بزيارة مستشار الديوان الملكي السعودي إلى دمشق، فتحت الرياض أبوابها لزيارات واتصالات عربية وخليجية مع قيادة دمشق الناشئة، بعد برهة من الترقب الحذر تجاه الزلزال السياسي السوري وما قد يولّده من تداعيات جيوسياسية إقليمية.
قبلها، أبدى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع إعجابه بنموذج الخليج التنموي، ولعلها إشارة مبكرة لرغبة دمشق ببناء وتمتين علاقاتها مع إمارات الخليج العربي، بعد اصطفافها لعقود بجانب من هدّد هذه الدول. وبعد زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، محمد الخليفي، إلى دمشق، وصف الشرع المرحلة القادمة بأنها تنموية بامتياز، لقطر دور "فعّال" فيها. وكانت الرياض الوجهة الأولى لقادة الدبلوماسية والدفاع والاستخبارات في سورية الجديدة.
ليست التنمية جامع دول الجوار العربي فحسب، فالهواجس والتحديّات الأمنية أشد جمعاً، من خلال استهدافها لدول الإقليم بشكل مباشر أو غير مباشر، أو من خلال تأثير وتداعيات أزمات بعضها على البعض الآخر، كحال مياه الكبتاغون التي أمطر بها نظام الأسد دول الإقليم، والخليجية منها تحديداً.
أبدى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع إعجابه بنموذج الخليج التنموي، ولعلها إشارة مبكرة لرغبة دمشق ببناء وتمتين علاقاتها مع إمارات الخليج العربي، بعد اصطفافها لعقود بجانب من هدّد هذه الدول
ومع طي صفحة حكم الأسد البائد، والذي امتاز بتصدير وتأجيج الأزمات إلى دول الجوار، تُمنح هذه الدول فرصة انخراط إيجابي يساعد الجارة السورية ويعود بالفائدة على دولهم، وبما لا يدع مجالاً لإحدى هذه الدول بالهيمنة على الساحة السياسية السورية مستقبلاً، معيداً حقبة تأثير إيران وهيمنتها على سوريا خلال حقبة حكم عائلة الأسد البائدة، واستخدام ذلك لنثر الفوضى والقلاقل في دول الجوار العربي، والخليجي منها تحديداً، كحال استقطاب حركة أنصار الله اليمنية، المعروفة بالحوثيين أو "حزب الله السعودي" (خط الإمام) خلال مراحل زمنية متقطعة. أو من خلال مساهمته في تقوية وتغوّل حزب الله اللبناني على لبنان، مع استقطاب ودعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكلاهما أدخلا دولهما والمنطقة بأزمات وصراعات وضعت دول المنطقة على فوهة بركان، خدمةً لمصالحهما الفئوية مع مصالح نظام الأسد وإيران.
ولكون سوريا يتم إعادة تشكيلها من جديد حالياً، قد يكون من المفيد لدول الإقليم المشاركة بإعادة رسم سوريا ومستقبل العلاقات معها لاحقاً، بما يجنّب أن تصبح سوريا أرضية مناسبة لتيارات التطرّف التي تنمو وتتضخم في الدول الهشّة أو المضطربة والمتصارعة، وحينها لا يمكن التنبؤ بإمكانية حصر الأنشطة الدموية والمزعزعة للاستقرار لهذا التيارات ضمن الجغرافية السورية. بجانب ذلك، من المفيد لهذه الدول فرملة أي عودة محتملة لقيادة سورية الناشئة إلى تقوقعها الأيديولوجي الذي تسعى للخروج منه، كما تشير الوقائع الحالية لغاية الآن.
إضافة لذلك، قد ترى دول الخليج العربي ضرورة عقلنة أي نشوة تركية محتملة ناشئة عن تسلّم حلفائها لمقاليد السلطة في دمشق، والذي قد تؤدي لإعادة تأجيج الصراع السوري، داخلياً وإقليمياً ودولياً. فرغم الاعتراف الضمني بالدور المتقدّم لأنقرة في سوريا، إلا أن أي زيادة على ذلك سيكون مرفوضاً من قبل الدول الخليجية والإقليمية والدولية. فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، ستتنافس مع تركيا على النفوذ في سوريا الجديدة، خصوصا في ساحات إعادة الإعمار وتمويل مبادرات تحقيق الاستقرار، فبالنسبة للرياض، الأمر لا يقتصر على سوريا، رغم اهتمامها التاريخي بسوريا، بل سيقترن جزئياً بحماية استثماراتها المحتملة في لبنان ما بعد تحييد "حزب الله". وهو ما ينطبق على أغلب الدول الخليجية أيضاً، إلى جانب الأردن ومصر ومشاريعهما الخاصة بالربط الكهربائي وإمدادات الطاقة.
