أجواء الحرب عادت تلوح مجدداً في أفق الجنوب اللبناني، بعد أكثر من عقد على العدوان الأخير، في ظل كلام متزايد لقادة عسكريين إسرائيليين عن سيناريوهات الحرب المقبلة، يترافق مع تهديدات متوالية لحزب الله.
آخر هذه التهديدات جاء على لسان قائد سلاح الجو الإسرائيلي أمير إيشل الذي توعد حزب الله في 21 يونيو، بحرب ضارية ستكون مضاعفة خمس مرات عن تلك التي جرت عام 2006.
وزعم "إيشيل" خلال كلمة له في مؤتمر "هرتسيليا" أن سلاح الجو الإسرائيلي شهد تحسناً كمياً ونوعياً منذ المواجهة الأخيرة، وبات بإمكانه شن نفس عدد الهجمات التي نفّذها طوال الحرب خلال يومين أو ثلاثة فقط.
قبل ذلك بيوم واحد، أكد رئيس الأركان غادي إيزنكوت، خلال المؤتمر نفسه الذي يعقد سنوياً لمناقشة مستقبل إسرائيل ورصد المخاطر التي تواجهها، أن حزب الله هو التهديد الرئيسي على إسرائيل اليوم، إذ بات ينتشر في أكثر من 200 قرية ومدينة في الجنوب اللبناني وينشر فيها عشرات الآلاف من صواريخه.
وفي الميدان، تتزايد الاستعدادات الإسرائيلية للحرب، آخرها تدريبات أجرتها قوات خاصة في قبرص.
تقول القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إن فرقة قوات النخبة (الكوماندوز) التي تضم وحدات دوفدفان وإيغوز وريمون، أجرت أخيراً تدريبات ضخمة في قبرص، في إطار سعيها لزيادة مساهمة تلك الوحدات في الحروب ضد ما وصفتها بـ"التنظيمات الإرهابية".
لكن المحلل العسكري الإسرائيلي بن كسبيت أكد أن هذه التدريبات جرت خصيصاً استعداداً لمواجهة محتملة مع حزب الله في جنوب لبنان، ملقياً بالضوء في تحليل نشره موقع "المونيتور" الأمريكي في نسخته العبرية "إسرائيل بولس" بعنوان "الكوماندوز الإسرائيلي يدهم قبرص في الطريق إلى لبنان"، على تفاصيل تلك التدريبات التي جرت داخل مناطق تضاريسها شبيهة جداً بتضاريس جنوب لبنان وعلى جدواها في الحرب المقبلة، والتغييرات الإستراتيجية التي أدخلتها إسرائيل على بنية قواتها استعداداً لعملية برية داخل الأراضي اللبنانية، بعد استيعابها دروس حرب لبنان الثانية.
إلى نص المقال:
"في الأسبوع الماضي (14 يونيو) انتهت في قبرص تدريبات ضخمة لوحدة الكوماندوز بالجيش الإسرائيلي، جرت بالتعاون مع قبرص وشارك فيها مئات من مقاتلي الكوماندوز، وعشر مروحيات "بلاك هوك" تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وكلاب وعناصر من وحدة الكلاب "عوكتس"، ومقاتلون من وحدات أخرى تابعة للجيش كالهندسة والاستخبارات.
أجريت التدريبات على قمة جبال ترودوس في قبرص. سافر الجنود إلى مدينة بافوس القبرصية على متن طائرات نقل تابعة لسلاح الجو، ومن هناك عبر مروحيات الـ"بلاك هوك" إلى الميدان. تدرّبوا على القتال في المناطق المبنية، والمناطق الجبلية، وعلى إنزال قوات بواسطة المروحيات في تضاريس وعرة وعلى ارتفاع عال، بالتعاون مع قوات أجنبية في ساحة غير مألوفة.
[caption id="attachment_110615" align="alignnone" width="700"] جبال ترودوس في قبرص[/caption]وعلى الرغم من عدم تأكيد ذلك من قبل أي متحدث إسرائيلي، فمن الواضح أن المرتفعات التي تم اختيارها لتنفيذ التدريبات هي نسخة شبه تامة للظروف الطوبوغرافية في لبنان.
تهديدات حادة وتدريبات في قبرص في مناطق تضاريسها شبيهة جداً بتضاريس جنوب لبنان. ماذا تخطط إسرائيل؟
أجواء الحرب عادت تلوح مجدداً في أفق الجنوب اللبناني... ما مدى جدية التهديدات الإسرائيلية؟
آخر مناورة عسكرية نفّذتها إسرائيل في لبنان كانت في حرب لبنان الثانية قبل 11 عاماً (2006)، ولم تتوّج بالنجاح: أطلق الجيش ثلاث فرق مدرعة في منطقة جبلية واسعة لتشكل عملياً مئات الأهداف البارزة لنيران صواريخ حزب الله. منذ ذلك الوقت حتى اليوم، يعمل الجيش الإسرائيلي على تصميم جديد للمناورة البرية، أكثر ملاءمة للواقع الآني ولوضع القوات. "في المرة المقبلة، سيكون ذلك مختلفاً تماماً"، يتعهدون في الجيش.
الجيش الإسرائيلي في 2017 مختلف تماماً عن الجيش الذي واجه حزب الله في يوليو 2006. السنوات الطويلة من التقليص في الميزانية حوّلت جيش 2006 إلى جيش غير فاعل وغير مدرب، يفتقر للخبرة العملياتية والأهداف الدقيقة.
في حرب لبنان الثانية، بحث الجيش الإسرائيلي دون جدوى عن خصم يمكن مواجهته في ميدان القتال، ولم يجد. تجنب مقاتلو حزب الله المواجهة المباشرة مع الفرق الإسرائيلية المدرعة، واكتفوا باستهداف الدبابات والمقاتلين عن بعد بصواريخ "كورنيت"، وبنجاح كبير.
أضرّ القتال غير المتكافئ في الأساس بالجيش الإسرائيلي الثقيل الحركة بشكل واضح، في مواجهة قوات مقاومة منتشرة في المنطقة وتعرفها جيداً.
في العقد الماضي، استوعبت إسرائيل الدرس. جرت إعادة تأهيل منظومة الاحتياط وتحسين وتطوير نظام التدريبات. وأقيمت فرقة الكوماندوز، التي شاركت إحدى وحداتها "إيغوز" في المناورة بقبرص. وأقيمت مواقع تدريب متطورة وانبرت إسرائيل في تحالفات إقليمية تسمح للجيش بالتدرب مرات عديدة مع قوات أجنبية في تضاريس مشابهة لمناطق المواجهة المستقبلية.
في هذا المجال من القتال ضمن تحالف من القوات، لوحظ تغير في نظرة الجيش الإسرائيلي: حتى وقت قريب، لم يكثر الجيش الإسرائيلي من التدرب على القتال بالتعاون مع قوات أجنبية، باستثناء الأمريكيين. ركزت إسرائيل على مناورات مشتركة مع الجيش الأمريكي ولا شيء غير ذلك.
هذا الوضع تغير. إذ لا تستبعد النظرة العملياتية للجيش الإسرائيلي اليوم، بل ربما تشجع تكوين ائتلافات دولية لخوض قتال مشترك. يتدرب جيش إسرائيل 2017 مع اليونانيين، والقبارصة وجيوش أخرى مع تحسين قدراته على التعاون العسكري.
في هذه المرحلة تصعب رؤية قتال حقيقي ضد أعداء حقيقيين يلتحق خلاله مزيد من القوات بالجيش الإسرائيلي، لكن كل شيء في الشرق الأوسط ممكن. على خلفية تقرير (في التايمز اللندنية، 17 يونيو) حول الاتصالات بين إسرائيل والسعودية لتكوين علاقات اقتصادية بينهما، والتحالف الإقليمي الخفي بين إسرائيل ودول المحور السني، يتعين علينا الاستعداد لكل الاحتمالات.
تدريبات وحدة الكوماندوز في قبرص مسلطة صوب مواجهة مستقبلية مع حزب الله، لكن ليس هذا فقط. في ضوء تطور الأحداث على الجبهة الشمالية، يحتمل حدوث سيناريوهات أخرى لم يكن بالإمكان أن تخطر على البال قبل سنوات معدودة.
في ظل ظروف معينة قد تكون هناك حاجة لقيام الجيش الإسرائيلي بمناورة في الأراضي السورية، وليس في لبنان.
إلى أي مدى يبدو هذا غريباً؟ فالمناورة في سوريا في الوقت الحالي هي حدث مختلف تماماً عما أعد له الجيش الإسرائيلي نفسه في الماضي، في ظل تفكك الجيش السوري، وعدم وجود سلاح المدرعات السوري على الأرض بأعداد كبيرة. كذلك اختلف في المقابل مفهوم المناورة العسكرية الإسرائيلية: هذا هو السبب في تشكيل لواء كوماندوز بسيط، قادر على التحرك بالمروحيات، والسيارات الجيب، وبالكثير من الوسائل البسيطة الأخرى.
في إسرائيل، لا يستبعدون أي سيناريو مستقبلي يشمل إطلاق قوة كوماندوز لتنفيذ مناورة في سوريا أو لبنان، وإزالة أي تهديد كان على الأمن القومي الإسرائيلي.
عهد المناورات التي كانت تتم باستخدام الفرق المدرعة مع مئات الدبابات قد ولى بلا رجعة. فالميدان ينتمي الآن للحركة السريعة، السهلة، الخفية، بهدف توجيه لكمة قوية في توقيت مثالي ونقطة دقيقة. هذه هي في الأساس قصة وحدة الكوماندوز الإسرائيلية الجديدة.
أخطر التهديدات القائمة الآن على إسرائيل ليس التهديد السوري، بل ترسانة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله. رغم التدريبات الشاقة استعداداً لعملية برية محتملة في لبنان، فإن المنظور العسكري الإسرائيلي الذي يقوده رئيس الأركان الحالي لا يرى في مثل هذه المناورة عنصراً ضرورياً لتحقيق الحسم.
اللفتنانت جنرال غادي إيزنكوت، رئيس الأركان الإسرائيلي، كان رئيس شعبة العمليات في حرب لبنان الثانية. في تحليلات لاحقة أبدى قناعته بأنه لو أوقفت إسرائيل الحرب بعد الأيام الثلاثة الأولى، وهي مرحلة حققت خلالها عدة إنجازات عملياتية مهمة، لحافظت على الكثير من الأرواح، ولحققت تأثيراً مماثلاً للردع الذي أنجزته بعد 33 يوماً من القتال.
مع ذلك، يقود إيزنكوت استعدادات إسرائيلية مكثفة تأهباً لإمكانية تنفيذ مناورة برية. على ما يبدو، فإن احتمال أن تقوم الفرق المدرعة بغزو إسرائيلي لجنوب لبنان هذه المرة، ليس مرتفعاً.
المناورة المقبلة، إذا ما حدثت، ستكون أكثر سرعة، ومرونة، وأقل اعتماداً على القوات المدرعة، ومباغتة بشكل أكثر.
هذا على الأقل ما ترجوه إسرائيل، وتلك هي القدرات التي تدمجها استعداداً لاشتعال محتمل للجبهة الشمالية. ووفقاً للاستخبارات، فإن احتمالية هذا الاشتعال ليست عالية. فحزب الله متورط في سوريا حتى النخاع وليس لديه مصلحة في فتح جبهة ثانية.
لكن في الشرق الأوسط، فإن المنطق، والتقديرات الاستخبارية، والاحتمالات لا تضمن شيئاً. كل شيء يمكن أن يحدث في أيّة لحظة. وتأمل إسرائيل، هذه المرة على الأقل، أن تكون مستعدة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...