انفجار التليل في عكار... تعطيل قضائي وضغط سياسي ومتّهمون خارج القضبان

انفجار التليل في عكار... تعطيل قضائي وضغط سياسي ومتّهمون خارج القضبان

سياسة نحن والفئات المهمشة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 20 أغسطس 202516 دقيقة للقراءة

"كنت أفرّق المتجمهرين حول صهريج البنزين الذي صادره الجيش وأمر بتوزيعه على الناس، ولكن بعد خمس دقائق أطلق ابن جورج إبراهيم (صاحب الوقود المصادر)، ثلاث طلقات نارية على صهريج الوقود ما أدى إلى وقوع انفجار كبير أودى بحياة 36 شخصاً، وجرح ثمانين آخرين بينهم عسكريون"، يقول خالد مراد، الذي أُصيب في عينيه وجسده إصابات بالغةً جرّاء التفجير، بينما يقف أمام قصر العدل، صارخاً ومطالباً باستمرار القضاء في البت بالقضية، وخلفه يقف العشرات من أهالي جرحى الانفجار وضحاياه. 

ويضيف خالد في حديثه إلى رصيف22: "كان هناك اجتماع لضباط سوريين ولبنانيين، ومنهم من تم سحبه من الملف كي لا يتم توريطه فيه. كانوا يلجأون إلى منزل جورج الرشيد. أكثر من ثلاثة ضباط عُرفوا بتورطهم في هذه الجريمة، وبعض الجرحى الذين ما زالوا على قيد الحياة شاهدوا العملية، ولكن أنكروا في ما بعد ما رأوه بسبب تعرّض أشقائهم المنتسبين إلى الجيش للضغط لسحب شهادتهم، ثم بدأوا بالضغط على الناس ومن بينهم العقيد م. ط، الذي مارس هذه الأساليب". 

أصيب خالد في هذا الانفجار بجروح بالغة في جسده وعينيه، كما يفيد، ولم يعد في مقدوره تحمّل تكاليف العلاج حيث باع أثاث منزله وسيارته، إلى أن اضطر إلى التنازل عن حقه مقابل الحصول على مبلغ مادي لاستكمال علاجه. يقول: "الأموال أتتنا من جمعية الإرشاد والإصلاح التي وضعت لنا مبلغاً عند كاتب العدل في حلبا بتنسيق من أحد المسؤولين في حزب الله، وعندما وصلت كي أستلم المبلغ فوجئت بورقة تنازل عن الدعوة يجب أن أوقّع عليها، ولكن شقيقي المصاب أيضاً في التفجير عندما علم بالأمر لم يُسقط حقّه".

أربع سنوات على الانفجار

وقع الانفجار في بلدة التليل العكارية، في 15 آب/ أغسطس 2021، إثر انفجار خزّان للوقود صادره الجيش اللبناني، وكان قد احتشد حوله مئات الأشخاص، غالبيتهم من العسكريين، من أجل الحصول على القليل منه، خلال فترة شهدت انقطاع المحروقات في لبنان بسبب الاحتكارات في عزّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ العام 2020. 

 أربع سنوات مضت على انفجار بلدة التليل اللبنانية، ولم تحصل المحاسبة. التحقيق متوقف، وأهالي الضحايا ينتظرون أي شيء يعيد إليهم جزءاً من حقهم، ويرون أن هناك تدخّلاً سياسياً، وتعطيلاً قضائياً

مضت أربع سنوات على الانفجار. المحاسبة لم تحصل. التحقيق متوقف. أهالي الضحايا ينتظرون أي شيء يعيد لهم جزءاً من حقهم، ويرون المشهد كالتالي: تدخّل سياسي، تعطيل قضائي دون البت بالحكم، ومنذ سنة والملف معطّل مع خروج متهمَين اثنَين بسند كفالة، وهما يتجولان اليوم كأنّ شيئاً لم يحصل، بدلاً من محاسبة مفتعلي الانفجار. يتظاهر الأهالي ويطالبون بالعدالة، كما يفعل أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، منذ سنوات. آخر تحركاتهم كان اعتصامهم أمام قصر العدل في بيروت في الذكرى السنوية الرابعة لذكرى الانفجار في 14 آب/ أغسطس 2025، ولكن لا حياة لمن تنادي حتى اللحظة. 

معابر وتهريب واحتكار

تُعدّ معابر شركات المحروقات في البقيعة؛ معبر قرحة، معبر حكمت العبيد ومعابر حكر الضاهري في عكار، خطوطاً رئيسيةً للتهريب. لكن بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، وانهيار الدولة اقتصادياً وأمنياً، ازدادت عمليات التهريب، وباتت صهاريج الوقود تمرّ يومياً أمام أعين الأهالي، إلى النظام السوري السابق الذي كانت مفروضةً عليه عقوبات أمريكية. 

في ذلك الوقت، بحسب ما أجمع عليه المتحدثون إلى رصيف22، كان جورج إبراهيم، التابع للتيار الوطني الحر، يحتكر الوقود. هو صاحب الأرض والخزّانات، وشريكه في التهريب علي صبحي الفرج، من وادي خالد. في السجن، بقي ريتشارد جورج إبراهيم، الذي أصدر الأمر بإطلاق النار، وجرجي إبراهيم الذي نفّذ الجريمة، وهما أيضاً ينتميان إلى التيار الوطني الحر الذي كان يدير عمليات التهريب في المنطقة مع باقي الأطراف. 

ضغوط على الأهالي للتنازل عن حقهم 

أمام قصر العدل أيضاً كانت زوجة العسكري خالد حاويك، الذي قضى جرّاء الانفجار، تقف مع باقي الأهالي مطالبةً بالعدالة لزوجها الذي بقي دون علاج لأيام عدة بعد إصابته، حيث نُقل لحظة الانفجار مع باقي الجرحى إلى مستشفى اليوسف الذي لم يكن مجهزاً بالمعدّات الكافية والكهرباء، ما صعّب الأمور على الجرحى وبينهم خالد الذي تم تحويله إلى مستشفى الجعيتاوي في بيروت، وكانت الحروق بالغةً في جسده، ثم سافر إلى تركيا ولكنه ما لبث أن فارق الحياة، كما تقول زوجته لرصيف22. 

تعود بذاكرتها إلى العام 2021، لتروي أحداث الكارثة التي حلّت بأبناء المنطقة: "تداول الناس روايتَين عقب الانفجار؛ الأولى مفادها أنّ جرجي إبراهيم صاحب الأرض هو من أضرم النار بصهاريج البنزين عندما كانت الناس تتجمع حوله، والرواية الثانية أنّ ابن جورج رشيد الذي خرج بسند كفالة، وهو محسوب على التيار الوطني الحر، هو من أطلق النار على صهاريج البنزين ما أدى إلى الانفجار الكبير".  

وتضيف: "تعرّض الأهالي لضغط من الأحزاب الموجودة في المنطقة بحجة العيش المشترك، لتبريد دماء أهالي الناس، وبدأوا بتقديم إعاشات وأموال لأهالي المتضررين من قبل أسعد درغام، وهو عضو في مجلس النواب اللبناني عن تكتل لبنان القوي، في النقاط التابعة له، ثم بدأت رحلة عرقلة التحقيق تارةً بحجة غياب القاضي وتارةً لعدم تبليغ المطلوبين، أو عدم تعيين محامٍ عن أهالي الضحايا، وبدأت المماطلة في الملف".

ترى زوجة الضحية حاويك، أنّ "هذا الملف سيُغلَق كباقي الملفات في لبنان، عبر المماطلة وتدخّل الأحزاب، وهذا ما حصل، حيث أُخلي سبيل اثنين من المتهمين بسند كفالة، وكان يُفترض أن يبقيا في السجن لأنهما مسؤولان عن تشريد أطفالي الذين خسروا والدهم، وأنا خسرت شبابي، وأصبحنا في حالة يرثى لها. كُل هذا ولم يحصل أطفالي على تعويضات تخوّلهم أن يعيشوا حياةً كريمةً ونحن نعلم تماماً أن لا شيء يعوّض خسارتنا".

