أثارت إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران (71 عاماً)، أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي، خلال مؤتمره الوطني التاسع، الكثير من التساؤلات المتعلقة بالرؤية السياسية للحزب، وعلاقاته المستقبلية، ومواقفه من العديد من القضايا، فضلاً عن تبعات ذلك على المشهد السياسي في البلاد مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 2026، والتي بدأت الأحزاب بإعداد العدّة لها مبكراً جداً.
تُضاف إلى ما سبق طبيعة الشخصية المثيرة لبنكيران، وتصريحاته التي لطالما أدت إلى سجالات، تسبّبت له في خصومات مع قيادات تاريخية ووزراء سابقين غادروا الحزب، وتسببت كذلك في غضب المؤسسة الملكية في أكثر من مناسبة، بالإضافة إلى علاقته المتوترة مع زعماء أحزاب سياسية.
مع ذلك، ومن خلال نجاح الحزب في تنظيم المؤتمر التاسع، وإعادة انتخاب أمينه العام، وهيكلة المؤسسات الموازية للحزب، والحضور في الحياة السياسية والحزبية، يكون قد تجاوز، على الأقل تنظيمياً، النكسة السياسية التي تعرّض لها في انتخابات 2021، بعدما قاد الحكومة في ولايتين متتاليتين، وتبقى تواجهه تحدّيات ربما أبرزها الموازنة بين استعادة البناء التنظيمي وصياغة تصوّر سياسي يستجيب لمتطلبات المرحلة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
ولا يفوت الحزب الإسلامي التوجّه في كل مناسبة، للتعبير عن مناصرته القضية الفلسطينية، غير أنّ الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، الذي وقّعه في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، رئيس الحكومة وأمين عام الحزب آنذاك، سعد الدين العثماني، جعل "خطيئة التطبيع" تلاحق الحزب برغم استنكار أعضائه الأمر ودعوتهم إلى إلغاء الاتفاق.
يتوقّع المحلل السياسي يونس دافقير، أنّ "طبيعة شخصية بنكيران ستجعل الحزب معزولاً في الحقل الحزبي، بالنظر إلى خصوماته الشخصية مع قادة الأحزاب الرئيسية"، وأن يُحكِم بنكيران قبضته على الحزب، ويحدّد خطَّه السياسي بـ"كثير من الشخصنة والمزاجية، ما من شأنه أن يعمّق الشرخ، ويخلق حالات تبرّم داخلية"
وفي ولاية بنكيران الرابعة، بعدما قاد الحزب في ثلاث ولايات خلال فترات (2008-2012)، و(2012-2017)، و(2021-2025)، يواجه "العدالة والتنمية" هذه التحديات سالفة الذكر، فضلاً عن سياق إقليمي ودولي يتّسم بتوتر العلاقات بين الأنظمة من جهة والأحزاب والتنظيمات الإسلامية من جهة أخرى، لعلّ آخرها حظر تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن، بعد سنوات من تقييد التنظيمات الإسلامية في تونس ومصر.
رئيس مثير للجدل
تزامناً مع موجات "الربيع العربي" التي اجتاحت دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي حملت الإسلاميين إلى الحكم في العديد من الدول، فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2011، مستفيداً من احتجاجات "حركة 20 فبراير" التي عارضها الحزب وانتقدها، خاصةً أمينه العام، بنكيران، الذي عيّنه الملك محمد السادس لاحقاً كأول زعيم حزب إسلامي يرأس الحكومة بعد تصدّر الحزب الانتخابات التشريعية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، أُعيد تعيينه رئيساً للحكومة بعد فوز حزبه في الانتخابات، غير أنه بسبب تعثّر تشكيل الحكومة، قرّر الملك إعفاءه من المنصب في آذار/ مارس 2017، وعيّن سعد الدين العثماني خلفاً له. وبعد النكسة التي تعرّض لها الحزب في انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر 2021، انتُخب بنكيران مجدداً أميناً عاماً للحزب، بعد سنوات من ابتعاده عن الحزب وانخراطه في توتّرات وخصومات مع قيادة الحزب وأحزاب أخرى وبعض الوزراء وانتقد الكثير من قرارات وسياسات الحكومة التي يرأسها حزبه بزعامة سعد الدين العثماني، وهو ما أثار غضب دوائر القرار والمؤسسة الملكية، وعبّر عنه وزير العدل السابق المصطفى الرميد.
وتطرح إعادة انتخاب بنكيران، أخيراً، لقيادة "العدالة والتنمية"، برغم كل ما يلفّ شخصيته وتصريحاته ومواقفه، تساؤلات عدة حول مستقبل الحزب، والمشهد السياسي في البلاد، ومدى إمكانية حدوث صدامات مع السلطة في حالة الفوز في الانتخابات البرلمانية الوشيكة والتكليف بتشكيل حكومة.
في هذا الصدد، يقول عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، عزيز هناوي، لرصيف22، إنّ "بنكيران شخصية مألوفة في المشهد السياسي والحزبي المغربي وتجربة السنوات الأخيرة سيكون لها الأثر الكبير على مستوى مقاربة بنكيران وخطابه داخل الحزب وخارجه بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تفرضها المرحلة الراهنة والمستقبلية القريبة".
أما المحلل السياسي ورئيس تحرير جريدة "الأحداث" المغربية، يونس دافقير، الذي يُعدّ من أبرز منتقدي بنكيران، فيرى أنّ "طبيعة شخصية بنكيران ستجعل الحزب معزولاً في الحقل الحزبي، بالنظر إلى دخوله في خصومات شخصية مع قادة الأحزاب الرئيسية"، مبرزاً أنّ علاقته حتى الآن هي مع "التقدّم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية"، والحزبان الأخيران يتعاملان معه بحذر. يضيف دافقير، في تصريح لرصيف22: "حتى إذا افترضنا، وهذا أمر أستبعده، أن بنكيران سيفوز في الانتخابات، فلن يجد حلفاء، وسيعود إلى الحلقة المفرغة نفسها لسنة 2016".
كذلك، يتوقّع دافقير، أن يُحكِم بنكيران قبضته على الحزب، ويحدّد خطَّه السياسي ومواقفه بـ"كثير من الشخصنة والمزاجية، وتغييب المؤسسات، ما من شأنه أن يعمّق الشرخ مع الأعضاء المنسحبين والغاضبين، ويخلق حالات تبرّم داخلية من أسلوب الزعيم".
وعلى مستوى التصوّر السياسي للحزب ورؤيته، يعتقد دافقير، أنّ "العدالة والتنمية" في "نسخته البنكيرانية" سيواصل الاندفاع نحو الخطاب الديني والهويّاتي، لإنقاذ الحزب، وهو أسلوب من شأنه أن يزيد من توترات الحزب مع حقل إمارة المؤمنين، الذي تمثّله المؤسسة الملكية، على حدّ قوله.
ما بعد الانتكاسة... صمود الحزب وضبابية الرؤية
قاد "العدالة والتنمية" الائتلاف الحكومي طوال عشر سنوات، بعد فوزه في انتخابات عامَي 2011 و2016، غير أنّ نتائج انتخابات عام 2021، شكّلت مفاجأةً وصدمةً للحزب الذي تراجع من المركز الأول بـ125 مقعداً إلى المركز الثامن بـ13 مقعداً برلمانياً فقط. وقدّمت حينها قيادة الحزب استقالةً جماعيةً بعدما وصفت النتائج بأنها "غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي".
"خطيئة التطبيع" وشخصية أمينه العام المثيرة للجدل وخصوماته مع الأحزاب والمؤسسة الملكية، وتحديات الصعيدين الإقليمي والدولي… ماذا لو فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات القادمة في المغرب؛ هل تدخل البلاد في "الحلقة المفرغة" لعام 2016 مرةً ثانية؟
ويصف القيادي في "العدالة والتنمية"، هناوي، لرصيف22، التراجع الكبير لحزبه آنذاك بـ"المجزرة الديموقراطية" التي يقول إنّ الهدف منها كان "إعادة صناعة المشهد السياسي"، مشيداً بعدم انقسام الحزب وصموده برغم الضغوط والحملات التي تستهدفه كمؤشِّر على تجاوز هذه الانتكاسة ونجاحه في تنظيم مؤتمرَين لانتخاب قيادته عامَي 2022 و2025.
غير أنّ دافقير، يرى أنّ أجواء المؤتمر الأخير للحزب تُعطي الانطباع بأنّ الحزب تجاوز نكسته النفسية وليس السياسية، وحصل على كثير من التعاطف من أطياف سياسية مختلفة، مشدّداً على أنّ القول بأنّ الحزب الإسلامي تجاوز نكسته "سابق لأوانه". "علاقة الحزب بالدولة، والممثلة في شخص بنكيران، متوترة، والتهنئة الملكية لم تُشِر إلى أخلاق ومميزات الأمين العام كما جرت العادة"، يعقّب دافقير.
وفضلاً عما سبق، يُصرّ المحلل المغربي، على أنّ حزب بنكيران "يعيش في عزلة حزبية، ولم يستعِد كامل لياقته التنظيمية، ولم يتصالح مع الغاضبين منه".
التطهّر من "خطيئة التطبيع"
بالعودة إلى القيادي هناوي، فهو يلفت إلى أنّ توقيع العثماني على اتفاق تطبيع العلاقات الثلاثي عام 2020، كان بصفته رئيساً للحكومة وليس كأمين عام للحزب، لكنه لا يُنكر أن ذلك تسبّب في الزجّ بالحزب في مربع تهمة التطبيع، برغم أنّ مؤسسات الحزب بكل مستوياته التنظيمية التقريرية والتنفيذية والموازية رافضة بشكل عقائدي لكل أشكال التطبيع منذ عقود.
ويضيف هناوي، أنّ "الحزب عانى كثيراً من خطيئة توقيع العثماني ولو بصفته الحكومية داخل القصر الملكي دون قرار أو موافقة أو حتى علم مسبق من الحزب ومناضليه بالموضوع"، مردفاً أنّ "السلوك السياسي للحزب وكل قياداته سواء خلال مرحلة ما قبل التوقيع الرسمي الحكومي أو ما بعدها، هو سلوك ممانع مقاوم ثابت على موقف رفض التطبيع، ومنخرط في مناهضته". لذا، يعدّ مواصلة اتهام الحزب بـ"جرم التطبيع تجاوزاً غير موضوعي وتجنياً مقصوداً وممنهجاً في كثير من الأحيان لغاية في نفس خصوم الحزب" الذين يتهمهم هناوي بتوظيف "وصمة التطبيع لتصفية حسابات قديمة سياسية وأيديولوجية".
تسبّب توقيع العثماني على اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في إحراج كبير لـ"مجموعة العمل من أجل فلسطين"، وهي ائتلاف يضم هيئات سياسيةً نقابيةً وجمعويةً من بينها حزب العدالة والتنمية. وفي تصريحات صحافية، قبل أقلّ من شهر، قال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان: "نحن ندين التوقيع وصاحب التوقيع ولم نقبل بعض المبرّرات التي أوردها البعض باعتبار أنّ سعد الدين العثماني وقّع بصفته رئيساً للحكومة وليس بصفته أميناً عاماً للحزب".
لكن مواقف مؤسسات الحزب وتنظيماته الموازية التي أدانت الاتفاق بشكل كامل وتبرّأت من التوقيع على التطبيع، ساهمت في التخفيف من الحرج، وأفسحت المجال للعديد من الأعضاء وقيادات الحزب لمواصلة العمل كأعضاء في "مجموعة العمل من أجل فلسطين" والتنسيق مع هيئات أخرى مناهضة للتطبيع.
مع ذلك، لم يتوقف انتقاد الحزب ووصمه بالتطبيع ورفض التعاون معه في الأنشطة والفعاليات المناهضة للتطبيع. وفي تصريحاته الأخيرة، أشار أحمد ويحمان، إلى أنّ التنظيمات الموازية لحزب العدالة والتنمية والمنخرطين فيه والعديد من قيادييه عبّروا عبر بلاغات وانخراط في تظاهرات، عن استنكارهم للتطبيع، غير أنّ الحزب لم يصدر موقفاً رسمياً واضحاً في الموضوع بعد.
يرى هناوي، أنّ "موجات الردّة الديمقراطية" في المنطقة تؤثّر سلباً على الحياة السياسية في المغرب، وأنّ الدولة -على الأقل براغماتياً- من مصلحتها أن يتواجد حزب العدالة والتنمية الإسلامي ضمن الخريطة السياسية والحزبية، ليشكّل أحد عناصر الاستقرار السياسي وأبرز مكونات معادلة التوازنات المجتمعية
"طلبنا من المجلس الوطني للحزب إدراج جملة واحدة من كلمتين في البيان الختامي تتضمن عبارة 'ضد التطبيع'، وتفاوضنا معهم ولم يستطيعوا تضمين البلاغ هذه العبارة، فاضطررنا إلى أن نتخذ موقفاً وطلبنا من مسؤول الحزب داخل السكرتارية الوطنية عدم الحضور إلى الاجتماعات وقلنا إنّ الحزب لن يعود عضواً في 'مجموعة العمل ضد فلسطين' ما لم يقدّم نقداً ذاتياً ويعتذر… إلى يومنا هذا الحزب ليس عضواً في مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، برغم أنّ قيادته الجديدة قالت إنّ التوقيع على التطبيع كان خطأً"، قال ويحمان.
استفادة ممكنة من سياق إقليمي ودولي مضطرب
إلى ذلك، يرى هناوي، أنّ "موجات الردّة الديمقراطية" في المنطقة تؤثّر سلباً أيضاً على الحياة السياسية في المغرب، دون أن تصل إلى المستوى الذي يهدّد وجود عنوان حزب العدالة والتنمية. كما يشير إلى أنّ الدولة -على الأقل براغماتياً- من مصلحتها أن يتواجد حزب العدالة والتنمية الإسلامي ضمن الخريطة السياسية والحزبية، ليشكّل أحد عناصر الاستقرار السياسي وأبرز مكونات معادلة التوازنات المجتمعية.
ويبقى السؤال: إلى أي مدى ينجح "العدالة والتنمية" في حقبته البنكيرانية الرابعة، في تصدّر المشهد السياسي في المغرب؟ وكيف قد يدير التواصل مع المؤسسة الملكية؟ وهل يستعيد ثقة المواطنين ويتخلّص من دنس "وصمة التطبيع"؟ لننتظر ونرَ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Magdy Khalil -
منذ 19 ساعةمقال رائع، يبدو انني ساوافق صاحب التعليق الذي اشار اليه المقال.. حيث استبعد ان يكون حواس من سلاله...
Thabet Kakhy -
منذ 5 أيامسيد رامي راجعت كل مقالاتك .. ماكاتب عن مجازر بشار ولا مرة ،
اليوم مثلا ذكرى مجزرة الحولة تم...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعيا بختك يا عم شريف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمحاوله انقاذ انجلترا من انها تكون اول خلافه اسلاميه في اوروبا
Aisha Bushra -
منذ أسبوعA nice article,I loved it..
رزان عبدالله -
منذ اسبوعينشكرأ