عن العدو القادم إلينا ممتطياً حصان الأقليات

عن العدو القادم إلينا ممتطياً حصان الأقليات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الثلاثاء 13 مايو 202511:52 ص

تنظر فئات واسعة من مجتمعاتنا العربية بعين المؤامرة إلى الأقليات الدينية والإثنية، فتعدّها "حصان طروادة" أو "بوابةً" لقوى خارجية متربّصة بنا وتسعى إلى التغلغل في مجتمعاتنا.

وهذه النظرة ليست جديدةً، بل هي جزء من تاريخنا العربي-الإسلامي، وتتشابه منطلقاتها في مختلف العصور، فهي تفترض وجود ظروف مثالية لتَحَقُّق الوئام والانسجام بين مكوّنات المجتمعات العربية كافة، توفّرها سلطة إسلامية عادلة و"سمحة"، ولكن يأتي خارج "شرير" يطلّ برأسه ويدسّ أنفه في شؤوننا ويعمل على "إثارة الفتنة" و"الشقاق" بين هذه المكوّنات كي يضعف مجتمعاتنا ويتسلل إليها.

تتصرف السلطة السورية الجديدة منذ إسقاط نظام الأسد، وفق منطق "الأمر لي" و"الأرض لمَن حررها"... وينتج عن ذلك ضربها بعرض الحائط هواجس مكوّنات مجتمعية أساسية...

وكما في أي سيناريو سيئ، يتطلّب الأمر أكثر من شرير، فهنالك حاجة إلى "مطيّة". وهذه المطيّة هي الأقليات الدينية والإثنية. وليكتمل البناء الدرامي المؤسَّس على ثنائية خير وشرّ، ينبغي إنكار أي ظرف "موضوعي" يدفع هذه الأقليات إلى مواجهة السلطة/ الأغلبية الحاكمة، والعمل مع جهة مناوئة لها، فلا يبقى من دوافع لهكذا سلوك سوى حقدها على السلطة، ولا مسببات لهذا الحقد سوى عوامل ذاتية في عقل الأقليات، كما الحال بالنسبة إلى جاهزيتها الدائمة لـ"العمالة" للخارج "الشرير".

وليس صعباً أن نستنتج أن هذا السيناريو السيئ الذي يتكرر ويتكرر في بلادنا، فيَحُول في فصوله الجديدة دون أن نبني دولاً حديثةً وديمقراطيةً، مردّه إلى أن المجتمعات العربية ترفض ممارسة النقد الذاتي وترفض الاعتراف بوجود مشكلات بنيوية داخلها تحتاج إلى حلول، كونها "خير أمّة أُخرجت للناس".

إسرائيل ودروز سوريا

في السيناريو السوري حالياً، يلعب الدروز في وعي فئة كبيرة من السوريين دور حصان طروادة الذي يُدخل إسرائيل إلى المجتمع السوري الموحّد والقوي، فيشقّ صفّه وتتضعضع بذلك قوة سوريا.

وبعيداً عن أنّ تدخّل إسرائيل في سوريا لا ينتظر موافقة الدروز، قد تكون العودة إلى تاريخ الـ25 من شباط/ فبراير 2025، مفيدةً لنا. في ذلك اليوم، ولم تكن السلطة السورية الجديدة قد كشّرت عن أنيابها بعد، وقع حدثان مؤثران في تاريخ سوريا، أولهما مؤتمر الحوار الوطني الشكلي الذي أقيم في دمشق، وثانيهما اتخاذ إسرائيل خطوات عمليةً/ حربيةً لتنفيذ وعيدها بإبعاد هذه السلطة عن جنوب سوريا، وفيه محافظة السويداء ذات الأغلبية السكانية الدرزية، ليصير عملياً تحت سيطرة إسرائيل غير المباشرة.

تمنح السلطة السورية الجديدة نفسها، كما يمنح أتباعها ومجاهدوها الأجانب متعددو الجنسيات، أنفسهم حق تحديد الوطني من غير الوطني، وفي مقابل نموذج حصان طروادة الأقليّاتي المتخيّل يقترحون نموذجاً آخر غير متخيّل يعطون أنفسهم فيه الحق في القيام بما يعيبونه على غيرهم.

معبّر جداً هذا التقاطع بين الحدثين. فالسلطة الجديدة التي ترغب إسرائيل في الحؤول دون استتبابها بالقرب من حدودها عبر منعها من السيطرة على المحافظات الجنوبية، تشهد علاقتها بمكوّنات أساسية في هذه المناطق، على رأسها الدروز، توتراً كبيراً، كما الحال في علاقتها مع أقليات أخرى في مناطق أخرى، بعضها يمتلك الظروف التي تسمح له بالتعبير عن هواجسه كالكرد، وبعضها يُقرأ حاله من المجازر المتتابعة المرتكبة بحقّه كالعلويين، وبعضٌ ثالث لا يزال يخفي هواجسه ظناً منه أن في صمته نجاةً مما لحق بـ"الثور الأبيض" كالمسيحيين والإسماعيليين وغيرهم.

وهذا التوتر في العلاقة بين السلطة الجديدة والكثير من الجماعات السورية هو ما يشكّل مدخلاً لتدخّل قوى خارجية في الشأن السوري، ولا حياء في القول إنّ هذا التدخل قد يكون طوق النجاة الوحيد للأقليات من مجازر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحقها كما جرى في الساحل السوري.

وفي الحالة الدرزية، هذا التوتر هو ما فتح الباب أمام التدخل الإسرائيلي في شؤونٍ سوريّة، وهو ما قد يساعد على "شرعنة" تحركات إسرائيلية أوسع في المستقبل.

ولكن هذا التوتر لا يأتي من فراغ، وليس مردّه إلى "حقد الأقليات". تتصرف السلطة الجديدة منذ إسقاط نظام الأسد وفق منطق "الأمر لي"، و"الأرض لمَن حررها"، وإنْ كانت تحرص على تبطين ذلك بخطاب يتذرع بربط فعالية مؤسسات الدولة الجديدة بمركزية الحكم فيها.

وكأنّ مشكلة السلطة السورية الجديدة مع "حصان طروادة" ليست في أنه يستجلب العدو، بل في أنه يمنح نفسه حق أن يفكّ الارتباط بين حقه في الحياة وبين طاعته للسلطة، ولذلك هي لا تمانع في تسليم طروادة كلها على ألا يواجهها أحد إذا أرادت قمع أو قتل "الأحصنة" الداخلية! هذه هي الوطنية في نظر الاستبداد العربي.

وينتج عن ذلك ضربها بعرض الحائط هواجس مكوّنات مجتمعية أساسية. وفي حالة الدروز والكرد عبّرت الجماعتان علناً وتكراراً عن رغبتيهما في الانخراط في مشروع سوريا جديدة واحدة، ولكن ليس على أساس تغلّب جماعة بالقوة على مختلف مكوّنات الشعب السوري، ولا على أساس هيمنة مركزية لا يُعرف ما يمكن أن ينتج عنها في المستقبل.

وتمنح السلطة الجديدة نفسها، كما يمنح أتباعها ومجاهدوها الأجانب متعددو الجنسيات، أنفسهم حق تحديد الوطني من غير الوطني، وفي مقابل نموذج حصان طروادة الأقليّاتي المتخيّل يقترحون نموذجاً آخر غير متخيّل يعطون أنفسهم فيه الحق في القيام بما يعيبونه على غيرهم.

عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع، مرتين عن ذلك؛ أولاهما بحديثه إلى عضو مجلس النواب الأميركي كوري ميلز، في 18 نيسان/ أبريل الماضي، عن أنّ "سوريا مهتمة بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام حين تتوفر الظروف المناسبة لذلك"، وثانيهما باعترافه بوجود مفاوضات غير مباشرة بين حكومته وبين إسرائيل، خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في السابع من أيار/ مايو الجاري، كانت وكالة "رويترز" قد أفادت بأنّ الإمارات أنشأت قناتها.

وكأنّ مشكلة السلطة السورية الجديدة مع "حصان طروادة" ليست في أنه يستجلب العدو، بل في أنه يمنح نفسه حق أن يفكّ الارتباط بين حقه في الحياة وبين طاعته للسلطة، ولذلك هي لا تمانع في تسليم طروادة كلها على ألا يواجهها أحد إذا أرادت قمع أو قتل "الأحصنة" الداخلية! هذه هي الوطنية في نظر الاستبداد العربي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image