"حرمان الناجيات من العدالة يتم بشكل ممنهج"... عن قوانين الاغتصاب العربية المعيبة

حياة نحن والنساء نحن والحقوق الأساسية

الخميس 11 سبتمبر 20259 دقائق للقراءة

"لا تزال النظم القانونية في جميع الدول العربية غير كافية إلى حدّ كبير في التصدّي للاغتصاب باعتباره انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان. وغالباً ما تعتمد التعريفات القانونية على مفاهيم عفّى عليها الزمن وقائمة على القوة، وتتجاهل مبدأ الرضا، في حين أنّ القيم الأبوية الراسخة لا تزال تؤثّر في النصوص القانونية وتطبيقها. ونتيجةً لذلك، يتم حرمان الناجيات من العدالة بشكل ممنهج، ويتمتع الجناة بالإفلات من العقاب، ولا تزال الصور النمطية الضارة تهيمن على المواقف المجتمعية والقضائية تجاه الاغتصاب".

هذه هي خلاصة التقرير المعنون: "البحث عن العدالة… قوانين الاغتصاب في الدول العربية"، الذي أطلقته منظمة "Equality Now" (المساواة الآن)، الثلاثاء 9 أيلول/ سبتمبر 2025، في 66 صفحةً، ويتضمن تحليلاً لقوانين ومواد الاغتصاب في الـ22 دولة الأعضاء في جامعة الدول العربية وهي: الجزائر، والبحرين، وجزر القمر، وجيبوتي، ومصر، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وموريتانيا، والمغرب، وسلطنة عُمان، وفلسطين، وقطر، والسعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، والإمارات، واليمن.

"لا تزال الصور النمطية الضارة تهيمن على المواقف المجتمعية والقضائية تجاهه"... تقرير جديد لمنظمة "المساواة الآن" يكشف أوجه الضعف والعوار في قوانين الاغتصاب العربية التي ترسّخ الوصمة وتقوّض العدالة

التقرير الذي يستند إلى تحليل قانوني مكتبي لقوانين العقوبات، وعند الاقتضاء، والقوانين المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك تزويج الأطفال، فضلاً عن قوانين الأحوال الشخصية، وُضع في سياقه من خلال مقابلات مع ممارسين/ ات قانونيين/ ات وناشطين/ ات في المجتمع المدني، ولا سيّما في ما يتعلق بالبلدان التي أفرد لها التقرير تعمقاً خاصاً في نهايته، وهي مصر ولبنان. كذلك يدمج وجهات نظر مستمدةً من توصيات هيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة والفقه الدولي لحقوق الإنسان.

ويلفت التقرير إلى أنّ قوانين الاغتصاب في دول المنطقة العربية شُرّعت نتيجة تفاعل معّقد بين النظم القانونية الاستعمارية، والفقه الديني، والممارسات العرفية. فمعظم هذه الدول تجرّم الاغتصاب بشكل محدود وتستخدم مصطلحات قانونيةً ذات جذور ثقافية مثل "انتهاك الشرف" أو "الأفعال المنافية للآداب" التي توصم الناجيات بدلاً من التركيز على حقوقهنّ. وعليه، نادراً ما تعكس هذه الأطر الطبيعة الجندرية للاغتصاب، أو تضمن الوقاية والمساءلة الكافيتين.

ثماني نتائج رئيسية

وتوصّل التقرير الإقليمي إلى ثماني خلاصات رئيسية في شأن قوانين الاغتصاب في الـ22 دولة عربية، تكشف ما فيها من ثغرات، وهي: 

1- قوانين الاغتصاب لا تستند إلى مفهوم الرضا

وجد التقرير أنّ معظم الدول العربية تواصل تعريف الاغتصاب باستخدام معايير قديمة أو قائمة على القوة أو معايير أخلاقية، ما يقّوض استقلالية الناجيات ويفشل في تلبية المعايير الدولية التي تعرّف الاغتصاب على أنه ممارسة الجنس دون رضا حرّ ومستنير. في حين لا يشير سوى عدد قليل من البلدان إلى الرضا في تعريف الاغتصاب، وحتى في هذه الحال، لا يتم تعريفه بشكل واضح أو متّسق.

