شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من الـ

من الـ"بيك" والـ"باشا" إلى ملك "اللايكات"... هكذا تغيرت صورة المثقف العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 17 يوليو 201704:19 م

قديماً لم تكن كلمة "مثقف" مستخدمة في عالمنا العربي. بل كان هناك طبقة العلماء والحكماء، الذين تتعدد ألقابهم، بين الحبر العلامة، الحبر البحر الفهّامة، فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، كما كان يطلق على ابن سيناء والفارابي والرازي وغيرهم من العلماء الموسوعيين، الذين تجاوزت معارفهم العلم الواحد، بل تجدهم يؤلفون في الكيمياء والطب والفلسفة ويكتبون الشعر، وغيرها من دروب المعارف. وبحسب ما ذكر الباحث في التراث العربي، يسري السعداوي، لرصيف22، أنّ كلمة "مثقف" لم تشيع على الألسنة إلا خلال المائة عام الأخيرة. كلمة "ثقافة" نفسها في أوروبا تنتمي إلى روح عصر التنوير، وعقيدته في التطور الذاتي العلماني، وكانت في البداية مرادفة لكلمة "حضارة"، ومن لهم علاقة بصنع الحضارة. ومع نهاية القرن التاسع عشر، تطور مفهوم الكلمة ودلالتها، وأصبحت مرتبطة أكثر بمن يطلق عليهم المبدعين، المرتبطين بالفنون والآداب، كالشعراء، الروائيين، الرسامين والموسيقيين، ومن شابههم، بحسب ما ذكر أستاذ الأدب البريطاني الشهير، تيري إيجلتون، في كتابه فكرة الثقافة. الثقافة لها مفاهيم عدة، قد تختلف عما نقلناه عن إيجلتون. إيجلتون نفسه يعدد مفاهيم الكلمة وتعريفاتها في كتابه، ولكن ما هي دلالة الكلمة عند الجمهور العربي، الذي يقرن بينها وبين أصحاب الفنون الإبداعية، ومن هو المثقف في نظرهم؟ هنا إطلالة على تغيّر هذه الصورة من السينما.

سعادة "البيك"

المثقف هو الرجل الكلاسيكي، في هندامه، ولغته. منغلق على ذاته، وأقرب أصدقائه هو الكتاب. يتكلم بلغة مهذبة لدرجة الرتابة أحياناً. دمّه ثقيل ولا يجيد الدعابة. يحافظ على مظهر أرستقراطي، إلى حد ما، ويمنحه الناس لقباً، على شاكلة باشا، أو بيك أو أفندي على الأقل، وفي كل الأحوال هو "الأستاذ"، كصور أحمد لطفي السيد، وأحمد شوقي، وحافظ ابراهيم، التي وصلتنا. عزز ذلك ما جاء في أكثر من رواية وفيلم سينمائي، ولعل رواية الرباط المقدس لتوفيق الحكيم، التي كتبها عام 1944، وأخرجها للسينما محمود ذو الفقار عام 1960، ساهمت في رسم هذه الصورة، خاصة بعد أن أدّى شخصية "راهب الفكر" الفنان عماد حمدي، وهو معروف لدى الجمهور بكلاسيكيته.

الجيل الذي تلا الجيل الذي ذكرناه، اختلف وأخذ شكل المثقف يبدو أقل تمازجاً مع الأرستقراطية، لكنه لم يتخلى عن هيبته وكلاسيكيته، فنجد القبّعة لا تفارق رأس توفيق الحكيم، وكذلك الطاقية مع عباس محمود العقاد، أما طه حسين فلم يكن يتكلم إلا بالفصحى، حتى في أحاديثه العادية.

المثقف الثوري

الصورة التالية للمثقف في ذهن الجمهور، هي صورة "الثوري"، الذي تقوده معرفته وعمق أفكاره إلى النضال من أجل وطنه، ضد الاحتلال أو السلطة السياسية.
في القرن العشرين، انتقلت فكرة المثقف من علماء الدين والفلسفة، إلى الكتاب والفنانين والمفكرين
من فئة خاصة بالرجال، ممن يتميزون بمظهرهم وهندامهم، أصبحت صورة "المثقف" ملك الشابات والشباب
ولعل ذلك الاتجاه بدا واضحاً في روايات وسينما فترة الستينيات، كرواية ميرامار، التي كتبها نجيب محفوظ عام 1967، وأخرجها للسينما كمال الشيخ عام 1969، وفي الفيلم يظهر منصور باهي، الذي يقوم بدوره الفنان عبدالرحمن علي، مثقفا ينتمي لتنظيم ثوري معاد للسلطة، وتترصده الأجهزة الأمنية.

العربيد الظريف

تتحول صورة هذا المثقف، الذي عانى من الديكتاتورية والقمع، إلى شخص مؤمن بالمتعة والتلذذية، لا يعنيه سوى السهر والسكر والمال، ويبيع أي شيء في مقابل ذلك، وبدا ذلك في رواية ثرثرة فوق النيل، لنجيب محفوظ، التي ترصد فترة ما بعد نكسة 1967، والتي أنتجت كفيلم سينمائي عام 1971، وأخرجها حسين كمال. في ثرثرة فوق النيل، يجتمع باستمرار مجموعة من المثقفين الرجال، في يخت "عوامة" في النيل، يدخنون الحشيش، ويمارسون الجنس مع صديقاتهن. ومن بين جموعة "شلة" المثقفين، شخصية فنان لا يعنيه سوى المعجبات واللهو، وشخصية ناقد سينمائي يكتب نقداً لأفلام سينمائية لا يشاهدها، طالما يتقاضى أجراً على كتابته التي ترضي من يدفعون. وشخصية كاتب قصة، فاقد العقيدة والرؤية، لا يملك أي وجهة نظر سوى الانحلال وما يجلب له المال واللهو والنفوذ. 

المناضل يعود، والمهموم بتنوير مجتمعه

تعود السينما لترصد من جديد صورة المثقف، بعد انتصار 1973، لنجده جاداً صارماً، مناضلاً ضد القمع وكبت الحريات، ويضطر للكتابة في منابر خارج الوطن، للتضييق عليه في الداخل، كما ظهر ذلك في فيلم "زوجة رجل مهم"، من خلال شخصية الكاتب مجدي عز العرب، التي جسدها الفنان محمد درديري.

في نفس الفترة تبدوا أيضاً صورة المثقف في صورة الطالب الجامعي الكلاسيكي الذي يرتدي نظارة، ولا يمل من قراءة الكتب، لكنه يحمل همّ تنوير "الأميين" ممن حوله، وهو الأمر الذي يجعله عرضه للاعتقال والتعذيب، وتتجلى تلك الصورة في فيلم "البريء" لوحيد حامد وعاطف الطيب، والذي يقوم فيه بهذا الدور، الفنان ممدوح عبدالعليم.

المقاوم للإرهاب والتطرف

تجلت بعد ذلك صورة المثقف على أنها نقيض الإرهاب والتطرف الديني، في فترة التسعينيات، كما جاء في فيلم "الإرهابي"، الذي كتبه لينين الرملي، ويظهر من خلال شخصية الكاتب فؤاد مسعود، الذي تترصده الجماعات الإرهابية وتقتله، وقام بدوره الفنان محمد الدفراوي.

الفقير الذي يبيع كل شيء

في الألفية الجديدة تدهورت صورة المثقف، وأصبح هو الرجل الفقير، الذي يرتاد المقاهي، ويبيع إنتاجه  لمن يشتري، وظهر ذلك في أكثر من فيلم سينمائي، منها "مرجان أحمد مرجان"، للكاتب يوسف معاطي، الذي عُرض عام 2007، ويظهر فيه بطل الفيلم، الذي يؤديه الفنان عادل إمام، يشتري أشعاراً من شاعر فقير لا يملك شيئاً، قام بدوره الفنان ضياء الميرغني، كي يتباهى أمام أبنائه بأنّه مثقف، وتبدوا الأشعار ساذجة، رغم شكلها الذي يبدو جاداً.

ملكة/ملك المريدين "الفولورز"

تغير ذلك في العقد الأخير ومع اقتحام السوشيال ميديا لحياتنا، وتزامُن ذلك مع ظهور دور نشر صغيرة، تحاول أن تحيا في هذا الواقع الجديد، فتسعى لنشر أشكال مختلفة من المنتجات الثقافية، مهما كانت قيمتها ومصدرها، طالما أن تكلفة النشر والتوزيع سيتحملها المؤلف. والأمر لم يعد مكلفاً، فبأموال بسيطة يستطيع أن يطبع ديواناً شعرياً أو مجموعة قصصية، في كتاب من القطع الصغير، تحوي خواطره، وبمبلغ أقل بقليل يستطيع أن يقيم حفل توقيع يدعو إليه أصدقائه، بحسب رئيس قطاع النشر السابق بالهيئة المصرية العامة للكتاب، الدكتور شريف الجيار. تغيير هام حدث هنا هو انفتاح صورة المثقف من الرجال، عادة المتقدمين في العمر، إلى الشباب، وأصبح للشابات والنساء حضور أقوى. حيث أصبحت الكتابة أقرب للكثيرين، وتولدت الرغبة لدى كافة الناس، خاصة الشباب، في التعبير عن شخصيتهم في بوستات وتغريدات. الأمر الذي خلق شكلاً جديداً للمثقف/المثقفة، من المتهمين بمظهرهم "الرقمي"، الذي يستمدونه من أعداد المريدين التي تزداد وتترك لهم من كل أرجاء العالم، رسائل وتعليقات و"لايكات". أهم معالم المثقف، لم تعد مظهره أو قبعته ونظاراته أو غليونه الذي يتصاعد منه الدخان، بل بات "البوست" أو "التغريدة"، الذي ينشرها الشباب والشابات، وما يلفت الأنظار إليهم ويجمع الإعجابات لتزداد شعبيتهم على السوشيال ميديا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image