“أبتاع خلال الأسبوع الأوّل من الشهر علبة من الفوط الصحية، أي ما يعادل عشر فوط أستخدمها في النصف الأوّل من دورتي الشهرية، وفي النصف الثاني أستخدم قطع القماش”. هكذا تشرح رؤى (24 عاماً – اسم مستعار) معاناتها مع شراء الفوط الصحية ومستلزمات الدورة الشهرية في ظل الانهيار الاقتصادي.
فرؤى التي تعمل في محل لبيع الملابس لا يتخطّى راتبها الشهري الـ800000 ليرة لبنانية بعد وصول سعر صرف الدولار الواحد في لبنان إلى الـ15000 ليرة. وبالتالي صار راتبها يساوي حوالي الـ50 دولاراً في الوقت الذي تباع فيه كل منتجات الدورة الشهرية بالدولار، أو ما يعادله بالليرة اللبنانية.
تدفع رؤى بدل إيجار غرفتها 450000 ليرة، وتستخدم الـ350000 ليرة المتبقية لشراء احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب، ويتبقى معها القليل لشراء ما تحتاجه خلال فترة الطمث، وتشرح: “توجّب علي تحديد أولوياتي، إما أن أتخلّى عن وسائل النقل العامة أو عن الفوط الصحية والغسول النسائي والأدوية المسكّنة، وهذا ما فعلته. أبقيت على تنقّلي بـ “فان رقم 4” كي أصل إلى مكان عملي، وقرّرت أن أضحّي براحتي الجسدية والنفسية لمدّة ستة أيام في الشهر”.
بعد أكثر من عام على الحلول التي لم تقدّمها الحكومة للنساء ولحقوقهنّ المتمثّلة بأجسادهن، يراوح سعر العلبة الواحدة من الفوط الصحية بين 12000 و24000 ليرة
فقر الدورة الشهرية
العام الماضي، مع بدء الانهيار الاقتصادي الحاد، أعلنت وزارة الاقتصاد عن مبادرتها المتمثّلة بتأمين سلّة غذائية مدعومة تؤمّن الاحتياجات الأساسية للمواطن اللبناني من خلال 300 سلعة سيتم دعمها، إلا أن الوزارة لم تدعم الفوط الصحية. فما كان من المتاجر إلا أن رفعت أسعارها، وبالتالي دخل الانهيار الاقتصادي في لبنان إلى أرحام النساء اللواتي صرنّ يخزّن أكبر عدد ممكن من الفوط الصحية كي يتجنّبن ارتفاع الأسعار الجنوني الذي سيحدث.
اليوم، بعد أكثر من عام على الحلول التي لم تقدّمها الحكومة للنساء ولحقوقهنّ المتمثّلة بأجسادهن، يراوح سعر العلبة الواحدة من الفوط الصحية بين 12000 و24000 ليرة، بحسب النوع والماركة، بينما كان سعر العلبة الواحدة قبل الأزمة نحو 5000 ليرة.
بات عدد كبير من النساء في لبنان وتحديداً اللواتي هن دون الطبقة الوسطى غير قادرات على تحمّل تكاليف دورتهنّ الشهرية
أما الفوط اليومية التي يتم استخدامها في الأيام العادية فصار سعرها حوالي 15000 ليرة. كما أن أسعار الفوط تختلف بين دكّان وآخر، فهناك من يحتكر الأنواع التي لم تعد موجودة ويبيعها بسعر أغلى، وهناك من يصرّف بضاعته بحسب الأسعار القديمة، وهناك من يضع تسعيرة على ذوقه ويكسب حوالي ألف ليرة من كل علبة يبيعها، كما يختلف سعر العلبة الواحدة بما يعادل 4000 ليرة بين دكان وآخر. وبالتالي هذه الحاجة الأساسية للنّساء يتم التعامل معها على أنها مكسب سريع للأرباح أوّلاً، وعلى أنها غير مرتبطة بتفاصيل حياة كل امرأة ثانياً. ولذلك بات عدد كبير من النساء في لبنان وتحديداً اللواتي هن دون الطبقة الوسطى غير قادرات على تحمّل تكاليف دورتهنّ الشهرية.
