لوغو مش ع الهامش
تعاني الفتيات في العديد من المجتمعات العربية من تحديات جمّة عند بلوغهنّ سن الحيض، إذ لا يزال الحديث عن الدورة الشهرية محاطاً بسياج من الصمت والوصم الاجتماعي.
في بعض المناطق، يُنظر إلى البلوغ كإشارة إلى "النضج"، ما يدفع بعض العائلات إلى تزويج الفتاة فوراً، بينما تُمنع أخريات من الذهاب إلى المدرسة أو ممارسة أنشطة حياتية طبيعية. وبينما تختلف الممارسات من بلد إلى آخر، يبقى القاسم المشترك هو غياب التوعية الشاملة حول هذه المرحلة الطبيعية في حياة كل فتاة.
يرتبط الحيض في الكثير من المجتمعات العربية بالمحرّمات الثقافية والمفاهيم الخاطئة، حيث يُنظر إليه كموضوع لا يجب الحديث عنه في العلن. يعود ذلك إلى موروث ثقافي قديم يربط الدورة الشهرية بالعيب والخصوصية المفرطة، ما يؤدي إلى نقص المعرفة وانتشار المغالطات بين الأجيال. في بعض الحالات، يتم تجنّب الحديث عن الحيض كلياً، ما يترك الفتيات غير مهيآت لهذه المرحلة المهمة من حياتهن.
"دورها تعرف"
تكبر الكثير من الفتيات في العالم العربي دون معرفة كافية عن الدورة الشهرية، ما يجعلهنّ يواجهن هذه المرحلة بتوتر وقلق، في ظل نقص المعلومات العلمية الدقيقة وغياب التواصل الفعّال بين الأمهات وبناتهن، وفي مجتمعات تُعتبر فيها هذه المواضيع من "المحظورات"، تتفاقم التحديات، ما يخلق فجوة معرفية تؤثر سلباً على الصحة الجسدية والنفسية للفتيات.
في هذا السياق، أطلقت جمعية "متلي متلك"، بالتعاون مع "سميكس"، دورة مجانية تحت اسم "دورها تعرف"، لتوفير مصدر آمن وشامل، يمكّن الفتيات وأمهاتهنّ من الوصول إلى المعلومات بسهولة، وكسر حاجز الصمت والخوف المحيط بالدورة الشهرية.
"التثقيف الصحي يجب أن يكون متاحاً للجميع، بغض النظر عن الإمكانيات المادية. نريد أن تكون كل فتاة قادرة على فهم جسدها والاستعداد لهذه المرحلة بطريقة صحية وسليمة"
تؤكد الدكتورة المتخصّصة بالطب الجنسي، ساندرين عطالله، لرصيف22، المؤسسة المشاركة للجمعية، أن الهدف الأساسي وراء مجّانية الدورة هو ضمان وصول هذه المعلومات إلى كل فتاة دون أي عائق مادي، قائلة: "التثقيف الصحي يجب أن يكون متاحاً للجميع، بغض النظر عن الإمكانيات المادية. نريد أن تكون كل فتاة قادرة على فهم جسدها والاستعداد لهذه المرحلة بطريقة صحية وسليمة.".
المشروع المتاح أونلاين لمعظم الدول العربية، يستهدف500 فتاة على الأقل، من خلال فيديوهات ومواد تفاعلية، لمساعدتهن على فهم أجسادهن بثقة، وتشجيع الأمهات على فتح باب الحوار بطريقة داعمة وإيجابية.
بتمويل من SMEX، صُمّم البرنامج ليصل إلى الفتيات في لبنان، مصر، تونس، العراق، فلسطين والأردن... وهو مقدّم باللغة العربية، مع دعم للغة الإشارة لضمان شمولية الوصول.
إلى جانب الدورة، يشمل المشروع حملة توعوية رقمية لمدة ثلاثة أشهر، لنشر المعلومات الصحيحة وكسر التابوهات، بالإضافة إلى دورة تدريبية مباشرة في 22 آذار/مارس في لبنان، تجمع الأمهات وبناتهن في مساحة آمنة للحوار، لتعزيز الوعي والعلاقة الصحية بين الأجيال، فهل تكون هذه المبادرة خطوة لكسر حاجز الصمت المحيط بالدورة الشهرية في العالم العربي؟
"فكرت ببنتي"
شاركت الدكتورة ماري سمراني عقل، المتخصّصة في طب الأطفال والمراهقين، في تحضير محتوى الفيديوهات، مشددةً على أن دور الأطباء لا يقتصر على العلاج فقط، بل يمتد إلى نشر الوعي والتثقيف، خاصةً في ظل انتشار المعلومات الخاطئة حول الدورة الشهرية، وفق ما توضّح لرصيف22: "النقص في المعلومات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية، قلق وخوف، كما أنه يؤثر على ثقة الفتيات بأنفسهن. لذلك، كان من الضروري أن أساهم في تقديم معلومات صحيحة، دقيقة وسهلة الفهم".
"عندما نقدّم المعلومات الصحيحة بطريقة داعمة، نساعد الفتاة على الشعور بالأمان، وعندها لن تتردّد في طرح أسئلتها أو مشاركة مخاوفها دون خجل"
وعن كيفية تقديم المحتوى بطريقة تناسب الفتيات، تقول عقل: "فكّرت بابنتي أثناء التحضير، ما الذي أريدها أن تعرفه؟ وكيف يمكن أن أشرح لها الأمر ببساطة وحب؟ عملت على المحتوى بكل اهتمام لأجعله سهل الفهم وقريباً من تفكير الفتيات".
تسلّط عقل الضوء على غياب التثقيف حول الدورة الشهرية في المدارس والأسر العربية، مؤكدةً أن المدارس يجب أن تلعب دوراً أكبر في تقديم دورات تعليمية للأهل والفتيات: "نحن في عصر تتوفّر فيه المعلومات بسهولة، لكن معظمها مغلوط. لذلك، يجب أن نضمن حصول الفتيات على مصادر موثوقة، لأن سلاح الفتاة في هذه المرحلة هو المعرفة الصحيحة.".
وتختم حديثها بالتأكيد على أهمية دور الأهل والمتخصّصين/ات في تعزيز ثقة الفتيات بأنفسهن: "عندما نقدّم المعلومات الصحيحة بطريقة داعمة، نساعد الفتاة على الشعور بالأمان، وعندها لن تتردّد في طرح أسئلتها أو مشاركة مخاوفها دون خجل.".
دعم الفتيات منذ الصغر
في معظم مجتمعاتنا العربية، لا تزال الدورة الشهرية تُحيط بها العديد من المحظورات والمفاهيم المغلوطة، ما يجعل الفتيات يعشن هذه التجربة دون تحضير كافٍ، بينما تعاني الأمهات من ارتباك واضح حول كيفية مناقشة الموضوع مع بناتهن.
من هنا، تؤكد الطبيبة النسائية غايل أبو غنام، المؤسسة المشاركة لجمعية "متلي متلك"، على أهمية دورة "دورها تعرف"، موضحةً أن المشروع لا يهدف فقط إلى توعية الفتيات، بل إلى دعم الأمهات وتمكينهن من خوض هذا الحديث بسلاسة ودون إحراج.
تقول أبو غنام: "من خلال عملي، أواجه الكثير من الأمهات اللواتي يشعرن بالضياع عندما يأتي الوقت للحديث مع بناتهن عن الدورة الشهرية. لا يعرفن كيف يبدأن، وما المعلومات التي يجب تقديمها، أو حتى ما هي الطريقة الصحيحة للحديث عن الموضوع، دون إثارة الخوف أو القلق".
وتشير إلى أن التثقيف الصحي والجنسي يجب أن يبدأ منذ الصغر، لأن الفتاة عندما تفهم جسدها في وقت مبكر، تصبح أكثر قدرة على التعامل مع التغيرات الطبيعية التي تطرأ عليه، ما يعزّز ثقتها بنفسها ويجعلها امرأة أكثر وعياً في المستقبل.
"أرى يومياً في عيادتي فتيات يعانين من آلام غير محتملة تعطل حياتهن، ولكنهن يعتقدن أن هذا أمر طبيعي، لأن المجتمع رسّخ لديهن فكرة أن الدورة الشهرية يجب أن تكون مؤلمة"
وتشدّد أبو غنام على أن الحديث عن الجسد منذ الطفولة يسهل لاحقاً مناقشة موضوع الدورة الشهرية بطريقة طبيعية ومريحة، بعيداً عن الخجل أو الإحراج: "عندما نبدأ بتعليم الفتيات عن أجسادهن بطريقة علمية وصحيحة، يصبح الحديث عن الدورة الشهرية أمراً سلساً وطبيعياً، دون أن يُنظر إليه على أنه موضوع محرّم أو مُخجل. وهذا يفتح الباب أمام حوار صحي بين الأمهات وبناتهن، وهو أمر ضروري لنمو نفسي وجسدي سليم للفتيات".
إلى جانب التحديات النفسية، تلفت أبو غنام إلى مشكلة صحية شائعة تواجهها العديد من الفتيات، وهي الآلام الشديدة خلال الدورة الشهرية: "أرى يومياً في عيادتي فتيات يعانين من آلام غير محتملة تعطل حياتهن، ولكنهن يعتقدن أن هذا أمر طبيعي، لأن المجتمع رسّخ لديهن فكرة أن الدورة الشهرية يجب أن تكون مؤلمة".
وتضيف أن هذا الاعتقاد الخاطئ يؤدي إلى معاناة طويلة الأمد، حيث تقضي بعض الفتيات سنوات وهنّ يعشن مع الألم دون البحث عن حلول طبية، لمجرّد أنهن لم يحصلن على التوعية الكافية حول ما هو طبيعي وما يستدعي الاستشارة الطبية.
في الختام، تؤكد غايل أبو غنام أن هذه المبادرات لا تقتصر على كونها مشاريع تعليمية، بل تُعدّ أدوات ضرورية لحماية الفتيات صحياً ونفسياً، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، ما يساعدهن على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أجسادهن. فالتوعية المبكرة حول الدورة الشهرية والصحة الجنسية تساهم في كسر الحواجز الثقافية وخلق بيئة أكثر دعماً وانفتاحاً للفتيات في المجتمعات العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 3 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ أسبوعيقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..