بعد السابع من أكتوبر… الإسرائيليون وموسم الهجرة إلى البرتغال

بعد السابع من أكتوبر… الإسرائيليون وموسم الهجرة إلى البرتغال

حياة

الثلاثاء 29 يوليو 202516 دقيقة للقراءة




لم يكن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يوماً عادياً في تاريخ إسرائيل التي لا تزال تمارس إبادتها ضد الغزّيين في حرب شارفت على إتمام عامها الثاني. شكّل ذلك اليوم فاصلاً زمنياً داخل المجتمع الإسرائيلي، طارحاً للمرّة الأولى سؤال جدوى البقاء والأمن لديه، وهو ما دفع الكثير من الإسرائيليين إلى البحث عن ملاذات آمنة خارج الحدود. 

وتُظهر البيانات الصادرة عن مؤسسات إعلامية وبحثية إسرائيلية عدة، نُشرت خلال عامَي 2024 و2025، مؤشرات واضحةً على تراجع ثقة الإسرائيليين بالبقاء داخل إسرائيل، ولا سيما بعد تداعيات السابع من أكتوبر. ومنها ما كشفته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في استطلاع للرأي نشرته في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وبيّن أنّ 49% فقط من الإسرائيليين يشعرون بالأمان في أماكن سكنهم، بينما أشار 20% منهم إلى أنهم يفكرون في مغادرة البلاد إذا توافرت لهم الإمكانيات المادية اللازمة لذلك.

نشرت هيئة البث الإسرائيلية استطلاعاً للرأي أشار إلى أن 61% من الإسرائيليين لا يشعرون بالأمان، وأن ربعهم يفكّرون في الهجرة، بينهم 37% من فئة الشباب

وفي السياق نفسه، أفادت هيئة البث الإسرائيلية أنّ نحو 61% من المواطنين لا يشعرون بالأمان، وأنّ ربع الإسرائيليين، خصوصاً من الفئة العلمانية، فكّروا فعلياً في الهجرة. أما على صعيد الأجيال الشابة، فقد أظهر تقرير "Aluma"، الذي نُشر في تموز/ يوليو 2025، أنّ 37% من الشباب الإسرائيليين يتوقعون مغادرة البلاد قريباً، منهم 11% يخططون للهجرة الدائمة، و26% مؤقتاً، مشيراً إلى شعور عام لدى هذه الفئة بانعدام الاستقرار المهني والمستقبلي. هذه الأرقام مجتمعةً تعكس أزمة ثقة حقيقية داخل المجتمع الإسرائيلي تتجاوز الاعتبارات الأمنية إلى مستويات الهوية والمصير الفردي والجماعي.

وتمّثل البرتغال واحدةً من أكثر الوجهات الأوروبية جاذبيةً للإسرائيليين، نظراً إلى سرعة معالجة طلبات اللجوء المقدّمة لديها من حاملي الجوازات الإسرائيلية، الذين يحظون بمعاملة تفضيلية لا ينافسها سوى أصحاب الجواز الأوكراني. لكن السؤال يبقى: كيف أصبحت البرتغال بوابة الهروب للإسرائيليين؟ وما الذي يدفعهم إلى اختيارها دون غيرها؟

بوابة "السفارديم"

منذ دخول قانون منح الجنسية البرتغالية لأحفاد اليهود السفارديم حيّز التنفيذ عام 2015، سجّلت البرتغال تدفقاً غير مسبوق في طلبات التجنّس، وجاءت غالبيتها العظمى من مواطنين إسرائيليين. وقد جاء هذا القانون في إطار خطوة تصالحية، اعترفت فيها الدولة البرتغالية بالظلم التاريخي الذي تعرّض له اليهود السفارديم الذين طُردوا من شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الخامس عشر، ومنحت بموجبه أحفادهم الحق في الحصول على الجنسية البرتغالية.

ما جعل هذا القانون جذاباً بشكل خاص هي بساطة شروطه؛ إذ لم يكن يُشترط على المتقدمين الإقامة داخل البرتغال، بل كان يكفي إثبات النسب السفاردي من خلال شهادة صادرة عن هيئة دينية يهودية معترف بها، بجانب إثبات ما يُعرف بـ"الرابط التقليدي أو الثقافي" مع الإرث البرتغالي. وقد فُسّر هذا الشرط بشكل واسع، ليشمل مثلاً: وجود اسم عائلة من أصول سفاردية برتغالية، أو معرفة اللغة اللادينو (وهي لغة يهودية تاريخية مشتقّة من البرتغالية والإسبانية)، أو تقديم وثائق أرشيفية أو شهادات حاخامية تشير إلى أصل برتغالي.

غير أنّ هذه الشروط المخفّفة وغير واضحة التفسير، كانت وراء واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل؛ ففي عام 2022، كُشف أنّ رجل الأعمال الروسي-الإسرائيلي، رومان أبراموفيتش، مالك نادي "تشيلسي" السابق، قد حصل على الجنسية البرتغالية عام 2021 بموجب القانون نفسه، عبر شهادة نسب صادرة عن الجماعة اليهودية في مدينة بورتو، شمالي البرتغال. 

تميز ‘قانون السفارديم‘ بسهولته، إذ لم يشترط الإقامة في البرتغال، بل اكتفى بإثبات النسب ‘السفاردي‘ عبر شهادة دينية معترف بها، وإثبات رابط ثقافي أو تقليدي"مع الإرث البرتغالي

وبعد ضغوط إعلامية، فتحت السلطات البرتغالية تحقيقاً جنائياً كشف أنّ بعض ملفات الجنسية المقدَّمة بموجب قانون السفارديم، تضمّنت وثائق مزوّرةً أو حُصل عليها بطرق غير شفافة. وقد دفع ذلك بالحكومة البرتغالية إلى إجراء تعديلات على القانون، لتضييق الثغرات وزيادة الرقابة على شروط الحصول على الجنسية.

وفي أعقاب تلك التحقيقات، أقرّت الحكومة البرتغالية تعديلاً جديداً في نيسان/ أبريل 2024، أنهى عملياً العمل بالقانون بصيغته السابقة. وبموجب التعديل لقانون الجنسية، حُدّد تاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2024، موعداً نهائياً لتقديم الطلبات عبر مسار أحفاد اليهود السفارديم. 

نزيف الأدمغة 

شهدت إسرائيل موجة هجرة عكسية بعد السابع من أكتوبر 2023. ففي عام 2024 وحده، وثّق مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي مغادرة نحو 82،700 إسرائيلي. وتظهر البيانات الراشحة عن الجهات الرسمية الإسرائيلية، إلى أنّ نحو 40% من المغادرين في النصف الأول من 2024، كانوا من الفئة العمرية بين 20 إلى 30 عاماً، وهي الفئة التي تمثّل 27% من إجمالي السكان، كما أظهر تقرير صادر عن High-Tech Employment، في نيسان/ أبريل 2025، أنّ 8،300 عامل في قطاع التكنولوجيا غادروا إسرائيل بين تشرين أول/ أكتوبر 2023، وتموز/ يوليو 2024، بهدف إقامة طويلة الأمد في الخارج، وهو ما طرح مصطلح "نزيف الأدمغة" في الإعلام الإسرائيلي، نظراً إلى خسارة الكوادر في أكثر القطاعات نمواً في إسرائيل. 

وتضم الهجرة العكسية مهنيين وأكاديميين وأفراداً شباباً، لأسباب تتعلق بالأمان والاستقرار خارج إسرائيل. وبرغم أنّ بعضهم قد يعود ضمن نمط "الهجرة الدائرية"؛ وهي الانتقال المؤقت من دولة إلى أخرى بهدف العمل أو الدراسة، إلا أنّ تصاعد هذه الحركة بعد السابع من أكتوبر يُعدّ مؤشراً واضحاً على أزمة ثقة متزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي، ولا سيما تجاه القيم التي تأسست عليها الدولة، وهي أن تكون "ملاذ الأمان لليهود في العالم".

في خضم الهجرة العكسية المتصاعدة، لم تكن البرتغال خياراً عابراً؛ بل وجهة محسوبة بدقة للإسرائيليين الباحثين عن ملاذ آمن ومستقبل أكثر استقراراً. فهي ليست دولةً هادئةً ذات تكلفة معيشة منخفضة مقارنةً بجيرانها الأوروبيين فحسب، بل تمنح امتيازات استثنائيةً تسهِّل عملية الاستقرار فيها للإسرائيليين مقارنةً بغيرهم من اللاجئين.

من إجراءات اللجوء إلى المساعدات المباشرة، يجد القادمون من إسرائيل نظاماً مرناً يمكّنهم من إعادة بناء حياتهم، إذ يمكنهم تقديم طلب اللجوء عند وصولهم إلى المطار أو لاحقاً عبر مكاتب الهجرة، والحصول على تصريح إقامة مؤقت يجري تجديده كل شهرين بمرونة دون أي تعقيدات.

كما توفر البرتغال فرص عمل للمتحدثين بالعبرية، خصوصاً في قطاعات مثل خدمة العملاء والتكنولوجيا، حيث تحظى العبرية بأهمية تضاهي الألمانية من حيث الحوافز المالية والمزايا.

تشمل الهجرة العكسية مهنيين وأكاديميين شباباً يبحثون عن الأمان والاستقرار خارج إسرائيل، ويُعد تصاعدها بعد 7 أكتوبر مؤشراً على أزمة ثقة متزايدة تجاه فكرة إسرائيل كـ‘ملاذ آمن لليهود في العالم‘

ومع نظام ضريبي مخفّض مقارنةً بمعظم دول أوروبا، يتضح سبب اعتبار البرتغال الخيار الأكثر جاذبيةً للإسرائيليين الفارّين من تداعيات السابع من أكتوبر. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "إكسبريسو" (Expresso)، عن بيانات المعهد الوطني للإحصاء، أنّ الإسرائيليين يشكلون النسبة الأكبر من الحاصلين على الجنسية البرتغالية خلال السنوات الخمس الماضية، (أكثر من ألف شخص من أصل 74 ألفاً)، برغم أنّ 60% منهم لا يعيشون في البرتغال. 

وجاء البرازيليون في المرتبة الثانية بنسبة 23.5%، تلاهم مواطنو الرأس الأخضر (4.3%)، ثم الأوكرانيون (3.5%)، بينما تمثل الجالية القادمة من بنغلاديش ونيبال وباكستان نحو 7% من المجنّسين الجدد.

ومؤخراً، صرّح وزير الرئاسة البرتغالي أنتونيو ليتاو أمارو، بأنّ هناك أكثر من 512 ألف طلب جنسية قيد الانتظار، أغلبها من أحفاد اليهود السفارديم. وشكلت الطلبات المقدمة من إسرائيليين من أصل سفاردي النسبة الأكبر، حيث حصل أكثر من 73 ألف إسرائيلي على الجنسية البرتغالية في السنوات الأخيرة، أي ما يمثّل 40% من المجنسين الجدد. واللافت أنّ 60% من هؤلاء لا يعيشون في البرتغال.

اقتصاد "العبرية" 

في البرتغال، لم تعد اللغة العبرية لغةً رمزيةً وثقافيةً فحسب، بل تحوّلت إلى قيمة اقتصادية إستراتيجية، ولا سيّما في سوق خدمة العملاء الدولية. يعود السبب الرئيسي إلى وجود شركات عالمية تستهدف السوق الإسرائيلي المتنامي في التجارة الإلكترونية، وتعمل من مراكزها في لشبونة وبورتو. فاللغة العبرية تمثّل جسراً مباشراً نحو هذا السوق، وتعزّز تجربة العملاء الناطقين بها.

ومن أهم هذه الشركات "تيلي‌ برفورمانس" (Teleperformance)، وهي شركة فرنسية متعددة الجنسيات تُعدّ من أكبر مزوّدي خدمات مراكز الاتصال عالمياً، وتدير عملياتها في أكثر من 90 دولةً، وتوظّف مئات الآلاف من الموظفين، وتُشغّل في البرتغال واحداً من أهم فروعها الأوروبية.

بسبب الطلب العالي على العبرية وندرة المتحدثين المؤهلين، تقدّم الشركة تعاقداً شهرياً يصل إلى 3،000 يورو للناطقين بها، وهي مكافأة تُمنح عادةً للّغات النادرة في السوق البرتغالي، مثل اللغة الألمانية، وتفوق ما يُعرض للغات شائعة كالفرنسية أو الإسبانية.

كما يحصل الموظف الجديد على مكافأة تحفيزية إضافية تزيد على 1،500 يورو، إلى جانب امتيازات تشمل السكن المؤقت، والتأمين الصحي من اليوم الأول، ودورات لتعلّم اللغة البرتغالية ضمن حزمة التوظيف المتكاملة.

يُضاف إلى ذلك، أنّ السوق الإسرائيلي يُعدّ من الأسرع نمواً عالمياً في قطاع التجارة الإلكترونية، ما يدفع الشركات البرتغالية والأوروبية إلى توفير دعم فني وخدمة عملاء بلغات مخصّصة. وبفضل وجود موظفين ناطقين بالعبرية، تكتسب هذه الشركات ميزةً تنافسيةً قويةً في التعامل مع جمهور إسرائيلي واسع على المنصات الرقمية.

ويفيد محامٍ برتغالي متخصص في الهجرة واللجوء (طلب عدم ذكر اسمه)، رصيف22، بأنّ مكتبه في وسط لشبونة تلقّى منذ بداية العام "عشرات" الطلبات من إسرائيليين يسعون للحصول على إقامة دائمة في البرتغال، ولا سيّما من شباب في الثلاثينات أو عائلات قرّرت تجربة حياة جديدة. ويضيف: "البرتغال تُعرف بسياساتها المرحّبة باليهود منذ سنوات، وصُنّفت كواحدة من أكثر دول العالم أماناً في 2024".

ويوضح أنّ أبرز المزايا تشمل سرعة إجراءات اللجوء لحاملي جوازات إسرائيلية، حيث يُمنح طالب اللجوء تصريح عمل فورياً، في حين ينتظر غيرهم عاماً أو نحو ذلك للحصول عليه. كما يمكن للأطفال الإسرائيليين الالتحاق بالمدارس على الفور، دون الانتظار لأشهر للحصول على مقعد في مدرسة المدارس، بالإضافة إلى منح مساعدات مالية فور تقديم الطلب".

وعن رأيه في تزايد طلبات الإسرائيليين للحصول على الجنسية البرتغالية، يقول المواطن البرتغالي خوان إدواردو (43 عاماً)، لرصيف22: "أنا سعيد لأنّ بلادي تظلّ منفتحةً أمام الجميع دون تمييز على أساس العِرق أو الجنسية، حتى مع ارتفاع عدد اللاجئين. تاريخ البرتغال يُذكّرنا دوماً بفترات التعايش بين المسيحيين واليهود والمسلمين".

لكن هذا التفاؤل الذي يُعبّر عنه إدواردو، لا ينسجم تماماً مع واقع السياسات الحكومية الحالية، خصوصاً تجاه المهاجرين والمتقدّمين بطلبات تجنيس استناداً إلى قانون السفارديم. ففي 23 حزيران/ يونيو 2025، أقرّت الحكومة البرتغالية تعديلاً شاملاً لقانون الجنسية، يقضي برفع مدة الإقامة المطلوبة من 5 إلى 10 سنوات، مع تشديد معايير الاندماج للمهاجرين. وقد جاء هذا التعديل ضمن إصلاح أوسع أنهى فعلياً المسار الخاص بمنح الجنسية لأحفاد اليهود السفارديم الذين لم يُستثنوا في إطار التعديلات الجديدة، فالقانون السابق كان يسمح بالحصول على الجنسية دون شرط الإقامة الفعلية، مكتفياً بإثبات النسب من خلال وثائق دينية أو أرشيفية.

العنصرية هناك… وهنا

سيف الدين (33 عاماً)، لاجئ فلسطيني قدِم إلى البرتغال من الضفة الغربية، بحثاً عن حياة آمنة ومستقرة. يعيش اليوم في إحدى ضواحي إقليم لشبونة، منتظراً تحديد مصيره بشأن طلب اللجوء. وعلى الرغم من شعوره بخليط من الطمأنينة والتوتر، إلا أنه يؤكد: "كوني فلسطينياً يساعد ذلك في ملف اللجوء، لكني كنت أتمنى أن أحصل على نصف المزايا التي يحصل عليها المستوطن الإسرائيلي، حيث تهتم مكاتب العمل هنا بتوفير الفرص لهم، وتساعدهم البلديات في البحث عن سكن، ناهيك عن المساعدات العينيّة التي يحصلون عليها حتى وإن كانوا يملكون المال. لا أرى أي عدل في ذلك، فإذا كان مطلبهم إنسانياً، فإنّ مطلبي أكثر إنسانيةً، لأنهم هم من سلبوني أرضي وأهلي وأجبروني على الرحيل". 

في المقابل، يواجه الفلسطينيون في البرتغال تحديات في العمل والإقامة، ما يعكس فارقاً واضحاً في التعامل معهم مقارنةً بالإسرائيليين، وهو ما يعلّق عليه سيف الدين بالقول: "لم أعثر على عمل لائق حتى اليوم، بسبب تأخر إجراءات الإقامة. أعمل عامل توصيل طعام مستخدماً دراجةً أقوم باستئجارها، بالإضافة إلى حساب على تطبيق توصيل أدفع لاستئجاره أيضاً، ما يكلّفني على الأقل شهرياً 300 يورو، ويضطرني إلى العمل 12 ساعةً يومياً، في ظل طقس سيئ وظروف عمل وسكن غير مريحة على الإطلاق". 

مسار الريح

تشير أحدث استطلاعات الرأي الغربية إلى تحوّل عميق في المزاج العام تجاه إسرائيل، ولا سيّما في أوروبا وأمريكا الشمالية، عقب مرور ما يقارب عامين على اندلاع حرب الإبادة على غزّة.

فقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" (YouGov)، في حزيران/ يونيو 2025، أنّ نسبة التأييد لإسرائيل في أوروبا الغربية تراجعت إلى ما بين 13% و21% فقط، وهو أدنى مستوى يُسجَّل منذ عام 2016، وذلك في دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا.

في المقابل، ارتفعت نسب التعاطف مع الفلسطينيين لتتراوح بين 18% و33%، في مؤشر على تبدّل حاد في الإدراك الشعبي.

وفي استطلاع موازٍ أجرته مؤسسة "ليجيه" (Léger) الكندية، في 11 حزيران/ يونيو 2025، أشار 49% من الكنديين و38% من الأمريكيين إلى أنهم يعتقدون أنّ إسرائيل ترتكب إبادةً جماعيةً في غزة، وهو توصيف غير مسبوق في الاستطلاعات الغربية المعاصرة.

أما في الولايات المتحدة، فقد أظهرت بيانات كل من مؤسستَي "غالوب" (Gallup) و"مركز بيو للأبحاث" (Pew Research Center)، في آذار/ مارس 2025، أنّ 53% من الأمريكيين بات لديهم رأي غير إيجابي تجاه إسرائيل، مقارنةً بـ42% فقط في آذار/ مارس 2022. 

وبين صفوف الحزب الديمقراطي الأمريكي تحديداً، بلغ هذا التحوّل ذروته، إذ أظهر استطلاع منشور في موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" (Responsible Statecraft)، متنسداً إلى استطلاعات رأي "غالوب"، أنّ نحو 69% من الديمقراطيين يحملون مواقف سلبيةً تجاه إسرائيل، بارتفاع حادّ عن نسبة 53% في عام 2022.

ملاحقة قانونية

هذه النتائج مجتمعةً تعكس تغيّراً هيكلياً في السردية الغربية بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتحوّلاً تدريجياً من الدعم التقليدي لإسرائيل إلى إعادة تقييم أخلاقية وسياسية لصورة هذا الدّعم.

على الرغم من أنّ البرتغال لم تُدرَج ضمن استطلاعات الرأي الغربية الأخيرة، يمكن القول إنّ موقعها الجغرافي وتأثيرها المؤسسي يعكسان تحوّلاً في الموقف الغربي من القضية الفلسطينية. فالبرتغال التي تقع غرب إسبانيا وجنوب بريطانيا، وتفصلها عن الولايات المتحدة مياه المحيط الأطلسي، تُعدّ جزءاً من النسيج المزاج العام الأوروبي والغربي. 

وقد انعكس هذا التحوّل في طيف من الإجراءات والتصريحات الرسمية والشعبية. ففي شباط/ فبراير 2024، صوّت البرلمان والحكومة البرتغالية على تخصيص مليون يورو كمعونة عاجلة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ضمن حزمة مساعدات تراكمية بلغت 10 ملايين يورو أُقرّت في آذار/ مارس 2024. كما جرت في لشبونة ومدن برتغالية عدة تظاهرات داعمة للفلسطينيين، نظّمتها نقابات وجمعيات مدنية، في تأكيد ملموس على وجود دعم شعبي خارج الأطر الرسمية.

أما رسمياً، فقد صرّح الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا، بأنّ "الموقف الرسمي من القضية الفلسطينية يتطور"، ما يعكس توجّهاً رسمياً جديداً يضع السردية الفلسطينية في مركز الخطاب البرلماني والدبلوماسي.

في ظل التصاعد السياسي والحقوقي المتواصل في أوروبا بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأ الجدل يتّسع حول مسؤولية الدول الأوروبية تجاه مواطنيها مزدوجي الجنسية الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويُشتبه في مشاركتهم في جرائم حرب خلال العمليات العسكرية في القطاع. هذا الجدل بات أكثر حساسيةً مع تزايد التقارير الحقوقية عن تورّط جنود إسرائيليين يحملون جنسيات أوروبيةً في انتهاكات موثقة.

في هذا السياق، يتصاعد دور مؤسسة "هند رجب"، كمثال بارز على هذا التوجه نحو الملاحقة القانونية العابرة للحدود للجنود الإسرائيليين المشاركين في الإبادة الحاصلة في غزّة.

وقد تمكنّت المؤسسة، بجانب شبكة العمل القانوني الدولي أخيراً، من التعرّف إلى جنديين إسرائيليين من خلال صور ومقاطع فيديو نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال بث مهرجان "تومورو لاند" للموسيقى الإلكترونية في شمالي بلجيكا، حيث ظهرا وهما يرفعان علم لواء "جفعاتي" التابع للجيش الإسرائيلي. وقد قادت هذه الإشارات البصرية إلى التحقق من هويتهما، بعدما تبيّنت مطابقتهما لمقاطع سابقة توثّق مشاركتهما في عمليات عسكرية داخل قطاع غزة، يُشتبه في ارتكابهما خلالها انتهاكات جسيمةً ضد المدنيين، ما أسهم في اعتقال السلطات البلجيكية الجنديين وفتح تحقيق جنائي بتهمة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقاً لتكييف قانوني يستند إلى "قانون روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولي.

فهل تتحوّل الجنسيات الأوروبية الممنوحة للإسرائيليين إلى بوابة مساءلة للجنود الذين تورطوا في جرائم حرب ارتُكبت في غزّة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image