"المرأة حيوان بشعر طويل وأفكار محدودة"، جملة صادمة خرجت من فم الفيلسوف الشهير شوبنهاور، سيد المتناقضات الذي كان يعيش بين أحضان النساء ويبكي تحت أقدامهنّ وفي الوقت نفسه يتحدث عن ضعف المرأة وقوة الرجل.
شوبنهاور ليس المفكر الوحيد الذي عبّر عن حقده للمرأة، إذ أنّ بعض الفلاسفة الآخرين صبوا جام غضبهم على هذا الكائن البشري، فاحتقروه ورجموه ووضعوه في خانة الحيوان، معتبرين أن المرأة "جلبت العار والخطيئة الأصلية"، وبالتالي فإن مخاض وآلام الولادة ما هي إلا قصاص تستحقه.
فكيف كانت صورة المرأة في حياة بعض الفلاسفة والمفكرين؟ وكيف توصل البعض في حقده إلى إعتبارها حيوان؟
المرأة غبية ومحدودة الفكر في نظر الفلاسفة
من سقراط إلى سارتر مروراً بأرسطو ونيتشه وشبنهاور، نلاحظ نوعاً من الإجماع الضمني على احتقار المرأة والتقليل من شأنها، على اعتبار أنها كائن ضعيف، غبي ومحدود التفكير والأفق. وهنا نتحدث عن ما أصبح يطلق عيله "التمييز ضدّ النساء" أو "الميسوجينية" والتي يمكن أن تتجلى بعدة أشكال: التمييز الجنسي، احتقار النساء، العنف ضدهن واعتبار المرأة أداة جنسية وكائن أقرب إلى الحيوان من الإنسان، في الثقافة الغربية. تحوّل مبدأ التمييز ضدّ المرأة إلى علامة مميزة للفيلسوف الألماني أرثر شبنهاور (1788–1860) والذي اشتهر بموقفه المناهض للمرأة وكرهه المرير لها، بعد خيبات الأمل المتكررة التي مر بها في حياته. فبالعودة إلى مرحلة الشباب، كانت علاقة الفيلسوف الألماني بالنساء شبه عادية لا بل اتسمت برومانسية مفرطة جعلته يحصد الخيبات والفشل تلو الآخر. ولكن بعد مرض والده وموقف والدته التي أهملت زوجها المريض وأنفقت أمواله على عشيقها، تأزمت علاقة شبنهاور بالنساء فشن هجوماً عنيفاً على كل النساء دون إستثناء، معتبراً أن المرأة إنسان من الدرجة الثانية، لا تتقن إلا الكلام الفارغ والإنفاق غير المبرر ودورها يقتصر على الإنجاب والطبخ. وقد اعتبر شبنهاور أن الرجل أخطأ حين أعطى المرأة حقوقاً تتساوى مع حقوقه، إذ أنها بنظره غير مسؤولة وتفتقر إلى الإبداع، وقد وصفها بـ"حيوان، يجب أن يضربه الرجل ويسجنه". ومن شبنهاور، ننتقل إلى المفكر الفرنسي جان جاك روسو، الذي، وبخلاف أفكاره الداعية إلى التحرر والثورة، اعتبر أن المرأة كالعبد يجب أن تخضع لسيدها الذي هو زوجها أو حبيبها: "المرأة خلقت لكي تخضع للرجل ولكي تتحمل ظلمه". وفي هذا السياق، يؤكد روسو أن خاصيّة المرأة الأولى هي "الدونية"، فهي لا بد أن تسلّم بأنها أدنى من الرجل، فهذا حكم الطبيعة السابق، ولهذا نراه يقول لصوفي في كتابه "إميل": "عندما يصبح إميل زوجك، فإنه سوف يصبح سيدك، تلك هي إرادة الطبيعة، ومن ثم ينبغي عليك طاعته".كيف نقيّم إنسانيتنا كحضارات بوجود أطر تمييز مخجلة في طريقة تصوير النساء؟
الفلاسفة الذين يعتبرون عماد قيم المساواة والعدالة أساؤوا وتحيزوا في أفكارهم ضد النساء.. حد وصفها بالحيوانوقبل قرون، قال الفيلسوف الشهير أرسطو أنّ "الذكر هو النموذج (أو المعيار)، وكل إمرأة إنما هي رجل معيب"، معتبراً أن بذور الرجل (أي الحيوانات المنوية) هي الأساس في تكوين المولود، وروحه، في حين أن المرأة مجرد وعاء بارد. وبينما أعطت طبيعة خلق الرجال، القدرة على السيطرة والقيادة، فإن النساء بطبعهن يملن للطاعة والخضوع، بحسب أرسطو. وبدوره ذهب الفيلسوف نيتشه بحقده وتهجمه على النساء، وقد وصل به الأمر لحدّ كره أمه وأخته في كتابه "هذا هو الإنسان"، معتبراً أن المرأة هي "فخ نصبته الطبيعة للرجل"، مشبهاً إياها بالحيوان: "المرأة ما هي إلا هرة، وقد تكون عصفوراً، وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة"، هذا وينصح الرجل بـ"ألا ينسى السوط إذا ذهب إلى عند النساء".
