على خلفية الأحداث المتصاعدة في سوريا منذ تولّي الإدارة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، قيادة البلاد، نشبت اشتباكات دامية خلال الأيام الماضية، بين مسلّحين دروز وفصائل مسلّحة موالية للإدارة، نتج عنها سقوط العديد من الضحايا في بلدتَي صحنايا وجرمانا في ريف دمشق.
ولم تنتظر إسرائيل كثيراً حتى تتدخل في الصورة، فسرعان ما شنّت هجمات عسكريةً، بدعوى "حماية الأقلية الدرزية"، على جماعات وصفتها بـ"المتطرفة"، كما قصفت محيط القصر الجمهوري في تهديد واضح للشرع، بأنّ "إسرائيل لن تسمح بالمساس بالدروز".
تستضيف إسرائيل مؤخراً، دروز سوريا في زيارات دينية، وتهدد الإدارة السورية بأنها لن تسمح بالمساس بهم. فماذا وراء هذه الحماية "المفتعلة"؟
أخذت هذه الحماية شكلاً "إنسانياً"، لدى إعلان إسرائيل عن قيام مروحية تابعة لسلاح الجو لديها بإيصال مساعدات إنسانية ومعدّات لأبناء الطائفة الدرزية جنوبي سوريا، وذلك بهدف "تمكين الدروز من التعامل مع التحديات الإنسانية"، بحسب وصف مصادر إسرائيلية.
كذلك، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عن إجلاء مدنيين سوريين دروز بواسطة مروحية، لتلقّي العلاج الطبي داخل الأراضي الإسرائيلية.
لكن لا يخفى على المتابعين والمحللين، أنّ وراء هذه "الحماية" المفتعلة، التي تتزامن مع ترويج إسرائيل لزيارات دينية تقوم بها وفود من الطائفة الدرزية السورية إلى الأراضي الإسرائيلية، سياسات ومصالح توسعيةً لا تخفيها إسرائيل أبداً، ولا سيّما تلك التي تبدّت إثر سقوط نظام الأسد، وتُرجمت إلى دخول واستيلاء وفرض سيطرة على الأرض.
توسّع تحت غطاء "الحماية"
"تتلخص خطط بنيامين نتنياهو، في الأحلام التوسعية التي تأتي مدفوعةً بأحلام اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسيطر على الحكومة، مبرراً كل التحركات العدوانية الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين، بوجود اليمين المتطرف في الحكومة وسيطرته عليها، ولا سيّما الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش"، يقول محمد الليثي، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية.
"وانطلاقاً من هذه الأحلام، يعلن نتنياهو دعمه الكامل للدروز والدفاع عنهم. هو دعم يأتي في إطار اللعب بأوراق الأقليات من أجل تحقيق هدف جيو-سياسي"، يضيف.
يعدّ الليثي، استضافة الوفود الدرزية في إسرائيل، مغازلةً إسرائيليةً للدروز السوريين، تقف وراءها خطة أوسع تتمثل في تقسيم سوريا، عبر إشعال فتيل الفتنة بين مختلف أطياف المجتمع السوري، ويشير إلى أنّ إسرائيل استغلّت علاقة الدروز الفلسطينيين في الداخل بدروز سوريا، تمهيداً لغرض توسعي إسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، يلفت أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إلى أنّ عين إسرائيل موجهة صوب الجولان وجبل الشيخ، وتسكنهما الأقلية الدرزية. "هذه قمم عالية يُرى قلب دمشق منها. وتالياً، هي مناطق إستراتيجية، تستهدف إسرائيل سكانها كي تُحكم السيطرة عليها"، يقول في حديثه إلى رصيف22.
دعم الدروز في سوريا، ضريبة كلامية لدقّ الأسافين في الجسد السوري. وهو مخطط قديم، لكن إسرائيل ترى اليوم فرصةً سانحةً لتنفيذه. لقد حاولت تنفيذه بُعيد حرب عام 1967، وأفشله الدروز وقادتهم في سوريا ولبنان والجولان المحتلّ
هل تطمح إسرائيل إلى دويلات طائفية في سوريا؟
وعن سؤال حول نوايا إسرائيل إثارة فتنة طائفية في سوريا، يجيب الليثي: "إسرائيل تسعى بالفعل إلى إثارة فتنة في سوريا بهدف إضعافها، ومن ثم السيطرة على جزء كبير من الأراضي وضمّها إليها، على غرار الجولان المحتل، في إطار خطة طويلة الأمد".
يدعم هذا الطرح الدكتور أيمن الرقب، الذي يرى أنّ إسرائيل تخطط لضرب التركيبة الاجتماعية داخل سوريا، عبر العبث بها ورفع قيم الصراع بشكل واضح وصريح، مشدداً على أنّ الغرض من تحريك ملف الدروز هو إحداث فتنة والذهاب نحو تقسيم سوريا.
أما أيمن شيب الدين، المحامي المستقلّ والناشط في مجال حقوق الإنسان، وهو من السويداء، فيقول لرصيف22: "بحكم أن إسرائيل دولة احتلال، وبحكم تطبيع العرب معها، ونظراً إلى الوضع الانتقالي غير المستقر في سوريا، واستلام السلفية الجهادية السلطة، تخشى إسرائيل من اقتراب أتباعها من حدودها المفترضة. وتالياً، فهي معنية بضرب طوق أمني عازل".
ويضيف: "لا يمكن تسمية ذلك دعماً إسرائيلياً لدروز سوريا. هذه مصالح سياسية وأمنية إسرائيلية، تستثمرها من خلال استخدام دروز سوريا".
وتعقيباً على "التغيير" الذي تحدث عنه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، حين قال إنّ نتنياهو أصدر تعليمات تتعلق بالأحداث في سوريا وإنّ تغييراً قريباً سيحدث، عقّب الليثي قائلاً: "يأتي هذا كرسالة في إطار الخلافات الداخلية التي تسببت في اندلاع الاشتباكات. لكن الدروز في سوريا يدركون جيداً أهمية وحدة الأراضي السورية واستقلالها".
"دعم الدروز في سوريا هو ضريبة كلامية لدقّ الأسافين في الجسد السوري"، يقول المحامي والكاتب سعيد نفاع، مؤكداً على أنّ لإسرائيل سياسةً تهدف إلى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية.
"هذا مخطط قديم، لكنها ترى اليوم فرصةً سانحةً لتنفيذه، ولا سيّما أنّ الفتنة خدمة كبيرة لمخطط كهذا، وقد حاولت تنفيذه إثر حرب عام 1967، وأفشله الدروز وقادتهم في سوريا ولبنان والجولان المحتل".
رابط "وهمي" بين إسرائيل ودروز سوريا
"ليس ثمة علاقة بين دروز سوريا وإسرائيل. هذا كلام مغلوط ويجب تصحيحه"؛ يقول شيب الدين، ويردف شارحاً: "ثمة علاقة تربط دروز سوريا بالدروز الفلسطينيين فحسب. فهم عشيرة واحدة وتجمعهم هذه الروابط منذ ما قبل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. تماماً كما يرتبط اللاجئون الفلسطينيّون بعد نكبة عام 1948، بإخوانهم وأقاربهم الذين ظلّوا في الداخل".
وفي السياق، يقول الليثي: "أتباع الطائفة الدرزية موجودون في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، والداخل الفلسطيني. صحيح أنّ من الأخيرين من يخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ الطائفة الدرزية، على الرغم من الفصل الحدودي بين أبنائها، تسعى إلى الحفاظ على هذا الترابط المجتمعي".
أما نفاع، فيقول إنه يمكن الحديث عن ترابط بين إسرائيل ودروز الداخل. "حدث ذلك بقوة القوانين الإسرائيلية فحسب، ولا سيّما قانون التجنيد الإجباري المفروض على شبابنا. لكن مع سائر الدروز في المنطقة، لا ترابط لا من قريب ولا من بعيد. رابطهم الحقيقي هو مع فضائهم العربي والإسلامي"، يقول.
"تسعى إسرائيل إلى تغذية هذا الرابط بينها وبين الدروز، لأنه يعزز الطائفية بشكل كبير، ولا سيما أنّ دولة إسرائيل قائمة على مجموعة من الإثنيات-الطوائف المختلفة"، يقول الرقب، لافتاً إلى أنّ إسرائيل ترى في الدروز فئةً قابلةً، بحسب مرجعيتها الدينية، إلى أن تمنح ولاءها للدولة الحاكمة، أو لإسرائيل في هذه الحالة. هذا ما تسعى هذه الدولة إلى فرضه وتثبيته.
ماذا تحمل زيارات السوريّين الدينية؟
يشير نفاع، إلى أن الزيارات الدرزية إلى سوريا، بدأت عام 2000، كمشروع تواصل. "كنت من القائمين عليها حتى توقفت عام 2010"، يضيف. أما الزيارات من سوريا إلى الداخل الفلسطيني، فكانت بهدف زيارة المقام المقدّس عند الدروز، وهو مقام النبي شعيب، حيث قبره في سهل حطّين. وبحسب نفاع، الوفود التي كانت تحضر، هي وفود من قرى احتلتها إسرائيل عام 1973 في حرب تشرين الأول/ أكتوبر؛ كقرية حضر.
يرى نفاع أنّ الغرض من زيارة وفد من الدروز السوريين إلى إسرائيل ومبيتهم فيها، سياسي محض، يخدم المؤسسة الإسرائيلية والموالين لها من دروز البلاد، ويهدف إلى ضرب النسيج الوطني السوري. "الغريب أنّ المعلومات تشير إلى أنها جرت بتنسيق مع نظام دمشق الجديد"، يضيف.
معارضة دروز سوريا اليوم للسلطة القائمة ليس مردّه إلى الانفصال عن سوريا، أو الذهاب باتجاه إسرائيل، بل إبداء موقف من أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية
لكن شيب الدين، يرفض تضخيم زيارة الوفد الدرزي إلى إسرائيل، خاصةً أنها زيارة لمقام ديني مقدّس لدى الطائفة الدرزية، وتأتي نظراً إلى وجود رابطة دم بين دروز سوريا ودروز فلسطين قبل قيام إسرائيل بقرون.
ويستدرك: "مع العلم أنّ تلك الزيارة تمت بموافقة رسمية من السلطة السورية، إذ عبرت الوفود الحدود بشكل رسمي، وعادت بشكل رسمي، ولم تتمّ في الخفاء".
"معارضة السلطة ليس ميلاً باتجاه إسرائيل"
"نحن مسالمون، ولا نحمل موقف عداء أيديولوجي تجاه أحد. نرى في إسرائيل دولة احتلال، وها هي ذي تحتل أراضي سورية. ونعتقد أن استعادة الأرض والحقوق الخاصة بنا وبالشعب الفلسطيني، يجب تحصيلها عبر السلام والدبلوماسية والقانون الدولي والمقاومة المدنية السلمية"، يقول شيب الدين.
ويردف: "نحن نرى جيداً كم أضرّت المقاومة الإسلامية الرّاديكاليّة بفلسطين وبالشعب الفلسطيني وقضيته، وكيف، من جهة أخرى، خذلت الدول العربية والإسلامية القضية الفلسطينية وتاجرت بها، فسارعت إلى تطبيع منفرد مع إسرائيل، دون إجراء استفتاء شعبي، ودون ضمان حقوق الفلسطينيين في استعادة أرضهم وحقوقهم".
ويشدد شيب الدين، على أنّ "أصوات دروز سوريا هي أصوات سورية لا طائفية، تريد السلام لسوريا. موقف هذه الأصوات علنيّ فوق الطاولة، وليس كالمواقف التطبيعية تحت الطاولة، التي تحاول السلطة السورية اليوم أخذها، كما أخذتها معظم الأنظمة العربية".
ويضيف مؤكداً: "نحن سوريون، نقف مع ما يقرره الشعب السوري أجمع، وليس مع ما تقرره السلطة مُنفردة. هذا الموضوع مصيري ولا يُستهان به".
وعلى الرغم مما يقال بشأن قبول الدروز للتدخل الإسرائيلي في سوريا، يؤكد نفاع، على أن الغالبيّة العظمى من دروز سوريا ضد أي علاقة مع إسرائيل، موضحاً أن للدروز بحكم التاريخ والجغرافيا، وبغض النظر عن عددهم، دوراً كبيراً في سوريا واستقلالها، بدءاً بالثورة السورية الكبرى عام 1925، التي قادها باسم الشعب السوري، الدرزي سلطان باشا الأطرش.
