"هل يوجد لديك مُكَبِّر للأرداف؟".
"يمّي… وصلتي!".
ما سبق هو حوار يجري في إعلان ترويجي (يتحفّظ رصيف22 على إعادة نشره) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين عراقية مسؤولة عن الإعلانات في محل لبيع أدوات التجميل، وعراقي يبدو أنه صاحب المحل، يضرب على صدره وهو يجيبها. المزعج في الإعلان أنه ينتهي بظهور نعجة بذيل دهني كبير وضخم (ليّة)، يتحرّك صعوداً ونزولاً في مشهد تُفهم منه الإشارة إلى أن هذه النتيجة المرجوة أي امرأةً بمؤخرة كبيرة تهتز مع الحركة.
فور انتشار الإعلان هذا، راجت كلمة "يمّي" في القاموس الشعبي العراقي، وراح عراقيون يتداولونها للمزاح في أحاديثهم اليومية، كما انتشرت بين المارّة والمستخدمين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل فكاهي. لكن الإعلان خلّف مآسٍ وراءه، وقاد عراقيات نحو أزمات صحية، ما يفتح باب النقاش حول مخاطر منتجات "التجميل" غير المرخّصة، والتي يسوّق لها بمغريات مضلّلة. فمن أجل "خلفية حضارية" وتكبير الأرداف، تلجأ عراقيات إلى خلطات و"تحميلات" تقودهنّ غالباً نحو أزمات جنسية وصحية.
"بعض الأنواع تكون على شكل عجينة تُشكّل يدوياً وتُغلّف بالنشا، أو تُوضع في البراد لتتماسك، ثم تُستخدم بإدخالها عن طريق فتحة الشرج"... عن منتجات "تكبير الأرداف" غير المرخّصة في العراق وضحايا "الضغط المجتمعي" و"معايير الجمال المشوّهة"
"الأرداف مثل النبتة"؟
تفاجأت رشا (اسم مستعار، 22 عاماً)، من بغداد، بتدهور حالتها الصحية بعد استخدامها تحاميل لتكبير الأرداف تُوضع عن طريق فتحة الشرج، بعدما أغراها الإعلان بنتائج "سريعة وفعّالة". تقول في حديثها إلى رصيف22: "بعد عشرة أيام من الاستخدام، شعرت بحرقة شديدة وتهيّج غير طبيعي. كان الألم أشبه بشعلة من النار اشتعلت في أحشائي".
تتابع رشا سرد تجربتها، وتوضح أنها أرسلت ابنة عمها إلى محل بيع مستحضرات التجميل المذكور في الإعلان، لتشتكي من الأعراض، فقام البائع بإعطائها مرهماً داخل عبوة بلا تعليمات واضحة، موضحاً أنّ الأعراض "طبيعية"، وادّعى أنّ التحاميل بدأت تُظهر مفعولها. "قال لي: الأرداف مثل النبتة، حين تكبر تشقّق الأرض حولها"، تردف.
لكن استخدام المرهم لم يُحسِّن حالتها، بل زاد الطين بلّةً. "بدأت المنطقة بالانسلاخ، وظهرت أعراض أخرى مثل ارتفاع درجة الحرارة وصعوبة في التبرّز"، تضيف رشا.
أمام تدهور حالتها، اضطرت إلى مصارحة والدتها بالأمر، خصوصاً أنها كانت تتجنّب ذكر التحاميل للطبيب في زيارتين سابقتين، خوفاً من اللوم والتوبيخ. بعد إخباره، شخّص الطبيب إصابتها بالتهابات حادّة استدعت علاجاً طويلاً استمر قرابة شهرين، لم تستطع خلالهما الجلوس بشكل طبيعي.
تختم رشا: "أنا لا أملك المال لإجراء عملية تجميل، لذا لجأت إلى التحاميل كبديل رخيص، لكنني دفعت ثمناً باهظاً".
"الله ستر عليّ"
"الله ستر عليّ، كان من الممكن أن أصاب بمرض خطير لأنني استمررت أشهراً في استخدام التحاميل"، تقول ناريمان (30 عاماً)، لرصيف22، بينما تروي أنها لجأت إلى ما يُعرف بـ"تحاميل تكبير الأرداف"، والتي تُباع دون وصفة طبية، وتنتشر في الأسواق الشعبية ومحال مستحضرات التجميل.
وتشرح: "بعض الأنواع تكون على شكل عجينة تُشكّل يدوياً وتُغلّف بالنشا، أو تُوضع في البراد لتتماسك، ثم تُستخدم بإدخالها عن طريق فتحة الشرج". لكن ما يثير القلق أنّ ناريمان وعدداً من الفتيات اللواتي تحدث إليهنّ رصيف22، لا يعرفن شيئاً عن مكوّنات هذه التحاميل، ولا عن المواد الكيميائية المضافة إليها، وإنما يركّزن فقط على هدف "تكبير الخلفية" الموعود.
من أجل وظيفة مرموقة
خلال الحديث مع ناريمان، شاركتنا ابنة عمّها، وهي فتاة في العشرينات من عمرها، تجربتها قائلةً: "ما حدث مع ابنة عمي مجرّد حظ سيّئ. أما أنا، فما زلت أستخدم هذه التحاميل لأنني أريد أن أُكبّر خلفيتي، من أجل الزواج".
لكن بالنسبة لناريمان، العواقب لم تكن بسيطةً بسبب المضاعفات الصحية التي تعرّضت لها، والتي غيّرت حياتها بشكل جذري. فبعد أشهر من الاستخدام المستمر للحمّالات، خضعت لعملية جراحية لرفع البواسير وتعاني الآن من ألم شبه مزمن في فتحة الشرج.
تحذّر الصكبان: في السنوات الأخيرة، رصدنا تزايداً مقلقاً في الالتهابات الشديدة في منطقة الشرج والمستقيم لدى نساء، بسبب استخدام خلطات عشبية شعبية، أو وصفات يتم الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، توضع مباشرةً داخل فتحة الشرج بهدف تسمين الأرداف أو تكبيرها بسرعة
زيوت مجهولة وانتشار مقلق
من الناحية الطبية، تقول طبيبة النسائية والتوليد، مها الصكبان: "في السنوات الأخيرة، رصدنا تزايداً مقلقاً في حالات نسائية تعاني من التهابات شديدة في منطقة الشرج والمستقيم، بسبب استخدام خلطات عشبية شعبية، أو وصفات يتم الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، توضع مباشرةً داخل فتحة الشرج بهدف تسمين الأرداف أو تكبيرها بشكل سريع".
تعدّد الصكبان الآثار الجانبية لتلك الوصفات: "أوّلها، الالتهاب الحاد في المستقيم وفي فتحة الشرج، فأغلب الخلطات الشعبية تحتوي على مواد 'مخردشة' (تقصد غير صحية) أو زيوت مركّبة مجهولة المصدر يتم إدخالها في فتحة الشرج. كما تسبب تهيّجاً حادّاً، أو حروقاً كيميائيةً، وأحياناً نزيفاً دموياً أو إفرازات صديديةً، بالاضافة إلى العدوى البكتيرية أو الفطرية".
وتشير الصكبان إلى أنّ "المستقيم يحتوي على توازن طبيعي دقيق من البكتيريا النافعة، لذا فإنّ إدخال أيّ منتج غير طبي يسبب التهابات يصعب علاجها بالأدوية التقليدية، وقد يسوء الوضع ونضطر إلى العمليات الجراحية. ناهيك عن أنّ فتحة الشرج منطقة عالية الامتصاص، وأي مواد تدخل من خلالها تصل بسهولة إلى مجرى الدم. وبما أنّ الخلطات صُنعت من دون رقابة طبية فسوف تؤدي إلى امتصاص مواد ضارّة عبر الدم، ما يعرّض الجسم لمخاطر مثل تغيير في معدلات السكر، والضغط، وتسمّم هرموني، وتالياً احتمالية آثار بعيدة الأمد مثل: مشكلات في الإخراج بسبب تليّف أو ضرر في العضلة العاصرة، سلس شرجي، أورام حميدة أو تغيّرات نسيجية في منطقة المستقيم نتيجة التهيج المتكرر أو اختلالات هرمونية تؤثر على الخصوبة مستقبلاً".
الخطر الأكبر في المقادير
في الوقت الذي تنتشر فيه خلطات تُروّج لتكبير الأرداف وتغيير شكل الجسم عبر الإنترنت وفي الأسواق، تتكشّف خلفها مخاطر حقيقية تهدّد صحة النساء، خاصةً مع غياب أي رقابة أو إشراف طبي.
تقول الكيميائية زينب الموسوي، التي تعمل في مختبر معتمد لتعبئة المواد الطبية: "هذه الخلطات عادةً ما تُحضَّر بطرائق بدائية، وفي بيئات غير معقمة غالباً يتم خلط زيوت تالفة مع مواد كيميائية دون معرفة علمية، وتُباع للنساء على أنها 'مواد طبيعية'".
وتؤكد أنّ "الخطر الأكبر يكمن في المقادير غير الدقيقة. أي مادة تُستخدم بنسبة أعلى من المسموح، حتى لو كانت نباتيةً، قد تتحوّل إلى مادة سامّة. الكثير من الخلطات تحتوي على مكونات تخرّش الجلد أو تؤثر على الكبد والهرمونات مع الاستخدام".
بين المختبر والمنزل
تشرح الموسوي الفرق بين تحضير الخلطات والوصفات في مختبر، وتحضيرها في المنزل: "في المختبر، تخضع كل مرحلة لشروط صارمة، من تعقيم الأدوات، استخدام موازين دقيقة، توثيق نسب المواد، وضمان صلاحية كل مكوّن. بينما في الخلطات المنزلية والتجارية، تُخلط المواد بشكل عشوائي داخل أوعية غير معقّمة، وتُعبّأ في عبوات بلاستيكية رخيصة دون أي فحص".
وتختم حديثها إلى رصيف22، بأنّ "ما يُصنّع بلا رقابة خطر، وما يُجمّل بسرعة قد يضرّ بسرعة. لا تخاطرن بأجسادكنّ من أجل نتائج سريعة، فالتشوّهات قد تكون دائمةً".
في السياق، تشير الطبيبة النسائية، جوان ميرزا، إلى أنّ "جميع الكريمات عبر الشرج غير صحيحة، عدا كريمات الترطيب التي تباع في الصيدلية"، وبرأيها "لا يوجد إثبات علمي أو طبي على أن التحاميل أو الكبسولات الرائجة تساعد في تكبير الخلفية".
معايير مشوّهة ومجتمع ضاغط
إلى ذلك، تشرح الباحثة الاجتماعية إخلاص جبرين، في حديثها إلى رصيف22، أسباب الهوس بتكبير الأرداف لدى نساء عراقيات، قائلةً إنّ "ظاهرة توجّه عراقيات نحو تكبير الأرداف ليست مسألةً تجميليةً بقدر ما هي انعكاس لـ"ضغط اجتماعي كبير يفرض صورةً نمطيةً للجمال تربط بين حجم الجسد وقيمة المرأة الاجتماعية أو فرصها في الحياة".
تشدّد جبرين: نحتاج إلى إعادة تعريف الجمال، وربط قيمة المرأة بعقلها وكفاءتها لا بشكلها، لأنّ المجتمع الذي يحاصر النساء بقوالب جاهزة هو نفسه الذي يفشل في احتضانهنّ حين يسقطن ضحايا
وتوضح جبرين أنّ "المجتمع العراقي، كغيره من المجتمعات العربية، يعاني من معايير جمالية مشوّهة، تصف المرأة الجذابة بأنها صاحبة أرداف كبيرة، ويُروّج لفكرة أنّ من تمتلك هذا النوع من القوام ستحصل على عريس مناسب وبشكل سريع، خاصةً لو كانت تعيش في مجتمع مغلق".
وتتابع: "هذه الرسائل تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الواقع وحتى في الحياة اليومية، ما يجعل المرأة تشعر بأنّ جسدها هو وسيلتها الوحيدة لتحقيق القبول والنجاح. ومن هنا تبدأ رحلة النفخ و'التجميل'، من الشفاه إلى المؤخرة، دون التفكير في العواقب الصحية أو النفسية".
وترى جبرين أنّ هذا الضغط المجتمعي لا يؤدي فقط إلى اضطرابات في صورة الجسد، بل يترك أثراً نفسياً ومادياً واضحاً. تتابع: "الكثير من النساء يعانين من ضغوط مالية لتأمين هذه العمليات، وأخريات يدخلن في حالة اكتئاب لأنهنّ لا يشبهن 'الموديل' المفروض، أو لأنّ نتائج العمليات تأتي بنتائج عكسية".
وتختم: "نحتاج إلى إعادة تعريف الجمال، وربط قيمة المرأة بعقلها وكفاءتها لا بشكلها، لأنّ المجتمع الذي يحاصر النساء بقوالب جاهزة هو نفسه الذي يفشل في احتضانهنّ حين يسقطن ضحايا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.