ما هي أبرز تحدّيات تقارب سوريا مع المحيط العربي؟

ما هي أبرز تحدّيات تقارب سوريا مع المحيط العربي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 6 مايو 202502:48 م

تحاول الإدارة السوريّة الجديدة توطيد علاقاتها مع المحيط العربي، مستندةً في ذلك إلى أنها سلطة جديدة جاءت بعد ثورة على نظام كانت علاقاته متوتّرة في أغلب فتراته مع العالم العربي. لكن هذه العلاقات المنشودة من حكومة الرئيس أحمد الشرع تصطدم بعدة معوِّقات لعل من بين أبرزها خلفيّة السلطة الجديدة "الجهاديّة" التي تجعل الدول العربية حذرة في التعامل مع دمشق، فضلاً عن علاقة هذه الإدارة المتينة مع تركيا وقطر اللتين وقفتنا طويلاً في موقف خصومة مع كل من السعودية والإمارات ومصر في صراع النفوذ الإقليمي.

برغم هذه المعوِّقات، إلا أن الرئيس الشرع ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد، حاول تمرير رسائل تطمينيّة للمحيط العربي بهدف بناء علاقات متينة معه، فكانت الرياض أول محطة خارجية له كرئيس لسوريا وأتبعها، قبل فترة وجيزة، بزيارة "نوعيّة" للإمارات المعروفة بعدائها لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، عدا عن محاولة بناء علاقات متوازنة مع كل من الأردن والعراق، في مغازلة صريحة وميل واضح نحو المحيط العربي بعد عقود من موالاة سوريا الأسد لكل من إيران وروسيا. 

في هذا التودّد للجارات العربيّات، لا يسعى الشرع فيه إلى غسل سمعة سلطته من الخلفية الجهاديّة فحسب بل أيضاً للاستفادة من الدعم العربي في إعادة إعمار البلاد، وكمدخل لتحسين علاقات سوريا مع أمريكا والغرب، والاستقواء بها لدرء خطر إسرائيل.

يرى الباحث السياسي بشار عبد الله أنه "ليس ممكناً الحديث جملةً عن علاقة الإدارة السوريّة مع العواصم العربية" إذ أن بعضها احتضنت سوريا الجديدة في مهدها، مثل الرياض والدوحة، بينما كان "الفتور والحذر شعورين متبادلين بين هذه الإدارة وبين عواصمٍ أخرى منها بغداد وأبو ظبي وعَمَّان والقاهرة"

"الحضن العربي وبحثٌ عن مخرج"

في هذا السياق، يلخّض المحلل السياسي بسام السليمان لرصيف22 رؤية الإدارة الجديدة للعلاقة مع المحيط العربي في أن "العلاقة مع الخليج، وخصوصاً السعودية، هي علاقة إستراتيجية، وكذلك مع الأردن، ولو بدرجة أقل من المجموعة الخليجية التي تعد الرافعة الأولى لسوريا اليوم، وتأتي بعدها تركيا. أما عن العلاقة مع العراق، فهي مختلفة نتيجة التأثير الإيراني على العراق".

أما الباحث السياسي بشار عبد الله، فيقول لرصيف22: "ليس ممكناً الحديث جملةً عن علاقة الإدارة السوريّة مع العواصم العربية، فبعض هذه العواصم اعتبرت الوليد الجديد (يقصد سوريا الجديدة ما بعد إسقاط الأسد) منذ البداية أخاً أو ابناً، وحملت آلام مخاضه في دبلوماسيتها الدوليّة، باحثةً عن سبيل لتقصير درب آلامه نحو الاستقرار، وأخص الرياض والدوحة اللتين تذهب نحوهما الإدارة الجديدة بشغف وارتياح كبيرين، بينما كان الفتور والحذر شعورين متبادلين بين هذه الإدارة وبين عواصمٍ أخرى منها بغداد وأبو ظبي وعَمَّان والقاهرة".

يشرح عبد الله وجهة نظره في أنه "منذ البداية توجست هذه العواصم المذكورة أخيراً من النفوذ التركي الواضح، ومن فكرة وصول تيار جهادي إلى حكم دمشق، لا سيّما وأن الرئيس الشرع زاد على مخاوفهم تلك تموضعه الواضح عربياً عندما زار الرياض في أول زيارة خارجية له، وعندما استقبل أمير قطر كأول حاكم عربي يدخل سوريا الجديدة".

مع ذلك، يرى عبد الله أن "بغداد كانت البوابة الطبيعيّة لتخفيف الاحتقان مع طهران وتبريد الأجواء، ولو بشكل غير مباشر، لاستبعاد أي 'ضربة تحت الحزام' محتملة منها، كيف لا والإدارة السوريّة شعرت بعدم قدرة حلفائها على حمايتها من أي محاولات خارجية لزعزعة الوضع الهش أصلاً، أو استدراك ما قد ينجم عن تلك المحاولات من آثار سلبية خاصة بعد الثمن الفادح الذي دفعته الإدارة الحالية عقب أحداث الساحل السوري".

وهو لذلك، يعتبر أن إدارة الشرع "ورغم تمسّكها برفض عودة أي نفوذ إيراني داخل سوريا، لقناعتها بخطورة الأمر على أمن البلاد الإستراتيجي، ولأنها تعي أن هذا خط أحمر لدى واشنطن وتل أبيب، اختارت تلطيف الأجواء مع الحكومة العراقية، واللافت أن الأمر تم بوساطة قطريّة، حيث عادةً ما تعمل الدوحة وسيطاً في المحادثات الخاصة بإيران مع الدول العربية فيما مسقط وسيطة في محادثاتها مع الغرب".

ويردف عبد الله بأن هذا يدلّ على خلفيّة التقارب مع بغداد وما يُراد منه من بناء تعاون مع بغداد في ملفّات عديدة تخصّ الأمن وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة تنظيم داعش، وغياب التصريحات الإيرانيّة عن سوريا في الآونة الأخيرة بعد أن كانت شبه يوميّة.

"كل هذا يعكس إدراك الإدارة السوريّة للحكمة القديمة التي تقول بضرورة توزيع البيض على أكثر من سلة. من هنا، تسعى لإزالة المشكلات مع الجميع، لأن الأشهر الأولى أكدت أن الاكتفاء بالرافعتين السعوديّة والتركيّة لا يكفي، فبدأت بتقديم نفسها كشريك جيّد للجميع وأفضل احتمالات سوريا الممكنة، وهذا ما أشار إليه الشرع في حواره مع نيويورك تايمز من أن الفوضى في سوريا تضر كل دول العالم، وليس فقط دول الجوار. لكل ما سبق، يرى العرب اليوم - وتحديداً الدول التي ترتبط بحدود مباشرة مع سوريا - أن الوقت غير مناسب لترك سوريا كساحة تصفية حسابات لأنه يدمّر ما تبقّى من إمكانية لنسج شيء من الأمن القوميّ العربيّ أمام الإيرانيين والأتراك والإسرائيليين"، يقول.

واستخلاصاً مما سبق، يبدو أن الإدارة السوريّة الجديدة تحاول تمكين بنيان حكمها داخلياً من خلال نسج علاقات قوية ومتنوّعة مع المحيط العربي سواء تلك الدول الميالة لهذه الإدارة، أو الحذِرة منه، أو حتّى تلك التي كان متوقعاً أن تتحفّظ في علاقتها معها مثل كالعراق. ويمكن أن نعزو ذلك إلى إدراك الشرع وإدارته أن البُعدين الأمني والاقتصادي لا يمكن تأمينهما سوى من خلال علاقات متينة عربياً في ظل عدم قدرة الحليف التركي على سد الفراغ الاقتصادي والأمني في سوريا لوحده، وذلك لأن تركيا لا تملك الملاءة المالية المتاحة لدى الدول الخليجية من جهة، ولأن الاعتماد على الحضن التركي يجعل العرب خصماً ربما يدعم محاولات زعزعة استقرار الحكم الجديد.

"الإدارة السوريّة بدأت تتوازن أكثر في علاقاتها الخارجية عموماً والعربية خصوصاً، لأن تعويلها على أنقرة والرياض والدوحة فقط لتعويمها دولياً، وتحديداً أمريكياً، لم ينجح. لذا، لجأت دمشق إلى تنويع الوسطاء مع الغرب وإسرائيل، ولا بوابة أمثل لذلك من تحسين العلاقة مع الإمارات"

الشرع والعلاقة مع الإمارات

تاريخياً، رفعت أبو ظبي راية العداء في وجه جماعات الإسلام السياسي سيّما ذات الخلفية الجهادية في العالم العربي، وربما يكون هذا ما دفعها إلى أن تكون أولى الدول العربية التي طبّعت مع نظام الأسد بذريعة الخوف من الجهاديين. لكن زيارة الرئيس الشرع إلى الإمارات حديثاً أثارت تساؤلات كثيرة لدى المعنيين بالشأن السياسي، نظراً لخلفيّة الحكم الجديد في سوريا التي لا تتفق مع توجهات أبو ظبي.

وتزامنت زيارة الشرع للإمارات مع حل الفيلق الثامن بقيادة أحمد العودة لنفسه وتسليم عتاده لوزارة الدفاع السوريّة. علماً أن هذا الفيلق الذي كان ينظر له ولقائده كمنافس حقيقي على سلطة الشرع، نظراً لعُدّة الفيلق وعديده وعلاقاته مع روسيا والإمارات.

ويرى بشار عبد الله أننا "نشهد مؤخراً أن الإدارة السوريّة بدأت تتوازن أكثر في علاقاتها الخارجية عموماً والعربية خصوصاً، لأن تعويلها على أنقرة والرياض والدوحة فقط لتعويمها دولياً، وتحديداً أمريكياً، لم ينجح. وما زالت شروط واشنطن كما هي، كما أن ذلك المثلّث لم يردع اسرائيل جنوباً بل إن إسرائيل قالت كلمتها بالحديد والنار، ولم تفلح حظوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى نظيره الأمريكي دونالد ترامب بإجبار إسرائيل على التنازل للأتراك، ففشلت بينهما مباحثات الوساطة الأذربيجانية، ولم تزل خطوط تل أبيب نفسها. لذا، لجأت دمشق إلى تنويع الوسطاء مع الغرب وإسرائيل، ولا بوابة أمثل لذلك من تحسين العلاقة مع الإمارات".

ويتكهّن عبد الله بأن حل اللواء الثامن وتسليم سلاحه مرتبطان بتفاهمات سبقت ذهاب الشرع إلى العاصمة الإماراتيّة، واصفاً ذلك بأنه "مؤشّر إيجابي على صعيد الداخل قبل كل شيء، فكل تفاهم يتيح لدمشق لملمة الخارطة السوريّة هو خطوة محمودة، وإن احتاج السوريون لشيء من الانتظار حتّى يتلمّسوا النتائج، كحال التفاهم مع قوات سوريا الديموقراطيّة (قسد)". كما يشدّد على أن "ما نرجو الوصول إليه من تفاهمات مع السويداء، والساحل السوري، وحلحلة الوضع في درعا لما تمثله من رمزيّة للثورة السوريّة، فهي مهد الثورة ورأب الصدع فيها رأب للصدع الجغرافي والسياسي والوجداني".

"الاعتقاد بأن العلاقات أصبحت دافئة وخالية من التباينات هو اعتقاد غير دقيق. فالحصول على نتائج حقيقيّة من الزيارة مرتبط بقدرة الرئيس الشرع على تصفير المخاوف الإماراتيّة".

ويضيف عبد الله أن "كلمة السر هي بداية في وضع العلاقات مع الإمارات على الدرب الصحيح، لأن الزيارة مؤشر إيجابي، لكن الاعتقاد بأن العلاقات أصبحت دافئة وخالية من التباينات هو اعتقاد غير دقيق. فالحصول على نتائج حقيقيّة من الزيارة مرتبط بقدرة الرئيس الشرع على تصفير المخاوف الإماراتيّة، تليها المصريّة، والأردنيّة تحديداً، من وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في سوريا، أضف إلى ذلك حساسية هذه الدول من ملف المقاتلين الأجانب، فإرضاء هذه الدول وإلغاء مخاوفها يعني بالنتيجة إرضاء واشنطن وتل أبيب التي تمتلك علاقات كاملة مع الدول الثلاث، وتمثّل أبو ظبي رأس الحربة في الاتفاقات الإبراهيمية بينها وبين الدول العربية. لذا، قد يفلح محمد بن زايد فيما عجز عنه أردوغان من ناحية تبريد الوضع بين الإدارة السوريّة الجديدة ونتنياهو، ويفتح الباب على مصراعيه للرئيس الشرع نحو علاقات أكثر استقراراً مع القاهرة وعَمَّان".

لكن بسام السليمان يميل إلي أن زيارة الرئيس الشرع إلى الإمارات "ناقشت مسائل أكبر وأكثر إستراتيجية، مع التأكيد على أنه يمكن للإمارات أن تساهم في حلّ ملف إسرائيل، فهي الأقدر على إدارة ملف بهذا الحجم أكثر من قطر".

وعليه، يرى مراقبون أن أبو ظبي قد تكون، رغم عدائها للإسلام السياسي، بمثابة "حبل نجاة حقيقيّ" للإدارة السوريّة الجديدة، سيّما مع ما يتردّد من امتلاكها حظوة لدى على بعض الفصائل المسلّحة المناوئة للإدارة الجديدة، ما يعني ضرورة التواصل معها لإبعاد خطر القلاقل الداخلية، عدا عن كونها ذات مكانة مهمّة عربيّاً ودوليّاً من شأنها أن تساعد الشرع في جعله مقبولاً، والأهم في ما تملكه من تأثير وعلاقات مع إسرائيل قد تمكّنها من المساهمة في إبعاد خطرها عن دمشق وحكمها الوليد.

هل يتكرّر سيناريو الانفتاح على الأسد؟

شهدت الفترة السابقة لإسقاط نظام بشار الأسد علاقات عربية جيّدة ومتسارعة مع نظامه، وخصوصاً من دول الخليج حيث ظهر بشار وكأنما هو الرئيس الذي ثبّت أركان حكمه، وقضى على جميع خصومه، وعاد مرفوع الرأس إلى الحضن العربي، وذلك قبل أن ينتهي به الحال مهزوماً هارباً في روسيا.

على نفس المنوال، يتخوّف البعض من أن حالة الانفتاح العربي المشابهة التي تحظى بها السلطة السوريّة الجديدة لعدة أسباب لا تتعلق بماضي هذه الإدارة، بل برغبة المحيط العربي بتلقّف الحالة السوريّة، ومنع أنقرة من بسط سيطرتها على دمشق. ويبقى السؤال: هل هذا الانفتاح قادر على حماية النظام الجديد من مصير بشار الأسد؟

في هذا الصدد، ينبّه بشار عبد الله إلى أنه "ليس هناك ما يمنع فشل الانفتاح العربي في حماية الإدارة السوريّة الجديدة كما حدث مع نظام الأسد سابقاً. الأسد كان مقتنعاً في قرارة نفسه بعجز إيران عن تعويمه، وعدم قدرة طهران على انتشاله اقتصادياً، فكان الانفتاح العربي طوق نجاة له، لكنه لم يكن قادراً بقواه الذاتية على طرد إيران وحزب الله. في المقابل، لم يكن لدى الدول العربية سوى خطّة الخطوة بخطوة، فقدّمت له الجزرة التي لم يسعف الوقت الأسد لأكلها".

بعد أن تبنّت تركيا بقيادة أردوغان عملية "رد العدوان" دولياً ودعمتها حتّى وصل قادتها إلى سدة الحكم في دمشق وأسقطوا نظام البعث، أصبحت عرّاب الإدارة الجديدة وبوابتها خارج حدود سوريا، الأمر الذي خلق حالة من الإرباك لدمشق في علاقاتها مع المحيط العربي الذي يملك تاريخاً حافلاً من السجال مع أنقرة

ويعتقد عبد الله أن "معادلة اليوم شبيهة؛ العرب قلقون من توغّل النفوذ التركي والإسلام السياسي في سوريا، لكنهم متمسّكون بالجزرة ينتظرون من الإدارة السوريّة أن تتقدّم خطوة ليتقدّموا خطوة، لكنهم يدركون اليوم، على عكس ما توهّموا أيام الأسد، أن النظام الجديد الذي يُرسم اليوم في الإقليم لا ينتظر، ولا يقبل ممن يريد دوراً فيه ألا يشارك في رسمه ويلعب بالوقت، لذلك عليهم ترك الصبر الإستراتيجي إن أرادوا لسوريا أن تكون حقاً في الحضن العربي".

