"كتالوج" لطيف، حنون، مباشر جداً… وربما "أكتر من اللازم"

ثقافة نحن والتنوّع

الأربعاء 23 يوليو 20257 دقائق للقراءة

أكثر ما وُصِفَ به مسلسل "كتالوج" منذ لحظة عرضه على منصة "نتفليكس" هو أنه عمل "عائلي يسلط الضوء على دفء الأسرة والترابط بين أفرادها"، وهي نفس الضجة والأوصاف التي التصقت بمسلسل "موضوع عائلي"، خاصة جزؤه الأول.

مسلسل "كتالوغ" الذي أخرجه وليد الحلفاوي، وكتبه أيمن وتار، وقام ببطولته محمد فراج وريهام عبد الغفور، اختارت "نتفليكس" أن تعرض حلقاته الثماني دفعةً واحدة، وليست مُقسمة أسبوعياً كما تفعل بقية المنصات، وهو أمرٌ خدمَ المسلسل كثيراً، فالعمل ليس به أحداث مثيرة تربط المشاهد به، فيضطر لانتظار حلقة أو حلقتين منه كل أسبوع؛ لكنه من نوعية الأعمال التي تُوصَف بـ"دراما العائلة"، وهو ما جعله يلمس وتراً حساساً لدى الكثير من المتابعين، فبات متصدراً قائمة المشاهدة على المنصة العارِضة له.

القصة بسيطة وليس بها أي تعقيد يُذكر؛ زوجٌ منغمس في عمله. يفقد زوجته بعد صراع قصير مع مرض السرطان، فيضطر للقيام بدورَي الأب والأم لولديه. يتعثر كثيراً في ذلك، فيجد ضالته في فيديوهات النصائح التربوية التي كانت تبثها الزوجة عبر قناتها على موقع "يوتيوب".

أفضل ما في "كتالوج"... ولكن!

يستعرض مسلسل "كتالوج" فكرة التجاوز بعد فقدان الحبيب، وهو أمرٌ محمود داخل العمل، وتم سرده بشكل لطيف من خلال زرع شخصيات ثانوية بجانب البطل استطاعت تخطي آلام الفقد حتى لو عن طريق السخرية والكوميديا، كأن يواسيه شقيقه بـ"أكلة حواوشي"، أو يجد البطل نفسه مضطراً للتعامل مع الأمهات في "جروب الماميز".

يستعرض مسلسل "كتالوج" فكرة التجاوز بعد فقدان الحبيب، وهو أمرٌ محمود داخل العمل، وتم سرده بشكل لطيف من خلال زرع شخصيات ثانوية بجانب البطل استطاعت تخطي آلام الفقد 

نفس الفكرة وجدناها في شخصية الجار (جورج/بيومي فؤاد) الذي نراه في الحلقة الأخيرة يغادر منفاه الاختياري داخل شقته بعد وفاة زوجته، ويحضر حفل خطوبة اثنين من شخصيات المسلسل.

كاد هذا الخط الدرامي الخاص بالتجاوز أن يمر بشكل جيد بأن يتسرب لنا ضمن الأحداث، لولا أن صناع العمل أصروا على إطعامنا الفكرة إطعاماً بشكل مباشر، بوضع مشاهد عديدة داخل عيادة نفسية يلجأ إليها أكثر من ضيف شرف حلّ على المسلسل، وجميعهم يحكي عن آلامه بعد الفقد، وسعيهم نحم التخطي.

ولم يكتفِ صناع مسلسل "كتالوج" بذلك، بل أصروا على تأكيد الفكرة في الحلقة الأخيرة، بظهور الزوجة المتوفاة عبر فيديو مسجل تنصح فيه ولديها بأن يساعدا أباهما في التخطي، بل والبحث عن حب جديد!

"كتالوج"... بين الترفيه والرسالة

رأى كثيرون أن آفة "كتالوج" هي المباشرة الشديدة. فالمسلسل من منظورهم يقول كل شيء صراحة، ولا يترك للمشاهد المتمهل المحب للفن فرصة للتفكير والمناقشة، وهي حقيقة سيلاحظها أي مشاهد للمسلسل.

ما من مشهد يجمع بين اثنين في المسلسل إلا ونعرف ما يجري بوضوح تام لا ريب فيه. الجار (بيومي فؤاد) مريض بالأجروفوبيا (أحد أنواع اضطرابات القلق الرُّهابي)، معلومة تسمعها مباشرة في أول ظهور له. والزوج المكلوم على زوجته غارق في شِبر ماء، وتلك أيضاً معلومة إن لم نسمع البطل يقولها عن نفسه، سنجد ولديه والآخرين يصفونه بها في كل حلقة، وإن لم نسمعها بآذاننا سنراها بعيوننا مُجسدة في مشاهد تُبرز نسيانه للبديهيات: إفطار ولديه قبل الذهاب للمدرسة، وإيقاظهما مبكراً لسحور رمضان، ومواعيدهما اليومية، حتى حساسية "الكاتشب" التي يعاني منه ابنه لا يعلم عنها شيئاً.

الحلقات الثماني -إلا فيما ندَر- تحدثنا عن صعوبة حياة الزوج بعد فقدان زوجته، وتُلقي عليه بلومٍ شديد أنّه لم يكن فاعلاً بما يكفي في حياته الأسرية حتى قبل وفاة الأم، وكأنه نداء صارخ للمشاهد بضرورة قيام الأب بدوره كما يجب، كي لا يحدث له ما جرى ليوسف بطل "كتالوج".

إذاً، نحن أمام رسالة واضحة، والمعترضون عليها مستاؤون من مدى مباشرة تلك الرسالة. لكن هل حقاً نعيش في زمن يرفض المباشرة؟

قبل سنوات تربو على الربع قرن تقريباً، ظهر الفنان الراحل صلاح السعدني في لقاء تلفزيوني، قال فيه بالنص: "أنا مؤمن بأن الفنون في عالمنا العربي ليست للترفيه، وليست للتسلية (....) وبسبب نسبة الأمية الكبيرة، فالفنون أخطر من الكلمة المكتوبة، لأن القراء قليلون في الأمة العربية (...) إنما الفيلم أو المسلسل أو المسرحية لديهم القدرة على الوصول إلى أعماق القرى والدروب العربية".

لا ندري إن كان صناع مسلسل "كتالوج" مؤمنين بنظرية السعدني أم لا، فالحقيقة أن سابقة أعمال الكاتب والمخرج تتسم بالوضوح التام كونها أعمالاً كوميدية بامتياز، بعضها قد يكون مُسفاً، مثل مسلسل "رجالة البيت"، الذي كتبه السيناريست أيمن وتار.

رأى كثيرون أن آفة "كتالوج" هي المباشرة الشديدة. فالمسلسل من منظورهم يقول كل شيء صراحة، ولا يترك للمشاهد المتمهل المحبّ للفن فرصةً للتفكير والمناقشة

أما عن وضعنا الحالي، فظاهرياً نسبة التعليم في عالمنا العربي أكثر مما مضى، وهو أمرٌ جدير بأن نعوِّل عليه في أعمالنا الفنية الحالية بأن نجعلها أكثر عمقاً، كما يريد محبو الفنون. وللمفارقة مسلسل "كتالوج" كانت أمامه فرصة ذهبية لمناقشة قضية هامة دون الوقوع في فخ المباشرة.

توغل الرأسمالية... قضية غفل عنها "كتالوج"

اتهام الزوج طوال المسلسل بأنه منغمس حد الغرق في عمله وإهماله لبيته، كانت قضية جديرة بإفساح مساحة أكبر، إذا نوقشت من ناحية العالم الذي توغلت فيه الرأسمالية، وفككت أواصر الصلة بين أعضائه. فكم من عملٍ درامي مصري به الجملة التي صارت من كليشيهات الدراما: "هوَّ أنا بعمل كل ده عشان مين؟ مش عشانك انتِ والولاد؟".

جميعنا تكالبنا على الحياة رغماً عنا. جميعنا لا تكفيه وظيفة واحدة. جميعنا يرى النجاح والترقي ليس وسيلة للتحقق المهني، بل أداة لكسب أكبر قدر من المال لتأمين مستقبل الأسرة شبه المجهول، أو كما يقول زيغمونت باومان في كتابه "الحب السائل": "في عصر الحداثة السائلة، تحولت العلاقات الإنسانية من كونها روابط ثابتة إلى عقود مؤقتة. لم تعد الأسرة كياناً يتحدى الزمن، بل أصبحت مثل عقد الإيجار؛ ما إن يفقد الطرفان شعورهما بالجدوى، حتى يرحلا. في المجتمع الاستهلاكي، الحب نفسه يُستهلك: يُطلب فوراً، يُستخدم سريعاً، ويُستبدل بسهولة. هذه ليست مصادفة، بل نتيجة حتمية لمنطق السوق الذي غزا أعماقنا".

ويقول إيفان إيلتش في كتابه "مجتمع بلا مدارس": "لقد تم تفريغ معنى الأسرة التقليدية من محتواه العاطفي. الرأسمالية لا تطيق الحب المجاني، لأنه لا يُباع. ولهذا، سعت لترويض العاطفة، وتسليع الحنان، وصناعة بدائل مصطنعة له. لم يعد الحضور الأسري مهماً، بقدر ما يُقدَّر دخل الأب، وإنجازات الأم، ونجاح الأبناء في سباق الإنتاج. الأسرة، التي كانت قُبُلاً مكاناً لتبادل غير مشروط، أصبحت مؤسسة تحكمها العقود والنتائج".

من كل ما سبق، نستشف أن مسلسل "كتالوج" كانت لديه فرصة ذهبية لالتقاط هذا الخط الدرامي واللعب عليه، خاصة وأنه تماس معه في أكثر من موقف، مثل خسارة الأب نتيجة إصراره على إعادة الدفء للأسرة بعدما ماتت الزوجة. ومثل أسامة (أحمد عصام السيد)، شقيق الأم المتوفاة المشغول طوال العمل بالبحث عن زوجة أجنبية أملاً في الحصول على جنسية بلدها. ومثل حنفي (خالد كمال)، شقيق الزوج، الذي ترك النادي الرياضي الذي يلعب فيه رغم مهارته وشهادة الجميع بكفاءته، لتربية شقيقه بعد وفاة أمهما.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image