التسويق العصبي... قراءة ما يدور في عقل المستهلك ودفعه للشراء

التسويق العصبي... قراءة ما يدور في عقل المستهلك ودفعه للشراء

حياة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 1 ديسمبر 20257 دقائق للقراءة

وجدت الأبحاث أن 90% من قرارات الشراء تتم من دون وعي منطقي من المستهلكين/ات، ففي الكثير من الأحيان قد نجد أنفسنا منجذبين إلى إعلان معين من دون أن نعرف السبب، أو قد ندخل الى المتجر لشراء شيء بسيط ثم نخرج محملين بأشياء لم نخطط لها، وفي الحقيقة هذه ليست مصادفة، بل نتيجة لتطور علم التسويق.

مع تراجع فاعلية استراتيجيات التسويق التقليدية في جذب انتباه المستهلك، برز التسويق العصبي الذي يُتيح استكشاف كيفية معالجة المستهلكين للمعلومات ودراسة استجابتهم للمحفزات التسويقية التي قد تؤثر في خياراتهم وقرارات الشراء لديهم.

ما هو التسويق العصبي، وما هي أدواته؟ وكيف يؤثر في قرارات الشراء؟

تقنيات لتحفيز المشاعر

التسويق العصبي (Neuromarketing) هو نهج متطور في علم التسويق يعتمد على الجمع بين علم الأعصاب (الذي يدرس الدماغ والسلوك) وعلم النفس والتسويق لفهم آلية عمل الدماغ البشري وكيفية تفاعل عقل المستهلك مع المحفزات المختلفة مثل الإعلانات، تصميم المنتجات والشعارات التجارية، بهدف اكتساب رؤى أعمق في فهم دوافع المستهلك وسلوكه الشرائي وطرق تحفيز مشاعره وتحليل الدوافع الكامنة وراء خياراته وكيفية اتخاذه لقرارات الشراء.

وجدت الأبحاث أن 90% من قرارات الشراء تتم من دون وعي منطقي من المستهلكين/ات، ففي الكثير من الأحيان قد نجد أنفسنا منجذبين إلى إعلان معين من دون أن نعرف السبب، أو قد ندخل الى المتجر لشراء شيء بسيط ثم نخرج محملين بأشياء لم نخطط لها

ويستخدم التسويق العصبي تقنيات متنوعة لفهم سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم ومن أبرزها، تصوير الدماغ، إمّا بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) الذي يقيس التغيرات في تدفق الدم في الدماغ، مما يسمح للباحثين بتحديد المناطق التي تنشط أثناء اتخاذ القرار والاستجابات العاطفية أو من طريق تخطيط كهرباء الدماغ (EEG) الذي يقيس النشاط الكهربائي للدماغ عند التعرض لمحفزات تسويقية معينة، مما يكشف عن مستوى التفاعل والإثارة العاطفية التي تثيرها العلامة التجارية.

أما القياسات الحيوية فتشمل:

تحليل تعبيرات الوجه (Facial Coding): لقياس ردود الفعل العاطفية التي يُظهرها المستهلك على الوجه عند مشاهدة إعلان أو تجربة منتج معين لاكتشاف مشاعر الفرح، أو الحزن، أو المفاجأة، مما يُقدم رؤىً ثاقبة حول فاعلية الإعلانات وحملات التسويق وجهود بناء العلامة التجارية.

تتبع حركة العين (Eye Tracking): والتي تسمح بمراقبة مكان ومدة نظر المستهلك إلى مختلف عناصر الإعلان أو المنتج، لتحديد الأجزاء الأكثر جذباً في الإعلانات أو مواقع الويب، مما يساعد في تحسين التصميم والتخطيط البصري.

اختبارات الارتباط الضمني (IAT): فهي تقيس المواقف والتفضيلات اللاواعية للمستهلكين من خلال تقييم سرعة ربطهم بين مفاهيم مختلفة مثل ربط العلامات التجارية الفاخرة بالجودة والثقة بشكل لا واعٍ، مما يساعد المسوقين في فهم تحيزات المستهلكين التي قد تؤثر في قرارات الشراء.

حيل نفسية

من أهم الحيل النفسية التي يستخدمها التسويق العصبي للتأثير على قرارات شراء المستهلكين/ات:

تحفيز عواطف المستهلكين/ات، إذ تُظهر الأبحاث أن العواطف تطغى على العقل في قرارات الشراء، ويمكن للمسوقين الاستفادة من هذه الرؤية وابتكار عروض تتفاعل مع المستهلكين على المستوى العاطفي وتُعزز ارتباطهم بعلامتهم التجارية. فالإعلانات التي تثير المشاعر الإيجابية تُحفّز الدماغ لاتخاذ قرارات أسرع في الشراء، فمثلاً نجحت العلامة التجارية "كوكاكولا" في استراتيجيتها التسويقية بأن تكون رمزاً للفرح والسعادة والذكريات الإيجابية مما عزز من ارتباط المستهلك بمنتجاتها، وضمن مستوى عالٍ من ولائه للعلامة التجارية.

التأثير الحسي (Sensory influence)

يمكن للإشارات الحسية، مثل الموسيقى واللون والرائحة، أن تؤثر في سلوك المستهلكين. فاللون الأحمر مثلاً يلفت الانتباه ويثير مشاعر الحماس والإثارة لهذا تستخدمه علامات تجارية مشهورة مثل "كوكاكولا"، ونتفليكس، ومطعم الوجبات السريعة KFC، والروائح التي ترتبط بالذكريات والمشاعر، كرائحة القهوة الطازجة في المقاهي، تجعل الزبون يشعر بالراحة والإلفة، مما يزيد من معدلات الشراء. كما أن أصوات الموسيقى الهادئة في المتاجر تحسن الحالة المزاجية وتجعل الزبائن يشعرون بالراحة ويقضون وقتاً أطول في التسوق والشراء.

قوة التأطير العقلي (Framing Effect)

تؤثر طريقة تقديم المعلومات بشكل كبير في قرارات الشراء، فعبارة حسم 20% على المنتج تجذب العملاء أكثر من عبارة وفر20 وحدة نقدية رغم أن قيمة التوفير قد تكون واحدة، كما أن تسعير المنتج بـ 9.99 وحدة نقدية بدلاً من رقم صحيح (10 وحدات نقدية) تُوهم المستهلك بأن السعر أقل وتجعله أكثر رغبة بالشراء. وتعتمد "آبل" هذه التقنية حيث تسوّق منتجاتها باعتبارها الأفضل والأكثر تميزاً.

تأثير الندرة والعجلة (Urgency and Scarcity)

تأثير الندرة هو التحيز المعرفي الذي يدفعنا إلى إعطاء قيمة أكبر للأشياء التي يُنظر إليها على أنها نادرة أو محدودة العرض، فعندما يقل توافر شيء ما يصبح مرغوباً أكثر ليس لأنه تغير، ولكن لأن دماغنا غيّر طريقة تقييمه له. فالعقل البشري يخشى من تفويت الفرصة (FOMO) لذلك رؤية عبارات مثل "الكمية محدودة" أو "عرض لفترة محدودة" تحفّز إشارات الاستعجال في الدماغ وتقلل من التردد، مما يدفع المستهلك لاتخاذ قرار سريع بضرورة الشراء فوراً من دون تفكير عميق.

قوة التأييد الاجتماعي (Social Proof)

يُعدّ من أقوى أدوات التسويق العصبي والتي ترتكز على ميل العقل البشري لتقليد الآخرين بخاصة عند الشعور بعدم اليقين. فعندما يرى المستهلك تقييماً عالياً لمنتج معين من آلاف الأشخاص، يبدأ دماغه تلقائياً باعتباره موثوقاً به فيشتريه، وعندما يرتبط المنتج بشخصية محبوبة يصبح أكثر جذباً حتى دون مقارنة عقلانية، كما أن استخدام إحصائيات المبيعات مثل أكثر من مليون نسخة مبيعة ليست مجرد شعار، بل حافز عصبي يدفع الدماغ للاعتقاد أن المنتج يستحق الشراء. ولهذا السبب تُستخدم مراجعات العملاء، وشهادات المشاهير، في استراتيجيات التسويق العصبي، فمثلاً تستخدم شركة أمازون تقنيات مثل المراجعات الإيجابية والندرة (ثلاث قطع متبقية فقط) لتعزيز قرارات الشراء.

ردود أفعال "غير مفلترة"

من مميزات التسويق العصبي بأنه يكشف عن ردود الأفعال الحقيقية غير المفلترة والتفضيلات الضمنية للمستهلكين، خلافاً لأساليب التسويق التقليدية التي تعتمد على جمع المعلومات والاستبيانات والتي قد تكون متحيزة أو ناقصة، فقد لا يقول المستهلكون فيها الحقيقة دائماً، أو قد يقولون أشياء يعتقدون أن الآخرين يريدون سماعها. وهذا يساعد المسوقين في فهم عملائهم بشكل أفضل وإرضائهم من خلال تقديم منتجات وفقاً لرغباتهم وتفضيلاتهم، فضلاً عن تصميم حملات تسويقية أكثر فاعلية لجذب انتباه الزبائن وتأثيراً في قرارات شراء المستهلكين، مما يزيد من مبيعات الشركات وأرباحها.

تُظهر الأبحاث أن العواطف تطغى على العقل في قرارات الشراء، ويمكن للمسوقين الاستفادة من هذه الرؤية وابتكار عروض تتفاعل مع المستهلكين على المستوى العاطفي وتُعزز ارتباطهم بعلامتهم التجارية

كما يمكن الاستفادة من التسويق العصبي في المجال الطبي، فعلى سبيل المثال، استخدم المعهد الوطني الأمريكي للسرطان فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي على المشاركين من المدخنين الشرهين الذين أبدوا رغبتهم في الإقلاع عن التدخين، لاختبار ثلاثة إعلانات للإقلاع عن للتدخين، واختيار الإعلان الأكثر تأثيراً على مجموعة الاختبار عند عرضه.

ولئن التسويق العصبي يستطيع أن يؤثر في قرارات العملاء لا شعورياً، فهذا يُثير مخاوف أخلاقية تتعلق بخصوصية العملاء وشعورهم بأن العلامات التجارية أو الحملات الدعائية تتلاعب بهم، فعلى سبيل المثال، استخدم أحد الأحزاب السياسية الرئيسية في المكسيك التسويق العصبي لمعرفة المزيد عن اهتمامات الناخبين وردود أفعالهم حيال إعلانات حملته الانتخابية، وعندما تسربت المعلومات كان هناك رد فعل عنيف من المواطنين المكسيكيين أدى إلى خسارته أصواتهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image