"يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا. "
قبل بضعة أيام، أعلنت قناة "سبيستون"، تعاونها مع صانع المحتوى المصري أحمد الغندور، الشهير بـ"الدحيح"، وذلك في ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين، على أن يكون اسم العمل المُزمَع أن يُخاطِب أطفالنا "آخر دحيح على الأرض".
لم يمرّ الخبر مرور الكرام عند قطاع عريض من الناس، وتحديداً عند ذوي الميول السلفية، الذين قلبوا الدنيا رأساً على عقب في كل منصات التواصل الاجتماعي، محذّريننا من تلك التجربة، ومؤكدين أنها حتماً ستُرَوِّج "للأفكار الإلحادية" وستدعم "نظرية التطور"، وغيرهما من الاتهامات المُلصقة من قِبَلهم في الغندور ومحتواه.
محاولة للوصول إلى الحقيقة
لم نستطع الصبر، وآثرنا أن نوافي جمهور رصيف22، بالتفاصيل الكاملة لـ"آخر دحيح على الأرض"، فتواصلنا مع صانع المحتوى أحمد الغندور، لتبيان الحقيقة، وما الذي ينوي تقديمه لأطفالنا عبر المنصة الأثيرة؛ فردّ علينا بأنّ الوقت غير مناسب، وبعد إلحاح منّا، ردّ في وقتٍ متأخرٍ من الليل، وكان يبدو على صوته التعب والإرهاق، سألناه: "هل هذا بسبب الإفراط في وجبة السحور؟"، أجاب: "نعم، دسستُ السّمّ في العسل أكثر مما ينبغي اليوم"!
دخلنا في صلب الموضوع الذي يهمّ المتابع العربي الخائف على أبنائه من سموم "الدحيح"، فسألناه: "ما الذي ستقدّمه في تجربتك مع سبيستون؟". لم يجد الغندور ما يقوله، وتهرَّب من الإجابة، فندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على ألا نتواصل مع شاب يعتقد بأنّ جدنا الأكبر كان قرداً يلهو بين أغصان الشجر!
بعد ساعات من التفكير المشوب بالرعب والهلع على أطفالنا الأبرياء الموعودين بتجربة الغندور الأشد وطأةً من قصف الإسرائيليين لإخوتنا في فلسطين ولبنان وسوريا، لم نَنم. فكيف ننامُ والدحيح من أمامنا و"سبيستون" من ورائنا؟!
أخيراً فعلناها… محتوى "الدحيح" مع "سبيستون" في حوزتنا
بعد ساعات من التفكير المشوب بالرعب والهلع على أطفالنا الأبرياء الموعودين بتجربة الغندور الأشد وطأةً من قصف الإسرائيليين لإخوتنا في فلسطين ولبنان وسوريا، لم نَنم. فكيف ننامُ والدحيح من أمامنا و"سبيستون" من ورائنا؟!
غيّرنا الوِجهة، وتواصلنا مع الطرف الآخر، أي منصّة "سبيستون". وإحقاقاً للحق كانوا أكثر تعاوناً، ربما خوفاً على سمعتهم كقناة يشاهدها الجمهور العربي منذ ربع قرن، أو ربما هرباً من وجع الدماغ!
مشكورين أرسلوا إلينا أول حلقتين من برنامج "آخر دحيح على الأرض"، وأخذنا منهم إذناً مكتوباً بالنشر، وها هما بين يديك الآن قارئنا الخائف على أطفالك من الفتنة.
سكريبت الحلقة الأولى من "آخر دحيح على الأرض"
عنوان الحلقة: "عذاب القبر للأطفال". تبدأ الحلقة بإسكتش جاد ومؤثر، نرى فيه طفلين يبكيان بِحُرقة بعد موت صديقهما، ويمرّ عليهما الشيخ عبد الله، فيسألهما: لماذا تبكيان؟ فيردّ أحدهما: لتوّنا فقدنا صديقاً لنا، بعدما توفاه الله.
قال الشيخ عبد الله: بدلاً من أن تبكيا عليه، عليكما بالدعاء له، فإنه الآن في مواجهة صعبة مع الثعبان الأقرع.
سأله أحد الصبية: ولماذا يواجه ثعباناً أقرع يا شيخنا؟
ردّ الشيخ: إنه عذاب القبر يا حبيبي!
سأله الصبي الآخر: ولماذا يُعذَّب؟ ما الذي فعله صديقنا المسكين ليُعذَّب؟!
ردّ الشيخ منفعلاً: لقد رأيته ذات مرة يدخل دورة مياه المسجد مقدِّماً قدمه اليمنى على اليسرى.
إلى هنا انتهى الإسكتش، تمهيداً لبداية الحلقة. ثم يدخل الدحيح ويبدأ بالحديث:
"أعزائي المشاهدين الصغار: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج آخر دحيح على الأرض… احذروا، فموتكم قادم لا محالة. سيُغلَق القبر عليكم، فلا بابا يشفع، ولا ماما تنفع... وحده العمل يا عزيزي. عملتَ خيراً ستنجو، قدّمتَ شرّاً سيضيق القبر عليك، وستواجه الثعبان الأقرع الذي لا مفرّ منه. من الآن، اسأل نفسك: لماذا لا تقيم الصلاة في أوقاتها؟ لماذا تدرس لغات الغرب الكافر الفاجر؟ لماذا تُفضّل المشركَين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، على ابن دينك محمد مجدي "أفشة"؟!
بعد أن تفكّر في كل هذه الأسئلة، عليك بإعمال العقل والتدبّر في كل ما قلته لك، ولا تنسَ الإعجاب والمشاركة، والنظر أسفل الفيديو في المصادر".
إلى هنا انتهت الحلقة الأولى المرفقة بالفعل بمصادر قوية ودامغة عدّة، وجدنا فيها الكثير من الفيديوهات لعدد من مشايخ السلفية، وكتاباً بديعاً غلافه أخضر اللون مُحفِّز للنظر إليه، وعنوانه غاية في الشاعرية: "عذاب القبر للأطفال".
حين تصفَّحنا سكريبت الحلقة الثانية التي كانت بعنوان "وطء الصغيرات"، لم نندهش، لأننا شُغِلنا بأمر آخر: من أين أتت هذه الروائح العطرة بمجرد فتح الملف؟! بيدَ أنّ تلك الروائح أحاطتنا بفعل روحانية التجربة العظيمة التي جمعت "الدحيح" بـ"سبيستون"
سكريبت الحلقة الثانية من "آخر دحيح على الأرض"
حين تصفَّحنا سكريبت الحلقة الثانية التي كانت بعنوان "وطء الصغيرات"، لم نندهش، لأننا شُغِلنا بأمر آخر: من أين أتت هذه الروائح العطرة بمجرد فتح الملف؟!
بيدَ أنّ تلك الروائح أحاطتنا بفعل روحانية التجربة العظيمة التي جمعت "الدحيح" بـ"سبيستون"، وآثرنا أن تشمل قرّاءنا تلك العناية الإيمانية، أدامها الله على أمّتنا من المحيط إلى الخليج.
لا نخفيكم سرّاً، أحد محررينا لم يكن مؤمناً بما يكفي، فتساءل مندهشاً: كيف يخاطبون الصغيرات في أمور بهذه الدناءة؟ ألجمنا فمه، وكدنا نقطع لسانه؛ لكن الإدارة كان قلبها رحيماً به، ولم تقطع عيشه احتراماً للشهر الفضيل، وإيماناً بأنّ من الظلم حرمان أسرته المسكينة من راتب الشهر، خاصةً أنهم ينتظرون فرحة عيد الفطر.
لن نشوّقكم كثيراً بشأن الحلقة الثانية من "آخر دحيح على الأرض"، فالحلقة تبدأ من دون إسكتش على غير العادة، ويستهلّها الغندور بمقدمته المعتادة، ثم يشرع في الحديث:
"بناتنا الجميلات بالغات كنّ أو لم يكنّ، لماذا لا تتزوجن؟! من قال لكِ إنكِ صغيرة على الزواج؟! هؤلاء كارهون للدين وكارهات. شرعنا الحنيف وعلماؤنا يؤكدان أنّ بلوغك الحيض مدعاة لتمتّعك والتمتّع بكِ. حتى لو لم تبلغي، فما دمتِ تطيقين الوطء فقط أصبحتِ أهلاً للزواج. واعلمنَ يا فتيات، أنّ جمهور العلماء يجيزون العقد على الصغيرة التي لم تبلغ، لكن لا يجوز وطؤها ـ ها، احذرن ـ إلا بعد أن تكون مطيقةً لذلك، وهذا يختلف من فتاة إلى أخرى حسب بنيتها. ويقول الشيخ عليش: لا يُشتَرَط بلوغها الحلم لكمال اللذة بها بدونه".
بما سبق انتهت الحلقة الثانية، بعدما ينهيها مقدم الحلقة الدحيح، بالجملة المعتادة عن اللايك والشير، والنظر إلى المصادر. بالفعل فتّشنا في المصادر فوجدنا العديد من اللينكات من موقع "إسلام ويب"، وعدداً من فيديوهات أكابر السلفية المعاصرين.
