدات في مصر من مشكلة التحرش الجنسي. وقدت أظهرت دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2013، أن 99.3% من عينة البحث تعرضن لنوع من أنواع التحرش وأفادت الدراسة بأن ما يقرب من 50% من المصريات يتعرضن لمعاناة يومية من التحرش بعد ثورة يناير و44% قلن إنهن تعرضن للعنف الجنسي. غيرت تجربة سمير مع المبادرة أشياء كثيرة في حياتها، فهي مثلاً لم تعرف معنى التنميط والعنف والتعميم، ولم تكن قد شاهدت أي عمل مسرحي في حياتها قبل ورشات عمل المدن الآمنة. "رحت مسرح بس بعد ما جيت هنا"، تقول لرصيف22. شاركت سمير في تنظيم أيام رياضية لسيدات الحي وقدمت تدريبات لتوعية الأطفال لحمايتهم من التحرش، وعروضاً مسرحية بمشاركة زملائها من المتطوعين الذين كونوا فرقة "بره الصندوق" في القاهرة والجيزة الفيوم وبني سويف وسوهاج وقنا. "دلوقتي رد الفعل تحسن، بقينا نسمع جملة دول العيال بتوع التحرش"، تضيف سمير شارحة أن مبادرتهم أصبحت معروفة في الحي وأكثر قبولاً. "إذا قيل لي أن الفتاة هي التي ترغب في التحرش بسبب اختيارها لملابسها على سبيل المثال أرد بالسؤال، وهل دخلت إلى نفسها لتحكم عليها بأنها ترغب في ذلك؟ وإن كان هذا صحيحاً لما لا تفسد عليها هذه الفرصة؟ وهو ما يقنع الكثيرين"، يقول عبد العليم (25 عاماً)، والذي لم يذكر اسمه الكامل، لرصيف22. لم يكن هذا تفكيره قبل أن يتطوع في المشروع، وهو مختص اليوم بتوعية الأطفال بحماية أنفسهم من التحرش الجنسي. يقول إن تدريب الصحة النفسية هو أكثر ما أحدث فرقاً لديه. "معرفتي لمشاكلي الشخصية وكيفية العمل على حلّها ساعدني كثيراً، كما أنني فهمت جيداً كيفية التفرقة بين الأفكار والمشاعر، وكيفية إصدار الأحكام تجاه الآخرين".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين