منذ سنواتٍ طويلة، أصبح شهر رمضان موسماً أساسياً للعروض التلفزيونية العربية، يتنافس فيه الفنّانون والمخرجون، والكتّاب للحفاظ على موطئ قدم ضمن هذه السوق الشبيهة بـ "سوق عكاظ" التي كان العرب يستعرضون فيها مواهبهم الشعرية.
ولكن ألا يأخذكم الحنين إلى دراما أيّام زمان، يوم كان مسلسلٌ عربي واحد، من دون أن يكون ثلاثيني الحلقات بالضرورة، قادراً بحكاياته البسيطة المشوقة، على حبس أنفاسنا، والتماهي مع عوالم أبطاله، أو انتزاع ضحكاتنا من القلب؟
رصيف22 يأخذكم في رحلة عبر ذاكرة الدراما العربية، نحاول فيها استكشاف سر نجاح عدد من الأعمال التلفزيونية العربية... وما تغيّر خلال السنوات الأخيرة.
جيل الرواد
يستذكر الصحافي والناقد المصري وليد أبو السعود قائمة غنيّة من الأعمال المصرية، صنعها جيل الفنّانين الرواد الذين أرسوا تقاليد صناعة الفن التلفزيوني المصري، بدءاً من سبعينيات القرن الماضي. يعود أبو السعود بالذاكرة إلى مسلسل "الشهد والدموع" (تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج إسماعيل عبدالحافظ)، ويرى أنّه "شكّل انقلاباً في الدراما الاجتماعية". قدّم العمل في جزءين الأوّل 1983، والثاني 1985، ويتناول قصة شقيقين، يختلفان في كل شيء، ما يسبب أزمة كبيرة لجميع من حولهما. يعدّد أبو السعود أعمالاً أخرى للمخرج محمد فاضل والكاتب أسامة أنور عكاشة، كـ: "وقال البحر، "رحلة السيد أبو العلا البشري" ، "عصفور النار"، "الراية البيضا"، "أنا وانت وبابا في المشمش" و "النوة".دراما بمثابة" دفتر أحوال وطن"
يتوقّف أبو السعود أيضاً عند مسلسلي "دموع في عيون وقحة" 1980 و "رأفت الهجان" (عرض على ثلاثة أجزاء: بين عامي 1988 و1991) إذ يجد أنّ هذين العملين من تأليف صالح مرسي، وإخراج يحيى العلم "لعبا دوراً مهماً في إعادة صوغ صورة رجل المخابرات المصري، في عيون الشعب كبطل قومي، وساهما في إعلاء شعور الفخر والوطنية لدى المصريين".ليالي الحلمية
الحديث عن أعمال الزمن الجميل، لا يمكن أن يتجاهل عملاً مثل "ليالي الحلمية" من تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبدالحافظ، بأجزائه الخمسة (بين عامي 1987 و1995). ويعتبره أبو السعود بمثابة دفتر أحوال وطنياً، ومرجعاً مهمّاً في التاريخ السياسي والاجتماعي المصري، ابتداء من مرحلة حكم الملك فاروق، وصولًا إلى زمن حكم حسني مبارك. يقول أن هذا العمل أعطى "دروساً غير مباشرة في الوطنية والانتماء، تم الاشتغال عليها بإخلاص، ووصلت إلى قلوب المصريين من دون مجاملة أو نفاق". ضمن هذا الإطار ذاته، يأتي مسلسل "زيزينيا" بجزءيه الأول 1997، والثاني 2000، من تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج جمال عبدالحميد.دراما لكل العائلة
بعيداً من التاريخ، يعدّد أبو السعود أعمالاً اجتماعية تلفزيونية مصرية حملت قيماً كثيرة حول كيفية التعامل مع الأبناء، وصراع الأجيال الذي كان يقدم بطريقة محترمة، وقد تركت أثراً كبيراً على الناس من حيث بناء الشخصية والتعليم والثقافة. تلك الأعمال كسرت الخطوط الحمر، ودفعت الناس إلى التفكير. لعل أشهر هذه الأعمال مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً" 1979، "الرجل والحصان" 1982، ومسلسل الأطفال "هند والدكتور نعمان" 1984. يزيد الصحافي والناقد المصري على قائمتنا مسلسل "أرابيسك" 1994 (تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج جمال عبدالحميد) ورباعية "بوابة الحلواني" (بين عامي 1992 و2001، تأليف محفوظ عبدالرحمن، إخراج إبراهيم الصحن). ويقول أنّ "شبكة (إم بي سي) حاولت تقليد أجوائه في مسلسل "سرايا عابدين" الذي فشل بالمقارنة مع العمل الأصلي المنتج بإمكانات بسيطة جداً في حينه، بحسب أبو السعود.انعطافة عام 2009
يشرح أبو السعود لرصيف22 أسباب الانعطافة التي جددت ملامح الدراما المصرية اعتباراً من عام 2009، قائلاً: "حين التفت صنّاعها إلى موضوع التأخر في الصورة، والأفكار، والرؤية الإخراجية، وبدأوا رفدها بدماء جديدة آتية من السينما التي تعرضت خلال تلك الفترة لأزمة كبيرة أثرت في هذه الصناعة، بسبب تراجع ضخ المال الخليجي، بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية". مهّد ذلك الطريق لدخول المخرجين والنجوم السينمائيين إلى ميدان العمل التلفزيوني، وأخذوا تدريجاً مكان نجوم التلفزيون وصنّاعه التقليديين. إلّا أن دخول السينمائيين المصريين هذا الميدان لم تكن تأثيراته إيجابية تماماً في صناعة التلفزيون في مصر، بحسب أبو السعود.كم كان بعضنا محظوظاً لأنه تربى على دراما الثمانينات والتسعينات. ما أشهرها؟ ولمَ تركت هذا الأثر فينا؟
"تغيرت ملامح الدراما عام 2009 مع دخول أهل السينما إلى التلفزيون، ولم يكن تأثيرهم إيجابياً تماماً"فقد رُفعت ميزانيات إنتاج المسلسلات التلفزيونية بشكل مبالغ فيه، وذهب معظمها للنجوم. كما انتقلت "أمراض السينما التجارية"، بحسب وصفه، أو ما كان يعرف بأفلام المقاولات لصناعة التلفزيون، وظهرت مشاريع مراهقة نتيجة عدم فهم طبيعة الجمهور التلفزيوني.
أين المنتج الفنّان؟
يؤكد أبو السعود في اختتام حديثه إلى رصيف22، أنّ أكثر ما تفتقده الدراما المصرية اليوم هو "المنتج الفنّان"، مستذكراً تجربة الراحل "ممدوح الليثي... صاحب أفضل تجربة إنتاجية، في تاريخ قطاع الإنتاج المصري"، بحسب قوله. يتفق معه وليد سلمان، ناشر موقع "بوسطة" المختصّ بشؤون الدراما السورية، وأخبارها، ويستذكر في حديثه إلى رصيف22: "التجربة الغنيّة للمنتج السوري فيصل مرعي الذي أنتج أعمالاً حققت نجاحاً عربياً عريضاً، مثل "غضب الصحراء" (إخراج هيثم حقي)، "البركان" (إخراج محمد عزيزية) وكلاهما من تأليف هاني السعدي.الدراما السورية بين مرايا وخان الحرير
تعتبر سلسلة "مرايا" التي قدمها ياسر العظمة منذ مطلع الثمانينيات "مما سمع وقرأ وشاهد"، من الأعمال البالغة التأثير في مجال الدراما الانتقادية الساخرة والخفيفة الظل، قبل أن يخفت بريقها تماماً بنسختيها الأخيرتين 2011 و2013. إضافة إلى ما قدّمه المخرج هيثم حقي عبر تاريخه الحافل، من أعمال أعادت قراءة التاريخ السوري والاجتماعي المعاصر، بالتعاون مع كتّاب بارزين أمثال الراحل عبد النبي حجازي في مسلسل "هجرة القلوب إلى القلوب" 1990، والروائي نهاد سيريس في "خان الحرير" (بجزءيه، الأوّل 1996، والثاني 1998)، هذا العمل سلط الضوء لأوّل مرة وبشكلٍ صريح على التأثيرات السلبية لحقبة الوحدة بين سوريا ومصر.يا مال الشام
يضّم رصيد حقي أيضاً: "الثريا" 1997 (تأليف نهاد سيريس)، و "ذكريات الزمن القادم" 2003 (تأليف أمل حنّا)، كذلك ساهمت إنتاجاته لاحقاً لمصلحة شبكة "أوربت" في تقديم رؤية أكثر واقعية للبيئة الشامية، في ثلاثية "الحصرم الشامي" بين عامي 2007 و2009 (تأليف فؤاد حميرة)، وثنائية "أولاد القيمرية" 2008 -2009 (تأليف عنود خالد وحافظ قرقوط)، وهذه كلها من إخراج سيف الدين السبيعي.باب الحارة
الحديث عن البيئة الشاميّة لا يمكن أن يمرّ من دون ذكر تجربة المخرج بسّام الملّا الذي أرسى دعائم الوصفة الناجحة لهذا النوع من الأعمال السورية الأكثر رواجاً على المحطّات العربية اليوم، ابتداءً من "أيام شامية" 1992 (تأليف أكرم شريف) الذي لم يتجاوز عدد حلقاته الـ14، مروراً بـ "الخوالي" 2000 (تأليف أحمد حامد) و "ليالي الصالحية" 2004 (تأليف أحمد حامد وسلمى اللحام)، وصولاً إلى سلسلة "باب الحارة" العلامة التجارية الأبرز في هذا المجال. تجدر الإشارة هنا إلى أن الجزءين الأولين (2006 - 2007) كانا من إنتاج شركة "عاج"، قبل أن يتولى "الآغا: بسّام الملّا" إنتاج أجزائه اللاحقة لمصلحة شبكة (إم بي سي) التي عرضت الجزء التاسع منه هذا العام. تبقى جماهيرية المسلسل سراً يصعب تفسيره، إذ لا يزال قادراً على الاستمرار رغم كل ما يطاوله من انتقادات بشكلٍ يدعو إلى الدهشة.أيمن زيدان والشام الدولية
تحضر تجربة المنتج السوري الفنّان بشكلٍ واضح في مسيرة أيمن زيدان، حين تولى إدارة شركة "الشام الدولية" للإنتاج مطلع تسعينيات القرن الماضي. وأثمر تعاونه مع المخرج نجدت أنزور أعمالاً اعتبرت نقلة نوعية في تاريخ الدراما السورية، كـ "نهاية رجل شجاع" 1993 (سيناريو حسن.م.يوسف، عن رواية للأديب السوري حنّا مينة)، ومسلسلي الفانتازيا الشهيرين "الجوارح" 1995 و "الكواسر" 1998 (كلاهما من تأليف هاني السعدي). وخلال المرحلة ذاتها، أنتجت الشركة تحت إدارة زيدان أعمالاً كوميدية لا تنسى، من إخراج هشام شربتجي مثل: "عيلة خمس نجوم" 1994 (تأليف حكم البابا)، "يوميات مدير عام ج1، 1995 و "يوميات جميل وهناء" 1997 (كلا العملين تأليف زياد نعيم الريس).ضيعة ضايعة
كذلك تعتبر أعمال المنتج الراحل أديب خير علامة بارزة في تاريخ الدراما السورية التي حققت أصداء واسعة على المستوى العربي، لا سيما في "أهل الغرام"، والمسلسل الكوميدي الشهير "ضيعة ضايعة" بجزءيه (الأول 2008، والثاني 2010) من تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو.لمَ انتشرت الدراما السورية؟
يقول سلمان لرصيف22 أن وجود منتج فنان لم يكن وحده سبب نجاح الأعمال الدرامية السورية. ويضيف: "الأهم هو مراعاة الدراما السوريّة خصوصية المجتمع السوري وتوجهها إليه في الدرجة الأولى، لأن أي نجاح على المستوى العالمي لا العربي فقط، ينطلق من المحليّة". العامل الآخر في رأيه هو جرأة الأعمال وخروجها من أفق الاستوديو الضيق، إلى الفضاء الأوسع، حيث كان المكان أحد أبطالها البارزين. ويتابع سلمان: "أهمية رأس المال الوطني تكمن في انتشار الدراما السوريّة أيّام عزّها"، مشيراً بذلك إلى مسيرة شركة "سوريا الدولية" الممتدة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وما قدّمته من أعمال، خصوصاً تلك التي حملت توقيع المخرج حاتم علي. كذلك قدمت الدراما أعمالاً مهمة على المستويين الاجتماعي والتاريخي، كـ "الزير سالم" عام 2000 (تأليف الروائي الراحل ممدوح عدوان)، "التغريبة الفلسطينية" عام 2004 و "ثلاثية الأندلس" (بين عامي 2002، و2005) من تأليف الدكتور وليد سيف.الكويت والأردن ولبنان
من الصعب التحدث عن الدراما في الزمن الجميل من دون ذكر أعمال لبنانية مثل "ألو حياتي" 1976 (تأليف وجيه رضوان، إخراج أنطوان ريمي)، وأخرى كويتية كـ "خالتي قماشة" 1983 (تأليف طارق عثمان، إخراج حمدي فريد)، وسلسلة "حارة أبو عوّاد" الأردنية الشهيرة (أنتج الجزء الأول منها عام 1981، من تأليف فواد الشوملي، وإخراج روفائيل بقيلي). &t=14s
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...