شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
حبوب

حبوب "تسمين" لـ"جذب العرسان" في العراق!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

السبت 15 فبراير 202504:43 م

مش ع الهامش

ريم (30 عاماً)، من الكوفة، "نصحتها" زميلتها الجامعية، بأن تستخدم "حبوب الديكسون"، ليظهر وجهها مستديراً "مثل البدر"، ويمتلئ صدرها النحيف، وتكون "دنفوشية"، وهو مصطلح شعبي عراقي يُطلقه الشباب عادةً على الفتاة الممتلئة. و"حبوب الديكسون"، هي علاج طبي للالتهابات والحساسية، وهناك فكرة خطأ شائعة عن أنه "فاتح للشهية ويزيد الوزن"، نظراً إلى احتوائه على الكورتيزون الذي يؤدي إلى زيادة الوزن عادةً.

كان ذلك في عام 2014، حيث كانت ريم، في السنة الدراسية الثالثة في جامعة الكوفة، وكانت تشعر بأنّ الوقت قد فاتها، ولم تحصل على عريس في مجتمع ينتشر فيه الزواج المبكر، ويعيب على الفتاة بلوغ سنّ العشرين بلا "ارتباط رسمي". في الوقت نفسه، كانت تعليقات زميلاتها جارحةً وتسخر من نحافتها على غرار: "ريم المعصعصة"، و"اللي ياخذج يتكسّر"، قد تركت أثراً في نفسها.

انصاعت ريم لـ"نصيحة" زميلتها، وطلبت منها أن تحضر لها الحبوب، وأرشدتها إلى طريقة استخدامها: "حبّتين في الصباح، ومثلهما في الليل". استمرت ريم، في أخذ "الجرعة" بانتظام، وعلى مدار شهر لوحظت زيادة وزنها، وتغيّرت التعليقات السلبية إلى إيجابية، ما شجّعها على أن تذهب بنفسها إلى إحدى الصيدليات وتطلب كميةً كبيرةً من هذه الحبوب التي استمرت في تناولها لسنوات طويلة حتّى بعد أن تزوّجت وأنجبت.

آثار جانبية خطيرة

تقول ريم، لرصيف22: "كنت في الفترات التي أترك فيها هذه الحبوب، أشعر بأنّ وجهي شاحب. لقد اعتدت عليها، وشيئاً فشيئاً بدأت الأمراض تهاجمني مثل ارتفاع ضغط الدم، وهشاشة العظام، وارتفاع سكّر الدم، وأنا في غاية الاستغراب لأن سنّي صغيرة".

يندرج ما تعرّضت له ريم، وتتعرض له فتيات ونساء في العراق ومجتمعات عربية أخرى، ضمن "معايير الجمال" التي يفرضها المجتمع عليهنّ، على اعتبار أنّ الفتاة الممتلئة تجذب الرجل أكثر، وذلك دون مراعاةٍ لخياراتهنّ وتفضيلاتهنّ الشخصية، ودون مراعاةٍ أيضاً لخطورة "السمنة القسرية"

وتضيف أنها اكتشفت أنّ هذه الأمراض "سببها الديكسون". هكذا أخبرتها زوجة حماها الطبيبة، مبرّرةً ذلك بأنّ "هذه الأمراض لا تهاجم شخصاً بهذه سرعة دون سبب"، فجلست تحلّل وتسأل عن نوعية الأدوية وعن الفيتامينات وعن الجرعات، "إلى أن توصّلتُ إلى أنّ حبوب الديكسون هي التي جعلت عظامي هشّةً".

من جهتها، تقول الصيدلانية العراقية نور بشار، لرصيف22: "صيدليّتي في منطقة علي الصالح في بغداد، وبجانبنا عدد من الكليات القريبة. كتبت على لافتة داخل الصيدلية مضارّ الديكسون، وعلّقتها بدبوس، وجعلتها في مكان ظاهر، لكن الفتيات بالرغم من قراءة أضراره وآثاره الجانبية، لا يكترثن ويقبلن على شرائه لغرض زيادة الوزن".

حين تواصلنا مع نور، كانت في العمل، وكانت بجانبها زميلتها الصيدلانية شهد غازي، التي شاركتنا أيضاً شهادتها قائلةً: "بنات كثيرات يخرجن من الجامعة ويقصدن الصيدلية وفي العادة يكنّ ثلاثاً أو أكثر، ويهملن استشارة الاستخدام. ذات مرة امتنعت عن صرف الديكسون، فذهبن وعدن بعد ساعة، وقلن لي: 'لقد أحضرناها من صيدلية أخرى'، ونعتوني بـ'المتعجرفة'".