آنَ لنا أن نستريح أخيراً
الآن، بعد أن أتممنا مهمتنا الصحافية التي نزعم أنها كانت على أكمل وجه، يحق لنا أن نستريح ونهدأ، فالدحيح وسبيستون أكّدا لنا في تجربتهما الجديدة أنّ أطفالنا في أمان وأن المحتوى الذي سيُقدّم إليهم هادف وراقٍ وليس بعيداً عن "ديننا الحنيف". وللحقّ، نحنُ مدينون للحملة التي شنّها الإخوة والأخوات على البرنامج، فلولاها ما عرفنا مضمون الحلقات، أو للدقة ما عرفنا قيمة الضوء الطليق الذي سينير طرق أبنائنا، ويجعل مستقبلهم أكثر إشراقاً، فليس هناك أجمل ولا أعذب من معرفة مصيرهم في القبر، ولا أرقّ ولا أنبل من معرفة فتياتنا كيف يقمن بمهامهنّ حين نزوّجهنّ سواء بلغن أو لم يبلغن.
رهاننا على ذكائكم، قرّاء رصيف22، الأعزّاء، هو ما جعلنا نكتب هذه المادة بهذا الأسلوب، فبالطبع تعلمون أنّ ما سبق بشأن تواصلنا مع الدحيح و"سبيستون" وتسريب الحلقات كان محض خيال؛ لكن كل ما يخصّ التحرّش بالأطفال، حقائق نعلمها جميعاً
وبعدما اطمأنّت قلوبنا بأنّ محتوى "آخر دحيح على الأرض" سيكون "هادفاً ونبيلاً وتربوياً سليماً"، شعرنا براحة، وأيّما راحة، ونعاهدكم بأن نحذو حذو الدحيح و"سبيستون" اهتداءً إلى الطريق الذي رسمه لنا الإخوة مشعلو الحملة الأخيرة.
لا نخفيكم سرّاً أننا كنّا نعدّ تقريراً مفصّلاً عن إحصائيات التحرّش بالأطفال في عالمنا العربي، لكننا الآن بِتنا نفكر كثيراً قبل نشرها. هل ستكون مُجديةً في ظلّ ما يشغلنا الآن من أمور جِسام تخصّ محتوى هذا المدعو بالدحيح؟!
بعدما حِرنا في أمرنا، قلنا إنه من الواجب إخباركم بقضية "هامشية تافهة" كالتحرش بالأطفال، ربما لتهوّن علينا عناء البحث خلف قضية الدحيح الأكثر عمقاً والأشدّ وجاهةً وإلحاحاً. واعلموا يا سادة، أنّ الخطاب هنا للسادة فقط، لأننا تعلّمنا بعد هذه الرحلة أنّ النساء لا يقرأن ولا يعلمن ولا يعملن، وأنّ واحدة من بين خمس فتيات وواحد من كل عشرين فتى يتعرضون للتحرش الجنسي سنوياً.
وكشف المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر، أنّ هناك 366 حالة استغلال جنسي للأطفال خلال الفترة الممتدة بين العام 2012 وحتى الـ2015، ناهيكم بإضافة 120 حالةً أخرى رُصِدَت خلال النصف الأول من عام 2016.
ووفقاً لدراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، فهناك نحو 20 ألف حالة تحرش واغتصاب تقع في مصر سنوياً، والعجيب أنّ 85% من هؤلاء الضحايا، في طَوْرِ الطفولة!
رهاننا على ذكائكم، قرّاء رصيف22، الأعزّاء، هو ما جعلنا نكتب هذه المادة بهذا الأسلوب، فبالطبع تعلمون أنّ ما سبق بشأن تواصلنا مع الدحيح و"سبيستون" وتسريب الحلقات كان محض خيال؛ لكن كل ما يخصّ التحرّش بالأطفال، حقائق نعلمها جميعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Souma AZZAM -
منذ يومينالدروز ليسوا نموذجًا واحدًا في الاعتقاد والسلوك. اما في مستوى العقيدة، فهم لا يؤمنون بالسحر، وإن...
محمد دراجي -
منذ 3 أيامأخي الفاضل قبل نشر مقالة عليك بالتحقق خاصة في علم الأنساب والعروش والقبائل فتسمية بني هجرس ولدت...
م.هيثم عادل رشدي -
منذ أسبوعمقال رائع وضع النقاط على الحروف فالحقيقة أن النزاعات جعلت أبناء شعوبنا متشردين ولاجئين ومهاجرين...
Sohila Amr -
منذ أسبوعتعود من جديد شعلة ثورة في نفوس، وكأنها لعنة كلما كذبنا وقلنا انها صدفة او خدعة اصبنا بها ولكن لقد...
Yusuf Ali -
منذ أسبوعلن أعلق على كل كلامكِ والكثير من المغالطات التي وردت، وسأكتفي بالتعليق على خاتمتكِ فقط:
قلتِ:...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعThis media body is clearly within the circles of the Makhzen. Otherwise, it would not have been...