"سيكو سيكو"... كوميديا شابّة تلتقط تحولات الواقع المصري بروح مبتكرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 23 أبريل 202511:29 ص

بعد أن يرث سليم ويحيى، ثروةً غير مشروعة من المخدرات من عمّهما، يقرران تصريفها بطريقة مبتكرة من خلال ابتكار لعبة إلكترونية على الهاتف، لبيع هذه السلع بمساعدة أصدقائهما، لتتوالى الأحداث في إطار كوميدي مليء بالمفارقات والمخاطر. 

هذه الحبكة ليست مجرد نقطة انطلاق للكوميديا، في فيلم "سيكو سيكو"، للمخرج عمر المهندس والسيناريست عمر المهندس، بل بوابة لتحليل واقع جيلٍ مصري يعيد تشكيل مهاراته في اقتصاد الظلّ. 

يأتي "سيكو سيكو"، في لحظة فارقة للكوميديا المصرية، حيث تتراجع نجومية جيل الكبار لصالح وجوه شابّة تحمل حسّاً مختلفاً في الأداء والرؤية. الفيلم يقدّم نفسه كدليل على أنّ الكوميديا يمكن أن تكون وسيلةً للترفيه، لكن أيضاً مساحة لاستكشاف الواقع الاجتماعي وتناقضاته من خلال مغامرات تجمع بين الطرافة والتعليق الذكي على ما يعيشه الشباب اليوم. 

استطاع "سيكو سيكو"، أن يتصدر شبّاك التذاكر لأسابيع متتالية، محققاً أرقاماً قياسيةً في الإيرادات تجاوزت 98 مليون جنيه بعد أقل من شهر على عرضه. هذا النجاح الجماهيري يعكس رغبة المشاهد المصري في أعمالٍ كوميدية، الكوميديا فيها تحمل طابعاً عصرياً وتجمع بين الطاقة الشبابية وروح الابتكار.

يأتي "سيكو سيكو"، في لحظة فارقة للكوميديا المصرية، حيث تتراجع نجومية جيل الكبار لصالح وجوه شابّة تحمل حسّاً مختلفاً في الأداء والرؤية.

من "الناظر" إلى "سيكو سيكو"... تطوّر سردية البطل

يرث الفيلم روح أفلام، مثل "الناظر" (2000)، اعتمدت على كوميديا الموقف ببراعة، والاهتمام الذكي بالشخصيات الهامشية، والاعتماد على الصورة السينمائية في الإضحاك. لكن فيلم "سيكو سيكو"، يطوّر البنية السردية ليناسب تعقيدات القرن الحادي والعشرين. يقدّم "سيكو سيكو" شابّين متعلّمين: "يحيى" خريج إدارة أعمال، و"سليم" مبرمج ألعاب، اضطرّهما واقع البطالة إلى توظيف مهاراتهما في شبكة تهريب صغيرة.

هذا التحوّل من الفردية إلى العمل الجماعي في "سيكو سيكو"، يُقدَّم ببساطة ودون ادّعاء؛ فالأبطال لم يعودوا معزولين في مواجهة أزماتهم، بل أصبحوا يتعاملون مع مشكلاتهم ضمن مجموعة صغيرة، مستفيدين من أدوات الحياة الرقمية التي أصبحت جزءاً من يومياتهم. في الفيلم، تظهر تفاصيل مثل استخدام التطبيقات أو التعاون بين الشخصيات كامتداد طبيعي لمحاولاتهم الخروج من المأزق، وتنعكس الكوميديا هنا كصدى واقعي لطريقة تفكير جيل اعتاد أن يواجه ضغوط الواقع بشكل عملي وجماعي، دون أن يحمل ذلك أي مبالغة أو رمزية مفتعلة.

في "سيكو سيكو"، لا تظهر الشخصيات كضحايا للظروف أو كأبطال خارقين، بل كشباب يحاولون استثمار ما لديهم من مهارات في مواجهة واقع معقّد.

تشريح اجتماعي… إبداع في زمن الانهيار

في "سيكو سيكو"، لا تظهر الشخصيات كضحايا للظروف أو كأبطال خارقين، بل كشباب يحاولون استثمار ما لديهم من مهارات في مواجهة واقع معقّد. يحيى يدير عمليات الشحن مستخدماً ما اكتسبه من خبرة في العمل اليومي، بينما يوظف سليم معرفته بألعاب الفيديو ليجد حلولاً غير تقليدية للمآزق التي يقعان فيها. 

في أحد المشاهد، الكوميديا هنا ليست مجرد وسيلة للهروب، بل تصبح أحياناً لغة تفاوض مع قسوة الحياة: أو كيف يمكن للفكاهة أن تضيء لحظةً عبثيةً، دون أن يفقد الفيلم واقعيته أو حسّه الإنساني.

ابتعد "سيكو سيكو" عن النمطية المعتادة في الكوميديا المصرية، إذ لا يعتمد الضحك فيه على المبالغة أو الإفيهات الجاهزة، بل ينبع من تفاصيل الموقف وتناقضات الشخصيات الداخلية. رؤية عمر المهندس الإخراجية تتجنب الوعظ أو الخطاب المباشر، وتفضّل النقد الضمني الذي يتسلل عبر الحوارات الذكية أو التفاصيل الرمزية. وبرغم أنّ الغرض الأساسي للمخرج هو الإضحاك والترفيه، إلا أنّ ثمة رؤيةً تكمن خلف التفاصيل حول مصير جيل يكتشف أن عبقريته قد لا تجد مكاناً في الواقع.

الخاتمة في فيلم "سيكو سيكو" تحمل طابعاً ساخراً يتّسق مع المزاج العام للفيلم، إذ بعد سلسلة من المغامرات والمفارقات الكوميدية، يُقبَض على يحيى وسليم ويقضيان فترةً في السجن نتيجة تورطهما في بيع المخدرات التي ورثاها عن عمّهما. غير أنّ المفاجأة تأتي بعد الإفراج عنهما، حين يكتشفان أنّ أموال الميراث لا تزال محفوظةً وينتهي بهما الحال وقد أصبحا من أصحاب الملايين.

تحمل هذه النهاية دلالات مزدوجةً: فمن جهة، تكرّس حسّ العبث الذي يسيطر على السرد، حيث لا تسير الأمور وفق منطق العدالة التقليدية أو العقاب المستحق، بل تؤول إلى مكافأة غير متوقعة بعد كل ما مرّ به البطلان من خسائر وتجارب عبثية. ومن جهة أخرى، تترك النهاية أثراً ساخراً حول فكرة الحظ والصدفة في الحياة، وتطرح تساؤلات ضمنيةً عن معنى النجاح والعدالة في مجتمع تتداخل فيه القيم والفرص بشكل غير متوقع.

هذا النجاح الجماهيري لـ "سيكو سيكو" يعكس رغبة المشاهد المصري في أعمالٍ كوميدية، الكوميديا فيها تحمل طابعاً عصرياً وتجمع بين الطاقة الشبابية وروح الابتكار


الفيلم لا يقدّم خاتمةً وعظيةً أو مفتعلةً، بل يختار أن ينهي الحكاية على إيقاع المفارقة: العقوبة لا تعني بالضرورة الخسارة، والمغامرة التي بدأت كخطة يائسة تنتهي بثروة غير متوقعة. هكذا تظلّ الكوميديا في "سيكو سيكو" أداةً للتعليق على واقع متقلب، وتمنح النهاية للمشاهد مساحةً للتأمل في هشاشة المنطق اليومي وسخرية المصير.

يرسّخ "سيكو سيكو" مكانته كواحد من أبرز أفلام الكوميديا المصرية الجديدة، ويعيد التأكيد على قدرة هذا النوع على مواكبة التحولات الاجتماعية، وفتح الباب أمام موجة جديدة من المواهب والرؤى السينمائية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image