كان صرلي مكتئبة من سنين من دون ما أعرف. لأنه ما حدا بيخبرك عن عوارض الاكتئاب. كلنا مندّعي إنّا مناح وإنو ماشي الحال. ومنقول الحمدلله، ماشية الأمور، بس مش دايماً بيكون "عن جد" ماشي الحال.
من سنتين ونصف انتقلت على كندا، وكان يستفزني كتير كيف الناس هون بتجاوب على سؤال: How are you؟ كيفك؟
الأغلبية بتقلّك: Not too bad (مش كتير سيء).
كنت كتير أُستفزّ لما حدا يجاوبني هالجواب، وقول بيني وبين نفسي: آخر مرة بسأله أو بسألها: كيفك؟
كنت حس الجواب كتير سلبي، وكنت قول لحالي أنو هالشخص مُفترِض إنه الشيء السيء هو الطبيعي بالحياة. واستخدام كلمة سيء "bad"، لو منفية بالجواب، كنت حسّها كتير تقيلة وكتير سلبيّة.
الحق بالإنهيار
اليوم، وبعد سنتين ونصف من العيشة بهالبلد، وبعد كتير من الوحدة، وكتير من التفكير، وكتير من إعادة النظر بكل الأمور، اليوم إذا بتسألوني كيفِك؟ جوابي بيكون: not too bad.
لأنو هالجواب كتير أفضل من إنه قول "منيحة" أو "ماشي الحال".
لأنو بالحقيقة مش كتير ماشي الحال، وعادي إنو ما يكون ماشي الحال.
وفكرة إنه "ما نكون مناح" جزء من الحياة وجزء من هالرحلة، يمكن صار وقت نقبله، ونعترف فيه، ويمكن بس بهالحالة بيصير في أمل إنه نصير أحسن.
"كان صرلي مكتئبة من سنين من دون ما أعرف. لأنه ما حدا بيخبرك عن عوارض الاكتئاب. كلنا مندّعي إنّا مناح وإنو ماشي الحال. ومنقول الحمدلله، ماشية الأمور، بس مش دايماً بيكون عن جد ماشي الحال"
من كم شهر صابني اكتئاب حاد. كندا عطتني الحق بالإنهيار. ما كان عندي هالرفاهية بالعالم العربي. بكندا، اضطريت غيب عن الدوام بسبب تدهور صحتي النفسية. أول شهر وصلني 100% من راتبي الشهري، والتلت الشهور اللي بعدا وصلني 70% من الراتب أنا وقاعدة بالبيت.
"قاعدة" مش كتير كلمة دقيقة بالسياق هون، لأنو حتى "اقعد" ما كنت إقدر. كنت حسّ انو راسي كتير تقيل وجسمي أضعف من إنه يحمله. كنت ضل نايمة بالتخت وإذا انتقلت عالكنباية بعد 16 ساعة نوم، كنت اتسطّح. ما كان عندي القدرة إني اقعد جالسة. كنت بأقسى درجات الانهزام والتعب الجسدي والنفسي.
كان أكتر شي متعبني بهالفترة إني تعبانة وما عندي سبب إتعب، إني بس بدي نام وأنا نايمة كتير، وإنو ما عندي طاقة لتحمّل أي شي.
لو أكلت منيح، وما رحت عالشغل، وما حكيت حدا، ونمت كتير، ما عندي طاقة.
كنت أوصف حالتي للطبيب النفسي وقول: حاسة إني متل تلفون، فيه 5% بطارية، لونها أحمر، وممكن تطفي بأيّ وقت.
الطبيب سألني كم سؤال، وقرّر يشخّصني بالاكتئاب الحاد وقلّي لازم آخد دوا لأنه بيساعد بهالحالة.
رغم كل التعب اللي أنا فيه، ما اتقبّلت إصابتي بالاكتئاب. كنت مصرّة إنه موضوع إرهاق أو burnout متل ما هلّق دارجة تتسمّى الأمور. وكنت مصرّة إني ما آخد دوا، لأنو عندي هالاعتقاد المتوارث إنه الدوا بيفاقم المشاكل وبيعقّد الوضع بدل ما يحلّ الأمور.
وكنت معتقدة إنو إذا ارتحتلّي شوي، وأكلت أحسن، وعملت رياضة، وقعدت بالشمس، ونمت منيح، وتركت العلاقة التوكسيك (السامة) اللي أنا فيها، وعملت جلسات دعم نفسي، بيمشي الحال.
جرّبت وما كان يمشي الحال.
أعراض الاكتئاب
هون قرّرت افهم موضوع الاكتئاب أكثر. (لأني معتبرة حالي بفهم أكتر من الطبيب اللي شخّصني).
بلّشت مع chatgpt، ويمكن مش أفضل مكان نبلّش منه، بس هيدا اللي صار.
سألته عن أعراض الاكتئاب، وكان جوابه التالي:
- هبوط بالمزاج بشكل عام، بتحسّ حالك حزين أو متضايق من دون سبب واضح.
- فقدان الاهتمام أو المتعة بالأشياء اللي كنت تحبّها قبل.
- تعب دائم أو إحساس بالإرهاق حتى من غير مجهود.
- مشاكل بالنوم: يا بتنام أكثر من العادة يا ما بتقدر تنام منيح.
- تغيّرات بالشهيّة: يا بتفقدها يا بتاكل زيادة.
- صعوبة بالتركيز، أو بتحس إنّك مش قادر تركز أو تاخد قرارات متل قبل.
- إحساس بالذنب أو باللاجدوى، كأنك ما إلك قيمة أو دايماً مأصّر.
- توتّر أو عصبيّة زيادة عن العادة.
- أوقات بيصير في تباطؤ بالحركة أو بالكلام من قدّيش الشخص بيحس حاله تعبان.
- أفكار سوداوية أو رغبة بالانسحاب من الحياة.
ولمّا اكتشفت إنو عندي أغلب العوارض إذا مش كلهم. قلت لحالي: "يا بنت شكلك مكتئبة عن جد".
وانتقلت من chatgpt ليوتيوب. وصرت ابحث عن برامج التوعية النفسية اللي عاملينا دكاترة وباحثين من جامعات مهمة مثل ستانفورد وهارفارد. وما ضلّ فيديو ما حضرته، وكل الأدلّة كانت عم بتأكّدلي إني عنجد مصابة بالإكتئاب.
وهون صار وقت واجه الحقيقة.
ما بعرف ليه ما كان بدي صدّق.
يمكن لأني بحب فكرة إنّي "البنت القويّة"، "اللي بتتحمّل"، و"اللي ما في شي بيكسرها". وبحب فكرة إنّي "الفرفوشة" بالشلّة، وإنو الناس بتجي لعندي لما يكون بدهم طاقة إيجابية. وإني اللي بايعتها بفجلة. وإني مش قابضة الحياة كتير جدّ، وإني بحب إضحك وضحّك الناس.
يومها قررت أقبل حقيقة اكتئابي.
اليوم وضعي مش كتير سيء، Not too bad على قولة الأجانب . بس بعده يُعتبر سيء، وبعدني عم جرّب صير أحسن، وشوف اي دوا رح يناسبني، وأي dose، وعم جرّب لاقي المعالج النفسي اللي يركب عراسي، وعم جرّب طبّق التغييرات الحياتية اللي بيستدعيها وضعي مثل إني أشرب ميّ أكثر، وآكل أحسن، وأعمل شوي رياضة، وانتبه على أفكاري والأماكن اللي بتاخدني عليها.
وبعد ما قبلت حقيقة اكتئابي، اليوم قرّرت واجه، وقررت "حاول" صير أحسن. ومش دايماً سهل حتّى نحاول.
"فكرة إنه ما نكون مناح جزء من الحياة وجزء من هالرحلة، يمكن صار وقت نقبله، ونعترف فيه، ويمكن بس بهالحالة بيصير في أمل إنه نصير أحسن"
ما بعرف ليه عم بكتب هالمقال، وما بعرف كيف لقيت الطاقة لأكتب هالمقال، بس إذا فيه شي واحد حابة يوصل لأي مريض اكتئاب هو:
إنو التعب حقّ.
والشعور بالإرهاق حق.
والشعور بالعجز حق.
وعدم القدرة على التركيز حق.
وتعطّل الذاكرة حق.
والضياع حق.
وإنه جسمنا يجبرنا نبقى بالتخت لأنو تعبنا كتير حق.
ولأ مش عم نتدلّع. أبداً مش هيك بتدّلّع الناس.
المضحك المبكي بالموضوع إني تركت العالم العربي وانتقلت على كندا بحثاً عن كتير "حقوق".
ما كنت متخيلة انو كندا تعطيني الحق بالانهيار وإني كون هالقد ممتنة لهالشي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