الموازنة بين الحضنين العربي والتركي

بعد أن تبنّت تركيا بقيادة أردوغان عملية "رد العدوان" دولياً ودعمتها حتّى وصل قادتها إلى سدة الحكم في دمشق وأسقطوا نظام البعث، أصبحت عرّاب الإدارة الجديدة وبوابتها خارج حدود سوريا، الأمر الذي خلق حالة من الإرباك لدمشق في علاقاتها مع المحيط العربي الذي يملك تاريخاً حافلاً من السجال مع أنقرة، لتجد الإدارة الجديدة نفسها بين تيارين لا يمكنها السير مع واحد منهما على حساب الآخر، فهي تحتاج إلى خلق التوازن ومداورة الزاوية بين الطرفين.

ويعتقد بسام السليمان أن "هناك توازن في العلاقات بين التركي والعربي في سوريا حالياً، والطرفان يريدان هذا التوازن على عكس ما جرى في 2013 حين اختلف الطرفان، وأثّر ذلك على مسار الثورة. يضاف إلى ذلك وجود قيادة واعية اليوم في دمشق، قادرة على إدارة الملفات".

وعن توازن العلاقات بين العربي والتركي في سوريا، يقول بشار عبد الله: "ليس الأمر بالسهولة المتخيّلة، لا سيّما وأن الإدارة السوريّة لا تملك موازين قوى لصالحها مع أي دولة إقليمية دون اتكالها على دولة إقليمية أخرى، وإذا اعتبرنا العرب جسماً صلباً مقابل الأتراك، فيمكننا القول إن التوازن من الصعب أن يكون بيد المايسترو السوري وتجاوز الخلافات والصراعات بين المعسكرين، وخاصّةً مع امتداد التنافس على كامل رقعة الإقليم".

ويستفيض: "إن اعتبرنا أن العرب مضطرون للتنازل أكثر للإدارة السوريّة لانعكاس أي أثر سلبي في سوريا بشكل مبالغ فيه على الواقع العربي، بالتزامن مع صفقة أمريكية إيرانيّة مرتقبة، واستيقاظ المارد العثماني، ولحظة الزهو الإسرائيلية بوجودها في الجنوب السوري، وبينما يتوقّع العرب أن يكون كل هذا على حسابهم، نجد الأتراك في سوريا غير مبالين بأي مصلحة سوريّة لا تتفق مع مصالحهم الإستراتيجية، لدرجة بات الجميع معها مقتنعاً بأن مفتاح ملف المقاتلين الأجانب المعرقل لرفع العقوبات عن سوريا مع الشرع وأردوغان، وأن سبل حلّه تناقش في أنقرة لا في دمشق، فهذه المجموعات دخلت من الأراضي التركيّة وتنعم بتنسيق عال مع مخابراتها، لذلك هي أشبه بفاغنر تركي لا يتم إقصاؤه عن الكعكة إلا من خلال إرضاء تركيا".

ويختم عبد الله بالتساؤل: "كيف للرئيس الشرع أن يمسك العصا من المنتصف، وهو يزور تركيا إما قبل أي زيارة لدولة عربية أو بعدها؟ من الواضح أن أنقرة تُرهق دمشق ولا تهتم بعدم إحراجها ولو من حيث الشكل. لذا، أظن بأن التوازن التركي العربي غير ممكن بسهولة، ويحتاج ربما حسماً من خارج الطرفين".

في المحصّلة، لا يمكن للإدارة السوريّة الجديدة حلّ الملفات الداخلية والخارجية لوحدها، نظراً لثِقل التركة التي خلّفها نظام بشار الأسد، كما لا يمكنها الاعتماد على تركيا دون المحيط العربي، وفي الوقت ذاته قد تجد نفسها مشغولة بإيجاد صيغة مشتركة بين الطرفين تضمن الحصول على خير الطرفين، دون الدخول في صراعاتهما الإقليمية، في وقت تشهد فيه دمشق ضغطاً أمريكياً كبيراً وشروطاً صعبة لرفع العقوبات عنها والاعتراف بها، مع خطر إسرائيلي شبه يومي يهدّد وحدة الأراضي السوريّة لم تفلح معه كل محاولات تركيا لحماية الإدارة الجديدة، ما يعني أن ملف العلاقات الخارجية سيبقى ممتلئاً بفخاخ تحتاج إلى جهد كبير من دمشق لتجنّبها، إضافة إلى توافق شعبي داعم للإدارة الجديدة بعيداً عن التوترات الحاصلة في العلاقة مع بعض المكونات، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على شكل العلاقة مع الإقليم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image