بين المال السياسي والعصبيات... أين المرأة في برلمان مصر 2025؟

بين المال السياسي والعصبيات... أين المرأة في برلمان مصر 2025؟

سياسة نحن والنساء نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 9 ديسمبر 202516 دقيقة للقراءة


قبل نحو شهر، انطلق ماراثون الانتخابات البرلمانية في مصر والتي تجري على مرحلتين، في وقت لم يتخيل أحد أن تشهد هذه الانتخابات سوابق تاريخية، انطلقت مع تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتلويحه بإمكانية إلغاء نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات كلياً أو جزئياً؛ على خلفية التجاوزات والخروقات التي باتت مسرحاً للتداول على منصات التواصل الاجتماعي، وسط توظيف غير مسبوق للمال السياسي، واستغاثات خرجت من أفواه المرشحين المستقلين مُطالبة بالعدالة والشفافية.

تدخل الرئيس أعقبه إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتائج 19 من أصل 70 دائرة على المقاعد الفردية بالمرحلة الأولى، في وقتٍ ظلت ما تُعرف بـ"القائمة الوطنية من أجل مصر" والتي ضمت أحزاباً شتى تُصنّف كـ"أحزاب موالاة" بعيدة من المساس لكونها القائمة الوحيدة التي تخوض الانتخابات بنظام القوائم، قبل أن تُصدر المحكمة الإدارية العليا حكماً بإلغاء الانتخابات في 30 دائرة انتخابية بالمرحلة الأولى، ليصل مجموع الدوائر الملغاة لـ49 دائرة من أصل 70 وهو ما يُعادل 70% من إجمالي دوائر المرحلة الأولى.

300 طعن

وفي حين انتهى التصويت وإعلان النتائج منذ أيام قليلة في دوائر المرحلة الثانية، فإن المحكمة الإدارية العليا استقبلت واحدة من أكبر موجات الطعون منذ انطلاق العملية الانتخابية، والتي وصلت إلى 300 طعن قُدمت خلال ساعات معدودة من فتح باب تقديم الطعون، وتنوعت بين التشكيك في سلامة إجراءات الفرز والتجميع، ومزاعم بوقوع تجاوزات خلال عملية الاقتراع، والاعتراض على الأرقام المعلنة، بجانب الادعاء بوجود أخطاء في المحاضر، إذ من المقرر أن يُبت فيها خلال الأيام الجارية.

الهيئة الوطنية للانتخابات، من المنتظر أن تُعلن يوم الخميس المقبل 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، النتائج الرسمية للدوائر الـ19 الملغاة من المرحلة الأولى والتي جرى إعادة التصويت فيها نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن المؤشرات الأولية للحصر العددي أظهرت "تقدماً لافتاً" للمرشحين المستقلين على حساب مرشحي الأحزاب، والذين تعرض الكثير منهم للخسارة على الرغم من فوزهم فى الجولة الأولى الملغاة، وسط تباين ومفارقات عديدة مقارنة بنتائج الفرز قبل صدور قرار البطلان فى تلك الدوائر.

"لنا عقود من الزمن نعيش انتخابات تشهد خروقات وتدخلات من كافة الأجهزة، وعمليات تزوير، وانتخاب مرشحين صادرة في حقهم أحكام قضائية لا تُنفذ"، هكذا استهل رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، عاطف مغاوري، حديثه لرصيف22، معتبراً أن ما يحدث في الانتخابات حالياً من إعادة التصويت في الجزء الأكبر من الدوائر، وعدم اعتماد النتائج الأولى، وتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بإعادة الانتخابات يُشكل تغيراً جوهرياً في هندسة مجلس النواب، ولم يحدث من قَبل في تاريخ مصر.

انتخابات البرلمان 2025 شكّلت سابقة غير معهودة بتدخل رئاسي مباشر، وإلغاء ما يقارب 70% من دوائر المرحلة الأولى، ما كشف حجم الخروقات والمال السياسي، وفتح الباب لإعادة تشكيل برلمان قد يختلف جذرياً عن برلمانات ما بعد 2013.

خطاب مجتمعي محافظ، وأعمال درامية وإعلام يعيد إنتاج الصور النمطية عن النساء، يجعل قطاعات واسعة مترددة في انتخاب مرشحات فرديات، ويُبقي فوز نساء سابقات مرتبطاً بالتزوير لا بقناعة الناخبين، ما يرسّخ فكرة أن حضور المرأة في البرلمان حالة استثنائية

يضيف مغاوري، أن ما حدث في انتخابات هذا العام يُمثل "درساً" يجب التعلم منه، وأن يكون نقطة انطلاق نحو انتخاب مجلس برلماني بشفافية وبعيداً من التزوير وتدخلات الأجهزة، ومعبراً عن رغبة الشعب المصري وواقعه، معتبراً أن نتائج التصويت في الدوائر التي تمت إعادة الانتخابات فيها أفرزت واقعاً مغايراً لما أسفرت عنه النتائج الأولى، وعكست ما يُسمى "التصويت العقابي" الذي أعاد الحق للمرشحين المستحقين، بعدما سُلب بتدخلات خارجية.

يستنكر رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، نسبة المشاركة المتدنية في عملية التصويت على الرغم من إعادة الانتخابات في الجزء الأكبر من الدوائر، معتبراً أن هناك غياباً للوعي الجَمعي، وسط قلة الانخراط في الحياة السياسية، وعدم المشاركة الفاعلة في الانتخابات بالهيئات الأدنى كانتخابات النقابات والهيئات واتحادات الطلاب.

ويطالب النائب البرلماني باستغلال الفرصة لتدارك الممارسات السلبية التي كانت تُمارس في الانتخابات السابقة والجولة الأولى من الانتخابات الحالية، عبر استخدام المال السياسي والتدخلات الخارجية، مؤكداً أن الدولة مُطالبة بإفساح المجال والحرية أمام الأحزاب السياسية للعمل الحقيقي في مختلف ربوع البلاد، ومنح الأحزاب الجادة دعماً مالياً لمنع تحكم بعض الأحزاب في المال السياسي وتالياً إفساد الحياة السياسية برُمتها.

قانون المحليات

"هناك مهمة مقدسة تنتظر المجلس القادم وهي إصدار قانون المحليات" يستطرد عاطف مغاوري، موضحاً أن قانون المحليات قادر على فرز ما بين 60 إلى 65 ألف كادر سياسي منتشرين في كافة ربوع البلاد، ويمارسون العمل السياسي والخدمي، وعلى اتصال مباشر بالمواطنين بداية من مجالس القرى والمراكز وصولاً لمجالس المحافظات، والمنوطة بالرقابة على عمل تلك الوحدات المحلية ومتابعة أداء القائمين عليها ومحاسبتهم، مؤكداً في الوقت عينه أن هذا القانون قادر على فرز كوادر نسائية تستطيع المنافسة واقتحام الحياة السياسية بعيداً من انحصار ظهورها الحالي بنظام القوائم والكوتة.

ومنذ اندلاع ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، حُلّت المجالس الشعبية المحلية كلها على مستوى محافظات مصر، ولم تجر أية انتخابات حتى اليوم، على الرغم من إقرار الدستور المصري الصادر عام 2014 في مواده الانتقالية، البدء في تطبيق نظام جديد للإدارة المحلية بشكل تدريجي خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، وهو ما لم يحدث حتى وقتنا هذا.

وفي حين يتحدث مغاوري عن فرز كوادر نسائية قادرة على المنافسة، فإن الانتخابات البرلمانية الجارية شهدت خفوتاً واضحاً في مشاركة النساء. ومنذ عام 1956 الذي حصلت فيه المرأة المصرية على حق الترشح والانتخاب، تأرجح حضورها داخل البرلمان المصري، وإن كان يميل أكثر نحو المحدودية وعدم التناسب مع حجمها في المجتمع أو دورها العام، إلا أن الانتخابات الماضية في عام 2020 شهدت ذروة التمثيل النسائي بنسبة وصلت لـ27% والتي تعد أعلى نسبة في تاريخ الحياة النيابية المصرية.

القفزة التي شهدها الحضور النسائي داخل قبة البرلمان المصري جاءت متزامنة مع تعديلات دستورية في عام 2019 وإدراج كوتة بنسبة لا تقل عن 25%؜ من حجم المقاعد للمرأة، في أعلى نسبة مخصصة منذ بدء تطبيق أول كوتة نسائية بين عامي 1979 و1984.

تراجع تمثيل المرأة

ورغم ذلك، فإن انتخابات عام 2025 التي تجري حالياً، شهدت تراجعاً واضحاً في الحضور النسائي، فبحسب تقرير المركز المصري لحقوق المرأة، فقد بلغ إجمالي عدد المرشحات 315 مرشحة، من إجمالي 2904 مرشحين/ات على المقاعد الفردية والقوائم الانتخابية الأساسية، أي ما يمثل نسبة 10.8% فقط من إجمالي عدد المرشحين.

غالباً ما يقود الاعتماد على المال السياسي إلى مشاركة رمزية للنساء. والحل هو الانتقال إلى القائمة النسبية، مع كوتة فعلية داخل الأحزاب لربط تمثيل المرأة بالتنافس لا بالمنح القانونية.

اللافت أيضاً أن نسبة التمثيل النسائي بلغت 6.6% فقط (173 مرشحة) من إجمالي 2620 مرشحاً/ة على المقاعد الفردية، هو ما يوازي نصف مرشحات انتخابات مجلس النواب 2020، البالغ عددهن 342 مرشحة، أي انخفضت بنسبة تلامس الـ50%، في حين خلت 43 دائرة من ترشح النساء، بجانب 5 محافظات كاملة (بورسعيد، وشمال وجنوب سيناء، والأقصر، والبحر الأحمر)، بزيادة 34% عن الانتخابات السابقة.

وفي حين خاضت الغالبية العظمى من المرشحات (134 مرشحة) الانتخابات بصفة مستقلة، مقابل 39 مرشحة فقط بدعم من أحزاب سياسية بواقع 20 حزباً، فإن نتائج المرحلة الأولى للانتخابات، أسفرت عن غياب كامل لتمثيل النساء على المقاعد الفردية رغم وجود ثمان وثمانين مرشحة في أربع عشرة محافظة.

في الناحية الأخرى، بلغ عدد المرشحات في "القائمة الوطنية من أجل مصر" وهي القائمة الوحيدة التي تخوض الانتخابات، 142 امرأة من إجمالي 284 مرشحاً/ة، وهو ما يعكس التزاماً شكلياً بالنص القانوني الذي يفرض حصة محددة للمرأة.

تقول رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، إن المشاركة النسائية في انتخابات 2025 تكشف حقيقة مهمة؛ أن المرأة ما زالت موجودة كرقم في القوائم، وتغيب عن المنافسة الحقيقية في الدوائر الفردية، معتبرة أن فوز 142 امرأة عبر نظام القوائم، يظل رقماً كبيراً على الورق، وليس دليلاً على تمكين سياسي فعلي.

"النتيجة الواضحة أن حضور المرأة في البرلمان التالي سيعتمد بنسبة تقارب المئة في المئة على الحصة القانونية، وليس على إرادة الناخبين ولا على دعم الأحزاب، وتلك المشاركة لا تعكس بأي شكل من الأشكال أن المرأة نصف المجتمع"، تستطرد أبو القمصان في حديثها لرصيف22.

تراجع الدعم الحزبي للمرأة

لا تعتبر الناشطة الحقوقية تراجع عدد المرشحات اللواتي دفعت بهن الأحزاب السياسية "مصادفة"، مشيرة إلى أن أغلب الأحزاب تتعامل مع ترشح المرأة باعتباره "التزاماً قانونياً وليس قناعة سياسية"، موضحة أن الأحزاب لا تزال:

• تفتقر لإرادة حقيقية لدمج النساء في مواقع تنافسية.

• تميل لاختيار الرجال لضمان الفوز السهل.

• تخشى من أفكار نمطية عن قدرة المرأة على النجاح في المنافسات الفردية.

تنوه نهاد أبو القمصان إلى أن حسابات الأحزاب الانتخابية تقوم على أسس مختلفة، على غرار أن مقاعد الفردي تحتاج تمويلاً ضخماً، وشبكات قبلية، وحضوراً اجتماعياً قوياً، لذلك تتجه نحو "الأكثر ضمانًا" وليس "الأجدر"، رغم كون تلك الأحزاب لا تقدم أي دعم حقيقي للمرأة كالتدريبات والدعم قانوني والحملات الميدانية للمرشحات.

"النتيجة واضحة جداً، لم تفز أي مرشحة على مقاعد الفردي، و4 مرشحات فقط وصلوا مرحلة الإعادة من أصل 202 مرشحين" تضيف المحامية المصرية، واصفة هذا الرقم بـ"مخيف ويشرح كل شيء" في ظل ثقافة انتخابية محافظة، وجزء ليس بالقليل من المجتمع ما زال متردداً في انتخاب النساء مباشرة.

وتلقي أبو القمصان باللوم على الأحزاب السياسية في تراجع الحضور النسائي بالانتخابات، موضحة أن الأحزاب؛ لو رشّحت نساء بقوة، ودعمتهن إعلامياً وميدانياً، ودفعت بمرشحات من بيوت سياسية معروفة، فإن الأمر سيختلف، مشيرة إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن الناخبين يصوتون للمرأة ما دام الحزب يقف خلفها بقوة.

وفي حين تشير أبو القمصان بأصابع الاتهام نحو الأحزاب، فإن عضو مجلس النواب المصري، والفائزة في "القائمة الوطنية من أجل مصر" عن حزب الإصلاح والتنمية لمحافظة القليوبية في انتخابات 2025، الدكتورة إيرين سعيد، تبرر ضعف الحضور النسائي في الماراثون الانتخابي لهذا العام، بالإشارة لغياب المجالس المحلية في المراكز والمحافظات، وهو ما يضع عبئاً أكبر على كاهل النائب البرلماني، وتالياً عقبة جديدة أمام النساء اللواتي في حاجة إلى الوجود بشكل مكثف على الأرض ووسط الناخبين، والمشاركة في الأفراح والعزاءات والمناسبات المختلفة، وهو أمر بالغ الصعوبة للعنصر النسائي المرتبط بالتزامات أسرية ومنزلية متعددة في المجتمع المصري.

رغم وصول عدد كبير من النساء إلى البرلمان عبر القوائم، فإن ندرة الفوز النسائي بالمقاعد الفردية يكشف أن هذا التمثيل أقرب للالتزام القانوني منه للتمكين السياسي، ويعكس فشلاً حزبياً في دعم مرشحات تنافسيات

"في مصر لا يوجد قانون للمحليات والنائب يتحمل أكثر من طاقته، فيجد نفسه مسؤولا عن دائرة مترامية، ويخوض معركة حقيقية في الانتخابات" تقول إيرين سعيد، مشيرة إلى أن النساء لا يستطعن الوجود في الشارع بشكل مكثف على غرار الرجال، فالمرأة المصرية تسعى لتحقيق التوازن بين كونها أماً ولديها أولاد وأسرة، وبين طموحها إلى العمل النيابي، إضافة إلى عدم امتلاك غالبيتهن الملاءة المالية التي يُمكن من خلالها المنافسة.

وتؤكد أن النساء على مستوى النظام الفردي في الانتخابات البرلمانية، لا يزال أمامهن مشوار طويل؛ للوصول للمستوى القادر على منافسة العنصر الرجالي، بخاصة في المناطق التي تشهد تحيزات قَبلية وعادات وأعراف تستنكر أن يمثلها امرأة تحت قبة البرلمان.

تشير النائبة البرلمانية إلى أن الأحزاب السياسية تعزف عن الدفع بمرشحات في جزء كبير من الدوائر، لتجنب المخاطرة، ولا سيما وأن فوز امرأة في انتخابات برلمانية بنظام الفردي، يستلزم أن يكون لها اسم رائج وتاريخ سياسي طويل وحضور مكثف في الشارع ووسط أهالي الدائرة، إضافة لامتلاكها القدرة المالية للإنفاق، واصفة الأمر بـ"تحد كبير وخناقة شارع".

المجتمع لا يدعم المرأة

بدورها، ترى نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، مها عبد الناصر، أن المجتمع المصري لا يُشجع ظهور المرأة في الحياة النيابية، وهناك أزمة "كبيرة للغاية" تواجه النساء في أي انتخابات تجُرى بنظام الفردي، وسط غياب لدعم المرأة، وترسخ فكراً مجتمعياً منذ عشرات السنين، ضاربة مثالاً نائبات الحزب الوطني المُنحل الشهيرات "آمال عثمان وفايدة كامل" مؤكدة فوزهم في تلك الأوقات بسبب التزوير وليس رغبة المواطنين.

"هناك رِدة فكرية، وأعمال درامية وبرامج تلفزيونية تشوه من صورة المرأة" تواصل عبد الناصر حديثها لرصيف22، مؤكدة عدم وجود أي تحرك فِعلي لتغيير الأفكار الراسخة في المجتمع المصري، وتطوير الفِكر بالشكل الذي يتقبل المرأة ويمنحها الدعم للحضور بشكل مؤثر في الحياة النيابية والسياسية.

تتطرق النائبة الفائزة في انتخابات 2025 عبر نظام القائمة للشِق المالي، مشيرة إلى أنه يلعب دوراً هاماً في خفوت الحضور النسائي في الانتخابات البرلمانية، وتضاءل فرص فوزها بأي مقاعد فردية، إلا أنها تستدرك بالتأكيد أن الأمر لا يتوقف على الانتخابات وحدها، بل يمتد لمختلف المناصب القيادية سواء في القطاع العام أو الخاص.

تأجيل انتخابات المحليات منذ 2011 وغياب التأهيل السياسي داخل الأحزاب صعّب على النساء التواجد الميداني والمالي المطلوب للمنافسة، ما رسّخ فجوة بين دور المرأة كناخبة واستبعادها كمرشحة فاعلة.

النساء أصبحن يخشين خوض الانتخابات في ظل المشهد الحالي، الذي يسيطر عليه توظيف المال السياسي، والأمر وصل أن أصبحنا نبحث عن نساء لترشيحهن، تقول نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، مشددة على ضرورة التحرك العاجل لمحاربة استخدام المال السياسي، والذي لا يؤثر فقط على ظهور المرأة ولكن يمتد إلى الشباب الذين يتحاشون خوض هذه المغامرة وسط تلك السطوة التي يمتلكها المرشحين من أصحاب الأموال.

"لا بد أن يبدأ العمل على تغيير الأفكار المترسخة في المجتمع المصري، ومنح المرأة الدعم والثقة، والنظر إليها بشكل مختلف"، تطالب عبد الناصر، مشيرة إلى آثار ذلك ستظهر ولو بعد سنوات، إلا أن ما يحدث حالياً هو تدعيم الأفكار الرجعية وعدم منح المرأة تقديرها الذي تستحقه.

وعما إن كان يُمكن لنظام القائمة والكوتة أن يكون نصيراً للمرأة داخل البرلمان المصري، تؤكد مها عبد الناصر التي فازت عبر نظام القائمة، أنها ضد هذا النظام "قلباً وقالباً" مؤكدة أنها خاضت الانتخابات عبره "مضطرة"، معلنة تأييدها لما يُعرف بنظام "القائمة النسبية" والمُعمول به في العديد من دول العالم كالدول الاسكندنافية، والذي يضع نسبة محددة لتمثيل المرأة في قوائم الأحزاب السياسية وترشيحاتها تصل لـ50%.

وفي حين تنتقد البرلمانية نظام القائمة المُطلقة المغلقة التي يجري العمل به حالياً، ويتم الاختيار داخله وفقا لتفاهمات ومصالح، فإنها تتوقع أن تصبح انتخابات 2025 المحطة الأخيرة لهذا النظام، خاصة مع التطورات التي شهدتها العملية الانتخابية والمشاكل التي ظهرت في المرحلة الأولى من الانتخابات.

مشاركة رمزية

ويتفق رئيس حزب الإصلاح والنهضة، الدكتور هشام عبد العزيز، مع سابقته في أن العملية الانتخابية في 2025 شهدت الكثير من السلبيات، مشيراً إلى أنها جاءت في سياق مختلف وأكثر تعقيداً، خاصة مع سابقة إعادة التصويت في عدد كبير من الدوائر، وهو ما عكس وجود اختلالات حقيقية في الممارسات الانتخابية، سواء على مستوى الانضباط الإجرائي أو المنافسة العادلة.

وبحسبه، ونتيجة لذلك، يرى عبد العزيز في حديثه لرصيف22، أن هذه التطورات تضع مسؤولية مضاعفة على الدولة والأحزاب معاً لضمان بيئة انتخابية أكثر نزاهة وشفافية في المراحل المقبلة، بالإضافة إلى إفساح المجال لمشاركة نسائية أكبر.

ويلفت النظر إلى أن حضور النساء داخل اللجان الانتخابية كان ملحوظاً، إلا أن هذا الحضور لم ينعكس على مستوى الترشح، وهو ما يكشف فجوة بين مشاركة المرأة كناخبة وقدرتها على المنافسة كمرشحة، منوها إلى أن التمكين السياسي للمرأة المصرية يتطلب بيئة مؤسسية داعمة، وليس مجرد مشاركة رمزية.

وفي حين أشار تقرير المركز المصري لحقوق المرأة إلى أن 39 مرشحة فقط خاضت سباق الانتخابات على المقاعدة الفردية، كمرشحات لأحزاب سياسية، يفسر رئيس حزب الإصلاح والنهضة تراجع عدد المرشحات الحزبيات هذا العام لارتباطه بعدة عوامل؛ أهمها غياب التأهيل السياسي المنظم داخل أغلب الأحزاب، وارتفاع كلفة التنافس الفردي، فضلاً عن استمرار بعض الممارسات السلبية مثل المال السياسي الذي يضع المرشحات في وضع تنافسي أصعب، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على الثقل المالي أو العصبيات العائلية.

يستطرد: "التراجع الأكبر ظهر على مقاعد الفردي، لأن المنافسة فيها تقوم على شبكات النفوذ التقليدية، وهي ساحات أقل استعداداً لدعم تمثيل النساء، بينما لا تزال بعض المناطق — بخاصة في الصعيد — متأثرة بثقافة اجتماعية محافظة تنظر إلى التمثيل السياسي للمرأة باعتباره استثناءً لا قاعدة".

ويشدد عبد العزيز على أن هذا الوضع يتحسن ببطء؛ لكنه يحتاج إلى تدخل مؤسسي منظم، عبر تدريب الكوادر النسائية، وتعديل تصميم الدوائر، وتشجيع الأحزاب على الدفع بوجوه نسائية قادرة على المنافسة الحقيقية، مؤكداً أن تمثيل المرأة يجب أن لا يكون مجرد إجراء شكلي، بل ضرورة سياسية واجتماعية ترتبط بعمق التحولات داخل المجتمع المصري، وذلك يتطلب شجاعة سياسية من الأحزاب، وإرادة مجتمعية تتجاوز القيود التقليدية، وصولاً إلى برلمان يعكس المجتمع المصري بالفعل، لا صورته التقليدية في الوعي العام.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تقرير في رصيف22، أيام من العمل: من التفكير والتحرير إلى التحقق والإنتاج البصري.

نحن نراهن على النوع، والصدق، والانحياز إلى الحقيقة والناس.

وحتى يستمرّ هذا العمل، نحتاج إلى من يؤمن بأنّ الجودة والحرية تستحقان الاستثمار.

Website by WhiteBeard
Popup Image