شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف يبدو المشهد السياسي في المغرب عام 2095؟

كيف يبدو المشهد السياسي في المغرب عام 2095؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 28 مارس 202512:49 م

يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا.  


بات من الصعب على الساحة السياسية المغربية، تحمّل عبء قول الكلام نفسه بـ34 طريقةً مختلفةً! لم يعد من الممكن إرباك الشعب المغربي، باختيار من بين 34 اختياراً فولكلورياً، مقابل استنزاف الأحزاب السياسية، في العقود الأخيرة، مليارات الدولارات، وإدراك الشعب المغربي، أنه لا يحتاج إلى زحمة تعددية في الشعارات، بل إلى تنوّع حقيقي في الأفكار والبرامج الانتخابية.

ويبدو أنّ التطورات الكمّية التي عاشها المغرب، في ما مضى، أدت إلى قفزات نوعية عام 2095. ظهرت كيانات سياسية جديدة، ومنصات إعلامية وصحافية، لم تكن لتظهر، لولا مقاطعة المتلقّي المغربي، في السنوات الأخيرة، لكل أشكال التشهير والتفاهة، واستيعابه الدور الحاسم لها في العجلة الديمقراطية. وأمام التطور التكنولوجي الواسع، أصبح استسلامها وشيكاً، لإفساح المجال أمام منصّات أخرى تلبّي تعطش المغاربة إلى المعرفة.

"يبدو أنّ التطورات الكمّية التي عاشها المغرب، في ما مضى، أدت إلى قفزات نوعية عام 2095. ظهرت كيانات سياسية جديدة، ومنصات إعلامية وصحافية، لم تكن لتظهر، لولا مقاطعة المتلقّي المغربي، في السنوات الأخيرة، لكل أشكال التشهير والتفاهة، واستيعابه الدور الحاسم لها في العجلة الديمقراطية"

ثلاثية حزبية

الآن، وبعد 70 سنةً من عام 2025، لم تعد الرسمية المفرطة تغلق أبواب مقارّ الأحزاب السياسية. ومع الجيل الرقمي الجديد، الذي أحدث قطيعةً مع الشعارات القديمة، سطعت قيادات شابة لا تتجاوز سنّ الأربعين، مزوّدة بخبرات وتعليم عالٍ في مختلف التخصصات التدبيرية والسياسية والاقتصادية. ولم يُشهد لها أن صارت قيادات سياسيةً بالولاء الشخصي أو الحسابات أو الاعتبارات الضيقة، والأقسى في ذلك، تواري وجوه القيادات المسنّة وراء شيخوخة صراعات بالية.

ما عاد المنخرطون مجرد أرقام صامتة تُحصى داخل الأحزاب، بل أصبح لهم حضور يحمل تطلعات ومطالب، ورؤى مبتكرة وطاقات، ومن بينهم مهندسون وخبراء في الذكاء الاصطناعي، ومفكّرون يؤمنون بالديمقراطية التشاركية، حوّلوا مقارّها التي كانت جدرانها في ما مضى واجهةً تُضبط بـ"ريموت كنترول"، إلى فضاءات نقاشات حيوية، تضمّ شاشات ذكيةً تتفاعل مع آراء المواطنين واقتراحاتهم.

صارت الأحزاب عصيراً سياسياً متقشّفاً ومركّزاً في ثلاثة أحزاب رئيسية، تمثّل تيارات فكريةً مختلفة: تيار اليساريين، والوسطيين، واليمينيين، وهذا بعد أن رتّبوا جميعهم أفكارهم على حدة، وأصبحوا قادرين أكثر على صياغة سياسات مقبولة. لكنها لم تَصِر بعد فعالةً لقيادة ديمقراطية حقيقية، بالرغم من هذا المجهود الاندماجي التكتلي. لم تَصِر المعارضة قويةً بالشكل اللازم، لتوضيح خيارات الناخبين.

أيديولوجيات صريحة... لكن مبتورة

على الأقلّ، أصبحت مرجعية كل تيار واضحةً، بدل التشظي الأيديولوجي الذي أرهق المشهد السياسي لعقود، حيث كنّا نرى، في السنوات الماضية، الإسلامي علمانياً، والعلماني إسلامياً، والليبرالي يسارياً، واليساري ليبرالياً، والمخزنيّ ديموقراطياً، في مشهد سوريالي مرتبك.

"الحزب اليساري، أدرك أنّ خطابه التقليدي، ظلّ أسير نظريات لا يسمع صداها إلا من يقرأها"

الحزب اليساري، أدرك أنّ خطابه التقليدي، ظلّ أسير نظريات لا يسمع صداها إلا من يقرأها. ولا يمكن ضمّ عامل بسيط إليه، بمفاهيم مثل الصراع الطبقي، الأيديولوجيا، والبنيات الفوقية والتحتية. ومع إعادة تقييم نظري في أوراقهم، وجدوا من يسمع خطابهم الجديد، الذي لا ينفصل عن عصر الاقتصاد الرقمي، إلا أنّ اليساريين، وبعد 70 عاماً، لم يتخلّصوا جميعهم، من هوس الكراسي، ما أدى إلى فقدانهم فئةً منخرطةً شابةً وواسعةً، ولم يتصالحوا بعد مع حاضرهم.

المثير في تحول مرجعية الإسلاميين، هو استيعابهم أنّ الخطاب الديني لم تعد له جدوى لإعادة تكراره في كل مرة مع جيل "مرقمن" جديد. ها هم الآن يحاولون صياغة مرجعية أكثر انفتاحاً على قضايا حقوق الإنسان وأخلاقيات استعمال الذكاء الاصطناعي، لكن، على الرغم من هذا، وجدت نفسها مطوقةً دائماً بالماضي، وكياناً لا يقوى على التفاعل مع كل مطالب الشباب المتزايدة.

"الفرصة لمن يسعى إليها"، بهذا الشعار حاول الليبراليون تبرير قمعهم تحرير السوق، محدثين عن قصد أو غير قصد، فجوةً واسعةً بين من يملك ومن لا يملك. بل أكثر من ذلك، حاولوا تبرير مصير الأحياء الفقيرة في ضواحي بعض المدن الكبرى، الشاهدة على وجه آخر للرأسمالية المتوحشة. إلا أنّ الحزب جعل المغرب إقليمياً، مركزاً إستراتيجياً للتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

استقطب الحزب ذو المرجعية الليبرالية، قاعدةً شعبيةً واسعةً، غالبيتها من الطبقة المتوسطة التي تشتغل في القطاع الخاص، إلا أنّ مأزق التوازن بين السوق والعدالة الاجتماعية، ظلّ يلاحق مبادئ الحزب.

انتخابات "مرقمنة"

توحّدت الأحزاب، وصارت البرامج الانتخابية أكثر جذباً لعريضة واسعة من المواطنين، وصار هناك إقبال أكثر على العملية الانتخابية، حينما تم حصر الاقتراع في منصات رقمية تعزّز الشفافية أكثر من ذي قبل، إذ كان تصويت المواطن لحزب معيّن، يعادل ورقة 200 درهم (20 دولاراً). في هذه السنة، أي 2095، لم تعد هذه السمسرة في الديمقراطية تنطلي على أيّ مواطن أو مواطنة.

لكن في المقابل، ظهر رجال أعمال يشوشون أكثر على الانتخابات، لخدمة مصالحهم، غير المبالية بالبيئة والطبيعة، والهادفة إلى مراكمة الرأسمال، حيث أقدم العديد منهم على استيراد روبوتات ذكية فتّاكة بالإنسان. فبدلاً من أن تكون في خدمة الإنسان، صار الأخير في خدمتها، كما فعلت بعض الشركات التي حاولت مراراً، تحويل غابات واسعة وبحيرات إلى مختبرات تقتل الطبيعة.

"المثير في تحول مرجعية الإسلاميين، هو استيعابهم أنّ الخطاب الديني لم تعد له جدوى لإعادة تكراره في كل مرة مع جيل "مرقمن" جديد. ها هم الآن يحاولون صياغة مرجعية أكثر انفتاحاً على قضايا حقوق الإنسان وأخلاقيات استعمال الذكاء الاصطناعي"

لم تكن الفئة العمرية من 55 سنةً وما فوق، تشكّل الفئة الأكبر بين المنتخبين. انقلبت جميع الإحصائيات على الفئتين من 18 سنةً وما فوق، وهذه الأخيرة كم من مرّة أثّرت بشكل حاسم، محلياً ووطنياً، في انتخاب مسؤولين كانوا سيمرّرون ويصادقون على قوانين لا تخدم إلا مصالحهم الشخصية.

وبالنسبة إلى النساء كذلك، لم تعد نسبة مشاركتهنّ في الانتخابات، تنحصر في 24 في المئة، كما في إحصائيات انتخابات 2021، وأيقنّ أن أغلب الحكومات والقوانين والأعراف، تسير على جانب مناقض لما يرغبن فيه، وما يطالبن به. أصبحت مشاركة المرأة تعادل نسبة مشاركة الذكور.

لكن، لم تكن المشاركة في الانتخابات مطلقةً. كانت هناك أصوات حرّة أخرى، تعبّر عن رفضها للعملية الانتخابية عبر مقاطعتها، شكلاً ومضموناً. لا تنتمي هذه الفئة إلى أيّ حزب. كانت ترى أنها كلها متشابهةً، لكن لا أحد حقيقةً يعلم ماذا تريد هذه الفئة. كانت دعواتها إلى مقاطعة الانتخابات واسعةً عبر منصات رقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكانت دوماً تعدّها عمليةً نتائجها محسومة مسبقاً.

محطات نضالية ومكتسبات

الحراك السياسي الذي قاده الشباب، استطاع أن يوحّد صفوفهم في جميع المدن المغربية. وعلى مدار أيام طويلة من المسيرات والاحتجاجات، حقق مكتسبات شعبيةً، كانت أهم مطالبها: التشغيل، وإصلاح قطاع الصحة والتعليم، والتقسيم العادل للثروة… ورفع الشباب المناضل شعارات قويةً في هذا الوقت، وبالرغم من أن جهات عدة حاولت اختراق هذه الحركات السياسية وامتصاصها، إلا أنّ الشباب لم يتركوا أي منفذ لها.

كانت بعض الشعارات التي رفعها هؤلاء الشباب، تركّز بالدرجة الأولى على إسقاط بعض الشخصيات الرفيعة المسؤولة عن قطاعات حيوية، والتي كانت أصابع الاتهام كلها، تتجه نحوهم لتورطها في فساد إداري وتهريب الأموال، واستغلال مناصبها لمصالحها الشخصية.

"الملك يسود ولا يحكم"؛ هذا أساس النظام الحاكم في المغرب، في هذا الزمن، بعد تحول تدريجي، نحو ملكية برلمانية، صار فيها الملك رمزاً للوحدة الوطنية، وضامناً لاستقرار البلاد، بينما تركزت السلطة التنفيذية في حكومة منبثقة عن إرادة الشعب، تتمتع بصلاحيات واسعة.

وما زال البرلمانيون متمسكين بالنقاشات الوجاهية، حفاظاً على روح البرلمان وساحته التي تحتضن دفء الاختلاف.ولم يتمدد أخطبوط الذكاء الاصطناعي ويصل إليه، إلا في بعض أطرافه، كالتصويت على القوانين بلمسة هولوغرافية، ومساعدة الروبوتات للنواب عبر همسة اصطناعية: "صوّتوا بـ'لا'، هذه 'لا' تفيد ناخبيكم"، إلا أنّ جزءاً من البرلمانيين يطالبون دائماً بإمدادهم بالإجابة التلقائية.

المفاجأة في مجلس النواب، هي اختفاء التعثّر اللغوي لدى بعض النواب. لم نعد نرى برلمانياً يتهجّى الحروف في أثناء إلقائه كلمته، الأمر الذي ولحسن الحظ، يسبب إحراجاً كبيراً له ولناخبيه أمام الكاميرات، بسبب نزالات خاسرة مع الحروف والفواصل. وكان من شروط الترشح التوفّر على شهادة دراسية عالية، مع اختبار كتابي وشفويّ، في القوانين والعلوم السياسة والإنسانية واللغات، وامتحان في البلاغة والخطابة.

"الحراك السياسي الذي قاده الشباب، استطاع أن يوحّد صفوفهم في جميع المدن المغربية. وعلى مدار أيام طويلة من المسيرات والاحتجاجات، حقق مكتسبات شعبيةً، كانت أهم مطالبها: التشغيل، وإصلاح قطاع الصحة والتعليم، والتقسيم العادل للثروة…"

صارت صحافة

قفز المغرب عام 2095/ 3045 أمازيغية، إلى المرتبة 80 في مؤشر حرية الصحافة لـ"مراسلون بلا حدود". لم يكن هناك انفراج حقيقي كامل، لكن بدأت الصحافة تستعيد ماء وجهها، عبر تحقيقات استقصائية عديدة، من بينها: فتحها أبواب السجن لبعض المسؤولين، ومن دون استثناء الصحافيين كذلك، حيث ظهرت منصات رقمية إعلامية لم تصمد أمامها صحافة التشهير والتفاهة التي لفظها الحاضر، وعُلّقت كأثر بائد تحت وطأة زمن لا يجامل الرداءة، تاركةً مكانها لصدى عناوينها الباهتة، التي لم يعد يقرأها أحد.

مشاهد الحشود المتزاحمة، التي كان يؤثثها حاملو الميكروفونات وهم يلاحقون المشاهير ويتهافتون عليهم، وعلى تصريحاتهم العابرة، اختفت وراء قاعات لا نسمع فيها سوى أسئلة تنتظر إجابات عاقلةً، لا عناوين تملأ العناوين. لم يكن هذا الحاضر رحيماً ببريق الشهرة الزائف الذي يجذب الأنظار، مع أشخاص بلا أثر يذكر.

"أنا أسجّل وأصوّر، إذاً أنا صحافي"، ليست المحددة في هذا الحقبة الزمنية. تقلّصت مساحة انتشار هذا الشعار، مع الخوارزميات الجديدة لتدقيق المعلومة، ولم يكن التراند، إلا للمصداقية، ولا للعناوين الصادمة في زمن الفوضى الرقمية.

وفي الحقيقة، الصحافيون الحقيقيون أصبحوا أقرب إلى مهندسي المعلومة والقصص. هناك من يجري حوارات مجسمةً، ومن ييحلّقون بطائرات ذكية، للتغطية الإعلامية. وفي قلب هذا التحول، بقيت الروح الصحافية ثابتةً، بين الشغف بالحقيقة، والأسئلة الجريئة. وحبكات القصص ستبقى مؤرخةً في أرشيف الأجيال القادمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image