مدعوم إيرانياً أو روسياً؟ اتهامات طالت الدولتين تجاه أحداث الساحل السوري. وإن كانت الأولى قد نالت الحصة الأكبر من الاتهامات، إلا أنها تفتقر إلى قراءة موضوعية لمَواطن النفوذ الإيراني في سوريا، حيث عجزت طهران على امتداد عمر الجمهورية الإسلامية، عن بناء نفوذ فعلي في منطقة الساحل السوري، التي بقيت أقرب إلى روسيا سياسياً واجتماعياً وثقافياً.
يتمّ الحديث بشكل واسع عن الدور الروسي في ما يجري في الساحل اليوم، إذ أوردت صحيفة "القدس العربي"، نقلاً عن تسجيلات صوتية اطّلعت عليها، إقرار أحد قادة التمرّد، باطلاع القوات الروسية بشكل كامل على مخطط التمرد، مشيراً إلى "وجود غرفة عمليات وتنسيق داخل قاعدة حميميم الروسية". وبجانب التوجيه بنقل الجرحى إلى القاعدة الروسية عند الضرورة، ألمح القيادي إلى تدخل موسكو لمصلحة المجلس العسكري المعلن عنه من قبل المتمردين في حال "فرض واقع عسكري لمدة 24 ساعةً".
وشهدت محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص اشتباكات عسكريةً، يوم الخميس 6 آذار/ مارس، بعد كمين قاتل لإحدى دوريات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق، خلال عملياتها المستمرة لضبط السلاح وملاحقة مجرمي النظام السابق في قرية بيت عانا، مسقط رأس العقيد سهيل الحسن المعروف بـ"النمر"، تبعتها تعزيزات حكومية، لمواجهة تمرد واسع من قبل فلول النظام السابق، دخلت على إثره فصائل أخرى لمؤازرة القوات الحكومية، ما أدى إلى اختلاط الواقع الميداني مع خروجه عن السيطرة أحياناً، وإيقاع ضحايا مدنيين قُتلوا لأسباب طائفية أو لحسابات مصلحية، وبأساليب مشابهة لتلك التي كان النظام يعتمدها.
فتح روسيا قاعدتها العسكرية في حميميم لاستقبال المدنيين الفارّين من ساحات القتال والموت، يشكّل حسب المنتدى، مؤشراً على استخدام موسكو للعلويين كأداة للحفاظ على نفوذها المتآكل في سوريا
إيران أو روسيا؟
يسلّط كمين بيت عانا، الضوء على تنسيق محتمل بين إيران والميليشيات المحلية لزعزعة استقرار الحكومة المؤقتة، حسب منتدى الشؤون الخارجية. لكن استعراض القوة من قبل طهران، مقيّد نتيجة الضربات الإسرائيلية المستمرة التي أدت إلى تدهور غالبية البنية التحتية العسكرية السورية منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي. مع ذلك، قد تسعى طهران، بعد فقدان وكيلها الأسد، إلى استغلال الانقسامات الطائفية عبر دعم ميليشيات علوية وشبكات الأسد المتبقية.
لكن فتح روسيا قاعدتها العسكرية في حميميم لاستقبال المدنيين الفارّين من ساحات القتال والموت، يشكّل حسب المنتدى، مؤشراً على استخدام موسكو للعلويين كأداة للحفاظ على نفوذها المتآكل في سوريا، نتيجة إستراتيجيتها القائمة على الحفاظ على موطئ قدم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدتَي حميميم وطرطوس.
تم رصد اتصالات روسية مع بعض قادة فلول النظام السابق، حسب معلومات متوافرة لدى الصحافي والمحلل السياسي السوري عقيل حسين، الذي وضعها في إطار "دعم روسي واضح لحركة التمرد التي جرت في الساحل السوري مؤخراً"، كما يقول لرصيف22.
مع ذلك، أهداف موسكو ضبابية، لا يمكن تحديدها بدقة، حسب حسين. فهل هي "لمجرد إحداث بلبلة وزعزعة استقرار البلاد؟ أو لفتح باب التدخل الخارجي؟ أو لتعزيز فكرة تقسيم سوريا أو فدرلتها؟". ويضيف: "لا يمكن الجزم بالهدف الحقيقي لروسيا جرّاء ذلك، وهي التي تصّرح بدعم وحدة واستقرار سوريا، وانخرطت مؤخراً في مفاوضات مع حكومة دمشق الجديدة للتعاون معها".
لكن روسيا "مع تفاوضها الحالي مع دمشق بعد دعمها القاتل لنظام الأسد، تستكشف خطط طوارئ لإقامة منطقة حكم ذاتي علوية، عبر تسليح الميليشيات العلوية، في انعكاس لنهج أمريكا تجاه الأكراد السوريين"، حسب منتدى الشؤون الخارجية، الذي يشير إلى تأييد الإستراتيجيين الروس لاقتراح سابق، زمن نظام الأسد، بإقامة دولة علوية في الساحل السوري، منبّهاً إلى أنّ تجنّب الرئيس السوري أحمد الشرع، إجراء محادثات مع القادة العلويين، على غرار الانخراط النشط مع الأكراد والدروز، هو ما يؤدي إلى تعميق الخلاف معهم، ويشعرهم بالعزلة أكثر.
لروسيا دور رئيس وبارز في دعم فلول نظام الأسد البائد في العملية الأخيرة لأسباب عدة، حسب الكاتب الصحافي السوري فايز الدغيم، "أبرزها مساعي موسكو للبقاء في المياه الدافئة إلى الأبد. فعلى الرغم من بقاء قاعدتها العسكرية الجوية في مطار حميميم، وقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس، بعد سقوط نظام الأسد، ومحاولتها إبرام اتفاقات مع السلطة السورية الجديدة، تدرك موسكو أنّ بقاءها لن يطول، خاصةً أنّ السلطات الجديدة كانت من أعدائها خلال العقد الماضي. لذلك تستغل الضعف الحالي لسوريا، ووجود جيوب وكانتونات عرقية ودينية تحظى بدعم دول فاعلة، كقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شمال شرقي سوريا، المدعومة أمريكياً، بجانب مساعي بعض الفصائل الدرزية في الجنوب لإقامة كانتون درزي بدعم إسرائيلي".
على ما سبق، "ترى روسيا أنّ إمكانية إقامة دولة علوية في الساحل السوري ‘لا تزال قائمةً’"، يقول الدغيم، لرصيف22، ويضيف أنه "لا يمكن ذلك إلا من خلال إثارة الصراع الطائفي للتدخل بذريعة حماية العلويين، نتيجة قناعة روسية بأنّ قيام دولة علوية في الساحل السوري، يعني أن هذه الدولة ستكون تابعةً لها بشكل كلي، مثلها مثل دول القوقاز وروسيا البيضاء. لذا دعمت بقايا نظام الأسد، حليفها المهزوم الذي تؤوي رأسه على أراضيها".
من هم العلويون؟
يُقدَّم العلويون على أنهم فرع من فروع الإسلام الشيعي، لكن العلويين ليسوا سنّةً ولا شيعةً، بل خليط مختلف عن الإسلام، حسب موقع المراجعة الدولية، برغم ادّعائهم كالشيعة، الانتماء إلى سلالة تبدأ بالإمام علي بن أبي طالب، حيث تأتي أصولهم اللاهوتية من الإمام الحادي عشر، الحسن العسكري، وتلميذه ابن نصير، الذي عُرفوا به سابقاً، "النصيريين"، قبل التخلّي عن هذه التسمية.
"قد تحيي روسيا المشروع الذي بدأ مع بدايات القرن العشرين، والقائم على تصدير القوى العظمى لنفسها كحامية للأقليات الموجودة في الشرق الأوسط، ولا سيّما في منطقة سوريا، وذلك بهدف الحفاظ على نفوذ واضح في المنطقة كي لا تخرج صفر اليدين من سوريا"
لاحقاً، نظّم عقيدة الطائفة أحد أتباع محمد بن نصير، ويُعرف بالخصيبي في حلب، لتنتقل عبر حفيده وتلميذه الطبراني، إلى اللاذقية، ومنها تحولت سلسلة جبال الساحل السورية إلى معقل للعقيدة العلوية، العقيدة التي امتازت بسرّية بالغة، نتيجة اضطهاد المسيحيين والسنّة والشيعة. وعليه، مارس العلويون التقية لتجنّب الاضطهاد.
ونتيجة جهود قديمة لسدّ الفجوة بين المسلمين والعلويين، أعلن مفتي القدس السنّي، الحاج أمين الحسيني، عام 1936، أنّ العلويين مسلمون. وفي عام 1963، أعلن رجل الدين الشيعي، "آية الله" حسن مهدي الشيرازي، أنّ العلويين والشيعة متماثلون. ومع حاجة الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد، إلى الشرعية الدينية لتهدئة السنّة في سوريا، أصدر رجل الدين الشيعي موسى الصدر، خطاباً قال فيه: "إنّ الشيعة والعلويين هم نفس الطائفة. حيث يشترك العلويون بعض معتقدات الشيعة الاثني عشرية، مثل عدل الله، ونبوءة محمد، والقيادة الإلهية للأئمة الاثني عشر، ويوم القيامة".
مع ذلك، يمتاز المجتمع العلوي بالافتقار إلى التماسك، لقيامه منذ نشأته كاتحاد كونفدرالي بين أربع قبائل أساسية، الكلبية والحدادين والخياطين والمتاورة، كما يفتقر إلى مؤسسة دينية وظيفية منظّمة.
منطقة حكم ذاتي؟
بحسب الباحث والمحلل السياسي السوري فراس علاوي، "قد تحيي روسيا المشروع الذي بدأ مع بدايات القرن العشرين، والقائم على تصدير القوى العظمى لنفسها كحامية للأقليات الموجودة في الشرق الأوسط، ولا سيّما في منطقة سوريا، وذلك بهدف الحفاظ على نفوذ واضح في المنطقة كي لا تخرج صفر اليدين من سوريا".
لذا تحاول موسكو استباق أي حلّ سياسي مستدام في سوريا، لتعزيز وجودها خلاله، عبر ورقة حمايتها للطائفة العلوية، أو كونها صاحبة النفوذ الأكبر عليها. كذلك ربما تكون موسكو قد استقرأت الخروج الكامل لإيران من المشهد السوري، وبدأت بملء هذا الفراغ بدايةً من الساحل ومناطق العلويين.
ويعتقد علاوي في حديثه إلى رصيف22، أنّ "أدوات روسيا في هذا المجال تقتصر على التنسيق وحماية قيادات النظام السابق، مع بعض التعاون الاستخباراتي وصعوبة الدعم المادي واللوجستي، دون أن يكون لها أي عمل مباشر على الأرض".
فيما يعتقد الباحث ومحلل الشؤون السياسية الروسية، ديمتري بريجع، أنّ "الملف السوري ذاهب للتدويل مجدداً وبقوّة، لكن بتحالف/ تقارب روسي أمريكي هذه المرة، خلاله سيتم فرض سياسات معيّنة بعد أحداث في الساحل السوري، تراها الدولتان انتهاكاً".
لم تصرّح روسيا بذلك رسمياً، حيث اقتصر حديث المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروف، على ضرورة التهدئة وعدم انزلاق البلاد إلى مستنقع من الدماء، فيما انتقد وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو، الإدارة السورية الحالية في إدارة ملف الأقليات، ما يشكل خطراً على الأخيرة.
يضيف بريجع، خلال حديثه إلى رصيف22، أنه "بسبب أخطاء الإدارة السورية، قد تذهب الأمور إلى تدخلات خارجية ربما تفرض واقعاً جديداً يزيد من الانقسامات، ويضاعف الضغوط الدولية (أمريكية-روسية)، على الإدارة السورية، لإحداث تغييرات سياسية وتشكيل حكومة تمثّل كل الطوائف. طبعاً عدم تمكّن الإدارة السورية الجديدة من مراقبة الوضع بدقّة، أفاد فلول النظام السابق بإحداث المزيد من الانقسامات والمزيد من الطائفية في المجتمع السوري، بما يهدد بحرب طائفية/ أهلية".
مع تلاشي قدرة موسكو على الحفاظ على السلطة والنفوذ في دمشق، قد تسعى إلى الحفاظ على أهم أصولها في سوريا عبر التعاون مع منطقة حكم ذاتي علوية
وبعد زوال نظام الأسد الذي شكّلت عماده الصلب، للجماعة العلوية مصلحة في حماية ومراقبة دوائرها الانتخابية المتبقية. ربما فقدوا زعيمهم، لكنهم لم يفقدوا حافز إقامة منطقة حكم ذاتي، حسب مجلة "ذا انتلانتك"، ولا سيّما مع وجود منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرقي سوريا، بجانب التحركات الإسرائيلية لإنشاء منطقة نفوذ لها جنوبي سوريا، عبر دعم كانتون درزي.
الموقع الأكثر منطقيةً، هو مدينة طرطوس الساحلية، حيث تمتاز بأغلبية علوية ساحقة، وفيها الميناء الروسي الوحيد، وهو أحد الأصول التي أولاها الروس أهميةً لقرون عدة. فالميناء مهم لخطوط الإمداد الروسية إلى إفريقيا، لذا تعمل روسيا على إعادة بناء قاعدة غواصات سوفياتية سابقة قريبة، كما يوفر لها هذا الوجود الحفاظ على مراكز استخبارات الإشارات القائمة.
بناءً عليه، ومع تلاشي قدرة موسكو على الحفاظ على السلطة والنفوذ في دمشق، قد تسعى إلى الحفاظ على أهم أصولها في سوريا عبر التعاون مع منطقة حكم ذاتي علوية، إذا تحركت الطائفة وبقايا النظام السابق سريعاً لإنشائها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Sohila Amr -
منذ 18 ساعةتعود من جديد شعلة ثورة في نفوس، وكأنها لعنة كلما كذبنا وقلنا انها صدفة او خدعة اصبنا بها ولكن لقد...
Yusuf Ali -
منذ يوملن أعلق على كل كلامكِ والكثير من المغالطات التي وردت، وسأكتفي بالتعليق على خاتمتكِ فقط:
قلتِ:...
مستخدم مجهول -
منذ يومينThis media body is clearly within the circles of the Makhzen. Otherwise, it would not have been...
Samah Al Jundi-Pfaff -
منذ يومينفي اللاذقية قصص مثيرة للدهشة وللمزيد من البحث. اللاذقية مدينة القصص عير المكتشفة. شكرا
Karen Borji -
منذ 3 أيامعين الأصالة شمس الحدود كتبي واحزاني دفعتني إلى الحدود سكر وملح من انا غياب شروق عنبرة كتاب...
Cat Angel -
منذ 3 أيامفعلا المقال شد انتباهي لقراءته بالكامل، الأسلوب الساخر ذكرني بالعملاقين أحمد رجب ومحمد عفيفي....