"تطمئن اللجنة، بناءً على تطابق أقوال الشاكية والشاهد الأول وإفادة الشاهدة الثانية، إلى أنّ واقعة إرسال الصورة ذات الطبيعة الجنسية قد حدثت بالفعل. إلا أنّ اللجنة ترى أنّ هذا الفعل من الأفعال الوارد حدوثها عن طريق الخطأ، لذلك فاللجنة ترجّح أن يكون الإرسال قد تم على سبيل الخطأ غير المقصود. كما ترى اللجنة أنّ رد الفعل على الفعل يجب أن يتناسب مع طبيعته. وحيث إنّ الفعل يميل إلى كونه 'غير عمدي' على سبيل الخطأ غير المقصود، فإنّ الإجراءات المتخذة يجب ألا تتجاوز حدود التعامل مع فعل غير مقصود، مع الأخذ في الاعتبار الأثر النفسي السلبي الذي لحق بالشاكية".
وردت هذه الفقرة في بيان مؤسسة قضايا المرأة المصرية (CEWLA) -واحدة من أهم المنظمات العاملة في الدفاع عن حقوق المرأة في البلاد- الذي نُشر في 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، وأثار موجة غضب وجدلاً واسعاً داخل الأوساط النسوية تجاه المنظمة التي ترفع شعار "ندعم بأمان".
جاءت العبارة في سياق إعلان النتائج النهائية للجنتَي التحقيق الذي استمرّ نحو ثمانية أشهر في واقعة تحرّش اتُّهم بها أحد المحامين العاملين في المنظمة. الكثير من الناشطات المعنيات بحقوق المرأة في مصر، عددن أنّ بيان "سيولا" جاء مخيّباً للآمال، وبدا كأنه "يمنح مبرّراً للجاني أكثر من تحقيق العدالة للناجية"، ولا سيّما أنه صادر من مؤسسة حقوقية نسويّة.
"دوائر المجتمع المدني ضيّقة، والمتحرّش معروف بسلوكه"... الحديث عن نية المشكو في بيان إدانة "محامٍ حقوقي" بالتحرّش في مصر يعيد الحديث عن الشللية وتصديق الناجيات وإمكانية الإنصاف عبر "العدالة الموازية"
بداية القصة
بدأت القضية حين نشرت المحامية والناشطة النسوية نسمة الخطيب، مؤسِسة مبادرة "سند"، منشوراً عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، في 14 شباط/ فبراير 2025، اتهمت فيه محامياً منخرطاً في العمل مع منظمات حقوقية ونسوية بالتحرّش بإحدى صديقاتها.
وأوضحت الخطيب أنّ المحامي أرسل إلى صديقتها صورة "عضوه الذكري في الإنبوكس من أربع سنين"، في حين لم تستطع الصديقة التصرّف حيال ما فعله.
وأوضحت في منشورها أنّ "الشخص دا محامي ومعروف في الوسط السياسي وأول حرف من اسمه ر.م".
في اليوم التالي، وردّاً على البوست، بادرت مؤسسة قضايا المرأة المصرية بإصدار بيان قالت فيه: "في ضوء ما تم تداوله بالأمس (بوست الأستاذة نسمة الخطيب)، والذي يشير إلى قيام أحد المحامين بالتحرّش بزميلة له في إحدى جهات العمل التي التحق بها سابقاً، وفي هذا الإطار تم التواصل مع كاتبة المنشور وعدد من الأشخاص الذين قاموا بإعادة نشره، بالإضافة إلى بعض كاتبي التعليقات، نظراً لقيامهم بالإشارة إلى بعض العاملين في المؤسسة للتحقّق مما إذا كان الشخص المقصود أحد الموظفين الملتحقين حديثاً بالعمل لدى المؤسسة".
وأشار بيان المؤسسة إلى أنّ الاتصالات التي أجرتها إدارتها أعقبها تقديم الناجية شكوى رسمية، اتهمت فيها الموظف بالتحرّش بها في وقت سابق على انضمامه إلى المؤسسة. وأفاد البيان بأنه جرى توقيف الموظف مؤقتاً عن العمل إلى حين انتهاء التحقيق والتثبّت من الشكوى.
إدانة مزدوجة واتهام بالتبرير
أشار بيان المؤسسة عن نتائج التحقيق في الشكوى إلى تشكيل لجنتَي تحقيق، مفصّلاً قرار اللجنة الأولى -التي تشكّلت من المحامية ماهينور المصري والمحامي محمد الباقر والناشطة النسوية لبنى درويش- إدانة المتهم حيث أفاد تقرير لجنة التحقيق الأولى بأنّ "المشكو في حقه قام بإرسال صورة ذات طبيعة جنسية خادشة للحياء للشاكية، وبإنكاره حدوث الواقعة من أساسها أغلق المشكو في حقه أي احتمالات للمراجعة وتحمّل عواقب الفعل".
ولفتت أيضاً إلى أنه "كانت للّجنة ملاحظات على خلط في سلوك المشكو في حقه بين الجانب المهني والشخصي واختلاط في فهم حدود كل علاقة، وضّحته اللجنة للمشكو في حقه بالتفصيل. هذا وقد أعطت اللجنة الحق للمشكو في حقه الطعن على هذا القرار من خلال تقديم طلب لمؤسسة قضايا المرأة المصرية بتشكيل لجنة جديدة".
وخلصت لجنة التحقيق الأولى إلى أنها "تأمل أنّ تقريرها هذا يكون بداية لتغيير سلوك المشكو في حقه، إيماناً بأن حتى ولم تتح الفرصة في أثناء عمل اللجنة لتحمّله لمسؤولية فعله، فما زالت هناك فرصة أمامه لتغيير هذا السلوك، بدعم من آخرين. تقرّ اللجنة حدوث الأذى الناتج عن الأفعال محل الشكوى؛ ولكنها تعتقد أنّ الأخطاء لا تعرّف أصحابها للأبد، وأنّ في حالة تحمّل المسؤولية عنها، هناك مساحة للعمل الجاد على تغيير السلوك والقناعات".
أوضحت "سيولا" أنها اقترحت عقب صدور تقرير اللجنة الأولى على الشاكية والمشكو في حقه، تشكيل لجنة داخلية من المؤسسة لكنهما فضّلا لجنةً خارجيةً لضمان الحيادية. وعليه، تشكّلت لجنة تحقيق ثانية، في أيار/ مايو 2025، لتكون بمثابة "لجنة تظلّم" من المشكو في حقه ضد قرار اللجنة الأولى.
لكن قرار اللجنة الثانية -المشكّلة من المحاميتين هبة عادل وزينب خير ومحامٍ ثالث فضّل عدم ذكر اسمه- أدان المشكو في حقه بارتكاب الواقعة غير أنه حمل في صياغته هذه الإدانة ما وُصف بأنه تبرير ضمني حيث ورد في تقريره: "تطمئن اللجنة، بناءً على تطابق أقوال الشاكية والشاهد الأول وإفادة الشاهدة الثانية، إلى أن واقعة إرسال الصورة ذات الطبيعة الجنسية قد حدثت بالفعل"، لكنها رأت أن "هذا الفعل من الأفعال الوارد حدوثها عن طريق الخطأ"، مرجحةً أن يكون الإرسال "قد تم على سبيل الخطأ غير المقصود".
وحثّت اللجنة على أن "يتناسب رد الفعل على الفعل مع طبيعته. وحيث إن الفعل يميل إلى كونه 'غير عمدي' على سبيل الخطأ غير المقصود، فإنّ الإجراءات المتخذة يجب ألا تتجاوز حدود التعامل مع فعل غير مقصود، مع الأخذ في الاعتبار الأثر النفسي السلبي الذي لحق بالشاكية".
بيان المؤسسة أيضاً عرض باسمها "توفير 6 جلسات للدعم النفسي للناجية من خلال وحدة الدعم النفسي في المؤسسة في حال موافقتها"، جنباً إلى جنب مع "انتهاء كافة أشكال التعاقد مع المشكو في حقه وانعدام أي تعاون مستقبلي على الأقل لسنتين وذلك إيماناً منا بأن العقوبات ليست أبدية وعلى شرط عدم وجود أي شكاوى رسمية أخرى خلال هذه الفترة ضد المشكو في حقه في مكان عمله الجديد".
في حين كانت مبادرة المؤسسة بإعلان التحقيق في الواقعة التي لم يُذكر فيها اسمها من قريب أو بعيد، محل تقدير وتفاؤل، إلا أنّ بيان نتائج التحقيق -ولا سيّما القسم الخاص بنتائج لجنة التظلّم- أثار غضباً واسعاً واستنكاراً في الوسط النسوي حيث رأت كثيرات أنه يمسّ معايير الأمان والثقة التي تستند إليها مؤسسات المجتمع المدني النسوي لضمان المصداقية وحماية النساء من التحرش وأشكال الاستغلال الجنسي.
"العدالة الموازية لم تنصف الناجيات"
في حديثها إلى رصيف22، توضح الناشطة النسوية ورئيسة مؤسسة "ذات" للتنمية المستدامة، رشا عبد الفتاح، أنها تابعت القضية منذ لحظة الإبلاغ عنها، لكنها لم تُفاجأ بالنتيجة إذ ترى أن تشكيل اللجان وما يُسمّى بـ"العدالة الموازية" لم يكن يوماً منصفاً للناجيات، بل غالباً ما تشوبه شبهة الشلليّة والعلاقات الشخصية، مذكّرةً في هذا السياق بواقعة "فتاة الإيميل".
كذلك، ترى عبد الفتاح أنّ بيان "سيولا" جاء "أقل بكثير" من توقعات النسويّات، خاصةً أنه صادر عن مؤسسة حقوقية بارزة مثل قضايا المرأة المصرية، واصفةً إياه بأنه "جاء صادماً". وتلفت الناشطة إلى أنّ البيان افتقر إلى الشفافية، موضحةً: "كنا ننتظر خطوات منظّمةً، لكن ما شهدناه كان محاولةً للتنصّل عبر التذكير بأنّ الواقعة لم تحدث داخل المؤسسة وأنها وقعت قبل أربع سنوات".
في هذا الصدد، تنبّه عبد الفتاح إلى أنّ "دوائر المجتمع المدني ضيقة، والمتحرّش معروف بسلوكه، إذ سبق فصله من مؤسسة حقوقية أخرى، وبرغم ذلك جرى تعيينه في منظمة تعمل على قضايا الناجيات من العنف الجنسي والأسري"، مشدّدةً: "جندرياً، لا ينبغي أن يكون في موقع كهذا، ومع ذلك اكتفى البيان بعزله لسنتين".
محامية الشاكية لرصيف22: "المفترض تأصيل النسويّة داخل مؤسساتنا، لكن البيان جاء بصياغة قانونية لا نسوية، متجاهلاً البُعد الجندري والنفسي للناجية. فالناجية لم تكن مرئيةً في البيان، بينما وُضِع التركيز على المتحرّش"
وترى عبد الفتاح أنّ صياغة بيان إعلان نتائج التحقيق "غير واضحة"، إذ لم يبيّن ما إذا كان المتحرّش قد اعترف بالفعل لأيّ من اللجنتين، بل تنتقد أن المؤسسة لم تضع الناجية في اعتباراتها منذ بداية التحقيق -على حد تعبيرها- إذ لم توفّر لها علاجاً نفسياً أو حتى اعتذاراً، بل انشغلت بصورتها العامة. وفي نهاية المطاف، اكتفت بتقديم ست جلسات دعم نفسي، بعد شهور طويلة من الضغط النفسي الذي تعرّضت له الناجية والتشكيك في روايتها، كما أوضحت في شهادتها.
وتُردف عبد الفتاح: "الناجية لجأت إلى مؤسسة نسويّة أملاً في تفادي الإجراءات الروتينية المعقدة، لكنها فوجئت بالوقوع في روتين مشابه، شمل طلب أدلة جنائية وفحص هواتف".
صياغة قانونية لا نسويّة
من جهتها، ترى محامية الشاكية، نسمة الخطيب، أنّ بيان إعلان نتائج التحقيق "افتقر تماماً إلى المنظور النسوي"، عادّةً أنّ "المفترض هو تأصيل النسويّة داخل مؤسساتنا، لكن البيان جاء بصياغة قانونية لا نسوية، متجاهلاً البُعد الجندري والنفسي للناجية. فالناجية لم تكن مرئيةً في البيان، بينما وُضِع التركيز على المتحرّش".
وتمنّت الخطيب لو أنّ التقرير كان "أكثر صدقاً، ويشمل الأعباء النفسية التي تحملتها الناجية في أثناء سير التحقيقات، ويوضح الخطوات التي اتخذتها اللجنة الأولى"، مستنكرةً أنّ تفاصيل مهمةً تضمنها تقرير اللجنة الأولى لم تصل إلى الجمهور، في حين ركّز البيان على تصوير المؤسسة وكأنها تعرّضت للتشويه.
وتضيف الخطيب: "بالإضافة إلى قرار إعادة دمج المتحرّش بعد سنتين، هل سأل أحد الناجية إذا كانت هذه العقوبة كافيةً أو إذا استعادت حقها؟"، معربةً عن تمنّيها لو أنّ البيان لفت إلى خطوات التحقيق بشكل كامل، وصيغت النتائج بطريقة تنحاز للناجية بدلاً من "تحميلها عبئاً نفسياً إضافياً".
وتساءلت الخطيب عن جدوى قرار المؤسسة دعم الناجية النفسي بـ"ست جلسات فقط"، قائلةً: "هل هذه الجلسات تُعالج التروما أو تتركها مفتوحةً؟"، منتقدةً عدم توفير المؤسسة أي دعم نفسي للناجية في أثناء التحقيقات التي استمرت قرابة ثمانية أشهر.
ووجهت الخطيب اللوم للجنة التحقيق الثانية على وجه خاص، مبرزةً أنّ "تشكيل اللجنة الثانية لم يتم من منظور نسوي، على عكس اللجنة الأولى التي راعت الحالة النفسية للناجية وكانت أسئلتها منطقيةً ومهنيةً، بينما اللجنة الثانية اعتمدت أسلوب الاستجواب وشكّكت في رواية الناجية".
صورة المؤسسة أوّلاً؟
عبر صفحتها في فيسبوك، عقّبت الكاتبة والناشطة النسوية، شيماء طنطاوي، على البيان بأنه "جاء بلهجة متعالية، تمثّلت في أنّ المؤسسة اتخذت المسؤولية عن التحقيق في الواقعة برغم حدوثها خارج المكان، وهذا ينافي دور المؤسسة في ضمان حقوق المستفيدات من الخدمات التي تقدّمها"، متساءلةً عن المعايير التي تنتهجها المؤسسة في اختيار مقدّمي الخدمات لديها "خاصةً أنهم يتعاملون مع ناجيات من وقائع عنف جنسي".
واستهجنت طنطاوي، تركيز بيان المؤسسة على "نوايا المحامي المعتدي" بدرجة أكبر من تسليط الضوء على الفعل "برغم أنه قانونياً كان يجب أن يركّز على الفعل، ونسوياً التركيز على الضرر الذي وقع نتيجة الفعل نفسياً وجسدياً"، وهو ما عدّته تهميشاً وتجريداً لتجربة الناجية، وتجاهلاً لتجربتها. كما لفتت إلى أنه "ركّز على صورة المؤسسة العامة واهتم بتوضيح دور المؤسسة برغم أنّ مسؤوليتها حماية النساء، وتحقيق بيئة نسوية عادلة خالية من العنف ضد النساء".
كذلك، وجدت الناشطة النسوية أنّ استعراض نتائج التحقيق "غير منصف" حيث أنه "بالنسبة للّجنة الأولى نصف صفحة، بينما اللجنة الثانية جاء قرارها في 6 صفحات وهو ما يعكس السردية التي اعتمدتها، ولا يمنح في المقابل شفافيةً ومصداقيةً في طرح مسار مسارات اللجنتين بالتساوي".
وشدّدت على أنّ تشكيل المؤسسة لجان تحقيق مستقلةً "لا يعني إعفاء المؤسسة من النقد، وتالياً فإنّ ردّ المؤسسة بأنّ القرارات الصادرة تمثّل اللجنتين، يُعدّ تنصّلاً من مسؤوليتها وبمثابة إسكات للأصوات التي تنادي بواقع أكثر عدالةً للنساء". وقدّرت طنطاوي أن يكون طول مدة التحقيق قد أرهق الناجية نفسياً وأثّر بالسلب عليها ولا سيّما أن "تحكي تفاصيل الواقعة مرتين أمام اللجنتين دون التعرّض لعلاج نفسي لتقليل الأضرار النفسية الواقعة عليها".
وتعجّبت من أنّ المؤسسة "شكّلت لجنةً جديدةً دون أن تنصّ على معايير محددة لتشكيل لجنة التظلّم لضمان سبل العدالة والإنصاف للناجية وليس فقط للمعتدي"، وبالرغم من أنّ لجان التحقيق آلية تبنّاها المجتمع المدني لخلق مسار بديل عن منظومة العدالة الجنائية الرسمية الأكثر تعقيداً والأقل انحيازاً للناجيات، إلا أنّ طنطاوي رأت أنها في هذه الحالة "ساهمت في إعادة إنتاج الصدمة للناجية بدلاً من توفير سبل الدعم".
ينتج الخطاب الأبويّ
فضلاً عمّا سبق، انتقدت طنطاوي ما وصفته بـ"حالة التبرير والتماس الأعذار للمتحرش"، قائلةً إنها لم تكن سوى توصيف يعيد إنتاج خطاب دفاعي "ويشرّع التملّص من المسؤولية"، لأنّ البيان تحدّث عن سمعة الجاني وعلاقاته المؤسساتية السابقة كدليل مزعوم على عدم اعتياده على هذا السلوك في "خطاب أبوي، يعكس حمايةً ودفاعاً عن المعتدي على حساب الناجية"، فيما تصرّ على أنّ فكرة وقف التعاون معه لمدة عامين فقط عقوبة لا تتناسب مع جرم الفعل، على نحوٍ خاص لأنّ ذلك يُعدّ "إعادة دمج للمعتدين في أماكن العمل الحساسة وجعله شيئاً منطقياً".
"خطاب المؤسسة يحمل رسالةً سلبيةً بأنه حتى المؤسسات النسوية لا تقف بجانب النساء، ما قد يقوّض ثقة النساء بأيّ مسارات نسويّة عادلة"، وأنّ "تركيز المؤسسة على صورتها وتشويه سمعتها وانحيازها للجاني تُعدّ بمثابة إعادة إنتاج خطاب تاريخي استُخدم لإسكات النساء وتحميلهنّ المسؤولية بدلاً من المعتدين"، ختمت طنطاوي.
تسمية الأفعال بأسمائها
بالعودة إلى محامية الشاكية، نسمة الخطيب، فهي تؤكد لرصيف22، على أهمية تسمية الأفعال بمسمياتها الدقيقة، موضحةً أنّ "التحرّش لا يجوز وصفه بالفعل الشنيع. هو تحرّش". وترى أنّ غياب آليات تحقيق تُمكّن من إصدار تقارير دقيقة متناسبة مع حجم الوقائع والجرائم يؤدّي إلى أخطاء في الصياغة، مردفةً: "لما التقرير يكتب 'فعل شنيع' عن واقعة تحرّش، ده خطأ، وللأسف التقرير الأخير وقع في نفس الغلط".
وترى الخطيب أنّ على المؤسسات الحقوقية أن تتعلّم من التجارب المشابهة السابقة وعدم تكرار الأخطاء. تشرح: "ينبغي أن نتعلم مما نجحت فيه، وأن نتجنب ما فشلت في فعله. ليس عيباً أن نتعلم من لجان مثل لجنة 'شفت تحرّش' وأن نضيف أدوات جديدةً. بهذه الطريقة، نضمن تشكيل لجان تحقيق حقيقية تخرج بنتائج واضحة، وإن لم تقرّ عقوبات مباشرةً، لأنها ليست جهةً قانونيةً، لكن على الأقل نستطيع إصدار إدانة واضحة في حق المتحرّش".
كما تشدّد على ضرورة الإعلان بوضوح عن إقصاء المتحرشين من الوسط الحقوقي إذا كانت الإدانة واضحةً ومباشرةً، لأنّ "إفلات الجناة من العقاب يؤدي إلى تراجع الناجيات عن الإبلاغ، ليس فقط لدى مؤسسات الدولة، لكن أيضاً لدى مؤسسات المجتمع المدني، ولا سيّما في ظلّ طول مدة الإجراءات وتراخي هذه المؤسسات ما يجعل الناجيات يشعرن بأنهنّ بصدد معركة أكبر من طاقتهنّ".
بيان توضيحي
تفاعلاً مع الضجة التي أثارها بيانها، نشرت "سيولا"، مساء السبت 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، بياناً جديداً، عبّرت فيه عن تقديرها لكل "نقد بناء وموضوعي"، مبرزةً أنّ بيان إعلان نتائج التحقيق استخدمت فيه "لغةً وصفيةً تقريريةً" في سياق شرح مراحل التحقيق كافة. وشدّدت: "لم نقصد منها تجاهل تجربة الشاكية أو التفضّل في بدء عملية المحاسبة برُمّتها، إلا أنّ هذه الصياغة تسببت في لبس وأدّت إلى الخلط بين موقف المؤسسة وأخلاقياتها النسوية، وبين تقديم العملية بشكل شفاف أمام الجمهور".
تقترح عبد الفتاح: "عند اتخاذ مسار قانوني، يجب أن تتم الإجراءات بمرافقة محامين/ ات ومختصين/ ات في الدعم النفسي، مع ضرورة تجنّب اللجوء إلى مسارات موازية للعدالة لأننا في دولة قانون"
وفنّد البيان التوضيحي انتقادات عدة وُجّهت للمؤسسة ولعملية التحقيق في الواقعة عموماً، ولا سيّما العقوبة المفروضة على المشكو في حقه، والتي أوضح البيان أنها تضمّنت شقّين أولهما "إنهاء عمله في المؤسسة بشكل نهائي ودون التحاقه بالمؤسسة مرةً أخرى في المستقبل، وهي أقصى عقوبة لدينا"، وثانيهما "حظر التعامل معه لمدة عامين على مستوى الأنشطة والاجتماعات خارج مؤسستنا، على أن يُعاد النظر فقط في مسألة الحضور معه في اجتماعات خارجية كممثل عن مؤسسة أخرى بعد مرور هذه المدة، شريطة عدم ورود شكاوى أو شهادات جديدة ضده".
عقب البيان، دعت بعض الناشطات النسويات إلى عدم تحميل الخطأ الذي وقعت فيه المؤسسة أكثر مما يحتمل، آمِلات أن تفيد هذه الواقعة في عدم تكرار مثل هذا الخطأ مستقبلاً.
معايير نسويّة وشفافية
إلى ذلك، تطالب رشا عبد الفتاح، بضرورة اعتماد معايير نسوية واضحة عند اختيار أعضاء لجان التحقيق، موضحةً: "لا بد أن نختار أشخاصاً ليست لديهم مشكلات مع النسويّات ولا يسيئون إليهنّ". كما تؤيد عدم إعلان أسماء أعضاء لجان التحقيق حفاظاً على مصداقية العملية، مع التشديد على أهمية أن تسود الشفافية كل خطوة تخطوها اللجنة وكل إجراء تتخذه.
وتختم بأنّ أهم من كل ما سبق "تصديق الناجيات، مع توفير دعم نفسي لهنّ منذ البداية. وعند اتخاذ مسار قانوني، يجب أن تتم الإجراءات بمرافقة محامين/ ات ومختصين/ ات في الدعم النفسي، جنباً إلى جنب مع ضرورة تجنّب اللجوء إلى مسارات موازية للعدالة لأننا في دولة قانون، ومع الأسف حدث تراخٍ في الإبلاغ".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.