وعن خطورة استخدام هذه الحبوب وغيرها دون استشارة طبيب، ولغير الغرض الطبي المخصّصة له، تقول الطبيبة العراقية المتخصّصة في الطب العام، منى رزاق: "هذا دواء يحبس السوائل في الجسم، ويمتزج مع هرمون الإستروجين بآلية معيّنة لذا يتسبّب في سوء توزيع الخلايا الشحماية وينتج تكتلات في الجسم".

وتضيف أنّ "أيّ دواء يتمّ أخذه دون استشارة طبيب لمعرفة الجرعة تكون آثارهُ وخيمةً على الإنسان، ويُسبّب مشكلات في البشرة مثل زيادة إفراز الغدد الدهنية وحبس السوائل تحت الجلد، ما يؤدي إلى ظهور حَبّ الشباب وأكياس دهنية".

وتتابع الطبيبة: "نلاحظ أنّ الفتيات اللواتي يتناولن هذه الحبوب (الديكسون)، دون ضرورة طبية، ولفترات طويلة، يعانين من تساقط الشعر، فضلاً عن خروج روائح كريهة من الإبطين وبين الفخذين".

وتشير رزاق، إلى أنّ الجلد يكون عرضةً للتشقّقات بسبب التمدّد في الجلد وعدم انتظام الدورة الشهرية نتيجة خلل في الهرمونات… إلى آخره، وهذه الأعراض وغيرها يمكن الوقاية منها بعدم تناول هذه الحبوب.

كما تؤكد رزاق، أنّ علاج الديكسون ينبغي أن يُستخدم تحت إشراف الطبيب، ولعلاج مرض مثل الربو والحساسية بكميات ووصفة طبية مكتوبة حتّى يكون مفعوله غير مضرّ.

السمنة القسرية و"معايير الجمال"

يندرج ما تعرّضت له ريم، وتتعرض له فتيات ونساء في العراق ومجتمعات عربية أخرى، ضمن "معايير الجمال" التي يفرضها المجتمع عليهنّ، على اعتبار أنّ الفتاة الممتلئة تجذب الرجل أكثر. وذلك دون مراعاةٍ لخياراتهنّ وتفضيلاتهنّ الشخصية، ودون مراعاةٍ أيضاً لخطورة "السمنة القسرية"، في ظلّ التقارير العلمية المتزايدة عن أضرار السمنة والأمراض المزمنة التي تترتب عليها.

بعفوية، أخبرت شيرين، الطبيبة، بأنّها تتناول حبوب الديكسون مع البرياكتين لزيادة الشهية، حيث إنّ زوجها "يعشق الفتاة البدينة"، منبّهةً إلى أنّها تتناوله منذ بداية فترة الخطوبة، بعدما سخرت منها والدة عريسها قائلةً لها: "راح تكسرين ابني بعضامج"

ولا يتوقف الأمر في العراق عند استخدام حبوب الديكسون، فهناك العديد من الأدوية والوصفات الشائعة التي تضطر النساء إلى تناولها لاكتساب الوزن الزائد. في هذا السياق، يقول الدكتور عادل فاضل، وهو طبيب صحة عامة، إنّ بعض الفتيات والسيدات يتناولن عقاقير وأدويةً من أجل كسب الوزن من أماكن غير موثوق بها، وقد ساعدت في رواج ذلك الفوضى التي يمرّ بها البلد حيث "كل من هبّ ودبّ يبيع العقاقير والأدوية، ويعلن عن هذه الحبوب مجهولة التركيب. نلاحظ مريضات يشتكين من الألم في المعدة أو التهاب القولون وتهيّجه".

وعن هذه العقاقير، تقول رينا، اسم مستعار (25 عاماً): "اشتريت عقاقير من محل يبيع أدوات المكياج، وأخبرتني صاحبته بأنه خلال أسبوع سوف يتكوّر وجهي ليصبح كالقمر، مؤكدةً أنّ موادها عشبية وغير ضارّة".

وتضيف لرصيف22: "كنت أجهل مكونات العقاقير ذات الشكل الغريب واللون المائل إلى الأخضر والرائحة الكريهة. وطمعاً في اكتساب الوزن سريعاً من أجل حضور زواج شقيقي استخدمتها، وبعد أسبوعين من تعاطيها بدأت أعاني من حرقة في المعدة وقيء شديد". بعد زيارة الطبيب، اتّضح لرينا، أنّ هذه الحبوب سبّبت لها التهاباً حاداً في الأمعاء لا يزال أثره قائماً بعد مرور عامين.

"حُرمت من أن أكون أمّاً"

ما حدث لشيرين (28 عاماً)، من محافظة بابل، كان أسوأ. شيرين متزوجة منذ أربع سنوات، وتعاني من مشكلات هرمونية، حرمتها من أن تكون أمّاً حتّى الآن.

تقول شيرين لرصيف22: "أنا أنتظر، ولكن إلحاح زوجي وعائلته وأسئلتهم التي لا تتوقف كل شهر عن سبب تأخر الحمل تؤرقني، حتّى صار هذا الإلحاح روتيناً يومياً في أثناء الجلوس على المائدة لتناول الطعام، أو في كل مناسبة تجتمع لأجلها الأسرة، وما زاد الطين بلّةً، ولادة زوجة حماي الصغرى".

راجعت شيرين، أكثر من طبيبة، وقامت بإجراء التحاليل وتناولت العلاجات، حسب ما تقول. وذات مرّة، "استغربت الطبيبة النسائية وأخبرتني بأنني لا بدّ لديّ مشكلة أخرى، وسألتني: هل تتناولين دواءً آخر أو علاجاً، لأنكِ تلتزمين بالعلاج دون تحسّن؟"، تضيف.

بعفوية، أخبرت شيرين، الطبيبة بأنها تتناول حبوب الديكسون مع البرياكتين لزيادة الشهية حيث إن زوجها "يعشق الفتاة البدينة"، منبّهةً إلى أنّها تتناولها منذ بداية فترة الخطوبة التي امتدت لعامين قبل الزواج، أي تتناولها منذ ستة أعوام. وكان ذلك ردة فعل على سخرية والدة العريس منها: "راح تكسرين ابني بعضامج".

تقول شيرين، إنّ الجرعات الزائدة والمستمرة التي تناولتها من الديكسون والبرياكتين، سبّبت لها "ضعف الخصوبة"، و"منذ توقفتُ عن تناولهما قبل شهرين تقريباً، أعاني من شحوب في البشرة".

وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة مها الصكبان، وهي اختصاصية أمراض نسائية وأطفال، إنّ أيّ دواء يتم استخدامه من دون إشراف الطبيب، تكون تأثيراته سلبيةً، ومن بينها تغيير هرمونات الجسم لدى المرأة.

كما توضح أنّ "الديكسون لا يختلف في ذلك من حيث تأثيره السلبي على الحمل من خلال تأخيره أو منعه". وتتابع الصكبان: "زيادة هرمون الكورتيزول الناتجة عن وجود 'الديكسون' في الجسم بشكل كبير، أو أخذ جرعات كبيرة منه، تتسبّب في عدم انتظام بقية هرمونات الجسم، وتؤدي إلى تأخّر الحمل".

وتلفت الطبيبة العراقية، إلى أنّ بعض السيدات يعانين من تأخّر في الحمل بسبب تعاطي حبوب الديكسون، ولا يدركن ذلك، وأنّ "من الأخطاء الفادحة التي ترتكبها السيدات لزيادة وزنهنّ، تعاطي أدوية دون استشارة الطبيب، حتّى أنّ البعض منهنّ يرتكبن خطأ أكبر وهو ترك هذا العلاج فجأةً".

"كنت أجهل مكوّنات العقاقير ذات الشكل الغريب واللون المائل إلى الأخضر والرائحة الكريهة. وطمعاً في اكتساب الوزن سريعاً من أجل حضور زواج شقيقي، استخدمتها. بعد أسبوعين من تعاطيها، بدأت أعاني من حرقة في المعدة وقيء شديد"

"عنف نفسي يُمارَس على النساء"

بدورها، ترى المستشارة النفسية والاجتماعية إخلاص جبرين، أنّ هذا الضغط على النساء في العراق، لتغيير أشكالهنّ، هو نوع من أنواع العنف، وعلى الرغم من تطوّر القوانين التي تصبّ في مصلحة المرأة، إلا أنّها لا تزال تعاني من الكثير من الانتقادات الأسرية والاجتماعية من ناحية المظهر، ناهيك عن الصورة النمطية التي صدّرها لنا المجتمع بأنّ "الرجل لا يعيبه إلا جيبه"، وهو ما يصبح معه الرجل معفيّاً ومقبولاً من ناحية الشكل.

وتلوم جبرين، الأهل في الأساس على هذه المشكلة. تقول: "هم المسؤولون الأوائل عمّا يحدث لفتياتنا، لأنهم لم يغرسوا الثقة بالنفس فيهنّ منذ الصغر، ويختصرون 'المرأة' في تلبية وتنفيذ رغبات الرجل".

ترغب الفتاة في "دخول مؤسسة تحقيق الأحلام"، أي الزواج، وتبدأ بفعل كل ما هو مطلوب منها لتصل إلى ذلك. وحتّى تكون "مرغوبةً"، تخضع للمعايير المجتمعية ومن بينها "السمنة القسرية"، وفق جبرين.

"على سبيل المثال، تصوّر العائلة للفتاة أنّ الزواج هو المؤسسة القادرة على تحقيق كل الأحلام بدايةً بامتلاكها غرفةً شخصيةً، مروراً بالسفر ووضع المكياج، وصولاً إلى نيل جميع الحريات، وكلما طلبت من العائلة طلباً يكون الردّ بالطريقة الساذجة: 'حين تتزوجين، سينفّذ لكِ زوجكِ هذا الطلب أو 'تزوّجي وافعلي ما تشائين'"، تشرح.

في المحصّلة، ترغب الفتاة في "دخول مؤسسة تحقيق الأحلام"، أي الزواج، وتبدأ بفعل كل ما هو مطلوب منها لتصل إلى ذلك. وحتّى تكون "مرغوبةً"، تخضع للمعايير المجتمعية ومن بينها "السمنة، ولا يهمّ إن كان ذلك عبر طرائق صحّية وآمنة أو عبرغيرها، فالمهم أن تصل إلى الهدف"، وفق جبرين، التي تشدّد على "الحالة النفسية التي تتعرّض لها الفتاة التي لا تستطيع أن تفي بشرط السمنة، أو أي شرط آخر من شروط 'الجمال'"، التي تحدّدها المعايير المجتمعية.

وفي هذا الجانب، تنتقد طبيبة عراقية، الوضع الصحي "السائب" في العراق، من حيث قيام أي صيدلاني بصرف دواء له آثار جانبية خطيرة دون وصفة طبيب. وطلبت الطبيبة عدم الكشف عن هويتها، خشية التعرض لعقوبات إدارية بسبب التصريحات لوسيلة إعلامية، وهو أمر يتكرّر كثيراً في المؤسسات الرسمية العراقية.

وتلفت الطبيبة، إلى أنّ هذا الموضوع "منتشر بين طالبات الثانوية العامة القاصرات وبين طالبات الجامعات أيضاً"، مضيفةً أنّ "ما يثير الغرابة هو أنّ معايير جمال جسد المرأة في المجتمعات المتقدّمة تتعلّق بأن يكون جسمها صحياً. أما في العراق، فأصبح الديكسون بديلاً للفيلر، وأحياناً أجد إعلانات في فيسبوك أو على مواقع التواصل الاجتماعي لصفحات تبيعه خارج الصيدليات مع 'عروض' لإغواء الفتيات لتناوله مع أدوية أخرى معروفة تُستخدم لأغراض علاجية، وكثرة جرعاتها تسبب السمنة ومن آثارها الجانبية الجلطات".

ختاماً، تنصح الطبيبة الصكبان: "هناك أجسام لا تكتسب الوزن بسهولة. إن كانت السيدة أو الفتاة ترغب في زيادة وزنها، فمن الأفضل زيارة طبيب مختص لمعرفة الوزن المثالي طبقاً لعمرها وطولها، حينها يمكن اكتساب الوزن بشكل صحي عبر اتّباع نظام غذائي خاص وبعض الأدوية المناسبة إن استدعى الأمر". أما شيرين، فتختم حديثها إلى رصيف22، قائلةً: "الآن، بدأت أنصح الفتيات وأحدّثهنّ عن تجربتي مع الديكسون، وكم هي سيئة، وأنّ عليهنّ أن يتقبّلن مظهرهنّ".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image