متردّدة أم متطلّعة للسلطة؟… مرويات مثيرة عن السيدة عائشة

متردّدة أم متطلّعة للسلطة؟… مرويات مثيرة عن السيدة عائشة "يوم الجمل"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والتاريخ

الاثنين 5 مايو 202501:33 م

عام 36هـ بمدينة البصرة، وقعت معركة الجمل بين فريقي السيدة عائشة بنت أبي بكر والإمام علي بن أبي طالب، انهزم فيها فريق عائشة، وباتت الموقعة لعنةً تطارد المشاركين والمحرضين عليها، حتى قيل إن امرأة من البصرة تُدعى أم أوفى العبدية دخلت على عائشة بعد المعركة فسألتها: "يا أم المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت (عائشة): وجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيدٍ واحدٍ؟ قالت: خذوا بيد عدوة الله"؛ ذكرها ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه "العقد الفريد".

بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (35هـ)، بايع المسلمون علي بن أبي طالب (قُتل 40هـ)، الذي واجه عناداً كبيراً من فريقين، أحدهما بالشام وعلى رأسه معاوية بن أبي سفيان (ت. 60هـ)، والآخر بمكة وعلى رأسه عائشة (ت. 58هـ) ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام (كلاهما قُتل 36هـ).

كلا الفريقين طالب بالقصاص لعثمان، ورأى علي أنه من الضروري جمع الناس على إمام واحد، وتثبيت الأمن، ثم معاقبة المتورطين في الجريمة، ولم يرضَ الطرفان برأيه، فاقتتل مع فريق عائشة في موقعة الجمل، وحارب فريق معاوية في موقعة صفين، وانتهت الفتنة باغتيال علي واستحواذ معاوية على السلطة.

خلافات جمة دارت حول خروج السيدة عائشة لمدينة البصرة؛ البعض رأى أنها خرجت لجمع الأمة ولمصلحة الناس، وعزز مكانة هذا الرأي بعض الخوارق والكرامات، والبعض رأى أنها أخطأت ودفعها إلى ذلك ثأر قديم مع علي، وفريق ظن أن عائشة لديها طموح شخصي في الخلافة، وأنها كانت خلف أبيها أبي بكر الصديق (ت.13هـ) حتى تولى أمر المسلمين بعد النبي، ثم تطلعت للسلطة في زمن علي، حتى أن بعض أنصارها أطلق عليها "أميرة المؤمنين" يوم موقعة الجمل.   

كلاب الحوأب

في مكة، جاء نبأ اغتيال عثمان، وكانت عائشة تؤدي مشاعر الحج، فخطبت في الناس، وطلبت الثأر له، واجتمع حولها البعض، ووافقتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر(ت.41هـ) ورغبت في الخروج معها إلا أن أخاها عبدالله بن عمر منعها من الخروج.

وتشاور المجتمعون حول عائشة: إلى أي مكان يذهبون؟ وبحسب ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، أنه "قال قائل نذهب إلى الشام، فقال بعضهم: إن معاوية قد كفاكم أمرها، ولو قدموها لغلبوا، واجتمع الأمر كله لهم، لأن أكابر الصحابة معهم، وقال آخرون: نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا، وقال آخرون: بل نذهب إلى البصرة فنتقوّى من هنالك بالخيل والرجال، ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان. فاتفق الرأي على ذلك".

في كتابه "المختصر في أخبار البشر" ذكر أبو الفداء إسماعيل بن علي (ت.732هـ) أن عائشة لما ركبت جملاً أعطاه لها يعلي بن منبه، وساروا، حتى وصلوا إلى مكانٍ فـ"نبحتهم كلابه، فقالت عائشة: أي ماء هو هذا؟ فقيل: هذا ماء الحوأب. فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله يقول وعنده نساؤه: وليت شعري أيتكن ينبحها كلاب الحواب. ثم ضربت عضد بعيرها، فأناخته وقالت: ردّوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب. فأناخوا يوماً وليلة، وقال لها عبد الله بن الزبير إنه كذب، يعني ليس هذا ماء الحوأب، ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء فقد أدرككم علي بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة، فاستولوا عليها بعد قتال مع عثمان بن حنيف".

"كلاب الحوأب" هي أشهر مروية عن ترددها، وعلَّق عليها عباس العقاد في كتابه "الصدِّيقة بنت الصدِّيق" بأن "وقفتها عند ماء الحوأب لم تكن آخرة التردد من جانبها في أمر القتال، فإننا في الواقع لم نقرأ بين أخبار وقعة الجمل المتشعبة خبراً واحداً ينم على عزمة قتال مبيتة لغرض مرسوم"، أي أن الخروج إلى البصرة لم يكن ينطوي على نية بالقتال أو أي تخطيط مسبق.

