حينما تركت أحلام سيد محمد (27 عاماً) قريتها في محافظة سوهاج لترافق خالتها المريضة للعلاج في القاهرة، لم يكن أمامها خيارٌ للإقامة سوى في فندق صغير.
فالمستشفى الحكومي الذي تُعالج به خالتها لا يسمح بأن يبيت المرافق مع المريض لعدم وجود أماكن كافية.
ما لم تتوقعه هو أن يكون حجز غرفة في الفندق أمراً صعباً.
تحكي محمد لرصيف22 عبر مكالمة هاتفية مطولة كيف صعدت درج الفندق الذي اختارته في منطقة وسط البلد، والتي تشتهر بالأسواق والمحال التجارية، في تمهل، وطلبت حجز غرفة لمدة 3 ليالي.
رمقها الموظف بنظرة متفحصة، بحسب وصفها، قائلاً: "مين معاكي؟" فردت، "لا أنا عاوزة غرفة سنجل"، أي بمفردي، فنظر إليها الموظف مجيباً: "معندناش غرف لبنات لوحدها".
وحينما أصرت على طلبها، أتى المدير وأصر على حقه في رفض استقبال أي نزيلة شابة بمفردها. وأنهى الحديث مؤكداً أن تلك هي تعليمات شرطة السياحة ومباحث الآداب بوزارة الداخلية، وأنه لا يستطيع تحمل تبعات مخالفتها.
"إذا كنتِ فتاة مصريّة من أحد الأقاليم غير القاهرة وأردت أن تستأجري غرفة في أحد الفنادق أقل من 5 نجوم، فغالباً سيرفض طلبك وسيُقال لك بابتسامة باردة مع السلامة"، تقول محمد لرصيف22.
شابات مصريات كثيرات يواجهن الرفض ذاته حينما يطلبن المبيت في الفنادق المتوسطة السعر بمفردهن. تجدن أنفسهن بمواجهة نظرات ارتياب من موظفي الفنادق الذين يستنكر معظمهم مبيت امرأة لوحدها "خارج البيت"، ويربطون ذلك مباشرة بالدعارة والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
وكأن الشابة لا تسافر لغرض عمل أو دراسة أو تجارة أو حتى نزهة بمفردها.
تعليمات أمنية للفنادق
يقول باسم حلقة، نقيب السياحيين المصريين لرصيف22 إنّ هناك تعليمات من قبل شرطة الآداب وشرطة السياحة لأصحاب الفنادق بعدم السماح بحجز غرفة لأنثى بمفردها، ما يعتبره تمييز ضد المرأة يجب أن يُقاوم. ويضيف حلقة، أن تلك التعليمات تخص النساء فقط اللاتي يردن المبيت بمفردهن، ولا تنطبق على الرجال أو حتى مجموعة النساء إذا كن أكثر من واحدة يتنقلن لغرض نزهة أو رحلة. يفرّق حلقة بين التعليمات والقوانين بخصوص إجراءات منع النساء من حقوقهن الطبيعية في تأجير غرفة فندقية، موضحاً أن ما صدر من تعليمات للفنادق من قِبل شرطة الآداب لا يرقى لمرتبة القوانين أو القرارات الإدارية. فليس هناك قانون ينص على عدم تأجير غرفة لسيدة بمفردها دون سن الأربعين، لكن هذا يعود للإجراءات الأمنية المفروضة والتخوّف الذي وصفه بغير المبرر من قبل أصحاب الفنادق خاصة فيما يتعلق بالممارسات الجنسية خارج إطار الزواج، أو بالدعارة. ويعتبر نقيب السياحيين، تلك الاجراءات من قبيل ممارسة العنف ضد النساء لأنهن الطبقة الأضعف واللوم يقع عليهن في حالة ممارسة أعمال الدعارة، في حين أن المجتمع لا يلوم الرجل مطلقاً ويمارس ازدواجية كبيرة في التعامل مع الجنسين.في مصر... ممنوع أن تبيت شابة بمفردها في فندق 3 أو 4 نجوم
إذا كنت فتاة مصرية وأردت أن تستأجري غرفة في أحد الفنادق أقل من 5 نجوم، فغالباً سيقال لك مع السلامةلا يخفي حلقة أن المكون الديني والطباع المحافظة تتدخل في فكرة المنع بشكل كبير، حيث أنه لا يُسمح للنساء بحجز غرفة فندقية منفردة بدعوى عدم وجود "مِحرم" معها، وهو ما يتقاطع بشكل كبير مع التصورات الدينية عن ضرورة السيطرة وضبط تحركات المرأة في المجتمع الإسلامي.
عندما تصبح "الأنثى" شبهة لذاتها
تقول منى عزت، الناشطة النسوية في مؤسسة المرأة الجديدة لرصيف22، إن سياسة التعنت ضد النساء من قبل أصحاب الفنادق ليست وليدة اليوم ولها جذورها حتى قبل ثورة 25 يناير 2011. وقد تعرضت عزت لعدة مواقف مشابهة في مدينة السويس ورُفض نزولها مع زميلة باحثة في فندق. "بعد جدال طويل مع مدير الفندق ومجموعة من الإداريين وتهديدنا له بإبلاغ الشرطة نظراً لكون عملية منعنا إجراءً غير قانوني، تم السماح لنا في النهاية بالمبيت بعد معارك كلامية وجدل استمر طويلاً مع أصحاب الفندق"، تضيف عزت. وتشير إلى أن الاتجاهات المُحافظة أو الدينية موجودة في عدة فنادق، خاصة تلك التي يملكها أشخاص ذوو خلفية إسلامية، ولا تقبل فكرة مبيت فتاة خارج المنزل بمفردها أياً كانت الظروف، فتنعكس خلفية مالك الفندق أو إدارته على حق المرأة في استئجار غرفة فندقية. تضيف عزت: "ما تغير في الأمر أن الشرطة كانت تحمينا قبل الثورة، وعندما كنا نهدد أصحاب الفنادق بإبلاغها وتحرير محاضر ضدهم، كانت بعض إدارات الفنادق ترضخ لطلباتنا، لأنهم يعلمون أن تلك الممارسات لا تخضع للقانون". أما الآن فقد أصبح الوضع أكثر سوءاً ويكرّس لتلك الممارسات، فالمنع حالياً يتم بموجب تعليمات من شرطة السياحة ومباحث الآداب، وليس وليد ثقافة محافظة أو دينية كما كان في السابق.محاربة الدعارة؟
تبرير المنع بأنه لمحاربة الدعارة لا يقنع عزت وغيرها من النساء، فهو برأيهن قمع للنساء بدعوى الانضباط. "أن نشتبه في كل النساء بشكل استباقي فهو نوع من الترهيب والتشكيك غير المبرر"، تقول عزت. كما أن تطبيق إجراءات المنع يستثني فنادق الخمسة نجوم، وينحصر بين الفنادق ذات فئة الـ4 نجوم فأقل، أي الأقل سعراً والتي تناسب شريحة أكبر من المواطنين ذوي الدخل المنخفض. وهو ما يعتبره البعض تمييزاً واضحاً ضد الأقل دخلاً. "طبقية بغيضة وافتراض سوء النية لدى الطبقات الأفقر والأضعف"، تقول عزت التي تؤكد أن تلك الاجراءات تُخالف القانون والدستور الذي كفل حق التنقل وحق التعليم، والذي يُعتبر البوابة الأكبر لهجرة النساء داخلياً أو السبب الرئيسي للسكن بمفردهن. وتضيف عزت أن موظف الفندق يأخذ صورة من البطاقة التعريفية للنزلاء، الرجال والنساء، ويمكنهم حينها التواصل مع الجهات الأمنية والكشف عن هوية صاحب البطاقة ومعرفة ما إذا كان متهماً في قضايا أو هارباً منها."إبعد عن الشر وغنّي له"
كلام عزت لا يقنع بأي شكل من الأشكال أيمن الأتربي، مدير فندق "كلاريدج" بمنطقة وسط البلد الشهيرة بالقاهرة. يقول بإصرار إنه لا يسمح للنساء بحجز غرفة منفردة، ويضيف: "أعلم أنه لا يوجد قانون يبيح لنا ذلك، لكن الأمر يتعلق بتعليمات أمنية، كما يتعلق بالمشاكل التي قد تحدث جراء السماح بذلك". برأي الرجل الخمسيني، لا يحق لأنثى المبيت بمفردها في فندق، "لأننا شرقيون"، بحسب تعبيره. ويضيف أنه إذا اقتضت حاجتها للسفر من محافظة إلى محافظة أخرى يجب عليها تدبير الأمر قبل السفر، سواء من خلال تواجد شقيقها أو زوجها معها، أو أن تذهب لقضاء احتياجاتها وتعود لمنزلها قبل الليل. أما فيما يخص العمل والدراسة، يقول الأتربي، إن هناك بيوت الطالبات أو بيوت المغتربات، التي يمكن للفتيات الإقامة فيها. "يمكن لعائلة الفتاة المساعدة في إيجاد سكن بجوار عملها في حالة السفر للعمل، وبعض المصانع تخصص سكناً للمغتربين من الرجال والنساء بجوار العمل وتكون منفصلة عن بعضها"، يقول الأتربي الذي يتساءل باستنكار عن السبب الذي يدعو فتاة للسفر بعيداً عن أهلها واستئجار غرفة فندقية بمفردها. يقول إن المجتمع المصري محافظ بطبعه، وإن أصحاب الفنادق متوسطة الأسعار يخشون المشاكل التي يمكن أن تحدث جراء ذلك. "يمكن أن تهرب فتاة من بيت عائلتها وتلوذ بغرفة لديّ، لكني لن أحتمل أن يأتي أهلها ويفتعلون المشاكل وأدخل في صراعات أنا في غنـى عنها". يصمت لبرهة ثم يقول "المثل المصري بيقولك... إبعد عن الشر وغنّي له".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون