شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"تدوين لا يروق للسلطات المخزنية"... رمضان المغرب على إيقاع محاكمات سياسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 6 مارس 202512:02 م

"يتمّ توزيع أيام السجن في المحاكمات السياسية، أكثر من وجبات الإفطار في بداية رمضان هذا العام"؛ هكذا علّق السياسي اليساري عبد الله أباعقيل، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحّد، عبر منصّة "إكس"، على الملاحقات الأمنية الأخيرة في المغرب، الذي يشهد منذ أيام، محاكمات عدة في قضايا تتّصل بحرية الرأي والتعبير.

يوم الإثنين الموافق 3 آذار/ مارس الجاري وحده، شهد انعقاد خمس جلسات قضائية يُتابَع فيها صحافيون ومدوّنون في أربع مدن مغربية هي: الدار البيضاء، الرباط، خريبكة، وطنجة، فيما شهدت مدينة مراكش الأطوار النهائية لمحاكمة أخرى.

تُثير هذه المحاكمات المتلاحقة تساؤلات مهمةً حول حرية التعبير في المغرب، والمحاكمات السياسية على خلفية انتقاد ثلاث قضايا أساسية هي انتشار الفساد، والسياسات العمومية، والتطبيع. كما تزداد المخاوف بشأن مستقبل الانفراجة المأمولة بعد الإفراج قبل بضعة أشهر، عن عدد من معتقلي الرأي.

من مسلخ "درب مولاي الشريف" إلى "جمهورية فيسبوك"

في طليعة هذه الملفّات، قضية المدافع عن حقوق الإنسان فؤاد عبد المومني، منسّق الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين في المغرب، وهي تجمّع حقوقي مستقلّ يضم أطيافاً أيديولوجيةً متنوّعة. أصدر قاضي المحكمة الابتدائية في مدينة الدار البيضاء، مساء الإثنين، قراراً بإدانة الحقوقي بستة أشهر سجناً نافذاً، وغرامة مالية تقدّر بنحو 2،000 درهم مغربي (نحو 200 دولار أمريكي).

وفق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإنّ محاكمة عبد المومني -المعتقل السياسي السابق في سنوات الجمر والرصاص في أثناء عهد الملك الراحل الحسن الثاني في معتقل "درب مولاي الشريف" السيئ الذكر، "إحدى حلقات المحاكمات المدبّرة وغير العادلة، والمتابعات السياسية بسبب التعبير عن الرأي المنتقد للسياسات العمومية"

تعود فصول قضية متابعة عبد المومني -المعتقل السياسي السابق في سنوات الجمر والرصاص في أثناء عهد الملك الراحل الحسن الثاني في معتقل "درب مولاي الشريف" السيئ الذكر- إلى أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حيث قامت عناصر أمنية بتوقيفه واعتقاله لمدة يومين على ذمّة التحقيق، قبل الإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح في تهم عديدة من أبرزها: "إهانة هيئات منظّمة ونشر ادّعاءات كاذبة، والتبليغ عن جريمة خيالية يعلم بعدم حدوثها".

وجاءت هذه المتابعة إثر تدوينة تشاركها فؤاد عبد المومني، عبر صفحته على فيسبوك، تفاعلاً مع تدوينة أخرى، في سياق الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى المغرب، والتي أتت بعد أزمة طويلة بين البلدين. كتب عبد المومني: "... فرنسا التي ترى موقعها يتقهقر بين الدول، لا ترضى الرضوخ لابتزاز دولة هزيلة تستعمل كافة أوراق الضغط المتاحة، بما فيها المهاجرين واستعادة القاصرين واللاقانونيين منهم، والمعلومة الأمنية، والمصالح الاقتصادية، وتعليق الاتفاقات... وطبعاً التجسّس الذي تعتبر فرنسا أن أخطر ما فيه أن إسرائيل هي من تستغل معطياته".

بعد الحكم على الناشط الحقوقي، أدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر المنظمات الحقوقية في البلاد هذا الحكم، ووصفته في بيان صادر عن مكتبها المركزي، بأنه حكم "جائر" و"تعسّفي"، عادّةً إياه "إحدى حلقات المحاكمات المدبّرة وغير العادلة، والمتابعات السياسية بسبب التعبير عن الرأي المنتقد للسياسات العمومية، التي يتعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان والمدوّنون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، والحركات الاحتجاجية بشكل ممنهج".

"لن أساعد الزلزال"

لم يكن الحكم على عبد المومني، الحكم الوحيد الصادر هذا الأسبوع. وسط ذهول الحاضرين، أعلن قاضٍ في المحكمة الاستئنافية في مدينة مراكش (جنوبي المغرب)، عن رفع العقوبة السجنية التي أقرّها القضاء الابتدائي في حق الفاعل الجمعوي والمدني سعيد آيت مهدي، من ثلاثة أشهر إلى سنة كاملة سجناً نافذاً، مع إلغاء براءة ثلاثة متهمين آخرين، والحكم عليهم بأربعة أشهر سجناً نافذاً.

وتوبع رئيس تنسيقية متضرّري "زلزال الحوز" الذي ضرب المغرب في 8 أيلول/ سبتمبر 2023، مخلّفاً نحو 3،000 قتيل و5،600 جريح، سعيد آيت مهدي، المعتقل منذ نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2024، بحسب المحامين، في تهم عدّة من بينها "بث وتوزيع ادّعاءات ووقائع كاذبة بقصد المسّ بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم"، فضلاً عن "إهانة هيئة منظمة" و"ارتكاب جناية أو جنحة بواسطة وسيلة إلكترونية…".

ملاحقة آيت مهدي، جاءت على خلفية نشره تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجيهه انتقادات للسلطات، وقيادته احتجاجات بشأن إدارة عمليات إعادة إعمار المناطق المنكوبة، واختلالات شابت عمليات توزيع المساعدات، حيث قدّم عدد من أعوان السلطة المحلية ومحافظ الإقليم (يُعيّنه الملك)، ثلاث شكاوى ضدّه.

"مع الأسف الشديد، وبقلب يعتصره الألم والحزن على ما وصلنا إليه كضحايا الزلزال ومدافعين ومدافعات عن حقنا المشروع… وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه إنصاف المعتقل، والعمل على إنصاف ضحايا الزلزال وإنهاء معاناتهم، نتفاجأ اليوم برفع الحكم الصادر في حقّه… كنا نأمل أن تنتهي هذه المعاناة، فإذا بنا نضيف جرحاً آخر إلى جرح عميق لم يندمل ولم يلتئم بعد"؛ هكذا عقّب منتصر إثري، أحد أعضاء تنسيقية ضحايا الزلزال على الحكم القضائي.

سلاح الجريمة… "تدوينة"

إلى هذه الأحكام، استمرّت و/ أو انطلقت في الأيام القليلة الماضية، محاكمات مماثلة في قضايا مشابهة، إذ استؤنفت يوم الإثنين الماضي، في طنجة، محاكمة المدوّن المناصر للقضية الفلسطينية والمناهض للتطبيع، رضوان القسطيط، حيث أثار دفاعه خلال هذه الجلسة، عدداً من الملاحظات الشكلية حول عملية اعتقاله والتحقيق معه، قبل أن يتم تأجيل الجلسة والإعلان عن استئنافها الأسبوع المقبل.

مناهضون للتطبيع ومنتقدون للفساد والسياسات العمومية… السلطات المغربية تبدّد آمال "الانفراجة" الحقوقية، وتعتقل العديد من الصحافيين/ ات والمعنيين بالشأن العام، وتحاكمهم محاكمات تعدّها مؤسسات حقوقية "مدبّرةً" و"جائرةً"

وكان القسطيط، قد توبع أيضاً بسبب منشورات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها تدوينات منتقدة للسلطات المغربية، وأخرى ضد التطبيع مع إسرائيل وداعمة لـ"المقاومة الفلسطينية"، من بينها منشور عن عملية الطعن التي نفّذها مهاجر مغربي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، في تل أبيب.

ورأت النيابة العامة المغربية أنّ التدوينات المختلفة تمثّل عناصر تكوينيةً لجرائم تستوجب الاعتقال بتهم منها: "إهانة موظفين عموميين في أثناء قيامهم بمهامهم"، و"إهانة هيئة منظمة"، و"التحريض على التمييز والكراهية باستعمال الوسائل الإلكترونية".

بدوره، يواجه محمد بوستاتي، المدوّن والعضو في جماعة "العدل والإحسان" الإسلامية المحظورة، المعتقل منذ 26 شباط/ فبراير المنصرم، تهماً شبيهةً تتعلق بنشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، بموجب الفصل 447.2 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

وندّدت جماعة "العدل والإحسان" في سطات، بتوقيف المتابع المعروف بمناصرته للقضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع، والذي انطلقت محاكمته في مدينة خريبكة هذا الأسبوع، وبمحاكمته "على خلفية تدوينِهِ الذي لا يروق للسلطات المخزنية". في حين يُشير محامون إلى أنه يُحاكَم من أجل تدوينات على منصّتَي إكس وفيسبوك. وقد أجّلت المحكمة الحكمَ إلى الأسبوع القادم، بناءً على ملتمس تقدّم به محاموه.

إلى ذلك، شملت محاكمات هذا الأسبوع، الصحافيين، حيث تأجلت الإثنين جلسة الصحافية لبنى الفلاح، مديرة جريدة "الحياة اليومية"، إلى نهاية الشهر الجاري، وجلسة زميلها حميد المهداوي، مدير نشر موقع "بديل إنفو"، إلى 14 نيسان/ أبريل المقبل.

وتُتابع الفلاح، في الدار البيضاء، حيث أدينت ابتدائياً في حكم غيابي بأداء تعويض مالي ضخم، على خلفية شكايتين مقدمتين من مسؤولين في التلفزيون العمومي، في سياق مضايقات مستمرة تتعرّض لها بهدف إسكات صوتها بسبب خطها التحريري المتبنّي لملفّات عدد من الحقوقيين والصحافيين، سواء الذبن اعتُقلوا، وعلى رأسهم الوزير الأسبق محمد زيان، أو الذين استفادوا من عفو مؤخراً، بحسب مصادر حقوقية، ما أسفر عن فرض عقوبات تأديبية عليها من طرف المجلس الوطني للصحافة، ومحاولات انتزاع ملكية الجريدة منها، واستهدافها بحملات تشهيرية.

أما الصحافي حميد المهداوي، فيحاكَم في الرباط، استئنافياً في مواجهة وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، بناءً على شكاية تقدّم بها الأخير ضدّه، وهو متّهم بـ"بثّ وتوزيع ادّعاءات ووقائع كاذبة من أجل التشهير بالأشخاص، ثم القذف والسب العلني"، وقد أدين ابتدائياً بسنة ونصف سجناً نافذاً.

وفي نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، أكدت المحكمة الاستئنافية في مدينة ورزازات، الحكم الابتدائي القاضي بإدانة المدوّن جواد الحامدي، بسنتين ونصف سجناً نافذاً، بتهم ثقيلة هي: "التحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة، وإهانة هيئات منظمة، وإهانة موظفين عموميين بسبب مزاولتهم مهامهم بقصد المساس بشعورهم، والتحريض على ارتكاب جنح بواسطة الوسائل الإلكترونية".

الانفراجة لم تحصل؟

سجّلت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة المتابعات القضائية، بسبب التعبير عن الرأي في قضايا متنوعة، من بينها تلك التي تنتقد استشراء مظاهر الفساد، أو تواجه مسؤولين بارزين في الدولة والسلطات المحلية، أو تناهض التطبيع مع إسرائيل، وخصوصاً تلك التي يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تأتي هذه المتابعات لتضع حدّاً لـ"جوّ التفاؤل الحذر" الذي ساد منذ صيف 2024، بحصول انفراجة حقوقية وسياسية شاملة في البلاد، في أعقاب العفو الملكي الاستثنائي الذي خُصّ به عدد من المعتقلين في قضايا رأي ممن قضوا فترات طويلةً في السجن

كتب الحقوقي والمحامي محمد الغلوسي، محامي سعيد آيت المهدي، عن المناخ الحقوقي في المغرب: "هناك اليوم نية واضحة لتكميم الأفواه وتعميم القمع والمتابعات القضائية ضد بعض الصحافيين والحقوقيين والمدوّنين والمناهضين للتطبيع والفاضحين للفساد والرشوة ونهب المال العام… هو توجّه بدأ بالتهديد والوعيد، وانتهى إلى ترجمة ذلك على أرض الواقع بإقامة المحاكمات وإصدار أحكام قاسية في مواجهة المنتقدين والرافضين لواقع الفساد والغلاء والاحتكار". هدف ذلك بحسب المتحدث ذاته، وضع "خطة استباقية لأي تحوّل نوعي يمكن أن يحصل على مستوى الوعي المجتمعي تجاه القضايا العادلة".

وطالبت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين، في بيان لها عن هذه التطورات، بـ"الوقف الفوري للمتابعات في حق المعتقلين السياسيين والمتابَعين كافة بسبب آرائهم، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، واستبعاد مقتضيات القانون الجنائي في قضايا الرأي والتعبير كافة".

تأتي هذه المتابعات لتضع حدّاً لـ"جوّ التفاؤل الحذر"، الذي ساد منذ صيف 2024، بحصول انفراجة حقوقية وسياسية شاملة في البلاد، في أعقاب العفو الملكي الاستثنائي الذي خُصّ به عدد من المعتقلين في قضايا رأي ممن قضوا فترات طويلةً في السجن، وعلى رأسهم الصحافيون الثلاثة: توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image