سياحة في قلب الخطر… لماذا يختار البعض الصومال وجهة لرحلاتهم؟

سياحة في قلب الخطر… لماذا يختار البعض الصومال وجهة لرحلاتهم؟

حياة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 4 ديسمبر 20256 دقائق للقراءة

على الرغم من تصنيف الصومال كإحدى أخطر الوجهات في العالم بسبب الصراعات المسلحة والعمليات الإرهابية وغياب الاستقرار السياسي منذ تسعينيات القرن الماضي، تُسجّل البلاد أخيراً ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد السيّاح الأجانب.

تشير أحدث بيانات دائرة السياحة إلى أن نحو 10 آلاف زائر دخلوا البلاد خلال العام 2024، وذلك بزيادة 50% مقارنة بالعام السابق.

فما هي الدوافع الكامنة وراء هذا التحول المفاجئ في القطاع السياحي، وما هي إمكانيات هذا القطاع في بلد يرزح تحت عبء المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟

حركة سياحية محدودة لكنها متنامية

رغم استمرار التحذيرات من السفر، يشهد الطلب على زيارة الصومال ارتفاعاً تدريجياً خلال العامين الأخيرين، وذلك بحسب ما كشفته شركات سياحية متخصصة في الوجهات عالية الخطورة.

وهناك وجهات عدة يقصدها الزوار من حول العالم، بما في ذلك: ساحل ليدو، جوب وين الذي يعرف بـ"جنة الله على الأرض"، مدينة أيل وبلدة مرعانيو ذات التاريخ العريق.

على الرغم من تصنيف الصومال كإحدى أخطر الوجهات في العالم بسبب الصراعات المسلحة والعمليات الإرهابية وغياب الاستقرار السياسي منذ تسعينيات القرن الماضي، تُسجّل البلاد أخيراً ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد السيّاح الأجانب

في هذا السياق، يوضح جيمس ويلكوكس، مؤسس شركة الرحلات الاستكشافية Untamed Borders، في حديثه مع "سي أن أن" أنّ شركته نظّمت 13 رحلة إلى مقديشو في العام 2025، مقارنة برحلتين فقط في العام 2023.

يعزو ويلكوكس هذا الارتفاع إلى رغبة فئة معيّنة من المسافرين/ات في زيارة دول نادراً ما تستقبل سياحاً أو استكمال مشاريع شخصية تشمل زيارة جميع دول العالم، بما فيها تلك التي هي في قلب الخطر.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شيريل القادمة من الولايات المتحدة مع زوجها بعد نزهة على شاطئ ليدو: "لم أكشف لعائلتي صراحة إلى أين أنا ذاهبة، لكن منذ لحظة نزولي من الطائرة، شعرت بارتياح تام"، وأضافت: "الوضع ليس إطلاقاً كما تسمعون".

وتابعت بالقول: "إننا نتجول بحرية، الناس لطفاء والمكان مثير فعلاً للاهتمام".

واللافت أن الزوجين، اللذين رفضا الإفصاح عن كنيتهما، سبق لهما أن زارا دولاً لا تعرف بكونها وجهات سياحية تقليدية، على غرار أفغانستان وإيران وكوريا الشمالية.

غير أن السفر إلى الصومال يبقى مرتبطاً بإجراءات أمنية مشدّدة، فقد كشفت المسافرة السويسرية كارين سيننغر، التي زارت مقديشو في العام 2020، أن المدينة "تُظهر مستوى مرتفعاً من الخطورة منذ الوصول"، موضحة في حديثها مع "سي أن أن"، أن إقامة السياح تقتصر غالباً على "المنطقة الخضراء" الخاضعة لتشديد أمني والتنقّل خارجها لا يتم إلا ضمن قوافل مسلّحة ترافقها قوات من الشرطة والجيش.

وتصنّف وزارة الخارجية الأمريكية الصومال ضمن مستوى التحذير الأعلى، مستندة إلى مخاطر الخطف والجرائم المسلحة ونقص الخدمات القنصلية، وبدورها، تحذّر الخارجية البريطانية من ارتفاع خطر الاختطاف واستمرار الهجمات في العاصمة ومحيطها، بخاصة وأن الجماعة المسلحة لا تزال تنفّذ عمليات منتظمة في مقديشو ومناطق أخرى، بما فيها هجمات وقعت في بداية العام 2025.

ورغم استمرار هذه المخاطر، يرى البعض أن مستوى القتال العنيف قد تراجع مقارنة بالسنوات السابقة، ما يتيح هامشاً محدوداً للحركة ضمن مناطق محمية.

صوماليلاند… بيئة مختلفة داخل المشهد الصومالي

بينما تبقى مقديشو محاطة بإجراءات أمنية مشدّدة، تُقدّم صوماليلاند، المنطقة التي تعمل بشكل مستقلّ منذ العام 1991، نموذجاً مختلفًاً، إذ إنها تمتلك حكومة منتخبة، وقوات أمنية خاصة، وعملة محلية، وتتمتع باستقرار نسبي ساعد في تطوير قطاع سياحي صغير مقارنة ببقية الصومال.

وفي هذا الإطار، تُعدّ هرجيسا، عاصمة صوماليلاند، وجهة تستقطب الزوار الباحثين عن بيئة أكثر استقراراً ضمن ما يُعرف بحدود "الصومال الكبرى".

وتشمل المعالم البارزة في صوماليلاند موقع "لاس غيل" الأثري الذي يحتوي على رسوم كهفية يعود تاريخها إلى نحو خمسة آلاف عام، إضافة إلى القرى البدوية والمواقع الساحلية في مدينة بربرة، كما أن التجول داخل هرجيسا لا يتطلب حراسة شخصية، إلا أن الحركة خارج المدن الرئيسية في صوماليلاند تتطلب مرافقة أمنية، فيما تبقى المناطق الحدودية مع الصومال مصنّفة كمناطق خطرة من الحكومات الغربية.

على المستوى الإداري، لا تزال الانقسامات الداخلية تؤثر في تنظيم حركة الزوار. ففي أيلول/ سبتمبر 2025، أطلقت الحكومة الفيدرالية في مقديشو نظاماً جديداً للتأشيرة الإلكترونية لتسهيل دخول السياح، لكنه اقتصر على العاصمة، بينما رفضت كل من صوماليلاند وبونتلاند الاعتراف به، وحافظت كل منطقة على نظام دخول مستقلّ.

ومع ذلك، تشير شركات السياحة إلى أن التأشيرة الإلكترونية سارت بنجاح مع الدفعة الأولى من الزوار، وتم اعتبارها خطوة عملية نحو تطوير قطاع السياحة في البلاد.

وكان وزير السياحة داود أويس جامع أشاد ببلاده كقبلة سياحية خلال مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال جامع: "السياحة في كل أنحاء العالم رديفة للاستقرار"، مؤكداً أن "السياحة ستغير صورة الصومال".

هذا وكشف بأن نحو 10 آلاف أجنبي زاروا الصومال العام الماضي، مشيراً إلى أنهم قدموا في معظمهم من الصين والولايات المتحدة وتركيا.

بينما تبقى مقديشو محاطة بإجراءات أمنية مشدّدة، تُقدّم صوماليلاند، المنطقة التي تعمل بشكل مستقلّ منذ العام 1991، نموذجاً مختلفًاً، إذ إنها تمتلك حكومة منتخبة، وقوات أمنية خاصة، وعملة محلية، وتتمتع باستقرار نسبي ساعد في تطوير قطاع سياحي صغير

إلى جانب التحديات الأمنية، يواجه الصومال أزمة إنسانية معقّدة، وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أدت الصراعات والتوترات السياسية والكوارث المناخية إلى نزوح أكثر من 550 ألف شخص خلال العام 2024، مع وجود نحو 3 ملايين مشرّد داخل البلاد. ورغم تراجع نشاط القرصنة، لا يزال الخطر قائماً في بعض المناطق الساحلية.

يُظهر الارتفاع الأخير في أعداد الزوار أن الصومال، رغم ظروفه الصعبة، أصبح محط اهتمام لدى فئة معيّنة من المسافرين/ات الباحثين/ات عن تجارب غير تقليدية، لكنّ هذه الزيادة لا تعني تحوّل البلاد إلى وجهة سياحية بالمعنى المتعارف عليه، بخاصة وأن القيود الأمنية، الانقسامات الإدارية والمخاطر المستمرة، تجعل السياحة نشاطاً محدوداً يخضع لرقابة دقيقة وشروط صارمة.

ومع ذلك، قد يشكّل نظام التأشيرة الإلكترونية الجديد والتراجع النسبي في حدّة الصراعات فرصاً أولية لبلد يحاول الاستفادة من اهتمام عالمي متزايد رغم صعوبة الظروف وتعقيداتها.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منذ البداية، لم نخاطب جمهوراً... بل شاركنا الناس صوتهم.

رصيف22 لم يكن يوماً مشروع مؤسسة، بل مشروع علاقة.

اليوم، ونحن نواجه تحديات أكبر، نطلب منكم ما لم نتوقف عن الإيمان به: الشراكة.

Website by WhiteBeard
Popup Image