إجراءات جديدة على جسر الملك حسين لوقف سماسرة الحجز الإلكتروني… فما هي؟

إجراءات جديدة على جسر الملك حسين لوقف سماسرة الحجز الإلكتروني… فما هي؟

سياسة نحن والفئات المهمشة

الاثنين 14 يوليو 202510 دقائق للقراءة

"منذ اليوم الأول، اختفت التذاكر عن الموقع الإلكتروني، فصار على من يريد النزول إلى الجسر الانتظار لأيام كي يصل إلى تاريخ تكون التذاكر فيه متاحةً"، 

يقول سامر نعيم، وهو اسم مستعار لطبيب فلسطيني خمسيني، اضطر حاله حال آلاف من الفلسطينيين إلى خوض تجربة السفر عبر الجسر في هذه الأيام لظرف عائلي طارئ. ونظراً إلى عدم قدرته على الانتظار لخمسة أيام -بحسب أقرب تاريخ لتذكرة متاحة- على منصة "جت"، نزل عبر ممر الـVIP، ليدفع أضعاف المبلغ، مقابل السفر في اليوم نفسه. 

شركة "السهم"، هي المسؤولة عن نقل المسافرين الـVIP إلى المعبر الإسرائيلي، بينما شركة "جت" هي المسؤولة عن المسافرين العاديين.  

إذلال واستغلال 

مع النظام الجديد، بدأ المسافرون من الأردن بالتوافد على ممر الـVIP، مقابل مبالغ مضاعفة، للتمكن من السفر في اليوم نفسه. عن تجربته، يقول نعيم لرصيف22: "سعر تذكرة الـVIP بحسب الموقع 121 دولاراً، بعد معاناة لأربع ساعات تمكنت من الدخول، ودفعت زيادةً طبعاً دون أن أفهم السبب، وما عشته هناك مذلّ بشكل لا يوصف، فما بالك بمن يسافرون عبر الممر العادي؟ لا يوجد دور، على الآلاف الانتظار خارج البوابة في الشارع تحت الشمس الحارقة، منذ الخامسة فجراً، حتى تبدأ البوابة بإدخال الناس في الثامنة، من دون مظلة أو كرسي أو حمام. فوضى عارمة، ومن يدفع أكثر يمرّ أسرع، أو عليك أن تلتصق بالبوابة الحديدية لساعات، وحين تفتح نصف متر كل ساعة لتمرير 20 شخصاً حاول على الأكثر المزاحمة بقوّة للدخول قبل غيرك؟". 

ويروي أنه شهد أكثر من 20 حالة إغماء بسبب الشمس، وتأخر وصول سيارات الإسعاف، والانتهاكات الصارخة لحرمة الأجساد في أثناء عمليات الإسعاف وتحديداً للنساء بسبب حملهنّ بشكل متسارع بالأيدي. 

فرض الحجز الإلكتروني عبر شركة "جت" لم يُسهم في تنظيم حركة المسافرين كما أُعلن، بل خلق سوقاً سوداء لتذاكر الجسر تُباع بأسعار باهظة وصلت إلى عشرة أضعاف السعر الرسمي، وسط غياب أي آلية لاسترداد ثمن التذاكر أو تعديل مواعيدها، ما فتح الباب للاستغلال

هذا ما يحدث في القسم الأغلى ثمناً، بسبب فشل شركة "جت" في تنظيم السفر العادي. ويتضاعف العذاب في قسم المسافر الذي لا يدفع مقابل خدمة مسافرالـVIP. 

تقول سارة، وهي أمّ ثلاثينية لطفلين (6 و8 سنوات)، سافرت في الفترة الماضية، إنها لا تملك ثمن ثلاث تذاكر VIP، لذلك اضطرت إلى الخوض في هذا الجحيم، والانتظار لست ساعات منذ الفجر مع طفليها، مع أنها اشترت تذاكر من المنصة.

تقول لرصيف22: "حتى هذه اللحظة، لا أصدّق أنني عرّضت أطفالي لهذا العذاب، ما زلنا نعاني من أعراض ضربة الشمس، وبكاء الكبار والصراخ والمزاحمة وتروّح الأطفال وإصابتهم بالتعب الشديد، وكذلك الخوف من ضياع الشنط، والشمس الحارقة، والأسوأ عدم وجود حمامات". 

"ابني الصغير مريض من يومها"، تضيف وتفيد بأنها شاهدت كباراً في السن يتذللون للمرور، وبأنها لم تتوقف عن البكاء طوال الرحلة من شدّة الضغط، ولن تعيد التجربة مهما كان الثمن.

لماذا الحجز الإلكتروني؟ 

منذ منتصف حزيران/ يونيو 2024، صدر قرار جديد عن وزارة الداخلية الأردنية/ إدارة أمن الجسور، يقضي بأن تعتمد شركة "جت" الأردنية، التي تمتلك أسطولاً من الباصات للنقل السياحي داخل المملكة والمسؤولة منذ سنوات طويلة عن إدارة حركة النقل من جسر الملك حسين "معبر الكرامة"، إلى النقطة الإسرائيلية "جسر اللنبي"، الحجز الإلكتروني فقط للمسافرين من الضفة وإليها بدلاً من شباك التذاكر الورقي الموجود على الجسر. 

وجسر الملك حسين هو النقطة الحدودية الوحيدة التي تمكّن سكان الضفة الغربية، من السفر إلى العالم عبر مطار الملكة علياء الدولي، من خلال الأردن.

فشل المنصة الرقمية في التعامل مع الضغط، وضعف البنية التحتية والخدمات، كشف أن المشكلة أعمق من نظام حجز، وتمسّ احتياجات الناس الإنسانية والمعيشية.

الحجز الإلكتروني الحصري، تم تفعيله بالكامل يوم 23 من الشهر الماضي، بعد أن ظل الحجز الورقي خياراً لسنوات، وكان يؤدي الغرض منه بشكل ناجح، ودون عقبات.

كان الهدف المعلن من الخطوة، بحسب "جت"، تحسين إدارة أعداد زائري الضفة الغربية، إذ يبلغ عدد العابرين السنوي أكثر من مليون ونصف مليون إنسان. 

منصة فاشلة 

ومع هذا، فعدد التذاكر اليومي الذي توفره منصة شركة "جت" غير معروف، ولم يتم الإعلان عنه، كما أنّ بالإمكان تحديد الرقم المطلوب من الشركة بشكل ورقي، دون الحاجة إلى الحجز الإلكتروني. 

يقول ناصر، وهو فلسطيني مقيم في لندن من حملة الهوية الفلسطينية، ومتابع لوضع الجسر لتخطيطه للسفر إلى الضفة قريباً: "مؤخراً، تمّ اعتماد نظام حجزٍ مسبق للمقاعد، بدلاً من أن يتجه الجميع إلى الجسر ويتسابقوا… حلو التنظيم، ولكن، بما أنّ هناك إمكانيةً للحجز المسبق، فغالباً قد تطرأ ظروف تضطر المسافر إلى إلغاء الحجز أو استرداد ماله أو تغيير موعده، فهل أيٌّ من ذلك ممكن؟ الجواب: لا".

ويتساءل: "هل يوجد قسم للأسئلة الشائعة على موقع جت؟ الجواب: لا. إذا دخلت إلى صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ستجد منشوراً يذكر أنهم الجهة الوحيدة المصرّح لها بإصدار هذه التذاكر… تمام، لكن التعليقات مغلقة على المنشور!".

ويضيف: "هل المسافر الفلسطيني مباح للاستغلال؟ كيف لا أستطيع استعادة ثمن تذكرتي إذا لم أستخدمها؟ ولماذا لا يمكنني تغيير الموعد؟ ولماذا عندما أصل إلى الجسر ويخبرونني بأنه لا مجال اليوم لإكمال الرحلة لسبب أو لآخر (سواء إغلاق من جانب الاحتلال أو وجود باصات المعتمرين العائدين من السعودية بأعداد كبيرة)، لماذا لا يعيدون لي المال؟ لماذا هذا كله؟ ما هذه الوقاحة؟".

تدخل رسمي 

يعرف كل فلسطيني يسافر على الجسر، بوجود عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة ما يجري، وتبادل النصائح والأخبار والمفقودات والتحديثات ساعةً بساعة. هذه الصفحات ضجّت مؤخراً بمطالبات بأن تتدخل السفارة الفلسطينية في الأردن، ووزارة الداخلية الأردنية لتغيير الوضع.

بحسب وزارة الداخلية الأردنية، فقد تم إقرار هذا النظام الجديد لأنّ من شأنه أن يحدّ من "الازدحام الذي يتسبب فيه استخدام الأوراق وتأخير السفر"، إذ تتزايد أعداد المسافرين صيفاً، نتيجة عودة كثير من فلسطينيي الشتات من حملة الهوية الفلسطينية لزيارة عائلاتهم تزامناً مع العطل المدرسية.

سوق سوداء لتذاكر جت

لكن تبيّن لاحقاً وجود سوق سوداء، يديرها أشخاص تمكّنوا من حجز مقاعد بالجملة من المنصة الرقمية، لبيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، بلغت في بعض الأحيان نحو 70 إلى 100 دينار أردني، أي 100 إلى 140 دولاراً، في حين أنّ السعر الرسمي يقتصر على 7 دنانير فقط، أي 10 دولارات أمريكية، باستثناء بعض الرسوم الخاصة بالإجراءات الإدارية مثل دفع الرسوم الحكومية الخاضعة للمعابر. 

لكن الضرر من الإجراءات لم يقتصر على الأزمة الخانقة، فقد تسبب انتظار عشرات آلاف المسافرين لساعات طويلة في درجات حرارة مرتفعة تجاوزت في غور الأردن 40 درجةً مئويةً في الشمس من دون مظلات أو حمامات عامة، في حالات صحية صعبة، ولا سيّما لكبار السن والأطفال وأصحاب الحالات الصحية الحرجة.

وبحسب وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، النظام الرقمي الجديد "أتاح للبعض شراء تذاكر بالجملة وإعادة بيعها بأسعار أعلى، غالباً عبر قنوات غير رسمية".

كما نقلت CNN بالعربية، عن مسؤولين أردنيين، تحذيراً رسمياً من "ممارسات غير قانونية من قبل سماسرة-وسطاء، تمثّلت في شراء تذاكر بأعداد كبيرة إلكترونياً وإعادة بيعها".

العبور عبر ممر VIP لم يضمن كرامة المسافرين، إذ شهد المسافرون معاناةً مهينة شملت الوقوف تحت الشمس الحارقة، وانعدام التنظيم، وتقديم الخدمة لمن يدفع أكثر، مع تسجيل حالات إغماء وتعرض النساء لانتهاك حرمة أجسادهن خلال عمليات الإسعاف

نتيجة الفوضى السابقة، والظروف الصعبة غير الإنسانية، قام وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، بزيارة إلى جسر الملك حسين، يوم الأحد 13 تموز/ يوليو 2025، مؤكداً وجوب ضبط إعادة بيع الحجز وربط تذكرة المسافر باسم حاملها ورقم جوازه، فضلاً عن منع شراء كميات من التذاكر باسم شخص واحد. 

وقد أصدرت الداخلية توجيهات عاجلةً بتركيب نظام تحقق مشفر وربط الحجز بالهوية لحماية حقّ المسافر ومكافحة الوسطاء. وقبل ذلك، كانت منصات التواصل تشهد رواجاً كبيراً لشكاوى المسافرين الذين ظلّوا يحاولون الحجز لأيام عدة دون التمكّن من حجز رسمي، بينما وجدوا تذاكر السوق السوداء متوافرةً بأسعار مضاعفة، ما خلّف ازدحاماً امتدّ لساعات طويلة.

وبحسب تصريحات رسمية لإدارة أمن الجسور، فإنّ عدد الحافلات اليومي لم يكن كافياً أصلاً، فقبل تطبيق النظام كان يتراوح بين 20 إلى 30 حافلةً يومياً لخدمة آلاف المسافرين، إلا أنّ حجم الطلب شهد ارتفاعاً الآن تجاوز القدرة التشغيلية المتاحة وقد ارتفع إلى ذروة تصل فيها فترات الانتظار أحياناً إلى نحو ثماني ساعات.

وتعززت شكوى المسافرين من انهيارات فنية في المنصة، حيث أظهرت بعض التقارير أنّ حجز المقاعد يتم في غضون ثوانٍ، ولكن عند محاولة الدفع أو تأكيد الحجز يحصل عطل مفاجئ، ما يفتح المجال أمام مشتري الدفعة الكبيرة من الحجز لاستهداف السكان الأكثر حاجةً، خصوصاً الراغبين في السفر لأسباب إنسانية.

في أعقاب التدخل الرسمي، تم حظر بيع التذاكر عبر أي جهة غير منصة "jett‑khb.com.jo" الرسمية، وأبلغت السلطات بأنّها ستلاحق صفحات التواصل الاجتماعي التي تروج لهذا السوق غير القانوني، كما أوصت بتعيين فرق أمنية قرب الجسر لضبط نقاط بيع غير مرخصة، واشتملت الإجراءات على تركيب بوابات لتفعيل الهوية الإلكترونية للتحقّق المباشر من بيانات الحجز قبل السماح بالعبور.

الجسر، كما يسمّيه الناس اصطلاحاً، يحمل غرابته الخاصة، كنقطة حدودية تختلف عن كل نقاط العالم، من حيث تصنيفها الأصعب دولياً لناحية متطلبات السفر وظروفه، ومن حيث أنّ استخدامها يقتصر تقريباً على جنسية واحدة، وما يحدث أزمة تقنية واقتصادية واجتماعية في آن: تقنية بسبب ضعف المنصة في الصمود أمام الضغط الهائل، واقتصادية لأنّ الأسعار ارتفعت بشكل فاحش بفعل الوسطاء، واجتماعية لأنّ آلاف الأسر الفلسطينية تعتمد على عبور الجسر يومياً لأغراض العمل والدراسة والعلاج. 

والمطلوب الآن ليس مجرد إصلاح البرمجيات، بل إعادة توازن العرض والطلب من خلال إضافة حافلات إضافية في أوقات الذروة، وربط بيانات كل مسافر بتذكرة واحدة فقط ضمن نظام متكامل. وإذا فشلت هذه الخطوة، فإنّ المخاوف تتجه إلى الأسابيع المقبلة التي تصفها مصادر رسمية بأنها مصيرية بسبب حالة ارتفاع الضغط حتى موعد بدء العام الدراسي وتداعيات عودة مئات الآلاف، تزامناً مع وصول فصل الصيف إلى ذروته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image