شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حزب الله خارج

حزب الله خارج "مناطقه" وبيئته الحاضنة… كيف دخل عكار ولماذا؟

سياسة نحن والتاريخ

الاثنين 25 سبتمبر 202302:32 م

"طردت حزب الله من بيتي. اتصلوا مسبقاً لزيارتي وتقديم واجب العزاء بابني الوحيد الذي فقدته من أجل القليل من الوقود، فرفضت مجيئهم. لكنهم أتوا إلى منزلي مع الشيخ ماهر عبد الرازق، ورئيس بلدية بربارة، بأعلام حزب الله وصور حسن نصر الله كي يعزّوا ويقدموا المساعدات. ورفضت لكيلا أهدر دم ابني"؛ تروي سوسن محمد، من عكار، وهي تعبّر عن رفضها دخول حزب الله عكار لتقديم المساعدات وتعزية أهالي المفجوعين في انفجار التليل.

وقع الانفجار في بلدة التليل العكارية، في 15 آب/ أغسطس 2021، وقضى فيه نحو 36 شخصاً وجُرح أكثر من ثمانين آخرين، إثر تفجير خزّان للوقود صادره الجيش اللبناني، كان قد احتشد حوله مئات الأشخاص وغالبيتهم من العسكريين من أجل الحصول على القليل من الوقود، خلال فترة شهدت انقطاع المحروقات في لبنان بسبب الاحتكارات.

تضيف أم ناجي في حديثها إلى رصيف22: "في حال كانوا يريدون عمل الخير فقط، لماذا نشروا أعلام الحزب وضجّ الإعلام بالمساعدات التي يقدّمونها وصور السيّد في عكار؟ أنا أدين جميع السياسيين، حتى تيار المستقبل. هم من أوصلونا إلى هذه المرحلة، بسبب الفساد وعدم وجود رقابة. بالنسبة لي حزب الله لا يمثلني أبداً، وهو رأس التهريب في المنطقة. أين كانوا قبل هذه المجزرة؟ ولماذا لم يساعدونا؟ لو أعطوا البنزين للناس بدلاً من تهريبه عبر جماعتهم، لما احترق أولادنا".

لا تنطق أم ناجي بلسان عوائل عكار كلها. فهناك عوائل عكارية عدّت حزب الله، الحزب السياسي الوحيد الذي دعم أهالي عكار، حيث كانت قبل الانفجار مهملةً تماماً من قبل الأحزاب السياسية، باعتبار أن المنطقة فيها أحزاب عدة أبرزها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، فضلاً أيضاً عن تواجد للحزب القومي السوري وغيره من الأحزاب.

معين شريتح، الذي فقد ثلاثةً من أقاربه، يقول: "قبل الانفجار لم يكن هناك دعم أبداً لعكار. الدعم أتى بعد الانفجار ووزعوا مبالغ ماليةً، وأنا قبلت أن يساعدنا حزب الله. من يؤيد حزب الله يظهر إلى العلن، ونحن معروفون وأحد أقربائي هيثم حدارة، نائب ممثل حزب الله في عكار. لذا لا أرى أن الحزب يتمدد بالمساعدات بل هو حزب لبناني ونحن نرحب بكل من يساعد ابن عكار لأن المنطقة مهمشة جداً، وفي حال تمدد في عكار فهو ليس إرهابياً بل هو حزب لبناني".

ما سبق يطرح الكثير من الأسئلة، ومنها: كيف وصل حزب الله إلى عكار؟ ولماذا يرفضه قسم كبير من الأهالي؟ وما أبرز وسائله للوصول إلى العكاريين؟

البداية من سرايا المقاومة

منطقة عكار في شمال لبنان، أكثر حرماناً من غيرها، برغم كونها منفذاً حدودياً مع سوريا. تمدد حزب الله إليها بدأ قبل انفجار التليل، عبر الدعم المالي لرجال دين ورؤساء بلديات فيها، حيث يسعى الحزب بشكل كبير إلى تقديم المساعدات وتمويل البلديات في المنطقة بحجة عدم تركيز المساعدات فقط على البيئة الشيعية، واقتصار دعم السياسيين على مناطقهم فقط.

"طردت حزب الله من بيتي. اتصلوا مسبقاً لزيارتي وتقديم واجب العزاء بابني الوحيد الذي فقدته من أجل القليل من الوقود، فرفضت مجيئهم. لكنهم أتوا بأعلامهم وصور حسن نصر الله كي يعزّوا ويقدموا المساعدات. رفضت لكيلا أهدر دم ابني"

منذ العام 2005، تاريخ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، تعلن عكار وفاءها للتيار الأزرق، الذي تمثل في ابنه سعد الحريري. هذا الوفاء لم يغيّر شيئاً من حالة الفقر التي يعيشها أبناء المنطقة، بالرغم من أن عكار تُعرف بأنها خزّان الجيش، ولكنها تنال كل يوم حصتها الأكبر من التهميش، الأمر الذي ظهر جلياً إلى العلن عقب انفجار التليل، منتصف العام 2021. هذا التهميش، بالإضافة إلى انسحاب سعد الحريري من العمل السياسي، ساعدا في تغلغل حزب الله عبر جمعيات ومؤسسات دينية ودعم بلديات في عكار، ناهيك عن تواجد أحزاب تتبع للنظام السوري في المنطقة، منها حزب البعث والحزب القومي السوري، كون عكار قريبةً من الحدود السورية، الأمر الذي سهل تشكيل سرايا المقاومة داخل عكار وانتشارها فيها.

يقول الناشط السياسي ورئيس المجلس المدني لإنماء عكار، حامد زكريا، لرصيف22: "الحزب يُعدّ دويلةً، بإمكاناته الموجودة وتغلغله في مؤسسات الدولة. في المقابل يتحمل سعد الحريري وتياره ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أيضاً، والزعماء السنّة الآخرون مسؤولية إضعاف الشمال وعكار، بسبب الإهمال والتقصير. فلو كانت مؤسسات الدولة حاضرةً بقوة ومطار القليعات يعمل ومحطة كهرباء البارد تولّد مئات الميغاوات، ومرفأ طرابلس ومعرضها ومصفاتها ومصانعها تعمل بشكل سليم، لما خلت الساحة للأحزاب التي سرقت دور الدولة".

ويشرح: "حين انحسر دور تيار المستقبل ودور العزم وغيرهما، استطاع الحزب التمدد بهذه الطريقة في عكار والشمال، وباتت اليوم المساعدات والخدمات وبطاقات التسهيلات في مؤسسات الدولة توزَّع في المنطقة، عبر أزلام الحزب ممن ينتمون إلى سرايا المقاومة، كما ينشط البعض عبر جمعيات وهمية لاستقطاب الناس وشراء ولائهم لمشروع الحزب التوسعي، عبر المساعدات وفكرة المقاومة ضد إسرائيل".

تشكلت سرايا المقاومة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1997، وأعلن نصر الله عن تشكيلها رسمياً، بحجة السماح لأي لبناني، مهما كانت هويته السياسية أو الطائفية، بالمشاركة في دعم المقاومة. وبعد حرب تموز/ يوليو 2006، توسعت السرايا وباتت تضم أفراداً من مختلف الطوائف في لبنان، وتوسعت في المناطق اللبنانية، وأصبحت تقوم بدور ميليشياوي أكثر من أي دور عسكري تحت إمرة الحزب، بل صارت تذكّر اللبنانيين بممارسات مقاتلي ميليشيات الحرب الأهلية اللبنانية، وهذا بات واضحاً وجلياً في عكار.

يرى رئيس المجلس المدني لإنماء عكار، "أن الحزب دخل إلى المدينة، بالفكر الديني، بحجة أن زعيمه من نسل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لكي يكسب تعاطف الناس ويستميلهم". ويضيف: "سرايا المقاومة أصبحت لديها شقق ومراكز في عكار كما في طرابلس والبداوي والمنية، وباتوا منظمين، وهم جاهزون لساعة الصفر، ولكن ضد من؟ هل نحن على حدود فلسطين المحتلة؟ حتى أن داعش هم من صنعوها ليتذرعوا تحت غطاء خدمة مصالحهم، بأن حربهم الحقيقية ليست حرباً سنّيةً شيعيةً، فهم يعدّون كل من يعارضهم مؤيداً لإسرائيل ضد المقاومة".

يضيف زكريا: "السرايا موجودة منذ زمن في المنطقة عبر إقناع الناس بأنهم مقاومون مجاهدون ضد إسرائيل، ومعلوم أن الحزب يسعى إلى نشر التشيّع الديني والسياسي بين صفوف الطوائف الأخرى عبر ما يُسمى سرايا المقاومة، وقد جنّد لهذه الغاية رجال دين سنّة وفعاليات في عكار وأغدق عليهم المال والسلاح، لكي يكونوا بؤراً أمنيةً تزعزع الاستقرار وتخدم مصالحهم السياسية ومشروعهم الإيراني في العالم، لذلك أصبحنا نرى في بلدات عكارية عدة أشخاصاً موالين للحزب يوزعون المال والسلاح والمساعدات والبطاقات وربما الممنوعات ويعملون في تهريب البضائع والبنزين".

خطوط التهريب

تُعدّ معابر شركات المحروقات في البقيعة؛ معبر قرحة، معبر حكمت العبيد ومعابر حكر الضاهري، في عكار، خطوطاً رئيسيةً للتهريب. لكن بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، وانهيار الدولة اقتصادياً وأمنياً، ازدادت عمليات التهريب، وباتت تمر صهاريج الوقود يومياً أمام أعين الأهالي، إلى النظام السوري.

تدير هذه العمليات الأحزاب داخل عكار، مقابل حرمان الأهالي من الوقود، وانعدام المساعدات في المنطقة منذ فرض العقوبات الأمريكية على سوريا، الأمر الذي انعكس سلباً على أهالي عكار بحسب زكريا، الذي يقول: "باتت معروفةً في عكار عمليات تهريب الوقود إلى سوريا عبر المنتمين إلى سرايا المقاومة، وبإشراف حزب الله، ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء، أي خلال الفترة التي سبقت جريمة تفجير التليل، نجد أن تهريب المحروقات كان في أوج ازدهاره عبر جميع المعابر بين عكار وسوريا. فمثلاً خط التهريب من فنيدق إلى الهرمل كانت يمر من خلاله يومياً أكثر من ستين صهريجاً يصل إلى القصير السورية ويفرغ حمولته في مستودعات الحزب الضخمة هناك".

"هيمنة الحزب على مفاصل الدولة أدت إلى تواطؤ أجهزة أمنية معه، فازدهرت تجارة التهريب في عكار التي يرعاها مع حلفائه. يريدون عكار بيئةً حاضنةً للتهريب، لذلك دخل فيها المسؤولون الكبار"

ويؤكد زكريا أن "هيمنة الحزب على مفاصل الدولة أدت إلى تواطؤ الأجهزة الأمنية والعسكرية معه، فازدهرت تجارة التهريب في عكار التي يرعاها مع حلفائه. يريدون عكار بيئةً حاضنةً للتهريب، لذلك دخل فيها المسؤولون الكبار لأنها محمية ومضمونة الربح، وانغمس التجار في أرباح المحروقات الخيالية، فتبخرت الأخيرة من السوق وأصبحت نادرةً، وحين صادر الجيش خزان التليل وطلب من الناس أن يأخذوا حصتهم، حصلت جريمة جديدة مدبرة، استفاد منها الحزب الذي اعتاد أن يتاجر بمصائب الناس وآلامهم".

تغلغل الحزب بعد انفجار التليل

في الذكرى الثانية لحادثة انفجار مخزن الوقود في التليل، يروي عمر محمد (اسم مستعار لحساسية عمله)، وهو ناشط من أبناء عكار، لرصيف22: "المنطقة هنا كانت مقطوعةً من البنزين. حين صادر الجيش 40 ألف ليتر بحسب القرار الاتهامي، تم نقل جزء من هذه الكمية إلى عرمان، وجزء آخر أمر بتوزيعه على الناس هنا، ثم بدأت تأتي رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن الجيش يوزع البنزين في التليل. أتى الناس وتجمعوا وبأيديهم غالونات. في الساعة الواحدة فجراً، أقدم ابن جورج إبراهيم (صاحب الوقود المصادر) مع صديقه بيار، بإرسال شاب سوري كي يحرق الصهاريج لكن الشاب رفض، ثم أرسلا جرجي إبراهيم، بعد تسرب البنزين إلى الأرض، وأشعل الخزانات في أثناء تجمع الناس وارتكب جريمةً أمام أعين الجيش".

الانفجار أشعل حالةً من الغضب في المنطقة بسبب الحرمان الذي يعيشه أبناؤها منذ فترة طويلة، فهم يشعرون بأنهم مستضعفون، ويتم استغلالهم سياسياً. في موعد الانتخابات، تُغدق عليهم الوعود بالإنماء، وعند حصاد مكاسب السلطة يُنسون. بعد الانفجار بدأ تراشق المسؤولية عنه بين تيارَي المستقبل الذي يرأسه الحريري، والوطني الحر الذي يقوده جبران باسيل، وتبادل الطرفان الاتهام بتغطية عمليات تهريب الوقود إلى سوريا ومسؤولية الانفجار.

حالة الغضب هذه استغلها حزب الله، وسارع على الفور وبتغطية إعلامية، إلى تعزية أهالي الضحايا وتقديم المساعدات لهم، وبدأ يرسل ممثلين عنه بشكل رسمي، عن طريق رجال دين وأناس يتعاملون معه من عكار، وراحوا يقدمون لهم مبالغ ماليةً لتنفيذ مشاريع في المنطقة كي يكسبوا الناس ويضمنوا عدم احتجاجهم على أمور التهريب.

"أبرز هؤلاء وليد البعريني، الذي كان في كتلة سعد الحريري وهو شريك هارون الأسد في النظام والآن بات يعمل في كتلة الاعتدال، كما أن علاقته مع سوريا جيدة ولكن علاقته مع التيار سيئة لأن منسق التيار في عكار لا ينسق مع وليد بل مع حزب الله، ومن يرعى التجارة العامة والتهريب في عكار هو الحزب، بالإضافة إلى علي صبحي الفرج، وهما شريكان في التهريب مع آخرين نافذين لهم علاقة بالتيار الوطني الحر، وهم محميون من حزب الله"، يقول الناشط محمد.

ويضيف: "كانوا يهرّبون كميات كبيرةً من الوقود إلى سوريا، عبر معابر غير شرعية، مثل معبر خط البترول، ومعبر القصر على طريق الهرمل. بعض الأهالي أخذوا المساعدات والبعض الآخر رفضوها لأنهم لا يريدون أي شي من أي حزب سياسي لأن الأحزاب أوصلت عكار إلى ما هي عليه اليوم".

ويرى محمد أن "تمدد الحزب لم يكن فقط عن طريق الجمعيات وظهوره مؤخراً بعد انفجار التليل، بل عن طريق تجنيد أبناء المنطقة من شيوخ وغيرهم في سرايا المقاومة، ومنهم ماهر عبد الرزاق، رئيس حركة الوحدة والإصلاح، الذي ينسق لدخول الحزب إلى عكار، وعنده نحو 20 مسلحاً، وهذا الكلام معروف منذ أكثر من 10 سنوات، إذ كان ولا يزال يشكل حالة رعب في المنطقة طبعاً، ثم أصبح لديه تواصل مع أهل عكار في كل المناطق، ولجان يوزّع عليها مساعدات".

برأيه، "بسبب الفقر لجأ الناس إلى الانضمام إلى سرايا المقاومة، وأي شخص يعطي الحزب ولاءه يكسب بطاقةً أمنيةً ويستطيع أن يعمل في التهريب وأن يحمل سلاحاً أيضاً، ومنهم الشيخ يحيى الرفاعي وأبناؤه الذين نفذوا عملية قتل الشيخ أحمد الرفاعي، ويُقال إنه كان يتردد كثيراً على نعيم قاسم نائب زعيم حزب الله حسن نصر الله، وهو تابع لسرايا المقاومة، وكان سابقاً مع تيار المستقبل".

تنسيق علني وفرصة ذهبية

بعد انفجار التليل، بدأ حزب الله يروّج علناً لاهتمامه بعكار، محمّلاً الدولة مسؤولية الانفجار الذي حصل، والتقصير في تحقيق العدالة من جهة، ويلوم "تيار المستقبل" من جهة أخرى وزعيمه سعد الحريري، باستغلال دماء الضحايا طائفياً وسياسياً دون تقديم شيء لأهالي المنطقة سوى استغلالهم.

شكّلت فاجعة التليل فرصةً ذهبيةً لكسب عكار في صف الحزب، حيث بدأ الأخير بتقديم جميع أنواع المساعدات والوقود لبلديّاتها عبر الهرمل، وبدأت الزيارات العلنية من ممثلي الحزب إلى المنطقة تتكثف منذ 2022

هذا كله قارنه إعلام الحزب بخطاب حسن نصر الله، في ذكرى عاشوراء في 7 أيلول/ سبتمبر 2021، عندما ظهر معزياً الأهالي، وواضعاً إمكانات الحزب في خدمة عكار، معلناً التوجه نحو منطقة عكار لدعمها وتقديم المساعدات للأهالي بشكل رسمي، ليستكمل المهمة بعدها عدد من رؤساء البلديات والمخاتير وفعاليات منطقة الدريب (الأوسط، والغربي، والشمالي)، مع رئيس رابطة العائلات الاجتماعية رئيس بلدية البيرة محمد وهبي، ورئيس حركة الإصلاح والوحدة الشيخ ماهر عبد الرزاق، وبمشاركة من رئيس رابطة المخاتير، والتنسيق مع مسؤول منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله الشيخ محمد عمرو، ومسؤول قطاع الشمال في الحزب الشيخ رضا أحمد، حيث دخل الحزب عكار معزّياً أهالي الضحاياً بفاجعة فقدانهم أولادهم، بحسب ما نقل تلفزيون المنار الناطق باسم الحزب.

وشكّلت فاجعة التليل فرصةً ذهبيةً لكسب عكار في صف الحزب، حيث بدأ الأخير بتقديم جميع أنواع المساعدات والوقود لبلديّاتها عبر الهرمل، وبدأت الزيارات العلنية من ممثلي الحزب إلى المنطقة تتكثف منذ العام 2022، ودعموها بمشاريع عدة عبر رجال دين ومتنفذين يملكون جمعيات خيريةً، وبتوجيه من نصر الله، وأبرزهم الشيخ مؤمن مروان الرفاعي، ومنذر الزعبي، ورئيس مجموعة "معاً نحو عكار أفضل" وليد منذر الزعبي، ورئيس رابطة طلاب عكار عيسى مروان الرفاعي، والشيخ ماهر عبد الرزاق رئيس جمعية الإصلاح والوحدة، وهيثم حدارة من تيار الوفاق العكاري، ومحمد وهبي رئيس بلدية البيرة، والشيخ حسن الأكومي رئيس جمعية "اعمل وارتق"، وتعمل وسائل إعلام الحزب على تغطية المساعدات إعلامياً بمرافقتها إلى داخل عكار، بالإضافة إلى تكثيف زيارات علي حجازي، أمين عام حزب البعث، إلى المنطقة كي يكسب تأييد أهلها كونها مترابطةً مع الحدود السورية، وتكثيف الاجتماعات التنظيمية التي يقوم بها حزب البعث في عكّار، لإعادة تجميع صفوفه.

وفي منتصف آب/ أغسطس 2023، سارع حزب الله إلى تلبية نداء محافظ عكار عماد اللبكي، بضرورة تأمين مادة المازوت لمولدات الكهرباء العائدة لمحطة ضخ مياه بلدة شدار، وحينها تبرّع الحزب بـ4،000 ليتر من المازوت، ودخل البلدة بتغطية إعلامية وبزيارة رسمية من مسؤول قطاع الشمال في الحزب الشيخ رضا أحمد، وتنسيق مع رئيس جمعية "وتعاونوا" عفيف شومان، بالإضافة إلى زيارات سابقة رسمية لوفود من حزب الله وممثلين عن حزب البعث السوري في حزيران/ يونيو الماضي، إلى قرية الحويش بحجة أن المنطقة محرومة وكان عصياً عليهم دخولها عن طريق حسن أكومي، وتزويدها بمحطة طاقة شمسية. حينها، أعلن الحزب على لسان مندوبه في الشمال رضا أحمد: "حتى اليوم ومنذ 3 أشهر، قدّمنا 500 ألف دولار لأهالي عكار، لأن هذه المنطقة تهمّ السيد حسن".

الناشط زكريا يعلّق على الأمر قائلاً: "باتت الأمور واضحةً عبر هذا التغلغل. انتخابياً كسبوا عكار، لكن ماذا يريدون بعد؟ الأمور مقبلة أكثر على الفساد وهم يحرمون أهل البقاع وأهل الجنوب لأنهم مضمونون كبيئة حاضنة لهم، وفي المقابل يهتمون بنا هنا في ظل غياب الدعم من قطر والإمارات والسعودية. ربما بعد الاتفاق السعودي الإيراني تم الغياب عن الساحة".

دعوات للتنازل عن القضية

في 15 آب/ أغسطس 2022، أصدر المحقق العدلي علي عراجي القرار الاتهامي، مبعداً المسؤولية عن المؤسسة العسكرية، ووجّه الاتهام إلى ثمانية أشخاص بينهم 4 موقوفون متهمون بجنايات و4 أظناء مدّعى عليهم بجنح. وتدرجت الجرائم المدّعى بها من الجنايات المتصلة بالأعمال الإرهابية والقتل العمد والقتل من غير قصد، إلى جنح التهرّب الضريبي وأعمال الاحتكار وتبييض الأموال وحيازة الأسلحة.

وخلال جلسة الاستماع التي انعقدت في شباط/ فبراير 2023، تبين أن عدداً من أهالي الضحايا والجرحى أسقطوا حقهم في القضية بتسوية مع وكلاء المتهمين. تروي سوسن محمد التي خسرت ابنها ناجي في انفجار التليل لرصيف22، كيف ضغط رجال دين من عكار ورؤساء بلديات على أهالي الضحايا للتنازل: "عندما دعونا كي نوكّل نقيب المحامين السابق محمد مراد، بالقضية، حذّرناهم من أن يمارسوا الضغط علينا بالمال كي نسقط الدعوى، وبعد فترة تبين أن مراد، لم يدعُ أهالي الضحايا لأخذ إفادتهم. بعد ذلك دعونا إلى صالة المختار، مكان اعتصام أهالي الشهداء السنوي، وكان مراد موجوداً مع رؤساء بلديات ومشايخ، يدعون إلى إسقاط حقنا أمام القضاء، وأن نعدّ الحادثة قضاءً وقدراً، ومن بين الداعين إلى إسقاط حقنا يوسف وهبي، أحد أقرباء رئيس بلدية البيرة، مع مشايخ جاؤوا مع وفد من حزب الله عندما أتى إلى عكار بعد الانفجار".

تتابع أم ناجي: "بدأوا يجولون على المنازل برئاسة يوسف وهبي ويدعون الأهالي إلى إسقاط حقهم، وتحدثوا باسم الجيش قائلين إنه يريد ذلك، أي التنازل عن حقنا، كما دعوا إلى انتخاب جيمي جبور التابع للتيار الحر، وبعد ذلك توجهوا إلى اللاجئين السوريين ودعوهم إلى إسقاط حقهم بالترهيب، وتهديدهم بالحبس في حال ادّعوا".

وتختم حديثها: "بعد محاربتي مراد إعلامياً، عزلني مع ثلاث عوائل، وانسحب من الدفاع عن قضيتنا، ثم توجهنا إلى المفتي زيد بكار زكريا وعدد من الرجال الروحيين، من كل الطوائف، وناشدناهم، ليتم بعدها توكيل المحامية زينة المصري، وعندها عزل مراد 6 عوائل أخرى وامتنع عن الدفاع عنها، وباقي العوائل تضامنوا معنا وألغوا توكيل مراد، وأصبحنا نحو 15 عائلةً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image