شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"من الشارع وله"... حملة تنظيف في برلين تتحدّى التهميش والصورة النمطية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"أنا هنا اليوم لأنظّف الشارع، لأنّ الدولة تتحجج بعدم توافر التمويل لتنظيف الأحياء، لكنها سخية في تمويل الشرطة، خصوصاً في المناطق التي يتركز فيها المهاجرون واللاجئون"؛ بهذه الكلمات بدأ سينا (36 عاماً)، حديثه إلى رصيف22، متحدّثاً عن السبب الذي دفعه للمشاركة في حملة تنظيف شارع "زونن"، المعروف أيضاً باسم "شارع العرب"، والواقع في جنوب شرق العاصمة الألمانية برلين.


تأتي هذه الدعوة، التي حملت عنوان "صار الوقت إنه نهتمّ بشارعنا"، في إطار مبادرة أطلقها ناشطون وناشطات من سكان المنطقة، استجابةً لحالة التهميش والإهمال التي يعاني منها الشارع مقارنةً بأجزاء أخرى من برلين. إذ تنتشر النفايات في كل مكان تقريباً، ولا يوجد عدد كافٍ من الحاويات، وهو ما يراه القائمون على الفعالية سلوكاً متعمّداً من البلدية. 

انطلقت الحملة وسط طقس شديد البرودة بهدف تنظيف الشارع وتجهيزه لاستقبال شهر رمضان والأعياد والمظاهرات القادمة

ردّاً على ذلك، أطلق سكّان "شارع العرب"، دعوةً لتنظيف الشارع بشكل تطوّعي، عبر حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى توزيع منشورات مطبوعة لتشجيع السكان على الانضمام إلى الحملة.

لنبدأ بأنفسنا

انطلقت أولى أيام الحملة في 16 شباط/ فبراير الماضي، وسط طقس شديد البرودة، حيث سُجّلت درجة حرارة بلغت أربع درجات تحت الصفر. وبرغم ذلك، شارك العشرات في الحملة. ومما جاء في نص الدعوة: "الجوّ بارد، البسوا كوفيّاتكم/ نّ، وتعالوا لننظّف حيّنا". وهو ما قال عنه سينا، "إنه جوّ مثلج، ولكن تنظيف الشارع معاً يبعث على الدفء".

كما أوضحت الدعوة، أنّ الهدف من الحملة هو تنظيف الشارع: "نريد شارعنا نظيفاً، جاهزاً لرمضان والأعياد والمظاهرات القادمة".

ومن الجدير بالذكر، أنّ ناشطين مناصرين لفلسطين، أعادوا تسمية الساحة الرئيسية، المعروفة باسم "هرمنبلاتس"، وأطلقوا عليها اسم ساحة "هند رجب"، الطفلة الفلسطينية التي قُتلَت بوابل كثيف من الرصاص أطلقه الجيش الإسرائيلي، بعدما بقيت وحيدةً في سيارة عائلتها الذين قُتلوا بدورهم، بينما انتشر صوتها وهي تستغيث بسيارة إسعاف لإنقاذها.

وقد شهدت هذه المنطقة العديد من المظاهرات التي اندلعت نصرةً لغزّة خلال فترة الإبادة، مع ما صاحبها من قمع الشرطة.

نُحبّ شارعنا

أوضحت إحدى المُنظِّمات للحملة، واسمها رشا من سوريا، أنّ هذه المبادرة تهدف في جوهرها إلى "تعزيز شعورنا بالانتماء والعناية بشارعنا، لقد دعونا كل من يريد الانضمام، وشارك في الحملة أشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات، يجمعهم هذا الشارع".


وتضيف رشا: "أن ننظّف شوارعنا هو أمر شائع وعاديّ يحصل في سوريا وفي بلدان أخرى أتينا منها، كما أنّ نويكولن وكرويزبرغ ليستا متّسختين بسبب من يعيشون في المنطقة، فهي منطقة كبيرة ومكتظة ويزورها الكثير من السيّاح، لذا فهي بحاجة إلى اهتمام أكبر".

أطلق نشطاء عرب وفلسطينيون اسم "هند رجب" على الساحة الرئيسية في "زونن"، المعروفة بـ"هرمنبلاتس"، تيمّناً بالطفلة الفلسطينية التي قُتلت بوابل من الرصاص أطلقه الجيش الإسرائيلي، بعدما بقيت وحيدة في سيارة عائلتها التي قُتلت بالكامل

وعن ردود الفعل، تقول رشا: "العديد من المحال، خصوصاً تلك التي يملكها ويديرها مهاجرون من أصول عربية، انضمت إلى الحملة وساندت المبادرة، البعض منها وزّع عبوات مياه، وأخرى قدّمت لنا الحلوى، كما أخبرنا بعض أصحابها والعاملين فيها، بأنّهم يحاولون أيضاً المساهمة في تنظيف الشارع والتقاط القمامة، فهم يرون المشكلة ويحاولون فعل شيء حيالها".


بدوره، يبيّن نبراس الأطرش، وهو أحد منظّمي المبادرة، أنه "ليست هناك أجندة سياسية وراء الحملة. أردنا فقط أن نُظهر امتناننا لهذا الشارع الذي يحتضننا ونأكل فيه ونشتري حاجياتنا منه. وجّهنا الدعوة إلى الذين يقطنون في المنطقة بشكل علنيّ، وشاركنا أشخاص من سكان المنطقة ومن خارجها". ويختم تصريحه لرصيف22، قائلاً إنّ هدفهم "إظهار الامتنان وأن نرتاح نفسياً وننظّف شارعنا قبل رمضان".

شيطنة المهاجرين 

شاركت هبة عبيد، صحافية فلسطينية، في حملة التنظيف، وهي منتجة بودكاست "شارع العرب"، الذي يُعنى بالشارع، ويغطّي ما يحدث فيه، ويقابل الأشخاص الذين يعيشون فيه أو يرتبطون به لسبب أو لآخر. تقول عبيد، لرصيف22: "الحكومة المحلية في برلين غير مهتمة بشارع زونن ألي، أو شارع العرب، لذلك هرع الناس إلى تنظيف شارعهم/ نّ. انطلقت الحملة من الشارع وله".

هبة عبيد: قد يكون إهمال تنظيف الشارع مرتبطاً بكونه نقطة انطلاق للعديد من المظاهرات التي تزعج الحكومة وتتعرض للهجوم من وسائل الإعلام الألمانية. وربما يهدف أيضاً إلى ترسيخ الصورة النمطية عن العرب بأنهم فوضويون يلقون القمامة في كل مكان، إلى جانب أسباب أخرى تؤدي إلى هذا الإهمال.

وترى عبيد، أنّ إهمال الدولة قد يكون سببه أنّ "هذا الشارع نقطة انطلاق للعديد من المظاهرات التي تزعج الحكومة، وتهاجمها وسائل الإعلام الألمانية، أو ربما لترسيخ الصورة النمطية عن العرب بأنهم أوباش يرمون القمامة في كل مكان، وغيرها من الأسباب التي تجعلهم يهملون الشارع".

وشاركت عبيد في الحملة بعد أن روّجت لها عبر منصة البودكاست، مؤكدةً أنه "من المهم أن نقوم بهذه الحملة. هذه هي المرة الأولى، لكنها قد تستمر، وتلفت الانتباه إلى أنّ هناك من يهتم/ تهتم بنظافة الشارع، ما قد يدفع الجميع للاهتمام به، بمن في ذلك أصحاب المحال".

وتشير عبيد، إلى أنّ حاجة شارع العرب إلى التنظيف لا تعود إلى نقص الثقافة البيئية لدى سكانه أو مرتاديه، "بل إلى تقاعس الدولة عن القيام بدورها، فالتنظيف يتم بوتيرة قليلة وغير منتظمة، ولا يتناسب مع احتياجات الشارع"، حسب تعبيرها.

شارك في الحملة سكان من المنطقة ومن خارجها، تجاوز عددهم العشرات، وقد التقطوا أعقاب السجائر والنفايات البلاستيكية، كما فصلوا الزجاج في حاويات مخصّصة، وتحدّثوا إلى المارّة الذين تساءلوا عن سبب وجودهم وقيامهم بالتنظيف. وفي الوقت نفسه، ظلّت الشرطة على مقربة منهم، تراقب وتسأل وتطلب التحقق من هويات المشاركين.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image