حين تقارن المرأة بالحيوان
ومن الفلاسفة الأجانب إلى المفكرين ورجال الدين في العالم العربي، برز تيار مناهض للمرأة مشبهاً إياها بالحيوان الشرس. فقد أثار الكاتب المصري أنيس منصور (1924–2011)، جدلاً واسعاً حين قال "المرأة حيوان مخيف: انظر إليها وهي ترمق فساتين إمرأة أخرى... إنها حيوان شرس لا إنسانية عندها". ولم تسلم النساء من لسان رجال الدين، فقد هاجمها أحد أشهر العلماء المسلمين أبو حامد الغزالي (505هـ/1111م)، مشيراً إلى أنها عنوان الكيد والشر والغدر، وقد شبهها بالحيوانات، قائلاً: "اعلم أن النساء على عشرة أصناف وكل صفة تشبه بعض الحيوانات فواحدة كخنزيرة والثانية كالقردة والثالثة كالكلب والرابعة كالحيَّة والخامسة كالبغلة والسادسة كالعقرب والسابعة كالفأرة والثامنة كالطير والتاسعة كالثعلب والعاشرة كالغنمة".المرأة مقابل الحيوان في بعض المجتمعات
في عصرنا الراهن، وبالرغم من تبوؤ النساء مناصب رفيعة في المجتمع وإنخراطهنّ في الحياة الإجتماعية والسياسية ودورهن البارز في المجتمع، فإن البعض ما زال ينظر إلى المرأة بعين الإزدراء والدونية. فقد سبق وأن أحدث إعلان عائد لدورة في أكاديمية سعودية للتدريب والإستشارات بعنوان "هل المرأة إنسان؟" للمستشار الأسري فهد الأحمدي جدلاً واسعاً وردود فعل متفاوتة لدى رواد مواقع التواصل الإجتماعي. وفي هذا الإطار، انتشر هاشتاغ "هل المرأة إنسان؟" تعبيراً عن الموقف الرافض لهذا العنوان، على اعتبار أنه ينتقص من إنسانية من يسأله، ويعبر عن تعصب وتمييز فاضح. واللافت أنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول هذا الموضوع في السعودية، إذ سبق وأن تداول الناشطون على "فيسبوك" صورة من كتاب القراءة في المملكة العربية السعودية، تظهر فيها المرأة في خانة "الحيوان". وفي أعلى الصفحة التي جاء عنوانها: "تتكاثر الحيوانات بطرق مختلفة"، جاء ما يلي: "انظر إلى المخلوقات الحية ثم ارسم دائرة حول الحيوانات التي تبيض"، وقد شملت الحيوانات "دجاجة، عصفورة، قطة... وامرأة". وفي ظل تعرض النساء لمضايقات لفظية وجسدية وسط صمت مطبق وقيام بعض المجتمعات باحتقار النساء وتجاهلهنّ مقابل "تأليه" الحيوان، انشغلت وسائل الإعلام منذ بضعة أيام بحملة توجيهية قام بها فنان هندي من أجل الدفاع عن حقوق المرأة. فقد أثار المصوّر الهندي سوجاترو غوش جدلاً واسعاً من خلال تصوير لقطات لنساء يرتدين قناع بقرة، وذلك في إطار توجيه رسالة صاعقة: في الهند تعدّ البقرة بمثابة "آلهة" بالنسبة إلى الهندوس وهي أعلى شأناً من المرأة، ففي حين أن المجتمع منهمك بالدفاع عن حقوق البقرة وحمايتها فإنه يتجاهل الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء... فاجعلوا الشارع آمن للمرأة وليس فقط للبقرة".حيوانات وصف بها المجتمع العربي المرأة
من باب المديح أو التهكم، قد نسمع البعض "يصوّر" المرأة ببعض الكلمات العائدة إلى الحيوان، في هذا السياق نترككم مع بعض العبارات التي لا شك أنكم سمعتوها مراراً على ألسنة الشبان: قطة: من منا لم يسمع تلك الكلمة التي يستخدمها الكثير من الشبان لمغازلة المرأة أو التحرش بها، فمن خلال كلمة "قطة" يقصد الرجل القول بأن المرأة التي أمامه رقيقة وجميلة. بومة: غالباً ما نسمع هذه الكلمة حين يكون المقصود الحديث عن إمرأة تحب النكد وتعشق الحزن، فهي "لا تضحك لرغيف السخن"، كما يقال بل تبقى عابسة ومستاءة من كل شيء. غزال: "تتمشي مثل الغزلان دادي دادي"، عبارة مأخوذة من أغنية فارس كرم والذي أراد من خلالها مغازلة حبيبته بالقول أنها جميلة ورشيقة. فراشة: يقال عن فتاة أنها كالفراشة للدلالة على رقتها وهشاشتها وخفة دمها. نحلة: من المعروف أن النحل يواظب على العمل من دون ملل، وحين يقال عن المرأة إنها مثل النحلة فهذا دليل على أنها في حالة نشاط دائم إذ تعمل جاهدة من دون كلل ولا ملل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...