أريد أن أدخل سن اليأس
تشرح زهرا (43 عاماً) وهي غير عاملة تعيش مع شقيقها المعيل، أنها صارت تقتصد بالفوط الصحيّة، وتقول: “قبل الانهيار الاقتصادي كنت أحتاج إلى ثلاث علب من الفوط الصحية. اليوم أستخدم علبة ونصف. أعتمد على تنظيف نفسي طوال اليوم، بدلاً من تغيير الفوطة”.
وتضيف: “أخي يعمل حارساً، وأنا أبقى في المنزل لأهتم بوالدتنا. توقّعت أن أختبر انقطاع الطمث في هذا العمر الذي بلغته، إلا أن خالتي أعلمتني أننا نحن نساء العائلة نحظى بدورتنا حتى عمر متأخّر. في ظل الانهيار الاقتصادي وعدم قدرتي على تأمين احتياجاتي الأساسية، والنزيف الذي لا أستطيع إيقافه، أتمنّى أن أدخل سنّ اليأس قريباً، لأن الدورة مكلفة”.
كلفة الرحم في لبنان
فقر الدورة الشهرية هو عدم قدرة النساء على تأمين احتياجاتهن الأساسية خلال فترة الطمث، إن كان من خلال المنتجات الصحية أو من خلال تلك المتعلّقة بالنظافة الشخصية، وصولاً إلى عدم توفّر المياه والقدرة على الاستحمام.
إما أن أتخلّى عن وسائل النقل العامة أو عن الفوط الصحية والغسول النسائي والأدوية المسكّنة
بحسب تقرير نشره “plan international” في نيسان/ أبريل من العام 2020، تبيّن أنه ضمن مجموعة تضم أكثر من 1100 فرد يعيشون في مجتمعات ضعيفة، فإن 66% من المراهقات السوريات واللبنانيات قلن إنهن غير قادرات على شراء الفوط الصحية من الناحية الاقتصادية. ومن المحتمل أن يرتفع هذا العدد مع استمرار الانهيار الاقتصادي وفقدان الأفراد أعمالهم وقدرتهم الشرائية.
وبحسب مجموعة “girl up Lebanon” التي تقدّم خدمات اجتماعية للنساء في لبنان فإن امتلاك رحم في لبنان صار يكلّف حوالي 200000 ليرة شهرياً، وأحياناً أكثر.
الماضي والوسائل البديلة
يطلب الطبيب النسائي من الفتيات أن يتوقّفن عن شراء غسول “فيمينيك” النسائي الذي صار سعره في الصيدليات في حال وجد حوالي 50000 ليرة، وعلى المواقع يتم عرضه بقيمة 54$. وينصح النساء أن يستخدمن اللبن الذي يعتبر غسولاً طبيعياً، للحفاظ على صحّة المهبل وعلاج الالتهابات، بسبب احتوائه على البروبيوتيك والعديد من المواد الغذائية المفيدة. وفي الوقت عينه تبحث النساء غير القادرات على شراء كل هذه المنتجات عن بدائل.
التجار في لبنان يستخدمون الدورة الشهرية لتحقيق أرباحهم على حساب نزيف النساء.
تقول السيدة ثريا البالغة من العمر 84 عاماً لرصيف22 إنّها في شبابها كانت هي وصديقاتها يغسلن قطع القماش التي يستخدمنها خلال فترة الطمث بالسر، وتشرح: “نضع القماشة البيضاء في طنجرة مليئة بالماء الساخن. ننظّفها ونطهّرها بالحرارة، ثمّ ننشرها على السطح دون أن يرانا الرجال، كي لا يعرفوا أوقات دورتنا الشهرية، وفي تلك الأيّام التي كنا ننزف فيها كنا نبقى في المنزل أو نعمل في الحقول البعيدة عن الجميع”.
اليوم وبعد عقود، يعود جزء كبير من النساء بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان للاختباء في منازلهنّ خلال فترة الطمث، ويحسبن حساب سعر الفوطة الصحية الواحدة، وذلك لأن الدولة اللبنانية النابعة من منظومة ذكورية في صلبها لم تأخذ بعين الاعتبار حقوق النساء الأساسية في ظل الانهيار، ولأن التجار يستخدمون الدورة الشهرية لتحقيق أرباحهم على حساب نزيف النساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع