شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
خدم للساحرات ومسكن للجان وآلهة للأمومة... كل هذا في قطة واحدة وسبعة أرواح

خدم للساحرات ومسكن للجان وآلهة للأمومة... كل هذا في قطة واحدة وسبعة أرواح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 28 يونيو 201702:56 م

علاقة الإنسان بالقطط كحيوانات أليفة، شابها الكثير من الغموض على مر التاريخ. تناولت الأمثال والأساطير الشعبية القطط كرمز للغدر والخيانة حيناً، ورمز للحب والجمال أحياناً أخرى. واختلفت نظرة الثقافات والحضارات لها على مر العصور، فبعضها اعتبر القطط رمزاً للقوة والسلطة، ورفعها إلى مصاف الآلهة، والبعض الآخر اعتبرها رمزاً للشر والبؤس، وتسابق في تعذيبها وإيذائها. نتعرف هنا أكثر إلى مكانة القطط في الحضارات المختلفة، والأساطير والخرافات التي دارت حولها منذ القدم، وما زالت راسخة في الموروث الشعبي حتى يومنا هذا.


الحضارات القديمة

تمتعت القطط في الثقافة الفرعونية القديمة بمكانة رفيعة عند الملوك والعامة على حد سواء. فلم يكن يخلو منها منزل. إذ كانت وسيلة للتخلص من الجرذان والثعابين، وكان المصريون القدماء يقدسون القطط، ويعاقبون كل من يؤذيها بأقصى العقوبات. وكانوا يحزنون عليها عند موتها ويقومون بحلاقة حواجبهم كشكل من أشكال الحداد.

كما أنهم أعلوا من مكانتها حتى وصلت إلى مصاف الآلهة، فصنعوا منها آلهة تعبد سموها باستيت، لها وجه قطة وجسد امرأة، تعكس الرابط القوي بين القطط والنساء في ذلك الوقت. إذ كانت المرأة الفرعونية في غالبية النقوش تُجسد جالسة على كرسي وتحت قدميها قطة، وكانت الإلهة باستيت رمزاً للحب والمتعة والخصوبة، عبدت في مقاطعة برباسيت التي سميت بذلك نسبةً لها، وكان سكانها يقدمون لها القرابين خوفاً من غضبها، ويتلون تعاويذ للحفظ من غضبها بعد الموت. ووجدت فيها أكبر مقبرة للقطط تضم آلاف الجيف المحنطة والتماثيل الذهبية لقطط الماو المصرية. وفي الصين، اعتبرت القطة "لي شو" إلهة للخصوبة، تقدم لها القرابين في نهاية كل موسم حصاد. كما اعتبرت في حضارة الهند القديمة إلهة الأمومة. وفي روما اعتبرت رمزاً للحرية، والحماية، فاستخدمها الرومان واليونانيون في القضاء على الجرذان والقوارض. وفي العصور الأوروبية القديمة، عبدت القطة كإلهة في إيرلندا، وكانت قبائل الفايكنغ تعتبر القطط أكثر الحيوانات حناناً وإلفة، ولم يكن يقتنيها إلا الملوك والأمراء. وحظيت القطة في اليابان بمكانة رفيعة، فكانت غالية الثمن، يمكن للنبلاء فقط اقتناؤها، وكانت تحفظ في المعابد لحراسة المخطوطات الثمينة، وحماية شرانق ديدان الحرير من القوارض.

كذلك اعتبرت القطط في الثقافات البوذية والبورمية مسكناً للأرواح المقدسة، التي تختارها لتسكن فيها وتوصلها إلى الجنة بعد وفاتها.

العصور الوسطى

لم تنل القطط في العصور الوسطى في أوروبا المكانة السامية، التي حظيت بها في العصور القديمة. بل على العكس، اعتبرت رمزاً للشر والشعوذة، خصوصاً السوداء منها، وتم إلحاق الأذى بها من فئات الشعب المختلفة، وعذبت بأبشع الطرق.

ويعود ذلك لاعتقادهم بأن القطط مخلوقات شريرة تمتلك قوى مخيفة، وأنها خدم للساحرات، أرسلها الشيطان لمساعدة الساحرات في فعل الشر، وأن أنيابها سامة ولحمها فاسد. ما يفسر قيامهم بقتل القطط وحرقها والتنكيل بها. الأمر الذي أسفر عن خلل في التوازن البيئي في المنطقة، نتيجة لتناقص أعداد القطط وزيادة أعداد الجرذان والقوارض، وانتشار داء الطاعون الذي قضى على ربع سكان أوروبا في القرن الرابع عشر. ولم تتغير نظرة الأوروبيين للقطط حتى بداية عصر النهضة الأوروبية، حين عادت للقطط حقوقها كحيوانات أليفة تتمتع بالرعاية الصحية والجسدية كغيرها من الحيوانات الأخرى.

الحضارة الإسلامية

اتسم التعامل مع القطط في الحضارة الإسلامية بقدر كبير من اللطف والاهتمام، فحظيت بمعاملة حسنة ومكانة خاصة. فقد ذكرت الأحاديث النبوية أن امرأة حبست قطة فلم تدعها تذهب لتسعى لطعامها، ولم تقدم لها الطعام حتى ماتت القطة فكان مصير المرأة النار برغم صلاتها وصيامها. وذُكر في أحاديث نبوية أخرى أن القطط طاهرة غير نجسة، وأنها من الطوافين والطوافات في البيوت، وأن الرسول الكريم كان يتوضأ من الماء الذي شربت منه القطة واعتبره طاهراً.

أساطير وخرافات

انتشرت الكثير من الخرافات والأساطير التي تذكر القطط في الموروث الشعبي العالمي، واعتمدت في غالبها على تفرقة القطط وفقاً لشكلها ولونها. ففي الفولكلور الأيرلندي، تجلب القطط الفضية اللون لصاحبها الحظ الحسن، وفي الفولكلور الهندي، تبشر القطط الداكنة اللون صاحبها بالذهب، في حين تجلب القطط ذات المخالب المتعددة الحظ الجيد. وفي الفولكلور الفرنسي، يعتبر مواء القطة البيضاء على دار الفتاة مؤشراً لقرب زواجها. وفي بريطانيا، تعد القطة السوداء هدية للزواج السعيد، والدوس على ذيل القطة يعني قرب الزواج. أما في البلاد العربية، فتعتبر القطة السوداء نذيراً للشؤم ويعتقد بأنها مسكن للجان والشياطين، في حين تعتبر القطط البيضاء ملائكة، والملونة حيوانات أليفة تعامل بلطف ولين.

الموروث الشعبي العربي

يزخر الموروث الشعبي العربي بالأمثال الشعبية والحكايات التي تصف القطط بالغدر والخيانة والسرقة ونكران الجميل حيناً، وبالوفاء والحب والحنان أحياناً أخرى. وفي كتابه القط في المعتقد الشعبي وأصوله الحضارية، يؤكد الكاتب فؤاد مرسى أن المدونات العربية القديمة زخرت بالعديد من الاعتقادات عن القطط، تعنى غالبيتها بالسحر ومنح الشفاء من الأمراض. وزعم بعضها أن أكل الهر الأسود يقي من السحر، وأن أكل طحال القط الأسود يشد على المستحاضة فيقطع حيضها، وأن مخه يفيد لوجع الكلى، وأن من استصحب نابه لم يفزع بالليل، وغيرها الكثير من المعتقدات الراسخة في الموروث الشعبي حتى يومنا هذا. ومن المعتقدات المتعلقة بالقطط أيضاً والسائدة في مصر، يذكر أن العديد من الناس يعتقد بأن روح الشخص المتوفى يمكن أن تسكن في القطط، ما يوجب على أهل المتوفي حسن معاملتها وتقديم الطعام والشراب لها عند زيارتهم. وينتشر في صعيد مصر كذلك اعتقاد يقول إن التوأم المولود ثانياً تتلبس روحه في جسد قطة عندما ينام، وتجوب في المكان وأن أي أذى يصيب القطة يصيب الطفل حال استيقاظه. ووفقاً للكاتب، فإن الاعتقاد السائد لدى البعض بأن للقطط قدرات خارقة وأنها تفيد في أعمال السحر وغيرها، ينتشر في المجتمعات القروية والأحياء الفقيرة. أما في المجتمعات المتطورة فهذه الاعتقادات غير سائدة، ويعود ذلك إلى طبيعة المجتمعات التي تنشط بها هذه الأنواع من المعتقدات، فكلما ازداد نصيب الفرد من التعليم والثقافة، تردد في التسليم بهذه المعتقدات ووصفها بالخرافة والتخلف. ويذكرنا الكتاب بالعديد من الأمثال الشعبية المنتشرة في الموروث الشعبي، والتي يضربها الناس في تعاملاتهم اليومية: "متل القطط تأكل وتنكر"، و"اللي بيلعب مع القط يتحمل خراميشه"،  و"القطة بسبع أرواح"، و"القطة ما بتحب غير خناقها"، و"إن غاب القط إلعب يا فأر"... عدا أن القطط حيوانات أليفة ترعى حق مربيها وتقبل التأديب، إذا قدِّم لها الطعام أكلته وفي حال سرقته فإنها تهرب خوفاً من التأنيب، وأن اختلاف صورتها في أذهان البشر، إنما يعود لقربها منهم، وإلفتها لهم، فهي حيوانات وفية لا يمكن أن تخون من يحسن معاملتها أو تتنكر له.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image