يؤكد شيب الدين، من جانبه، على أنّ الطائفة الدرزية، التي بالكاد تُشكّل نسبة ما بين 2 أو 3% من سكان سوريا، مشهود لها تاريخياً بوطنيّتها وتمسّكها بسوريا الأمّ"، موضحاً أن معارضة دروز سوريا اليوم للسلطة القائمة ليس مردّه إلى الانفصال عن سوريا، أو الذهاب باتجاه إسرائيل، بل إبداء موقف من أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية، تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة وفصل السلطات ومبادئ حقوق الإنسان. "للأسف، لم تعمل السلطات الحاكمة في سوريا اليوم على أيّ من هذا. والإعلان الدستوري كان مُخيّباً للآمال، ويُؤسّس لاستبداد جديد في سوريا؛ استبداد سياسي وديني".
يذكّر هذا النهج بمحاولات إسرائيل تبنّي الطائفة المارونية المسيحية في لبنان
يُذكر أنّ الرئيس الشرع، وقّع في آذار/ مارس الماضي، اتفاقيةً مع دروز السويداء، تنصّ على دمجهم في المؤسسات الانتقالية للبلاد، مع ضمان تشكيل قوات شرطة محلية منهم، والاعتراف بهوية المجتمع الثقافية. وعلى الرغم من أنّ الاتفاق دخل حيّز التنفيذ قبل أيام لإنهاء الاشتباكات المسلحة بين الفصائل الموالية للسلطة وأهالي المنطقة، إلا أن الأولى لاقت انتقادات لاذعةً من أطراف درزية عدة.
فقد اتهم حكمت الهجري، أحد مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا، الحكومة بقتل شعبها بواسطة عصابات تكفيرية، مطالباً بالحماية الدولية والعون المباشر.
سلام مع إسرائيل؟
وفي ضوء الجدل حول موقف الإدارة الجديدة من التطبيع مع إسرائيل، يرى الرقب أنّ الرئيس السوري المؤقت لا يستطيع الدخول في صدام مع إسرائيل، وأنّ غرض الأخيرة، الابتزاز ودفع سوريا نحو توقيع اتفاق سلام معها على المدى القريب.
من جانبه، يلفت أنطوان شلحت، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أنّ إسرائيل تحاول أن تخوض، عبر الدروز في سوريا، صراع نفوذ مع تركيا. كما أنها تحاول إحباط جهود الرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل توحيد سوريا تحت حكم مركزي. فإسرائيل ترى أن الشرع سيقيم نظاماً جهادياً خطيراً.
ويوضح الباحث في حديثه إلى رصيف22، أن الكثير من التحليلات الإسرائيلية تعيد التذكير بأن هذا النهج يشبه محاولات إسرائيل تبنّي الطائفة المارونية المسيحية في لبنان، ولا سيّما خلال حرب عام 1982، وقيامها بدعم الأقلية الكردية في العراق كقاعدة عمليات ضد نظام صدام حسين سابقاً وضد إيران.
ويختم شلحت قائلاً: "ما يثير التفاؤل، أنّ هناك رفضاً شبه مطلق من الدروز في سوريا لهذا المسعى الإسرائيلي المغرض، وثمة من يعدّ هذا المسعى بمنزلة تهديد خارجي يشكل خطراً على النسيج الوطني السوري"، مشدداً على أن "هذا التهديد الخارجي يهدف إلى تقسيم سوريا، وإلى تغيير خريطتها السياسية. وعليه، يجب الوقوف في وجهه والتصدي له".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 12 ساعةرائع و عظيم ..
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامزاوية الموضوع لطيفة وتستحق التفكير إلا أنك حجبت عن المرأة أدوارا مهمة تلعبها في العائلة والمجتمع...
Bosaina Sharba -
منذ أسبوعحلو الAudio
شكرا لالكن
رومان حداد -
منذ أسبوعالتحليل عميق، رغم بساطته، شفاف كروح وممتلء كعقل، سأشاهد الفيلم ولكن ما أخشاه أن يكون التحليل أعمق...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينهذا ليس طبيعيا، وهو ينشئ في الحالات القصوى من اضطرابات ومشاكل نفسية. الإنسان العاقل عندما يواجه...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينAnyone that studies human psychology and biological functioning of the body and it's interactions...