2- استثناء بعض الأفعال من تعريف الاغتصاب

تعرّف معظم قوانين العقوبات في المنطقة الاغتصاب على أنه إيلاج القضيب في المهبل. ولا تصنّف الأفعال الجنسية غير الرضائية الأخرى، مثل الإيلاج الشرجي أو الفموي أو الإيلاج باستخدام أدوات، اغتصاباً من الناحية القانونية. وعادةً ما تندرج هذه الأفعال تحت جرائم أقل شأناً، وتالياً عقوبات أخفّ.

3- استبعاد الاغتصاب الزوجي أو عدم تجريمه صراحةً

لا تجرّم أيّ من الدول العربية صراحةً الاغتصاب الزوجي، ويسمح به البعض بموجب القانون. وفي العديد من الأنظمة القضائية، تتعامل الأعراف القانونية والثقافية مع الجنس في إطار الزواج كحق من حقوق الزوجين، بما يمنح الحصانة للجناة ويعزز السيطرة الأبوية على أجساد النساء.

4- أحكام إشكالية تُتيح الإفلات من العقاب

فيما ألغت بعض البلدان أحكام "زواج المُغتصب من المغتَصبة"، لا يزال التساهل القانوني أو الحصانة القانونية للجناة مستمرَين في القانون والممارسة على حد سواء، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالزواج أو الصلح الأسري. ولا تزال المحاكم في العديد من البلدان تطبّق تدابير تخفيفيةً تستند إلى مفاهيم أبوية حول "شرف العائلة" والحالة االجتماعية للضحية، مثل تشجيع الزواج بين المغتصب والناجية. وتسهم هذه الممارسات في ترسيخ وصمة الاغتصاب وتقويض العدالة.

5- عبء الإثبات وتوقّعات الطب الشرعي

غالباً ما تتطلّب الإجراءات القانونية في الممارسة العملية من الضحايا/ الناجيات الإبلاغ عن اغتصابهنّ بسرعة، وتقديم أدلّة على الإصابة الجسدية. وفي العديد من الحالات، لن يتم المضي قدماً في القضية على الإطلاق من دون أدلة الطب الشرعي، وهو ما يُثّبط من عزيمة الضحايا في عملية الإبلاغ ويستبعد العديد من القضايا المشروعة من الملاحقة القضائية.

6- الصور النمطية التمييزية واللغة القانونية

تعكس اللغة القانونية في العديد من قوانين عقوبات الدول العربية افتراضات تمييزيةً وأخلاقيةً حول النشاط الجنسي للإناث، و"الشرف"، والعذرية. وتقوّض مصطلحات مثل "انتهاك الشرف" أو الإشارات إلى "الآداب العامة"، الاعتراف بالاغتصاب كانتهاك للحقوق. وغالباً ما تستند الأحكام القضائية إلى مفاهيم مغلوطة عن الاغتصاب وصور نمطية تتضمن تقييمات متحيزةً لسلوك الضحية أو ملابسها أو تاريخها الجنسي.

نبّه تقرير "المساواة الآن" إلى أنّ "الناجيات من ذوات الإعاقة أكثر عرضةً لعدم تصديقهنّ أو عدم أخذهنّ على محمل الجدّ، بسبب الصور النمطية التي تجرّدهنّ من إنسانيتهنّ أو تصغّر من شأنهنّ، أو بسبب الافتراضات حول قدرتهنّ على الإدلاء بشهادتهنّ بمصداقية في المحكمة"

7- الإخفاق في حماية الفئات الضعيفة والمهمّشة

تفشل القوانين الحالية في توفير الحماية الكافية للأطفال، والأشخاص ذوي الإعاقة، وأفراد مجتمع الميم-عين، وغيرهم من الأفراد الضعفاء أو المهمّشين. وتجزي العديد من القوانين العلاقات الجنسية مع القاصرين/ ات ضمن إطار الزواج، وهي علاقات تُصنَّف خارج إطار الزواج كعنف جنسي.

فضلاً عما سبق، نبّه التقرير إلى أنّ "الناجيات من ذوات الإعاقة أكثر عرضةً لعدم تصديقهنّ أو عدم أخذهنّ على محمل الجدّ، بسبب الصور النمطية التي تجرّدهنّ من إنسانيتهنّ أو تصغّر من شأنهنّ، أو بسبب الافتراضات حول قدرتهنّ على الإدلاء بشهادتهنّ بمصداقية في المحكمة".

8- قصور في التنفيذ والتطبيق ودعم الضحايا 

وحيثما وجدت الأحكام القانونية، يظلّ التنفيذ ضعيفاً بسبب عدم كفاية التدريب، وانعدام التنسيق بين الجهات الفاعلة في منظومة العدالة، وقصور خدمات الدعم للضحايا. تواجه الناجيات إعادة التعرض للأذى من قبل سلطات إنفاذ القانون والإجراءات القضائية. كذلك تُعيق محدودية المساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي قدرة الناجين/ ات على السعي إلى تحقيق العدالة.

خمس توصيات لا غنى عنها

وفي ختام التقرير، خمس توصيات رئيسية تتنوّع بين:

أولاً- إصلاح التعريفات القانونية

وذلك من خلال اعتماد تعريفات للاغتصاب تستند إلى غياب الرضا، بما يتماشى مع المعايير الدولية، بجانب ضمان شمول التعريف جميع أشكال الإيلاج الجنسي غير التوافقي، بغض النظر عن العضو الجسدي أو الأداة المستخدمة، و/ أو جنس الجاني/ الضحية، أو طبيعة العلاقة بينهما.

ثانياً- إزالة الحواجز القانونية والأحكام الضارة

ويمكن ضمان ذلك عن طريق إلغاء الإعفاءات من الاغتصاب الزوجي وأيّ أحكام تخفّف العقوبات على أساس الزواج أو المصالحة الأسرية، مع إلغاء متطلبات الإثبات في القانون أو في الممارسة العملية التي تضع عبئاً غير عادل على الناجين/ ات. وفي الوقت عينه، حظر الممارسات التمييزية مثل اختبار العذرية واستخدام التاريخ الجنسي السابق للضحية في المحاكم.

ثالثاً- تعزيز الوصول إلى العدالة وخدمات الدعم

ويقترح التقرير تنفيذ ذلك عبر تدريب العاملين في قطاع العدالة على نهج يركّز على الجاني، ويقوده الناجون، ويراعي السياق، والتأكد من إجراء تحقيق مناسب في حالة الاستغلال المحتمل لمنصب الثقة الذي من شأنه أن يجعل أي رضا باطلاً، بالإضافة إلى توسيع الوصول إلى المساعدة القانونية، والرعاية الصحية، والملاجئ، والدعم النفسي والاجتماعي، وكذلك توفير آليات للتبليغ بسرية، أو تراعي احتياجات الأطفال.

يوصي التقرير بضرورة إصلاح التعريفات القانونية من خلال اعتماد تعريفات للاغتصاب تستند إلى غياب الرضا، بجانب ضمان شمول التعريف جميع أشكال الإيلاج الجنسي غير التوافقي، بغض النظر عن العضو الجسدي أو الأداة المستخدمة

رابعاً- حماية الفئات الضعيفة

في هذا الصدد، يوصي التقرير بتجريم سِفاح القربى بصفته شكلاً صريحاً من الاغتصاب أو من خلال تشديد العقوبات عليه، وضمان حماية القوانين لجميع الأفراد بغضّ النظر عن حالتهم، بما في ذلك الجنس، أو العمر، أو الإعاقة، أو الجنسية، أو العرق، أو التوجه الجنسي، ورفع الحدّ الأدنى لسنّ الزواج إلى 18 عاماً دون استثناءات، وتطبيق القانون في هذا الجانب بصرامة.

خامساً- ضمان المساءلة والمراقبة

يقترح التقرير أن يتطلّب هذا تحسين جمع البيانات حول حالات العنف الجنسي، والملاحقات القضائية، والإدانات، من أجل تعزيز الوقاية والمساءلة، بالتزامن مع إنشاء آليات رقابية لضمان نزاهة القضاء وصون حقوق الناجين/ ات، وأيضاً عبر المصادقة على جميع المعاهدات الدولية والإقليمية المتبقية ذات الصلة وتنفيذها بشكل كامل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image