قد تكون أنقرة مدركة لعدم إمكانية الاستئثار بالساحة السورية، ولضرورة التفاهم مع الدول الخليجية والإقليمية على تقاسم الأعباء الثقيلة في الساحة السورية، مع التوافق على مشاريع التجارة وطرقها، بجانب المشاريع الطاقوية والاستثمارية والتنموية التي ستعود بالفائدة عليها جميعاً، وستكون الجغرافية السورية ضرورية في كثير منها. بجانب ذلك، قد تجد هذه الدول نفسها ملزمة بالتعاون على مواجهة تحديات باتت مشتركة بعد تغير وجه المنطقة، نتيجة حرب غزة وما تبعها من حروب، أظهرت فجور القوة الإسرائيلية وتغوّلها الإقليمي، مع انحسار المشروع الإيراني، بما قد يدفع طهران لعسكرة علنية لبرنامجها النووي، بعد تحطيم مصداتها العسكرية والمذهبية، التي أقامتها في دول الجوار العربي وفق عقيدة الدفاع الأمامي.
هناك العديد من المشتركات التي قد تجمع الخليج العربي ومصر وتركيا في سوريا وجوارها، سواء عبر تنسيق جهودهما لمناهضة التصرفات الإيرانية والإسرائيلية المزعزعة لاستقرار المنطقة، أو للهيمنة عليها
وحقيقة هناك العديد من المشتركات التي قد تجمع الخليج العربي ومصر وتركيا في سوريا وجوارها، سواء عبر تنسيق جهودهما لمناهضة التصرفات الإيرانية والإسرائيلية المزعزعة لاستقرار المنطقة، أو للهيمنة عليها. كذلك بتكملة كل منهما للآخر في مجال المال والطاقة وطرق إمدادها والسياحة والاستثمارات والصناعات الدفاعية وغير الدفاعية والجيوبولوتيك، إضافة لتشابه توجّهاتهما السياسية والاقتصادية مؤخراً، عبر تنويع شراكاتهما الدولية بعيداً عن الاستقطاب الدولي القائم، مع تنافسهما المحمود والمنفرد على ريادة دولهم على المستويات الإقليمية والدولية، وهو ما يمنح هذه الدول منفردة أوراق ضغط ونفوذ على الأخرى، بما يؤدي لموازنة النفوذ وعدم تغوّل دولة بمفردها على المنطقة.
ويبقى الأهم حالياً، مصلحتها المشتركة وقدرتها منفردة ومجتمعة على ممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لرفع أو تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بعد زوال حكم الأسد عنها، لضمان تأمين بيئة الاستقرار السورية اللازمة لعودة اللاجئين ولوحدتها الجغرافية والديمغرافية، مع دفن الاقتصاد القائم على الكبتاغون نهائياً، إضافة لسواه من الأزمات التي اعتادت سوريا الأسد تصديرها لدول الإقليم لقطف مكاسب سياسية أو اقتصادية، بجانب ضمان تحييد سوريا عن ساحات الاستقطاب التنافس والصراع الغربي مع روسيا، وهو ما يجب على هذه الدول ممارسة ضغوطها الممكنة على روسيا أيضاً، لضمان ذلك، ولضمان عدم تطرف موسكو بموقفها في سوريا ثانيةً، أو لفرملة وتطويق أي نوايا إيرانية محتملة لإعادة انخراطها السلبي في سوريا، بما قد يؤدي لتمزيق الأخيرة، ويحيل المنطقة، تالياً، لحالة الصراع والاستقطاب الإقليمي والدولي. وهو ما سينعكس سلباً على كل الدول الإقليمية، ولا سيما الخليجية، التي رسمت سياساتها مؤخرا على تنويع الشراكات الدولية، مع خطط تنموية طموحة تتطلب الاستقرار الإقليمي لتنفيذها، هذا بالإضافة لتداعيات هذه الدول على أمنها الوطني، وقد دفعت بعض هذه الدول أثمانه سابقاً، لاسيما خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي المنتخب مجدداً، دونالد ترامب.
خرجت سوريا مؤخراً وأخيراً من حكم عائلة الأسد الناثرة لعدم الاستقرار والأزمات في المنطقة، ورغم سقوط هذا النظام على أيدي قوى ثورية تقودها مجموعة مصنّفة على قائمة الإرهاب الدولي، إلا أن ضرورة الانخراط الإيجابي لدول المنطقة ضرورة ملحة، سواء من واجبها الديني والأخلاقي والعروبي تجاه بلد شقيق، أو لضمان عدم انزلاقه مجدداً لدورة أخرى من العنف والصراع المحلي والإقليمي والدولي، بجانب ضمان عدم ذهاب الحكم السوري الناشئ بعيداً وراء شعبوية وطوباوية تيارات الإسلام السياسي المختلفة فيما بينها، لكنها متفقة على تفخيخ بلدانها لحساباتها الخاصة، أو لحسابات الغير.
وفي ظل التحديات والحاجات الجمّة، ستكون الأبواب واسعة أمام الدول العربية والخليجية الراغبة بتفادي مخاطر محتملة مستقبلاً من سوريا، وبتأمين وتعزيز مصالحها في سوريا، وبما يتوافق مع المصلحة السورية، مع حجز مقعد واسع في ساحة إعادة إعمار سوريا، قبل فوات الأوان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ 3 ساعاتاسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 14 ساعةفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ 6 أيامانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته