تنامى التعاون العسكري بين الهند والمغرب خلال السنوات القليلة الماضية بشكل لافت، وتُوّج مؤخراً، بتوقيع عقد بين البلدين يتضمن إنشاء شركة "تاتا" الهندية، مصنعاً للمركبات الحربية في الدار البيضاء، في خطوة تسمح للرباط بتطوير منظومتها العسكرية، وتهيئ لنيودلهي، موطئ قدم جديد في إفريقيا.
وسائل إعلام هندية ذكرت أنّ شركة "تاتا" للأنظمة المتقدمة المحدودة (TASL)، ستنشئ أول مصنع هندي لتصنيع المركبات القتالية في المغرب، لإنتاج المدرّعة "WhAP" ذات العجلات، وهي مركبة قتالية برّمائية للمشاة طُوّرت بشكل مشترك من قبل "تاتا"، ومنظمة البحث والتطوير الدفاعي الهندية (DRDO).
ومن المتوقع أن يوظّف المصنع نحو 350 شخصاً، مع استمرار تنفيذ جزء كبير من عملية الإنتاج في الهند، ما يعود بالنفع على كلا الاقتصادين، الهندي والمغربي.
اختبارات في الصحاري الإفريقية
والمركبات التي سينتجها المصنع سبق أن نشرها الجيش الهندي على الحدود مع الصين، في منطقة لاداخ، وخضعت للتجربة أيضاً في الصحاري الإفريقية قبل اختيارها من قبل القوّات المسلّحة المغربية، حسب ما ذكرت صحيفة "سبوتنيك" الروسية. وكان الرئيس التنفيذي والمدير العام لـ"تاتا"، سوكاران سينغ، قد صرّح بأنّ المشروع "بوابة لمزيد من التوسع للشركة في إفريقيا".
ويبدو أنّ المسؤولين في المغرب تلقفوا هذا الهدف الذي تسعى إليه الهند من إقامة مشروعها في الدار البيضاء، فانبروا للترويج لبلادهم باعتبارها بوابة الشركات الهندية إلى إفريقيا وأوروبا. ونقلت وسائل إعلام هندية عن الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة والمسؤول عن إدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، قوله إنهم يرغبون في "توفير بيئة متطورة وخالية من البيروقراطية والربحية لشركات الدفاع الهندية".
تنامى التعاون العسكري بين الهند والمغرب خلال السنوات القليلة الماضية بشكل لافت، وتُوّج مؤخراً، بتوقيع عقد بين البلدين يتضمن إنشاء شركة "تاتا" الهندية، مصنعاً للمركبات الحربية في الدار البيضاء، في خطوة تسمح للرباط بتطوير منظومتها العسكرية، وتهيئ لنيودلهي، موطئ قدم جديد في إفريقيا، فما الذي ستضيفه كل دولة للأخرى؟
وخلال ندوة صناعة الدفاع الهندية المغربية، التي عُقدت في الرباط في كانون الأول/ ديسمبر 2025، ونظّمتها وزارتا الدفاع في البلدين، أشار لوديي، إلى أنّ "الشراكة بين إدارة الدفاع الوطني و'تاتا'، جزء من حملة أوسع لتطوير صناعة الدفاع في المغرب، بهدف بناء الاستقلال الإستراتيجي تدريجياً… ونفوذ المغرب في إفريقيا والشرق الأوسط، وربطه البحري والجوي، وبنيته التحتية الحديثة، هي أصول تجعله منصة تصدير إقليمية وحتى عالمية للمستثمرين".
وكان لوديي، قد زار الهند، في عام 2018، ووقّع مذكرات تفاهم بشأن الأمن السيبراني والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي وتعزيز التعاون في التكنولوجيات المتقدمة والدفاع، قبل أن تُترجم هذه التفاهمات إلى خطوات عملية وشراكة إستراتيجية.
علاقات دبلوماسية متجذّرة وتعاون عسكري مستحدَث
وبرغم أنّ العلاقات الدبلوماسية بين الهند والمغرب ترجع جذورها إلى 68 عاماً مضت، إلا أنّ التعاون العسكري لم يعرف طريقه إلى البلدين إلا قبل نحو سبع سنوات.
يقول رئيس وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، الدكتور مصطفى شلش، لرصيف22، إنّ المغرب والهند أقاما علاقات دبلوماسيةً رسميةً في عام 1957، وفي أيلول/ سبتمبر 1961، التقى الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، على هامش مؤتمر دول عدم الانحياز في يوغوسلافيا.
وعلى مدار السنوات التالية، لم تشهد العلاقات المغربية الهندية أيّ تطور لافت حتى عام 2015، حيث التقى الملك محمد السادس، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، واتفقا على رفع العلاقات الثنائية من مرحلة التعاون إلى مرحلة الشراكة الإستراتيجية، ثم تحوّل الأمر في 2018، إلى تحالف إستراتيجي من خلال توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في قطاعات عديدة، منها الدفاع والأمن السيبراني والزراعة.
وفي حزيران/ يونيو 2024، أنشأ المغرب منطقتَين صناعيتَين عسكريتَين لجذب الاستثمارات الأجنبية لإنتاج أسلحة ومركبات ومعدّات قتالية، وبحسب شلش، عُدّ ذلك بمثابة عامل جذب للشركات الهندية في هذا المجال.
وحسب ما يذكر شلش، يبرز تنويع مصادر التسليح كهدف رئيس من توجه المغرب إلى الهند لإنتاح أسلحة متطورة، وذلك بعد عقود طويلة من الاعتماد على الولايات المتحدة كمورّد رئيس للأسلحة، حيث حصل منها على دبابات "أبرامز"، وطائرات مقاتلة من طراز "f16"، ومروحيات "أباتشي".
وبالتوزاي، حصل المغرب على أسلحة متقدمة من إسرائيل، أبرزها قمر صناعي للتجسس بقيمة مليار دولار، وطائرات من دون طيار، ومن الصين على أنظمة دفاع جوي وصواريخ نُشرت بالقرب من الحدود مع الجزائر، لتحصينها ضد جبهة البوليساريو. وبحسب شلش، تظهر الرغبة المغربية في إيجاد بدائل أخرى للأسلحة الأميركية ذات التكلفة العالية، جليّاً.
في 2024، أنشأ المغرب منطقتَين صناعيتَين عسكريتَين لجذب الاستثمارات الأجنبية لإنتاج أسلحة ومركبات ومعدّات قتالية، فشكّل ذلك عامل جذب للشركات الهندية الطامحة للسوق الأفريقي.
وفي الوقت ذاته، يمكن قراءة تنامي التعاون العسكري بين الهند والمغرب، في ضوء إدراك نيودلهي، لأهمية إفريقيا في خطّتها الرامية لزيادة مبيعاتها العسكرية عالمياً، لذا أنشأت آليةً مؤسساتيةً للحوار الدفاعي الهندي الإفريقي، وأجرت تدريبات عسكريةً مشتركةً مع الكثير من بلدان القارة، من أجل الترويج لأسلحتها، حسب شلش.
مسار اقتصادي مهّد لشراكة عسكرية
لا يمكن فصل "الشراكة" التي وصلت إليها العلاقات العسكرية بين البلدين، عن مسار تجاري موازٍ مهّد لهذه المرحلة. ذكرت مريم آيت مري، وعبد السلام الجلدي، في دراستهما "الشراكة المغربية الهندية: مجال القوة الذي سيتم استكشافه"، أنّ ديناميكيات التجارة بين الهند والمغرب في الفترة الممتدة بين 2017 و2023، أظهرت اتجاهاً تصاعدياً عاماً، مع زيادات كبيرة في صادرات الهند إلى المغرب، ووارداتها منه، خاصةً في الفترة بين 2021 حتى 2023.
وفي عامي 2018 و2019، سجّل إجمالي التجارة الثنائية 2.007 مليارات دولار، حيث استوردت الهند بضائع بقيمة 1.237 مليار دولار من المغرب، وانخفض هذا الرقم بشكل طفيف في السنوات التالية، مع انخفاض في 2020-2021، إلى 1.944 مليار دولار. ومع ذلك، ارتفع حجم التجارة مرةً أخرى في 2021-2022، ليصل إلى 3.597 مليار دولار بحلول 2022-2023. وبحسب الباحثَين، تعود هذه الزيادة في المقام الأول إلى زيادة واردات الهند من المغرب، والتي تضاعفت تقريباً من 1.437 مليار دولار في 2020- 2021، إلى 2.549 مليار دولار في عام 2022-2023.
وبالإضافة إلى الأسلحة، تشمل صادرات الهند إلى المغرب مجموعةً واسعةً من المنتجات، مثل المنسوجات والمركبات والأدوية والآلات. وبحسب الدراسة، لا تُظهر هذه القطاعات القدرة الصناعية للهند فحسب، بل تسلّط الضوء أيضاً على اهتمامها الإستراتيجي بتنويع محفظة صادراتها إلى شمال إفريقيا.
ومن ناحية أخرى، كان المغرب مورّداً رئيساً للمواد الخام بالغة الأهمية للهند، وفي المقام الأول حمض الفوسفوريك، والفوسفات، والخامات المعدنية، والتي تشكّل ضرورةً أساسيةً للصناعات الزراعية والتصنيعية للأخيرة.
وتطورت العلاقات التجارية الثنائية إلى ما هو أبعد من مجرد تبادل السلع، وامتدت إلى إنشاء مشاريع مشتركة وزيادة الاستثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة والسياحة والزراعة. وذكرت مري والجلدي، أنّ استثمارات الهند في قطاع الطاقة المتجددة في المغرب تتوافق مع الاستدامة العالمية وأهداف المغرب وطموحه ليصبح رائداً في مجال الطاقة الخضراء.
مناورات عسكرية وعقود
أيّاً كانت المعطيات، فقد وصل البلدان إلى مرحلة من الشراكة الإستراتيجية. وبحسب مري والجلدي، ارتكز قطاع الدفاع -كركيزة أساسية لهذه العلاقة- على عدد من الجوانب، منها مشاركة المغرب في النسخة الثانية من التدريب العسكري المشترك بين إفريقيا والهند (AFINDEX 2023)، في منطقة "بونا"، مركز الصناعات الدفاعية الهندية في غرب البلاد.
بسبب قرب المغرب من أوروبا، تتزايد مخاوف الهجرة غير الشرعية وأزمة اللاجئين، لذا يمكن للهند أن تقدّم للمغرب مركبات الدوريات السريعة، والطرادات، والفرقاطات، والغواصات، وحاملات الطائرات وغيرها من المعدّات البحرية لجمع المعلومات الاستخباراتية وتأمين الحدود الساحلية
ومنذ عام 2021، ينظّم المغرب سنوياً مناورات مع البحرية الهندية بالقرب من الدار البيضاء، بهدف مكافحة تهريب المخدرات والقرصنة. وبحسب الباحثَين، تأصلت هذه الشراكة أيضاً من خلال العقود العسكرية المهمة، ففي أوائل عام 2023، أعلنت القوات المسلّحة المغربية اقتناء 90 شاحنةً من طراز LPTA 2445 6x6 من الشركة الهندية "تاتا".
وفي خطوة مهمة أخرى، عيّن المغرب ملحقَين عسكريَين في سفارته في نيودلهي، لتسهيل الاتصال والتعاون بين القوات المسلحة في البلدين وتعزيز شراكتهما الدفاعية.
ماذا يمكن أن تقدّم الهند للمغرب؟
وفي ظلّ هذه المعطيات، ذكر الباحث موكيش كومار، في تقرير نُشر على موقع مؤسسة المجلس الهندي للشؤون العالمية، أنّ المغرب يقع على مشارف الصحراء، ويمكنه الاستفادة من تجارب الحرب الهندية في التضاريس القاحلة، لذا يمكن لنيودلهي أن تقدّم للرباط الأسلحة الصغيرة والخفيفة، والدبابات خفيفة الوزن وأنظمةً مضادةً للدبابات، وناقلات الأفراد المدرعة، بالإضافة إلى مركبات "WhAP" القتالية.
وبسبب قرب المغرب من أوروبا، تتزايد مخاوف الهجرة غير الشرعية وأزمة اللاجئين، ما يشكّل مصدر قلق أمني خطير بالنسبة للرباط. لذا يمكن للهند أن تقدّم للمغرب مركبات الدوريات السريعة، والطرادات، والفرقاطات، والغواصات، وحاملات الطائرات وغيرها من المعدّات البحرية لجمع المعلومات الاستخباراتية وتأمين حدودها الساحلية، بحسب كومار.
ولمواجهة التهديدات الجوية، يمكن أن تشكّل صواريخ "إل سي إيه تيخاس"، و"دروف إل سي إتش"، وصواريخ "أسترا جو-جو"، وأجهزة الاستشعار والرادارات، والطائرات من دون طيار، وأنظمة مكافحة الطائرات من دون طيّار، وأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من المنتجات الهندية، فرصاً كبيرةً لقوات الأمن المغربية.
أبعد من ذلك، تسعى الهند إلى استغلال رغبة المغرب في تطوير صناعة الطائرات من دون طيار، خاصةً منذ أن وقّع اتفاقيةً مع شركة "BlueBird Aero Systems" الإسرائيلية في عام 2021، لإنتاج هذا النوع من الطائرات محلياً في الرباط.
ويتزامن هذا الطموح المغربي مع توقعات بنمو صناعة الطائرات من دون طيّار في الهند، والتي لا تزال في مرحلتها الأولى، من 654 مليون دولار في عام 2024، إلى 1.44 مليار دولار بحلول عام 2029، لذا يرى كومار أنّ المغرب وجهة مواتية لمصنّعي الطائرات من دون طيار والشركات الهندية الناشئة.
وبحسب كومار، يمكن للمغرب أيضاً استخدام المعدّات الدفاعية الهندية القادرة على العمل على الأرض وفي الجو والماء، في عمليات المساعدات الإنسانية والإغاثة من الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والأعاصير والفيضانات المفاجئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 17 ساعةl
Frances Putter -
منذ 17 ساعةyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ يومينأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ يومينتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ يومينغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ 6 أياميقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..