مترددة ولا تريد إلا الصلح، هكذا ترسم مرويات عدة خروج عائشة إلى البصرة، وأنها رغبت في العودة، والامتناع عن القتال، وإعلان الصلح، وكأنها محاولة تبريرية وتجميلية لهذه الخطوة التي أقدمت عليها أم المؤمنين.

مكيدة قتلة عثمان

تفيد المصادر التاريخية أن علي بن أبي طالب لم يكن يلجأ للحرب إلا بعد مناقشة المخالفين له، لذا فقد أرسل القعقاع بن عمرو (ت.45هـ) لمقابلة السيدة عائشة ومناقشتها، ويعدها بالقصاص من المجرمين، والتقى علي طلحة والزبير، وأقنعهما بالرجوع، إلا أنهما قُتلا غيلة في ما بعد.

وقبل إتمام الصلح نشبت مناوشات بين الجيشين، حرض عليها عبدالله بن سبأ لإفشال الصلح، ونقل ابن كثير (ت.774هـ) أن ابن سبأ شجَّع أصحابه قائلاً: "يا قوم (يقصد قتلة عثمان) إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون"، أي أنهم مختلطون وسط الناس، ولو اتفق الطرفان فسيكون القصاص من قتلة عثمان هو النتيجة.

رجحت بعض الآراء الشيعية أن عائشة كانت لها مطامع شخصية في السلطة، وأنها ساعدت أباها في الوصول إلى الحكم بعد وفاة النبي.

بدأ القتال بالمناوشات التي افتعلها فريق ابن سبأ حتى اشتدت المعركة، وأراد علي دعوتهم إلى كتاب الله، فأرسل شاباً يحمل مصحفاً في عنقه فرشقوه بالسهام، وأرادت عائشة اللجوء إلى تحكيم كتاب الله، فأرسلت قاضي البصرة كعب بن ثور يحمل مصحفاً في عنقه فرشقوه بالسهام كذلك، وبحسب ابن كثير فإن ابن سبأ قد لعب دوراً كبيراً في إفشال الصلح بين الفريقين.

وبالرغم من هذا الدور الخطير الذي تنسبه إليه بعض المصادر التاريخية، فإن الدكتور طه حسين أثار عديد الشكوك حول وجود شخصية ابن سبأ تاريخياً ناصحاً قراء التاريخ بضرورة الوقوف "موقف التحفظ والتحرج والاحتياط" من هذه الشخصية، وأنه لا يليق بالمسلمين الأوائل أن يأتي لهم رجل يهودي من صنعاء، أسلم للمكر والكيد والخداع، حرض المسلمين على خليفتهم فقتلوه، وفرقَّهم شيعاً وأحزاباً، و"هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أن تقام عليها أمور التاريخ"، وفقاً لكتابه "الفتنة الكبرى، ج1".

وانتهت المعركة بهزيمة أصحاب الجمل، وأمر علي باصطحاب عائشة إلى المدينة، ووفقا لكتاب العقاد المشار إليه سابقاً، فإن "السيدة عائشة ندمت على موقفها من يوم الجمل أشد ندامة، فكانت تقول بقية حياتها: ليتني مِتُّ قبل يوم الجمل".

حادثة الإفك

متناقضة ومثيرة للشك تلك الدوافع التي عرضتها المصادر التاريخية لخروج السيدة عائشة في مواجهة علي، ووفقاً لابن كثير في "البداية والنهاية" فإن أم المؤمنين أرسلت إلى علي "تُعلِمه أنها إنما جاءت للصلح". فإن كان هذا صحيحاً فلماذا خرجت من البداية وجاءت للبصرة؟

بحثاً عن سبب للعداء، ناقش الدكتور طه حسين جذور الخلاف بين عائشة وعلي، وأرجعه إلى حادثة الإفك، وهي محنة شديدة تعرضت لها السيدة عائشة عندما ركبت جمل صفوان بن المعطل، فقال بعض أهل المدينة تشويهاً لسمعتها: "والله ما سلمتْ منه ولا سلم منها"، ذكره عبدالرحمن الصفوري في كتاب "نزهة المجالس ومنتخب النفائس".

وعندما تحدث الناس، استاء النبي وخطب فيهم قائلاً: "أيها الناس، ما بالُ رجالٍ يؤذوني في أهلي، ويقولون عليهم غيرَ الحق"، وفقاً لسيرة أبي الفرج الحلبي "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون".

وبحسب العقاد في كتابه "الصدِّيقة بنت الصدِّيق"، فقد استشار النبي بعض صحابته في أمر عائشة، وسأل علي بن أبي طالب، فأجابه قائلاً: "يا رسول الله، لم يُضيِّق الله عليك، والنساءُ سِواها كثير، وإن تسأل الجارية، يعني بريرة، تَصدُقك"، فكانت نصيحته واضحة في تطليقها والزواج بغيرها دون إدانتها بشيء.