أحزاب ورجال دين ومفاوضات

ليست زوجة العسكري خالد حاويك، وحدها من تعرضت لضغوط للتنازل عن الدعوى. بجانبها، أمام قصر العدل، كانت تقف سوسن محمد أم ناجي، حاملةً صورة ابنها، ومطالبةً بالعدالة التي تكشف من قتل وحيدها في انفجار التليل وهو عسكري في الجيش اللبناني. "حينها، كان احتكار البنزين والمازوت من قبل المهرّبين ومنهم وليد البعريني وعدد من أهالي وادي خالد كما تداول أهالي المنطقة، حيث كان التهريب من منطقة فنيدق ووادي خالد، حتى الحدود الشرقية مع سوريا، وكان أيضاً حزب الله يهرّب من حدود عكار وكان يتم تهريب الوقود إلى سوريا أيام نظام بشار الأسد، ويحتكرها في التليل التابعة لعكار"، كما تقول أم ناجي، لرصيف22. 

وتتابع: "هناك روايتان؛ الأولى عن سماع إطلاق نار؛ إما من الجيش الذي كان يريد تفريق الناس، أو من قبل جورج الرشيد صاحب الأرض الذي كان يحتكر الوقود، حيث كان يتعاون مع مهرّبين من وادي خالد لتهريب البنزين المخزّن في خزانات تحت الأرض. أما الثانية، فتقول إن ريتشارد ابن جورج إبراهيم أعطى ولاعة سجائر لعلي الفرج صاحب الصهاريج لإشعالها، وكلاهما اليوم خارج السجن". 

تقول زوجة أحد الضحايا لرصيف22: "تعرّض الأهالي لضغط من الأحزاب الموجودة في المنطقة بحجة العيش المشترك، لتبريد دماء أهالي الناس، وبدأوا بتقديم إعاشات وأموال لأهالي المتضررين… ثم بدأت رحلة عرقلة التحقيق تارةً بحجة غياب القاضي وتارةً لعدم تبليغ المطلوبين، أو عدم تعيين محامٍ عن أهالي الضحايا"

وتضيف: "برغم تعطّل الملف لأكثر من 15 شهراً، تعرّض خلالها أهالي الشهداء لضغوط حزبية لعدم معرفتهم القانونية، حيث تم التفاوض معهم من قبل رجال دين وسياسيين من منطقة البيرة يدعمهم حزب الله، وسياسيين ينتمون إلى التيار الوطني الحر، كي يسقطوا حقهم مقابل مبالغ مادية، وأوهموهم أنّ الدعاوى ستستمر. اجتمع نقيب المحامين في طرابلس محمد مراد، على مدار ثلاثة أشهر، مع أهالي الضحايا والجرحى وتفاوض معنا لإسقاط حقنا، وبالفعل هناك أهالٍ أسقطوا حقهم مقابل مبالغ مادية لأنّ الوضع كارثي في المنطقة، خصوصاً في التليل، وقد استغلّوا الحاجة المادية لأهالي الشهداء والجرحى، ولو نجحت محاولاتهم مع الجميع لكانت اليوم قد أُسقطت جميع الدعاوى".

الدولة تخلّت عن شعبها والقضاء مسيّس 

يرى المحامي شربل عرب، الموكل من قبل بعض ضحايا أهالي انفجار التليل، أنّ "جريمة التليل لا تقلّ أهميةً عن جريمة انفجار مرفأ بيروت، بل يجب أن تأخذ الأهمية نفسها لأنّ العدالة واحدة في كل لبنان. اليوم لا يجب أن تمرّ جريمة دون عقاب"، عادّاً أنّ سبب انفجار التليل في البداية هو تغيّب الدولة عن شعبها وحرمان المنطقة، تاركةً الناس يفتشون عن بنزين ومازوت بأي ثمن كي يستطيعوا البقاء. 

أما في ما يخص التحقيق في ملف تفجير التليل الذي دخل سنته الرابعة دون الوصول إلى أي نتيجة، فيقول عرب: "كي نكون منصفين، المجلس العدلي أجرى استجوابات ممتازةً، والقرار الاتهامي الذي صدر عن المحقق العدلي كان ممتازاً وسرد الوقائع بشكل صحيح، والمجلس العدلي يتابع الاستجوابات ويتابع الموضوع، وهناك اعترافات بأنّ عدداً من الأشخاص أطلقوا النيران وآخرون أشعلوا النار بالصهريج عبر ولّاعة سجائر، وهذا موجود في القرار الظنّي الذي صدر مؤخراً". 

وبحسب القرار الظنّي، تمكّن المجلس من استجواب المتّهمين الأربعة: جورج وريتشارد إبراهيم وجرجس إبراهيم وعلي الفرج، بالإضافة إلى الاستماع إلى 13 شاهداً، من بينهم  مسؤول المخابرات في عكّار العقيد ميلاد طعّوم، كما أصدر المجلس، قبل تعطيل هيئته، في 22 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، قراراً بإخلاء سبيل اثنين من المتهمين الأربعة، هما جورج إبراهيم وعلي الفرج، المتهمَين بالتسبّب في القتل عن غير قصد بفعل تخزين مواد مشتعلة بشكل غير آمن وأعمال الاحتكار والتهرّب الضريبي وتبييض الأموال، وذلك مقابل كفالة مالية، فيما لا يزال المتهمان بتفجير الصهاريج ريتشارد إبراهيم وجرجي إبراهيم، قيد التوقيف الاحتياطي منذ آب/ أغسطس 2021.

وعرقلة قضائية 

يرى عرب، أنّ "الملف عُرقل في نقطتين؛ الأولى هي أنّ الاستجوابات بدأت في المحكمة بشكل صحيح وتم استدعاء عساكر متهمين وضباط بصفة شهود، والمجلس العدلي قام بكل واجباته برئاسة عبود، لكن المشكلة في عرقلة الملف كانت تكليف القاضي جمال الحجار، النائب العام التمييزي بالتكليف، ما أدى إلى نقص عدد أعضاء المجلس العدلي وتعطيله لعدم وجود هيئة مكتملة في المجلس، وقاد بدوره إلى تعطل عمل المجلس العدلي". 

التعطيل حصل بعد تكليف أحد أعضاء المجلس العدلي، القاضي جمال الحجّار، بمهام المدعي العام التمييزي في شباط/ فبراير 2024، حيث دخل المجلس العدلي في حالة تعطيل لعدم اكتمال هيئة المحكمة بعد أن أصبح عدد أعضائها أربعةً فقط من أصل خمسة، لكنّ 5 من هؤلاء الأعضاء أحيلوا إلى التقاعد منذ صدور المرسوم، فلم يبقَ لهيئة المجلس سوى 4 أعضاء هم جمال الحجّار، عفيف الحكيم، جان مارك عويس ومايا ماجد، بالإضافة إلى رئيسه القاضي سهيل عبود. 

وبما أنّ النيابة العامّة التمييزية التي تم تكليف الحجّار بترؤسها بعد تقاعد القاضي غسان عويدات، تقوم بمهام النيابة العامّة أمام المجلس العدلي، ولا يمكن للقاضي أن يشترك في آنٍ واحد في هيئة المحكمة وفي النيابة العامّة، فقد خسر المجلس هيئته المكتملة مع تكليف الحجّار بمهام النائب العام التمييزي، ما أدّى إلى تعطيله إلى حين صدور مرسوم جديد عن مجلس الوزراء. 

وبرغم ذلك، تم تعيين قاضٍ فقط للبتّ بإخلاءات السبيل بحسب ما يقول المحامي عرب، الذي يتساءل: "كيف يتم تعيين قاضٍ فقط مهمته البتّ بإخلاءات السبيل وليست لديه مهمة ثانية، هي استمرار جلسات المحاكمة؟ على أي أساس تم هذا الأمر وأدى إلى إخلاء سبيل شخصين هما على فرج وجورج إبراهيم، بكفالة كبيرة وهما متهمان بتفجير التليل؟". 

اللافت بحسب المحامي، أنّ "المتهمَين خرجا بكفالة عينية عبر وضع عقارات في التليل مضخمة وغير مناسبة لسعرها الحقيقي، وتم الأمر عن طريق خبير تم تعيينه لاحقاً ووضع عدد من العقارات عُدّت بمثابة قيمة الكفالة، ولكن بعد التدقيق في التقرير نرى أنّ تقرير الخبير مضخم بشكل كبير ولا يحمي حقوق الضحايا. صحيح أنّ للأهالي حقوقاً ماديةً، ولكن من الذي سيعيد لهم أولادهم؟ الهمّ الأساسي هو كشف المتسببين وتحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة". 

ويتابع: "منذ فترة، صدر قانون تعديل صلاحية السلطة القضائية في المجلس النيابي والكثير من الناس انتقدوا هذا القانون والحق معهم، لأنّ السلطة السياسية اليوم بدلاً من أن تعطي استقلاليةً للقضاة زادت الهيمنة عليه، ونحن اليوم مصرّون على التمسك بالقضاء ونثق به وليس بالنصوص، فالقاضي عندما لا يردّ على أي اتصال من قبل سلطة قضائية، ويرى أنّ القضية تخصّ أهله وناسه، ويحكم على هذا الأساس، نحصل على الحقيقة. نثق بالقاضي الأول في لبنان الرئيس بيار عبود، ونطلب منه الضغط بشكل صحيح، ويجب على مجلس الوزراء أن يعيّن أعضاء المجلس العدلي، كي تعود جلسات المحاكمة والاستجواب ويصدر الحكم ليحصل أهالي الضحايا على الحقيقة والعدالة". 

ويرى عرب، أنّ "الملف اليوم موجود في المحكمة في المجلس العدلي، ولكن النقطة أنّ وزير العدل عادل نصار، اقترح أسماء أعضاء المجلس العدلي على مجلس الوزراء، وهنا ننتظر الأخير كي يقرّ التعيين وتستمر المحاكمات في هذا الملف. هذا أمر مهم ضروري ويجب أن يعمل به بأقصى سرعة، لكن الدولة اليوم منشغلة بأمور سحب السلاح، وما زالت تتناسى القضاء. القضاء هو الأهم في هذه الأمور لأنه عندما يكون لديك قضاء تبقى باقي الأمور ثانويةً".  

والمجلس العدلي محكمة جزائية استثنائية أُنشئت في العام 1923، لا يُنظر في الجرائم فيه إلا في حال قرّر مجلس الوزراء إحالة القضية إليه، لأنّ المحقق العدلي لا يُعيَّن إلّا بعد إحالة القضية أمام المجلس العدلي، فلا يكون محدّداً قبل وقوع الجريمة كما يحصل في الجرائم العادية، ولا يرتبط بالقضاء العادي أو بالقضاء العسكري، وهو صالح لمحاكمة العسكريين والمدنيين، كما لا يتّبع أصولاً وإجراءات استثنائيةً تختلف عن تلك المتّبعة أمام المحاكم العادية. ويؤدّي هذا الطابع الاستثنائي إلى عدم توافر شروط المحاكمة العادلة أمام هذا المجلس. كما أنه محكمة بقرار سياسي بحسب المفكرة القانونية.

وهنا يعلّق المحامي شربل عرب، على الأمر خلال حديثه إلى رصيف22، قائلاً: "هناك مشكلة في المجلس العدلي الذي يتم تعيينه من قبل مجلس الوزراء، وهي أنه يجب ألا يكون محاصصةً بل قضائياً بحتاً من أهل الخبرة والاختصاص، لأننا لا نريد قضاةً يخدمون أحزاباً وضباطاً ونواباً، ولا نريد أن يهدد النواب القضاة داخل مكاتبهم، لتغيير مسار العدالة، بل نريد قضاء يخدم العدالة، سواء كانت العدالة معي أو ضدي، ولكن للأسف ننتظر مجلس الوزراء كي يعيّن أعضاء المجلس العدلي، وللأسف أيضاً أعتقد أنّ العملية ستخضع للمحاصصات السياسية، لأنّ القضاء في لبنان ليس مستقلّاً ولا تزال السلطة السياسية تهيمن عليه". 

وعود من وزير العدل 

خلال الوقفة أمام قصر العدل، توجه عدد من أهالي الضحايا إلى وزير العدل عادل نصار، بينهم حامد زكريا، الناشط في ملف تفجير التليل، وأبلغوه بضرورة استئناف جلسات المحاكمة المتوقفة منذ خمسة عشر شهراً، كما أبلغوه خشيتهم من أن تُطوى قضيّتهم وسط تأخّر العدالة وتجاهل قضيّتهم رسمياً وإعلامياً ومحاولة طمسها وتسييسها من قبل المسؤولين المتورطين. في المقابل، ذكر نصّار للأهالي أنه أحال اقتراح مرسوم تعيين أعضاء المجلس العدلي إلى مجلس الوزراء قبل شهر، بعد أن وافق مجلس القضاء الأعلى عليه، إلّا أنّه لم يوضع بعد على جدول أعمال مجلس الوزراء لكي يتم إقراره "، حسب ما يقول حامد زكريا، لرصيف22. 

يتساءل زكريا عبر رصيف22: كيف تم البت بطلبات إخلاء السبيل في المجلس العدلي بينما طلبات دعاوى أهالي الضحايا والجرحى لم يتم البت فيها؟، مستدركاً "هنا نرى أن القضاء والدولة فاسدان، كما تمت المماطلة وتسييس القضية والمستفيد من ذلك أغلب الأحزاب"

وخلال حديثه إلى رصيف22، يرى زكريا أنّ "الملف لا يقتصر فقط على تعطيل القضاء وتسييسه، بل تعرّض لضغوط كبيرة من قبل 'النظام اللبناني السابق' كما وصفه، ممثلاً في حركة أمل، حزب الله، والتيار الوطني الحر ممثلاً بأسعد درغام، والذي له أيادٍ سوداء في القضاء لأنّ المتهمين في القضية هم ناخبون وحلفاؤه، بالإضافة إلى ضباط ومسؤولين أمنيين، وفي أمور عدة من أهمها تشكيل لجنة ليست من أهالي الضحايا والجرحى مكونة من رئيس بلدية البيرة السابق الممثلة في ابنه مدير أوقاف عكار ونقيب المحامين في طرابلس محمد مراد، ورؤساء بلدية، كي يسهل التحكم بالقضية، بالإضافة إلى توقيف المحاكمات، وعدم استكمال معالجة الجرحى، كما طلبوا من العسكريين المصابين عدم رفع دعاوى مقابل استكمال علاجهم حيث سقط في هذا التفجير أكثر من 10 عسكريين، بل تمت معالجتهم على حساب تركيا، وتلقّوا وعوداً من ميقاتي وبري بمعالجة الجرحى المدنيين والعسكريين، ولكن لم يتلقّوا أي شيء وهذا من ضمن الضغوط". 

ويضيف: "وفي عام 2022، عندما تم انتخاب المجلس النيابي ونجح أسعد درغام، توجهت اللجنة إلى أهالي الشهداء والجرحى كي يتنازلوا عن الدعوى، وعرضوا على كل عائلة نحو 2،000 إلى 3،000 دولار، وتوجه الأهالي إلى المطرانية والمفتي في عكار ونقابة المحاميين ثم أعيدت القضية من جديد، بل تم تهديدهم من أحد أعضاء اللجنة ولا نريد أن نذكر الأسماء".  

"كارتيل قضائي"

ويرى زكريا أنّ التحقيق "عُرقل من قبل النظام السابق الذي كان يسيطر على القضاء والأمن من جهة، ومن جهة أخرى من قبل اللجنة السابقة التي هيمنت على قرار الأهالي والجرحى، بدعم من منظومة الأحزاب الحاكمة، التي بدورها صنعت 'كارتيل' من القضاة المحسوبين على الأحزاب حيث أخلي سبيل موقوفين اثنين بسبب الضغط الحزبي، وهنا نسأل القضاء: كيف تم البت بطلبات إخلاء السبيل في المجلس العدلي بينما طلبات دعاوى أهالي الضحايا والجرحى لم يتم البت فيها؟ هنا نرى أن القضاء والدولة فاسدان، كما تمت المماطلة وتسييس القضية والمستفيد من ذلك أغلب الأحزاب، ومن بينهم حزب الله الذي أعطى نحو 30 مليون ليرة لكل عائلة متضررة لأنّ الحزب متورط في التهريب، ويجب أن تتحقق العدالة لإنصاف أهالي الضحايا والجرحى والحكم العادل وفق القانون والمعطيات، إذ لا يوجد مال يعوّض خسارة الأرواح، هذه الدماء لا تُقدّر بثمن، الجرحى استكملوا العلاج على نفقاتهم الخاصة سواء من العسكريين أو المدنيين، وحتى وزارة الصحة لم تهتم بهم، بل هناك بعد الجمعيات التي تكفلت بعلاج بعض الجرحى حسب استطاعتها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image