شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مخبرون!" هؤلاء يخشى المصريون الحديث معهم في السياسة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 9 يوليو 201711:21 ص
بات التعبير عن الرأي في مصر أمراً صعباً قد يودي بصاحبه إلى السجن إذا اختلف كلامه مع خطاب السلطة الرسمي حول مسائل كثيرة. لذا لا تستغرب حين يرفض شخص لا يعرفك الحديث معك في السياسة ويظنك مرشداً للشرطة. والنتيجة: مهن كثيرة يخشى المصريون الحديث مع أصحابها في السياسية خوفاً من أن يكون الأخيرون مخبرين للأجهزة الأمنية.

سائق التاكسي

INSIDE_Moukhberoun_taxiINSIDE_Moukhberoun_taxi من منطقة الدقي في وسط القاهرة، أقلّ أحمد فايز، سائق تاكسي، راكباً إلى محطة القطار في منطقة رمسيس. كان راديو السيارة ينقل كلمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "بمناسبة ليلة القدر تقريباً"، يروي فايز مضيفاً أنه بدأ يتحدث مع الراكب وينتقد الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلد. لكن الراكب ظل صامتاً لا يتبادل معه الحديث. استمر فايز في توجيه الكلام بشكل مباشر للراكب، الذي كان يبتسم دون تعليق ثم قال: "مبتكلمش في السياسة". يقول فايز الذي يعمل سائق تاكسي نحو 12 ساعة يومياً للوفاء بالتزاماته المالية: "شعرت بإهانة شديدة"، وعلق بأن "سواق التاكسي مواطن زي أي مواطن" رافضاً نظرة البعض لسائقي التاكسي على أنهم "مخبرون للأمن". بعد  جواب الراكب، استمر فايز في التعليق على الكلمة التي يلقيها السيسي وانتقاد ما جاء فيها.

الحلاق

INSIDE_Moukhberoun_barberINSIDE_Moukhberoun_barber عمار المنسي (اسم مستعار) حلاق في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة. كان معتقلاً بدعوى المشاركة في مسيرات مناهضة للنظام تنظمها جماعة الإخوان المسلمين، وتم الإفراج عنه مطلع العام الجاري. "الزبون الطياري" وفق ما يقول المنسي يتحفظ كثيراً في الحديث معه في الأمور السياسية، بعكس الزبون الدائم، الذي غالباً ما يكون على علم بميول الحلاق السياسية. قبل أسبوع من عيد الفطر، جاء شخص في العقد الثالث من العمر، كما يقدر المنسي عمره، ليحلق لحيته، وكان التلفاز يبث برنامجاً لإحدى الإعلاميات المواليات للنظام الحاكم وكانت تهاجم معارضي النظام وقطر وتركيا. غيّر المنسي القناة، وبدأ في انتقاد النظام الحاكم، إلا أن الزبون لم يتجاوب معه وكانت ردوده تنحصر ما بين "الدنيا زي الفل" و"ربنا يصلح الحال" مع ابتسامة ساخرة، حتى دخل أحد الزبائن الدائمين وهدد المنسي بأنه سيخبر والده بأنه عاد للحديث في السياسة. ويروي المنسي أن الزبون عندما استمع إلى هذا التهديد وعرف بأنه كان معتقلاً، بدأ يهاجم النظام ويتحدث بحرية كبيرة.
قائمة بالمهن التي يخشى المصريون الحديث مع أصحابها في السياسية خوفاً من أن يكونوا مخبرين
هل تتجرأ على الحديث في السياسة مع سائق التاكسي أو الحلّاق أو حارس العمارة؟

"البواب"

INSIDE_Moukhberoun_bawwabINSIDE_Moukhberoun_bawwab محسن فوزي (اسم مستعار) يعمل مسؤولاً للموارد البشرية في موقع إلكتروني إخباري، قال إنه تم اقتحام الموقع منذ بضعة أشهر من قبل الأمن ولكن المسؤولين عن الموقع لم يعلنوا الأمر، خاصة أن "الموضوع انتهى على خير". يشير فوزي إلى أن المسؤولين في الموقع عرفوا من خلال مصادرهم أن حارس العقار هو مَن أبلغ الأمن عنهم، لأنه يرى الكثير من الوافدين إلى المكتب وبحوزتهم كاميرات وأوراق، ويبدو أنه اعتقد أنهم يخططون لشيء ما ضد النظام. ولكن محمد الصعيدي (اسم مستعار)، حارس عقار في أحد الشوارع المتفرعة من ميدان التحرير بمنطقة وسط البلد، مهد ثورة 25 يناير، يرفض اتهام البوابين بأنهم مرشدون للأمن. وحكى الصعيدي أنه في مساء 25 يناير 2011، عندما اقتحم الأمن ميدان التحرير لفض التظاهرات المناهضة للرئيس الأسبق حسني مبارك، لجأ إلى العقار الذي يحرسه أحد الشباب المشاركين في التظاهرات هرباً من الأمن فخبأه في حجرته، مشيراً إلى أن رجال شرطة جاءوا وسألوا ما إذا كان أحد المحتجين لجأ إلى العقار فأنكر. ولكن الصعيدي لم ينكر في الوقت نفسه لجوء الأمن إليهم للاستفسار عن بعض الأمور وجمع المعلومات، مشيراً إلى أن ردهم يكون حسب الموقف، وموضحاً أنه إذا كان السؤال بخصوص جريمة قتل أو عملية إرهابية بكل تأكيد سيدلي بالمعلومات التي لديه للأمن.

"القهوجي"

INSIDE_Moukhberoun_cafeINSIDE_Moukhberoun_cafe على بعد عشرات الأمتار من ميدان التحرير، يعمل عماد غندور (اسم مستعار) في مقهى شعبي. لا يتذكر غندور واقعة معينة تبرز خوف بعض رواد المقهى من الحديث أمامه في السياسة، ولكنه يقول: "لما آجي أنزّل طلب لزباين بيتكلموا في السياسة ويسكتوا لما اقرب منهم بتوجع من جوايا". بالرغم من أن غندور يسخر من الأمر قائلاً: "يعني أنا لما بسمع الزبون بيتكلم في السياسة همسك التليفون واتصل بالأمن أبلّغ عنه؟!"، اعترف أن بعض العاملين في مقاهي البورصة بوسط البلد التي أغلقت منذ سنوات كانوا يتعاونون مع الأمن، خاصة أن هذه المقاهي كانت مقصداً للنشطاء السياسيين.

اقرأ: كيف تتعاون المقاهي مع الأمن في مصر لضبط معارضي النظام؟

يقول أحمد المصري، مصور، إنه في 25 يناير 2014، انتشرت تظاهرات لإحياء ذكرى ثورة 25 يناير، وكانت قوات الأمن في منطقة وسط البلد تلقي القبض على المتظاهرين، وأثناء مرور اثنين من الناشطين السياسيين أمام مقهى قريب من ميدان مصطفى كامل، صاح صاحب المقهى وهو يشير باتجاه الناشطين الاثنين اللذين اعتادا الجلوس في المقهى "العيال دي من بتوع المظاهرات"، إلا أنهما تمكنا من الهرب.

صحافي الداخلية/ الدفاع

INSIDE_Moukhberoun_newsINSIDE_Moukhberoun_news الخوف ليس مقتصراً على أصحاب المهن المذكورة. فعدد من الصحافيين أيضاً مثلاً يخشون الحديث مع زملائهم الذي يغطون أخبار وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، مع أن كثيرين من هؤلاء يمارسون عملهم بمهنية ولا يقبلون بلعب دور المخبر.

لا تستغرب حين يرفض شخص لا يعرفك الحديث معك في السياسة ويظنك مرشداً للشرطة

في العام 2015، ألقت قوات الأمن القبض على أحد أقرباء الصحافية شيماء كمال الدين (اسم مستعار)، وتم احتجازه في مكان غير معلوم، فقصدت كمال الدين إحدى زميلاتها المكلفة بتغطية نشاط وزارة الداخلية لمعرفة مكانه وأسباب القبض عليه، والتدخل للإفراج عنه. "ادتني محاضرة وقالتلي: إزاي نسيب الحال يوصل بيه لكده". هكذا كان رد الصحافية المكلفة بتغطية نشاط وزارة الداخلية على كمال الدين عندما أخبرتها بالأمر، ثم قالت لها إنه مقبوض عليه لاشتراكه في تظاهرات مناهضة للنظام، وإنه "بخير" ولا أحد يؤذيه وإنه في أحد مراكز جهاز الأمن الوطني. وتشير كمال الدين إلى أنها قطعت علاقتها مع زميلتها المكلفة بتغطية أخبار وزارة الداخلية بسبب المحاضرة التي ألقتها عليها، وأصبحت تخشى التعامل مع الصحافيين المكلفين بتغطية أخبار الوزارتين، وتقول: "أنا مش بثق فيهم لأن مع مرور الوقت الواحد منهم بيحصله غسيل مخ".

البعد الاجتماعي

تقول زينب شاهين، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، إن بعض المهن مثل مهنة الحلاقة تتطلب من صاحبها أن يتحدث كثيراً، ولكن الفكرة: هل يتم توظيف هذا الأمر لصالح جهات ما؟ ولأن استخدام الأجهزة الأمنية لأصحاب بعض المهن من أجل مدهم بالمعلومات يحدث بالفعل، ترى شاهين أن تخوف البعض من أصحاب المهن السالفة الذكر "طبيعي ومقبول" وتنصح بأخذ الحطية والحذر في الحديث مع الغير. فيما ترى هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسي في كلية الآداب جامعة الزقازيق، أن الأمر ليس ظاهرة، بل الظاهرة هو حديث الناس في السياسية سواء في وسائل المواصلات أو طابور العيش أو غيره، مؤكدةً أن المجتمع المصري "سياسي بطبعه". واعتبرت زكريا أن خوف البعض من الحديث مع أصحاب بعض المهن كسائقي التاكسي "حذر مبالغ فيه"، وقالت: "أحياناً سواق التاكسي هو اللي بيكون قلقان لأنه مش عارف بيتكلم مع مين".

مهن أخرى

وبخلاف أصحاب المهن السالفة الذكر التي اتفق كثيرون ممن استطلعنا رأيهم عليها، هناك مهن أخرى يخشى البعض الحديث مع أصحابها في السياسية مثل "بائع الكشك"، و"السايس"، وسماسرة العقارات في المناطق البارزة مثل وسط البلد.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image