متناقضة ومثيرة للشك تلك الدوافع التي عرضتها المصادر التاريخية لخروج السيدة عائشة في مواجهة علي، ووفقاً لابن كثير في "البداية والنهاية" فإن أم المؤمنين أرسلت إلى علي "تُعلِمه أنها إنما جاءت للصلح". فإن كان هذا صحيحاً فلماذا خرجت من البداية وجاءت للبصرة؟

جاعلاً من مشورته في الإفك دافعاً للعداء، علَّق طه حسين على أحداث الفتنة في كتابه "مرآة الإسلام" أنه "لولا أن طلحة والزبير طمعا في الخلافة، أو في أن يُشاركا عليّاً فيها، ولولا أن عائشة كانت تكره عليّاً منذ قصة الإفك، لما كانت الفتنة يوم الجمل".

الطموح الشخصي لأميرة المؤمنين

بالنظر لموقعها الخلافي بين السنة والشيعة، فإن بعض الآراء الشيعية رجحت أن عائشة كانت لها مطامع شخصية في السلطة، وأنها ساعدت أباها في الوصول إلى الحكم بعد وفاة النبي.

يتزعم هذا الرأي الداعية الكويتي ياسر الحبيب، وهو أحد وجوه التيار الشيعي الشيرازي، وبحسب كتابه "الفاحشة: الوجه الآخر لعائشة"، فإن عائشة دبَّرت مقتل النبي بالاشتراك مع حفصة بنت عمر استعجالاً لصعود أبيها للخلافة ومن بعده عمر بن الخطاب.

ومن هنا كانت بداية الطموح الشخصي لعائشة، فلما بايع الناس علي بن أبي طالب وجدت في المطالبة بدم عثمان ذريعة للخروج عليه، ووفقاً للحبيب، فإن "عائشة جعلت لنفسها هدفاً مُحدداً هو الإطاحة بأمير المؤمنين صلوات الله عليه مهما كلف الأمر"، غير مبالية بأي مجازر قد تقع "مادام علي بن أبي طالب سيسقط ويخلو الأمر لعائشة تجعل من تشاء خليفة على المسلمين يأتمر بأمرها ويلبي طلباتها".

موجة قاسية من الاتهامات والتجاوزات اللفظية شنها الحبيب في كتابه "الفاحشة" ضد السيدة عائشة، مرجحاً أن خروجها لموقعة الجمل ما هو إلا "طموح عائشة في أن تغدو إمبراطورة على هذه الأمة. هذا ما اكتشفه هذا الرجل -يقصد عُمير الضبي- بعدما عاين الموت، فندم على كونه مخدوعَ هذه المرأة التي ساقته إليها كما تساق الإبل".

وعُمير بن الأهلب الضبي رجل من أنصار عائشة في موقعة الجمل، اعترف أنه خُدِعَ، وهو يعاني جراح المعركة.

وقصة عُمير نقلها السيد مرتضى العسكري في كتابه "أحاديث أم المؤمنين عائشة" على لسان المؤرخ علي بن محمد المدائني (ت.225هـ) أنه رأى رجلاً مقطوع الأذن بالبصرة فسأله عن السبب، فحكى أن خرج يوم الجمل فوجد بين القتلى رجلاً يخفض رأسه ويرفعه، ويقول شعراً: "لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا/فلم ننصرف إلا ونحن رواء/لقد كان عن نصرِ ابنِ ضبة أمه/وشيعتها مندوحة وغناء/ أطعناً بني تيم بن مرة شقوة/وهل تيم إلا أعبد وإماء". وفي الأبيات يذم بني تيم، قبيلة السيدة عائشة، لأنه أطاعهم في حرب يوم الجمل.

وفي القصة، نصح البصري للجريح قائلاً: قل لا إله إلا الله. إلا أن الجريح طلب منه أن يقترب، فلما اقترب البصري قطع الجريحُ أذنه، فجعل يلعنه ويدعو عليه. فقال الجريح: "إذا صرت إلى أمك، فقالت: من فعل هذا بك؟ فقل عُمير بن الأهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أميرة المؤمنين".

وعلى كل حال، فإن السيدة عائشة تمتعت بشخصية ذات أبعاد مختلفة، علمياً تمكنت من الرد على الصحابة عندما رووا عن النبي أحاديث غير صحيحة أو مجتزأة، وسياسياً عارضت الخليفة عثمان في بعض المواقف، وعسكرياً قادت جيشاً كبيراً يوم الجمل، وكاد أنصارها يهربون لولا أنها عملت على حماسهم ورفع معنوياتهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image