انتقل المهاجم الفلسطيني الشاب عمر فرج، إلى نادي الزمالك المصري، في صيف 2024، قادماً من الدوري السويدي، في صفقة ناهزت مليوناً و100 ألف دولار أمريكي. اللاعب الذي يتقاضى راتباً سنوياً يناهز 450 ألف دولار، لم يشارك منذ قدومه سوى في خمس مباريات فقط، سجّل خلالها هدفاً وحيداً، قبل أن يخرج مُعاراً في فترة الانتقالات الشتوية، ويعود ثانيةً مع بداية الموسم الحالي بعد فشل النادي في إيجاد عرض جديد له، وهو لم يشارك أو ينضم إلى التدريبات الجماعية حتى نشر هذه السطور، إذ لا يقتنع به الجهاز الفني للفريق، وفق التقارير المحلية.
حالة فرج ليست فرديةً. فعلى الرغم من نجاح بعض اللاعبين غير المصريين مع قطبَي الكرة المصرية، الأهلي والزمالك، وعلى رأسهم الفلسطيني وسام أبو علي والتونسي علي معلول في الأهلي، والتونسي فرجاني ساسي والمغربي محمود بن تايك في الزمالك، إلا أنّ غالبية الصفقات الخارجية تكشف عن خلل واضح في منظومة التعاقدات في الناديين الكبيرين.
يكشف هذا التقرير الذي أعدّته منصة "متصدّقش" المصرية، المتخصّصة في تدقيق المعلومات، استناداً إلى بيانات موقع "ترانسفير ماركت" ومجموعة من التقارير المحلية المتسقة معها والمتطابقة في ما بينها بشأن قيمة صفقات اللاعبين وانتقالاتهم، أنّ زعيمَي الكرة المصرية عقدا العديد من الصفقات الخارجية الدولارية، بمن فيهم لاعبين فلسطينيين يسجَّلون كلاعبين محليين، مقابل مبالغ تجاوزت قيمتهم السوقية، ثم انتهى الأمر بالبيع بمقابل متواضع أو من دون مقابل إطلاقاً، فضلاً عن فشل غالبية هذه الصفقات في إثبات الذات داخل المستطيل الأخضر.
مجهود متواضع داخل الملعب ومردود مادي بخس خارجه… تقرير لـ"متصدقش" يكشف كيف تعكس صفقات الأهلي والزمالك الدولارية الخارجية في السنوات الأخيرة خللاً في منظومة التعاقدات فيهما وشبهة هدر "للمال العام"
الأهلي… صفقات بالملايين وعائد بالقطّارة
حلّلت "متصدقش" خمس صفقات بارزة أبرمها النادي الأهلي على مدار السنوات الأخيرة، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 5.6 ملايين دولار أمريكي، فيما لم يحقّق عائد بيع عقود بعضها إلا 3.7 ملايين دولار.
من بين هذه الصفقات، صفقة البرازيلي برونو سافيو، التي تُعدّ واحدةً من أكبر الخسائر المالية في هذا الصدد؛ فقد تعاقد معه النادي مقابل 1.5 ملايين دولار، ثم انتهت التجربة سريعاً ببيعه مقابل مليون دولار، في حين لا تتجاوز قيمته السوقية الآن 300 ألف دولار.
صفقة غير ناجحة أخرى في الأهلي هي صفقة التونسي الشاب محمد الضاوي كريستو، الذي تعاقد معه النادي في كانون الثاني/ يناير 2023، مقابل 1.25 مليون دولار، قبل أن يخرج إعارةً لنادي النجم الساحلي التونسي مع أحقية بشرائه مقابل 750 ألف دولار. وتبلغ الآن القيمة التسويقية للّاعب نحو 850 ألف دولار فقط، برغم أنّ عمره لا يتجاوز 23 عاماً.
تكرّر هذا الأمر مع الموزمبيقي لويس ميكيسوني، الذي ضمّه الأهلي مقابل نحو 900 ألف دولار، في حين كانت قيمته السوقية حينها لا تتعدّى 200 ألف دولار، ثم غادر بعد ذلك مجاناً. ولا تتجاوز قيمته السوقية الآن 120 ألف دولار.
أما صفقة انتقال السنغالي أليو بادجي إلى الأهلي، فتخطّت مليونَي دولار. في المقابل، لم تكن قيمته التسويقية وقت الصفقة تتجاوز مليوناً و300 ألف دولار. وبرغم أنّ اللاعب لم يكمل مدة تعاقده مع الأهلي ولم يستفد النادي من الصفقة في الملعب، حقّق الأهلي من وراء انتقالاته المتكرّرة عائداً مادياً يعوّض بعض خسائر الصفقة مادياً فقط، بما في ذلك 200 ألف يورو مقابل إعارته إلى نادي أنقرة جوجو التركي، و500 ألف يورو نظير إعارته إلى إميان الفرنسي، قبل أن يتم بيعه نهائياً للأخير مقابل نحو 2 مليون يورو مع 20% من نسبة إعادة بيعه للأهلي.
تعاقد الأهلي أيضاً مع الكونغولي والتر بواليا، مقابل مليون و200 ألف دولار، برغم أنّ قيمته التسويقية حينها لم تكن تتجاوز 450 ألف دولار، ثم تركه الأهلي يرحل بلا مقابل. ولا تتجاوز القيمة السوقية الآن لوالتر بواليا حاجز الـ400 ألف دولار.
هذه الصفقات الأجنبية التي أبرمها الأهلي مقابل ملايين الدولارات خلال السنوات الخمس الماضية قدّمت أداءً باهتاً لا يتناسب مع حجم التعاقدات ولا الآمال التي عقدتها عليها جماهير الفريق الأحمر. فبرغم أنّ أليو بادجي كلّف خزينة النادي أكثر من مليونَي دولار، لكنه لم يسجل سوى أربعة أهداف في 1،285 دقيقة لعب موزّعة على 23 مباراة.
أما برونو سافيو، فقد شارك في 18 مباراةً بإجمالي 1،031 دقيقة لعب، ولم يسجل سوى هدفين، وصنع ثلاثة أهداف. في حين لم ينجح كريستو في تسجيل أي هدف خلال 15 مباراةً و455 دقيقة لعب، وبرغم أنّ صفقة ضمّه كبّدت خزينة النادي أكثر من مليون دولار.
صفقات الزمالك… انتقال حرّ وخسارة كاملة
لم يكن الزمالك، الغريم التقليدي للأهلي، بمنأى عن هذه الدوامة، بل إن خسائره في صفقات اللاعبين غير المصريين خلال السنوات الأخيرة بدت أكثر فداحةً، مع تكرار سيناريو الرحيل المجاني دون تحقيق أي عائد مالي للنادي.
حلّلت "متصدقش" أربع صفقات أبرمها الزمالك بقيمة إجمالية بلغت 4.6 ملايين دولار، لم يحقّق عائداً يُذكر من بيعها إذ رحلت ثلاث منها في انتقالات حرة، فيما انتهت إعارةٌ الرابع دون استفادة مالية.
كلّف المهاجم المغربي محمد أوناجم، خزينة النادي مليوناً و500 ألف دولار، مسجّلاً أعلى قيمة سوقية له، قبل أن يغادر في صفقة انتقال حر بعد نحو عامين من اللعب بالفانلة البيضاء، تاركاً خلفه خسارةً ماليةً محقّقة. والآن، لا تتجاوز القيمة السوقية للّاعب 150 ألف دولار.
تكشف الأرقام التي حلّلتها "متصدقش"، استناداً إلى بيانات "ترانسفير ماركت" والتقارير المحلية المتطابقة، المفارقة بين اللاعبين المصريين واللاعبين غير المصريين في المراكز الهجومية في الأهلي والزمالك. فغير المصريين أعلى في السعر وأحياناً القيمة السوقية، فيما المصريون أفضل لناحية التأثير داخل الملعب
الحال نفسه تكرر مع البنيني سامسون أكينولا، الذي أنفق الزمالك على ضمِّه أكثر من مليون و200 ألف دولار، برغم أنّ قيمته السوقية قبل انتقاله إلى الزمالك لم تكن تتجاوز 550 ألف دولار، لينتهي به المطاف خارج أسوار النادي دون مقابل للأبيض.
السنغالي إبراهيما نداي، انضم هو الآخر إلى قائمة الصفقات الخاسرة، بعد التعاقد معه مقابل نحو 840 ألف دولار، وبإجمالي نحو 3 ملايين دولار لمدة 3 مواسم. وغادر اللاعب النادي في صفقة انتقال حرّ، فيما لا تبلغ قيمته السوقية الآن أكثر من 500 ألف دولار.
الاستثناء الوحيد كان المغربي حميد أحداد، الذي باعه الزمالك عام 2021، مقابل نحو 100 ألف دولار، علماً أنه كان قد تعاقد معه مقابل أكثر من 1.4 ملايين دولار في عام 2018، قبل أن يخرج للإعارة ويعود مرةً أخرى إلى النادي، بعدما تدنّت قيمته السوقية من أكثر من مليون دولار في 2018، إلى أقل من 900 ألف دولار في 2020.
العطاء داخل الملعب لم يكن أفضل ولم يعوّض عن قيمة الصفقات بأي حال. لعب سامسون أكينولا 1،235 دقيقة لعب في 37 مباراةً، لم يسجّل فيها سوى 5 أهداف. وخاض إبراهيما نداي، 52 مباراةً مع الزمالك، بإجمالي 2،822 دقيقة لعب، سجّل خلالها 10 أهداف فقط. وشارك حميد أحداد، في 42 مباراةً بإجمالي 1،797 دقيقة لعب، واكتفى بتسجيل 4 أهداف، وصناعة هدفَين.
المقارنة تُنصف المحلّيين
حجم الخسارة في هذه التعاقدات للناديين مع لاعبين غير مصريين، بملايين الدولارات، يبرز أكثر لدى مقارنة مردودهم داخل الملعب بأداء عدد من اللاعبين المصريين في المراكز الهجومية نفسها، برغم انخفاض قيمتهم التسويقية، وأحياناً قيمة عقودهم مقارنةً بهؤلاء اللاعبين غير المصريين إذ لا تكشف هذه المقارنة عن فارق كبير بل تفوّق اللاعبون المحليون أحياناً على غير المصريين.
في الأهلي، يبرز اسم محمد شريف، المهاجم الصريح، الذي خاض حتى بداية الموسم الجاري 151 مباراةً مع الفريق، سجّل خلالها 58 هدفاً خلال 8،685 دقيقة لعب. وإجمالاً، بلغ عدد أهداف اللاعب محمد شريف في مشواره الكروي 88 هدفاً خلال أكثر من 18 ألف دقيقة لعب، وتبلغ قيمته السوقية الحالية 1.08 مليون دولار.
أما حسين الشحات، فقد شارك طوال مسيرته الكروية في 392 مباراةً، سجل فيها 92 هدفاً، وصنع 93. ومع النادي الأهلي فقط، شارك في 273 مباراةً بإجمالي 17 ألف دقيقة، سجل خلالها 61 هدفاً، وصنع 58.
وعلى الجانب الآخر، برز أحمد سيد زيزو، لاعب الزمالك السابق المنتقل حديثاً إلى الأهلي، لاعباً مؤثّراً في مركز الجناح الأيمن. في 260 مباراةً خاضها مع الزمالك، سجّل زيزو 84 هدفاً، وصنع 71، وبلغ عدد دقائق لعبه أكثر من 20 ألف دقيقة. وتناهز قيمته السوقية خمسة ملايين دولار تقريباً، وهي الأعلى بين اللاعبين المصريين غير المحترفين خارجياً راهناً.
كما برز اسم يوسف أوباما، كلاعب وسط هجومي في الزمالك قبل انتقاله حالياً إلى بيراميدز. على مدار 248 مباراةً، سجّل اللاعب 51 هدفاً وقدّم 27 تمريرةً حاسمةً، في إجمالي دقائق لعب بلغت 16،866 دقيقةً تقريباً.
وأخيراً، المهاجم المصري المحترف في فرنسا مصطفى محمد الذي خاض مع الزمالك 53 مباراةً، بإجمالي 4،098 دقيقة لعب، وسجّل خلالها 19 هدفاً وصنع 4، قبل أن ينتقل إلى الاحتراف في تركيا ثم أوروبا، منعشاً خزينة الزمالك بملايين الدولارات.
وفق القانون المصري، فإنّ أموال ناديَي الأهلي والزمالك هي أموال عامة، وأي شبهة فساد مالي أو سوء إدارة قد تندرج تحت طائلة المساءلة الجنائية، لا مجرد مخالفة إدارية. فمن يحاسب إدارات الناديين المتعاقبة على "الصفقات الدولارية الفاسدة"؟
القيمة مقابل المال
وتكشف الأرقام التي حلّلناها، استناداً إلى بيانات "ترانسفير ماركت" والتقارير المحلية، المفارقة بين اللاعبين غير المصريين واللاعبين المحليين المذكورين في المراكز الهجومية، علماً أننا حدّدنا ستة لاعبين غير مصريين مقابل خمسة فقط مصريين في هذه المقارنة. وبالنظر إلى المعايير الأربعة المعتمدة في هذا التقرير للمقارنة، وهي القيمة السوقية وعدد المباريات وعدد دقائق اللعب وعدد الأهداف، يظهر تفوّق غير المصريين في الكلفة، وأحياناً في القيمة السوقية، في حين يبرز المحليون في التأثير داخل الملعب، إذ يبلغ متوسط تسجيلهم 0.28 هدفاً في المباراة الواحدة، مقابل 0.14 فقط للاعبين غير المصريين.
وعلى مستوى معدّل دقائق اللعب، يسجّل اللاعب المحلي هدفاً كل نحو 232 دقيقةً، بينما يحتاج المحترف إلى ما يقارب 332 دقيقةً لإحراز هدف.
الفارق الأوضح يتجلّى عند ربط الأداء بالقيمة المالية، إذ يحقّق اللاعب المحلي -بحسب تحليلنا للعناصر الأربعة المذكورة سلفاً- متوسط 28.52 هدفاً لكل مليون دولار من قيمته السوقية، مقابل 2.46 هدفاً فقط لكل مليون دولار يساوي عقد اللاعب القادم من الخارج.
مال عام… من المسؤول عن إهداره؟
تطرح الخسائر في هذه الصفقات الدولارية تساؤلات حول تبعاتها المالية والقانونية، خصوصاً أنّ القانون المصري، في المادة (9) من القانون رقم 71 لسنة 2017، يعدّ الهيئات الرياضية المشهّرة، مثل الأهلي والزمالك، "هيئات خاصة ذات نفع عام".
وبموجب هذا التصنيف، تعامَل أموال هذه الأندية كـ"أموال عامة" في نظر قانون العقوبات، ما يعني أنّ أيّ شبهة فساد مالي أو سوء إدارة قد تندرج تحت طائلة المساءلة الجنائية، لا كمجرد مخالفة إدارية.
جدير بالذكر أنّ الادعاءات بفتح تحقيقات في شبهات إهدار مال عام ضد مجالس إدارات أندية مصرية تكرّرت خلال السنوات الأخيرة. لكن، إلى الآن، لم تُفتح أيّ تحقيقات تتعلّق بآليات أو قيمة التعاقدات مع اللاعبين غير المصريين أو رحيلهم بمبالغ أقل بكثير من المتوقع، برغم ضخامة الأموال التي تكبّدتها خزائن الأندية على هذه الصفقات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.