"كوب 30"... خذلان تاريخي للشعوب بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة

حياة نحن والبيئة

الثلاثاء 25 نوفمبر 20256 دقائق للقراءة

أسدلت قمة المناخ "كوب 30" ستارها في مدينة بيليم البرازيلية وسط خيبة أمل واسعة، بعدما خرجت الوثيقة الختامية من دون أي التزامات تتعلق بالوقود الأحفوري، باستثناء مليارات الدولارات التي وجهت إلى صندوق الغابات الاستوائية.

وفي حين كانت الآمال معلقة على القمة بأن تكون محطة مهمة لدفع العالم نحو تسريع مسار خفض الانبعاثات، جاءت النتائج أقل كثيراً من حجم التوقعات، ووصفتها دول عديدة، بخاصة دول نامية، بأنها "خذلان تاريخي للشعوب".

في الحقيقة، إن المفاوضات التي امتدّت إلى ما بعد الموعد المقرر لم تتمكن من سدّ الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة حول مسؤولية تمويل العمل المناخي وكيفية التعامل مع الوقود الأحفوري، وهي النقطة الأكثر حساسية في هذه المفاوضات، ففي حين دافعت الدول الغنية عن ربط التمويل بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، اعتبرت الدول الأفريقية أن هذا الربط هو معادلة ظالمة، لأن مساهمتها في الانبعاثات العالمية لا تتجاوز 4%.

معركة الوقود الأحفوري… تفاقم الانقسام

دخلت قمة "كوب 30" مراحلها الأخيرة بانقسام واضح حول بند الوقود الأحفوري، إذ رفض الاتحاد الأوروبي ودول أخرى المسودة البرازيلية الأولى التي خلت تماماً من أي ذكر لهذه النقطة الأساسية، ما أجبر الرئاسة على تمديد المفاوضات يوماً إضافياً، غير أنّ التعديل الذي أُدخل على المسودة لم يلب مطالب تلك الدول ولا مطالب الدول النامية التي كانت تنتظر التزامات تمويلية واضحة تساعدها على التكيف مع آثار المناخ.

أسدلت قمة المناخ "كوب 30" ستارها في مدينة بيليم البرازيلية وسط خيبة أمل واسعة، بعدما خرجت الوثيقة الختامية من دون أي التزامات تتعلق بالوقود الأحفوري، باستثناء مليارات الدولارات التي وجهت إلى صندوق الغابات الاستوائية

وعلى الرغم من تمسك دول الجنوب بضرورة فصل مسألة التمويل عن الالتزامات المتعلقة بالتخلص من الوقود الأحفوري، أصرت دول غنية عدة على شرط واضح: لا تمويل إضافياً من دون برنامج للتخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم.

هذا الشرط دفع مبعوث تنزانيا، وهي الدولة التي تمتلك احتياطيات مهمة من الغاز، إلى القول: "إنكم تقايضون حياتنا بشيء لم نتسبب فيه بالقول، إن لم تقبلوا بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، فلن نمنحكم 3 أضعاف تمويل التكيف مع تغير المناخ، لذلك كان ردّنا بأننا لن نقبل ذلك"، وهو موقف تشاركه دول عديدة تعتمد اقتصاداتها على موارد الطاقة، وترى أن القيود المفروضة عليها غير عادلة ما دامت المسؤولية التاريخية للانبعاثات تقع على عاتق الاقتصادات الصناعية الكبرى.

ورغم هذا التوتر، أعلنت القمة التزاماً سابقاً كان قد طرح سابقاً في "كوب 29"، يقضي بحشد 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول 2035 لدعم العمل المناخي، إضافة إلى مضاعفة تمويل التكيف وزيادته إلى ثلاثة أضعاف في 2035، لكنّ هذه الوعود بقيت من دون تحديد مصادر التمويل وآليات الدفع.

خارطتا طريق

في المقابل، سُجّلت خطوة إيجابية تمثلت في التأكيد مجدداً على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، وهو مطلب أساسي للدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ. ومع ذلك، لم تُرفق الإشارة إليه بتحديد مساهمات جديدة، بينما بقي الجدل القائم في مكانه بشأن كيفية تشغيل الصندوق وموارده.

أما المسار الوحيد الذي بدا أكثر وضوحاً هو إعلان رئيس القمة أندريه كوريا دو لاغو أنه سيبدأ العمل على خارطتي طريق طوعيتين: الانتقال العادل والمنظم بعيداً من الوقود الأحفوري ووقف إزالة الغابات، كما أعلن عن أول مؤتمر عالمي لإنهاء الاعتماد على النفط والغاز والفحم سيُعقد عام 2026 في كولومبيا.

في حين كانت الآمال معلقة على القمة بأن تكون محطة مهمة لدفع العالم نحو تسريع مسار خفض الانبعاثات، جاءت النتائج أقل كثيراً من حجم التوقعات، ووصفتها دول عديدة، بخاصة دول نامية، بأنها "خذلان تاريخي للشعوب"

بالرغم من ذلك، صرّح مفوض المناخ الأوروبي فوبكه هوكسترا أمام الصحافيين في بيليم: "لن نخفي حقيقة أنّنا كنّا نتمنّى تحقيق المزيد؛ مزيد من الطموح في كلّ النقاط".

وأضاف: "يتعيّن علينا أن ندعم هذا الاتفاق لأنّه يسير في الاتجاه الصحيح، على أقلّ تقدير"، هذا وأشار هوكسترا إلى أنّ العالم يمرّ بأوقات سياسية صعبة، لذلك فإنّ التوصّل إلى اتفاق في مؤتمر يضمّ نحو 200 دولة له "قيمته بحدّ ذاته".

في المقابل، اعتبر أحد أعضاء وفد الاتحاد الأوروبي، في حديثه مع وكالة "فرانس برس"، أنّ التكتل الذي يضمّ 27 دولة بقي "معزولاً"، ونُظِر إليه بوصفه "الطرف الشرير" في المحادثات، وفي هذا السياق، وصفت وزيرة التحوّل البيئي الفرنسية مونيك باربو نص الاتفاق بأنّه "خالٍ من الطموح"، وتابعت بالقول: "لا أستطيع وصف هذا المؤتمر بأنّه ناجح".

صندوق الغابات الاستوائية… الفائز الوحيد

في وقت خيّبت فيه القمة معظم التوقعات المتعلقة بالانبعاثات والتمويل، برز ملف واحد حقق تقدماً ملموساً: صندوق الغابات الاستوائية، إذ إن الصندوق يعتمد على نموذج مالي قائم على السندات، بحيث تُكافأ الدول التي تنجح في خفض معدلات إزالة الغابات، بينما يحصل المستثمرون من القطاع الخاص على فوائد مالية.

ويرى مراقبون أنّ البرازيل، الدولة المضيفة، هي الرابح الأكبر في هذا المسار، لأنها لا تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل جوهري، وتعتمد في 80% تقريباً من كهربائها على مصادر نظيفة، وتركّز سياساتها الخارجية على حماية الأمازون.

باختصار، بالرغم من بعض المقررات الإيجابية، اعتبر البعض أن "كوب 30" فشل لعدة اعتبارات، أهمها، غياب قرارات حاسمة بشأن الوقود الأحفوري وتعميق الشرخ بين الدول الغنية والفقيرة حول التمويل المناخي، وتالياً يمكن القول إن القمة أخفقت في تحقيق مكاسب ملموسة على مستوى المسار المناخي العالمي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image