لطالما حاول المرشّحون للنيابة بلوغ مآربهم بشتّى الطرق الشرعية وغير الشرعية، ساعين إلى حماية الحصانة البرلمانية والإطلالة على الساحة السياسية. ولتحقيق غايتهم، يستخدمون مختلف الوسائل، لعل أهمّها الرشاوى الانتخابية المقدّمة للفقراء وتأخذ أشكالاً عدّة بعضها تقليدي وبعضها "مبتكر".
تختلف الرشوة الانتخابية باختلاف الزمان والمكان وبحسب الأحزاب والشخصيات التي تلجأ إلى هذا الأسلوب. ففي الماضي، كانت الرشوة عبارة عن مآدب وولائم يقدّمها المشايخ للفقراء. ازدهرت هذه العادة خلال الانتخابات التي جرت في حقبة الرئيس الراحل أنور السادات، واستمرت في أغلب الانتخابات التي نُظّمت فى عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وأضيفت إليها "عطايا مالية" تراوح بين 50 و100 جنيه (بين 7 و13 دولاراً) ومواد عينية مثل الزيت والسكر.وأخيراً، في الانتخابات البرلمانية التي جرت عقب ثورة يناير 2011، قدّم مرشحو جماعة الإخوان المسلمين إلى ناخبيهم اللحوم والبطانيات (بطاطين) إضافة إلى رحلات للحج والعمرة.
رشاوى انتخابية مبتكرة
في بداية العام الجاري، وبعد إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن مواعيد إجراء عملية الاقتراع، قبل أن تتأجل الانتخابات البرلمانية إلى موعد لاحق، رصد مرصد الانتخابات البرلمانية التابع للبعثة الدولية ـ المحلية المشتركة لمتابعة الانتخابات البرلمانية، "مصر 2015"، ومنسّقه في مصر مؤسسة "ماعت" للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، استخدام طرق ووسائل قديمة لتقديم الرشاوى وأخرى جديدة، وذلك في مرحلة ما قبل الترشح.
ومن بين الطرق الجديدة التي ارتبطت بانتشار العمليات الإرهابية والتفجيرات في مصر خلال هذه الفترة، أقام بعض المرشحين في القاهرة مجالس عزاء لضحايا حوادث الإرهاب في العريش وأماكن أخرى واستغلّوا هذه السرادقات في سبيل الدعاية الانتخابية.
وذكر المرصد أنّ أحد المرشحين أجرى خلال مؤتمر جماهيري جمعه بأهالي مدينة شبرا الخيمة قرعةً لرحلات عمرة لاختيار عشرة فائزين، وأعلن نيته توزيع عشرين رحلة عمرة أخرى. في حين أقام مرشح آخر عن دائرة عابدين والموسكي معرضاً خيرياً للملابس لأهالي الدائرة.
كذلك لجأ المرشّحون المستقلون في عدد من المحافظات إلى نوع جديد من الدعاية الانتخابية إذ نظّم أحد المرشحين المحتملين، في مدينة الفيوم، قافلة طبية في حي قحافة، تضمّ كلّ التخصصات وقدّم الأدوية مجاناً.
القوافل الطبية لحزب النور ـ مصدر الصورة: مرصد الانتخابات البرلمانيةوكانت أبرز الرشاوى الانتخابية المبتكرة، ما قام به رجل الأعمال الشهير أحمد عز، وهو من أبرز وجوه نظام مبارك، فور إعلان ترشحه، وقبل أن تستبعده اللجنة العليا للانتخابات، حين وزّع بطانيات وأكياس الأسمدة الكيميائية على المزارعين في مدينة السادات التابعة لمحافظة المنوفية.
وبحسب مرصد الانتخابات البرلمانية، كانت أزمة "قوارير الغاز" مثالية لاستغلالها في الدعاية الانتخابية. فقد حشد حزب النور السلفي أنصاره أمام المساجد الرئيسية وجمع قوارير الغاز الفارغة من المواطنين، ونقلها لتعبئتها قبل أن يعيدها ممتلئة إلى أصحابها. من جهته، قام حزب المصريين الأحرار، ذو التوجه الليبرالي، مدعوماً بمليارات مؤسسه رجل الأعمال نجيب ساوريس، بتوزيع اللحوم مجاناً على المواطنين من أجل جذب أكبر عدد منهم.
حزب المصريين الأحرار يذبح العجول فى المناطق الشعبية ـ مصدر الصورة: الموقع الرسمي لحزب المصريين الأحراررشاوى تقليدية
وذكر المرصد أنّ الرشاوى المعتادة استمرت من خلال لجوء بعض المرشّحين إلى توزيع الأموال على بعض الجمعيات الأهلية، وتقديم السلع المدرسية بأسعار منخفضة، أو حتى قطع وعود بتوفير وظائف في شركات مملوكة من بعض المرشحين. هذا بالإضافة إلى استغلال بعض المرشحين دور العبادة لإجراء لقاءات مع الناخبين داخل دوائرهم، وتركّزت هذه اللقاءات في القرى وفي أكثر المناطق فقراً داخل المدن.
يقول عمر جاد، أحد سكان منطقة فيصل في محافظة الجيزة، لرصيف22، إنّ الناس ينتظرون موسم الانتخابات بفارغ الصبر ليوزّع المرشحون الهدايا عليهم، مؤكداً أنه خلال الأسابيع الماضية جاءهم عدد كبير من المرشحين ووزعوا البطانيات واللحوم والزيت والسكر والدقي، ولفت إلى أنهّم تناسوا أسماءهم لكثرتهم وحداثة خوضهم الانتخابات أو الحياة السياسية. وأضاف: "تمثّل الانتخابات موسم رزق لنا إذ نحصل على اللافتات البلاستيكية لحماية أسقف منازلنا وشرفاتها من موجات الطقس العاصف".
أما سماح إبراهيم، القاطنة في منطقة الدويقة العشوائية في القاهرة، فقالت إنّ عدداً كبيراً من الأحزاب وزّع البطانيات عليهم، بالإضافة إلى ذبح أعداد كبيرة من العجول وتوزيعها على أهالي المنطقة، والأسلوب الأخير اعتمده بشكل خاص حزب المصريين الأحرار.
ووصف لرصيف22 جورج إسحاق، مقرر لجنة الحقوق السياسية والمدنية في المجلس القومي لحقوق الإنسان، لجوء بعض المرشحين إلى توزيع بطانيات، وتقديمهم رحلات حج وعمرة للناخبين، بـ"الرشاوى الانتخابية الرخيصة لابتزاز الناخبين وشراء أصواتهم". وأضاف: "لا توجد مادة في القانون تمنع أو تجرّم الرشاوى الانتخابية"، معرباً عن أمله أن يكون الشعب المصري أذكى من أن يصل هؤلاء المرشحون إلى البرلمان.
وأوضح أنّه في ظل ضعف الوعي السياسي لدى المواطن المصري، وعدم وجود رؤية لدى المرشح، يلجأ هذا الأخير إلى تقديم الحاجات العينية إلى الناخب، حتى يضمن صوته مستغلاً الوضع الاقتصادي الصعب.
ورأى إسحاق أنّ الرشوة الانتخابية تشوّه العملية الديمقراطية لا سيما أنّ مصر مقبلة على انتخاب برلمان سيكون بين أولوياته وضع قوانين مهمة وصعبة. وبرأيه، يعود استخدام الرشوة الانتخابية إلى ثقافة الناخب والمرشح، التي قد تطول عملية تغييرها، خاصة أنّ الناخب اعتاد الحصول على الزيت أو السكر أو اللحوم منذ فترة زمنية طويلة.
وفي يناير الماضي قررت اللجنة العليا للانتخابات إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة على مرحلتين، الأولى في مارس الجاري والثانية في أبريل المقبل. الإ أنّ المحكمة الدستورية العليا قضت في الأول من مارس بعدم دستورية المادة الثالثة من قانون الانتخاب.
وأعلن النائب الأول لرئيس المحكمة الدستورية أنور العاصي أن حكم المحكمة يقرّ بإبطال دستورية نص المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية الرقم 202 لسنة 2014 بخصوص تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب. ويعني الحكم عدم العمل بالقانون، وهذا ما يدعو السلطات التشريعية إلى سنّ قانون جديد للعملية الانتخابية. قرار المحكمة دفع اللجنة العليا للانتخابات إلى تأجيل الانتخابات حتى إتمام مراجعة القانون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع