ببضائع مهربة عبر الحدود المصرية الليبية، بدأت حكاية سوق ليبيا في مدينة مرسى مطروح المصرية، والذي أصبح مع مرور السنين من أشهر الأسواق المصرية التي يرتادها المصريون والعرب والأجانب على حد سواء لاقتناء كل ما هو مميز بسعر مناسب.
شارع التهريب
كانت بداية سوق ليبيا منذ ما يزيد عن خمسين عاماً في المنطقة الطبيّة بمدينة مرسى مطروح، بوقوف عدد محدود من الباعة على رصيف أحد الشوارع، يعرضون السلع المهربة من ليبيا عبر الحدود المصرية الغربية. حتى عرف الشارع باسم "شارع التهريب". هكذا حدثنا الكاتب الصحافي بجريدة المصري اليوم على الشوكي ابن مطروح والمقيم بها حتى الآن والذي واصل حديثة عن بدايات سوق ليبيا لرصيف22، فقال:
ببضائع مهربة عبر الحدود المصرية الليبية، بدأت حكاية سوق ليبيا في مدينة مرسى مطروح المصرية، والذي أصبح مع مرور السنين من أشهر الأسواق المصرية التي يرتادها المصريون والعرب والأجانب على حد سواء لاقتناء كل ما هو مميز بسعر مناسب
انتقل السوق بعد فترة إلى مكان قريب من ديوان عام المحافظة وسميّ بعد انتقاله بـ"سوق ليبيا"، لكن ظل اسم "شارع التهريب" ملتصقاً بمكانه القديم حتى الآن رغم تحوله إلى سوق لبيع الخضراوات والفاكهة. انتقال السوق بالقرب من ديوان عام المحافظة ومحطة أتوبيس مطروح التي تربطها بباقي المحافظات المصرية، كان سبباً في شهرته. فقد كانت بضائعه أول ما يقع عليه نظر الزائرين للمدينة، بعد نزولهم من الحافلات مباشرة، فتلفت انتباههم الأقمشة والملابس التي تطل عليهم من شارع ضيق بالقرب من المحطة، فيقررون التجول بداخله لشراء بضائع مميزة بأسعار خيالية.
وقال: "كان السوق في البداية يعرض فقط الأقمشة الليبية والملابس المستوردة التي يتم تهربيها داخل الحدود المصرية عن طريق البدو الذين تربطهم علاقات نسب بالعائلات الليبية، فيقومون بزيارة ليبيا من وقت إلى آخر، ليعودون محملين بكل ما يستطيعون تمريره عبر الحدود بعيداً عن المعابر الرئيسية بحكم خبرة البدو بالصحراء وطرقها".
يبرر على الشوكي ظاهرة التهريب ورواجها في تلك الفترة بأنها كانت مصدر الرزق الوحيد لأهالى مدينة السلوم بالتحديد، التي لم يوجد بها في تلك الفترة مصانع أو مدارس توفر فرص عمل أو تعليم لأهلها، فكان أغلبهم يلجأون للتهريب وعرض بضائعهم في مطروح لإعالة أسرهم.
مع الوقت وعندما لاقت الأقمشة والملابس القادمة من ليبيا رواجاً وأصبح للسوق زبونه الخاص كما أكد الشوكي، تجرأ التجار وقاموا بجلب بضائع أخرى كالسلع الغذائية المميزة مثل الكسكاس والهريسة (الشطة) وزيت الزيتون والشاي الأخضر الليبي الذي كان يسميه أبناء مطروح حينها "شاي التنين" نسبة لعلامته التجارية.
الخط مقفول
بعد توتر العلاقات بين مصر وليبيا عقب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1978 أصبح "الخط مقفول" على حد تعبير أهل مطروح في إشارة للمقاطعة بين مصر وليبيا وغلق الحدود بينهما. فلجأ تجار السوق إلى أماكن اخرى لجلب بضائعهم، فقصدوا بورسعيد والقنطرة شرق، ثم استوردوا بضائعهم من تركيا والمغرب والصين، ليبدأ التنوع الشديد في البضائع التي تعرضها محال السوق، بل ويمتد هذا التنوع للمحال التجارية خارجه في شوارع مطروح التجارية كشاعر الإسكندرية الشهير.
شارع الجلاء
انتقل السوق في عام 1995 إلى مكانه الحالي بالقرب من شارع الجلاء، ليصبح مع الوقت مجموعة من الأكشاك المتراصة على جانبي شارع طويل. كان هذا شكل السوق عندما وطأته أقدامي للمرة الأولى في شتاء عام 2012. حينها تجولت فيه بحرّية فقد كان يخلو من الزبائن تقريباً؛ تعرض محاله الملابس والأقمشة ومستحضرات التجميل المميزة والأدوات المنزلية البسيطة التي يسهل على الزوار حملها والسفر بها لمحافظته. لكن للأسف وبعد زيارتي بعدة أشهر تعرض السوق إلى حريق التهم أغلب محاله، ليتم غلقه لفترة، حيث تكفلت محافظة مطروح حينها بإعادة تصميم السوق وتأسيسه بالشكل الذي يضمن السلامه لتجاره ورواده على حد سواء. فأصبح أكثر من شارع رئيسي تربطها شوارع عرضية تسهل الانتقال على الزوار بين المحال المختلفة.
في أيلول/سبتمبر 2019 تكررت زيارتي له مرة أخرى، لكنني في تلك المرة لم أستطع اجتياز بدايته من فرط زحامه بالزائرين الذي يقصدونه من كل أنحاء مصر في الصيف. فقد كان الموسم الصيفي على أشده قبل أن تفرض الكورونا سيطرتها على الجميع.
لذلك قررت زيارته مرة أخرى مع بدايات يونيو/حزيران وقبل أن يشتد الزحام لأفوز بجولة حرّة بين محاله والتي اكتشفت من خلالها أن السوق قد توسع نشاطه بشكل كبير وأصبح يضم محالَّ تبيع الأعشاب الصحراوية التي يقتنيها الزوار مع وصفات علاجية خاصة ببدو مطروح. كذلك التوابل والزيوت المميزة ولعب الأطفال والأحذية إلى جانب الأقمشة والملابس ومستحضرات التجميل.
تجار السوق
بداخل السوق التقيت بعصام بدوي، صاحب محل ملابس وأحد أعضاء رابطة تجار سوق ليبيا، كما عرف نفسه لرصيف22. قال عصام إنه بدأ العمل هناك منذ تم نقله لموقعه الحالي في 1995 ليتحول من أكشاك وفرشات متناثرة إلى ما يقرب من 320 محل موزع بتخطيط هندسي منظم.
يؤكد عصام أن السوق منذ بدايته تميز بالبضائع المستوردة من ليبيا مثل الملابس ومستحضرات التجميل والأجهزه المنزلية عالية الجوده والتي تنوعت صناعتها ما بين التركي والإيطالي والأمريكي والصيني والتايلندي. الآن أصبح يتمبز بتنوع منتجاته فلم تعد تقتصر فقد على المنتجات الليبية، بل هناك معروضات مصرية وسورية وتركية وصينية ومغربية.
تأثر السوق بشكل كبير بعد الحريق المدمر الذى حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2012 كما أكد لي جار عصام في السوق أبو بكر جمال، صاحب محل أدوات منزلية، والذي صرح لرصيف22 قائلاً: "التهم الحريق أكثر من 90% من محلات السوق، مما أدى لخسائر تجار السوق لرأس مالهم بالكامل وأصبح عليهم ديون واجبة السداد للموردين". حيث يعمل بالسوق خلال موسم الصيف أكثر من 500 فرد ما بين تجار وعمال، وينخفض هذا العدد ليصل لأقل من النصف خلال فصل الشتاء لطبيعه المحافظة واعتمادها بالكامل على موسم الصيف، نظراً لأن عدد سكان المحافظه قليل نسبة إلى عدد المحلات التجارية الموجوده بها.
كانت بداية سوق ليبيا منذ ما يزيد عن خمسين عاماً في المنطقة الطبيّة بمدينة مرسى مطروح، بوقوف عدد محدود من الباعة على رصيف أحد الشوارع، يعرضون السلع المهربة من ليبيا عبر الحدود المصرية الغربية، حتى عرف الشارع باسم "شارع التهريب"
كذلك تأثرت التجارة بالسوق سلباً بسبب عدم الاستقرار الأمنى والسياسى بليبيا، وتأثر حركه التجارة بين البلدين بذلك، حيث أصبحت البضائع الواردة من هناك أقل بكثير مما كانت عليه في السابق. مما دفع التجار لإضافة منتجات من مصادر أخرى، بعضها مستورد إلى بورسعيد وبعضها محلي الصنع من إنتاج مصانع مصرية وسورية متباينه الجودة والسعر منها الشعبي و"اللوكس" والتي تناسب جميع رواد السوق بمختلف مستوياتهم.
صبحى العشيبي صاحب محل عطور ومستحضرات تجميل مجاور أكد أن السوق لم يتأثر فقط بالوضع السياسي بليبيا، لكنه تأثر أيضاً بأزمة الكورونا، خاصة مع إغلاق الشواطئ العامة كإجراء وقائي من قبل الدولة لحماية المواطنين ومنع انتشار الوباء؛ مما أدى إلى انخفاض عدد زوار السوق، حيث لا يعتمد السوق فقط على أبناء مطروح أو العاملين بها، لكنه يعتمد بشكل رئيسي على المصطافين من شتى محافظات الجمهورية، وكذلك الأفواج السياحيه الأجنبية التي تعتبر زيارة السوق أحد بنود برنامجها السياحي لزيارة المحافظة كون السوق هو الأهم والأشهر بها.
معايير السلامة
وعن معايير السلامة والامان في السوق التي تم توفيرها تجنباً لتكرار حريق 2012 أكد أسامه محمد صاحب محل عطارة أنه يوجد بالسوق نقطه شرطة ونقطة شرطة مرافق ونقطه إطفاء، وهو ما يمتاز به سوق ليبيا عن أي سوق أو تجمع تجاري آخر بمطروح، لكن الاهتمام بمعايير السلامة من قبل المحافظة لم ينفِ وجود مشكلات، فحتى الآن لم يقم مجلس مدينة مطروح بتجديد تراخيص المحلات بعد انتهاء أعمال التطوير التي تمت به بعد حريق 2012 على الرغم من تركيب شبكة حريق كاملة بالسوق ضمن أعمال التطوير ووجود نقطة إطفاء مجهزة وبها خدمه 24 ساعة، بدعوى أن شبكه الحريق لم يتم استلامها من إدارة الحماية المدينة لوجود بعض النواقص.
"مع أن الشركة التي قامت بالتطوير بأموال التبرعات عملت تحت إشراف لجنه من مجلس مدينه مطروح وهي التي استلمت الأعمال من الشركة المنفذة، وصرفت لها مستحقاتها عن تلك الأعمال، فلماذا تم صرف مستحقات الشركة المنفذة كاملة من مجلس المدينة قبل استلام إدارة الحماية المدنية لشبكه الحريق من الشركة"، قال أسامة.
أجمع تجار السوق كذلك على أنهم يعانون من غياب العدالة التنافسية ما بين السوق والأسواق المؤقتة التي يتم إنشاؤها خلال موسم الصيف وهي عبارة عن شوادر وبارتيشنات لا يوجد بها أي وسائل حماية أو دورات مياه لخدمة مرتاديها على عكس سوق ليبيا. ولا تسدد هذه الأسواق ضرائب أو تأمينات كونها موسمية، على عكس تجار سوق ليبيا. والعدل أن يعفى الجميع أو يتم إخضاع الجميع للضرائب والتأمينات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين