"المرء مطالَب بأن يفعل ما يتقنه، فإذا أتقنت الرقص فارقص، وإذا أتقنت التصفيق فصفّقْ، وكذلك إذا أتقنت الغناء فغنِّ معهم، وفّقك الله لما يحب ويرضى". بهذه الكلمات كان رد الشيخ عادل بن سالم الكلباني، على سؤال أحد المتابعين حين سأله: "أيّهما أفضل: التصفيق أو الرقص عند حضور الحفلات؟!"
أثار هذا الردّ، حنق الشارع العربي والإسلامي، فانهالت عليه سهام النقد والاتهام، خصوصاً أنّ الكلباني كان إمام حرم مكي سابقاً. فمن هو الشيخ عادل الكلباني؟ وما هي قصته؟
هو عادل بن سالم بن سعيد الكلباني، ويكنّى بأبي عبد الإله، واحد من علماء الدين والشريعة الكبار في المملكة العربية السعودية. وُلد في الرياض عام 1378هـ الموافق عام 1959 م، وتعود جذوره إلى قبيلة الكلباني، إحدى أهم قبائل شبه الجزير العربية العدنانية، والتي ترجع تسميتها إلى كليب بن ربيعة التغلبي.
كل تصريح يطلقه الكلباني، يشطر الشارع الإسلامي شطرَين، بين جماعة تراه منفتحاً، وأخرى تراه مميّعاً للدين. ولعل تحليله للغناء كان القنبلة الأولى التي فجّرها
أنهى المرحلة الثانوية من القسم العلمي، وبعدها درس فصلاً في كلية العلوم في جامعة الملك سعود، وفي النهاية التحق بكلية الدعوة، لكن لم يكمل فيها لظروف خاصة به.
في طفولته، كان يحب تفسير القرآن، وقد حفظه في وقت قصير، لذلك قرّر أن يتعلم على يد كبار الشيوخ مثل الشيخ حسن الغانم والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ أحمد مصطفى. وكان الكلباني حافظاً جيّداً وقارئاً للقرآن بالقراءات العشر، وحاصلاً على إجازات في بعض المجالات الفقهية وكتب الحديث وبعض المؤلفات الخاصة بالتجويد.
اشتغل موظفاً لمدة ست سنوات في الخطوط الجوية السعودية، واستقال منها عام 1983 بسبب رغبته في التفرغ لحياته الأسرية.
بعدها بدأ يوجه جلّ اهتمامه نحو العمل الديني، فأصبح مؤذناً في حي اليمامة، ثم انتقل إلى مسجد صلاح الدين كإمام وخطيب، وفي عام 2007، انتقل إلى مسجد الملك خالد في الرياض ليعيّن إماماً لمدة 20 سنةً، وطوال هذه العشرين سنةً كان الناس معجبين أشدّ الإعجاب بطريقة إلقائه وقوة صوته.
بعدها انتُدب الكلباني، في شهر رمضان، لإمامة المصلّين داخل الحرم المكي. وبعد انتهاء مدة انتدابه عاد إلى الرياض ليتفاجأ بأنّ إدارة مسجد الملك خالد، قد تخلّت عنه بحجة ذهابه إلى الحرم المكي دون إخبار إدارة الحرم مع وجود حاجة إلى إمام في المسجد.
انفتاح أو تمييع للدين؟
كل تصريح يطلقه الكلباني، يشطر الشارع الإسلامي شطرَين، بين جماعة تراه منفتحاً، وأخرى تراه مميّعاً للدين.
ولعل تحليله للغناء كان القنبلة الأولى التي فجّرها، حيث أكد أنّ الغناء حلال كله، سواءً مع معازف أو من دونها، ولا يوجد تحريم صحيح وصريح للغناء، لكن علماء الإسلام اليوم مصابون "بجرثومة التحريم". إلا أنّ الكلباني أشار أنه شخصياً لا يسمع الأغاني، من باب الورع فقط، وليس لأنّ الغناء محرّم.
لاقى هذا التصريح غضباً وسخطاً شديدين من الشارع الإسلامي، الذي وجّه إليه دعوةً للابتعاد عن الإفتاء والعمل في سوق الخضار بدلاً من ذلك، في تهجّم عنيف عليه.
وفي تغريدة للكلباني، على إكس، قال: "اقرأ ورتّل واتلُ وتغنَّ بالقرآن تفُز يوم يقوم الناس لرب العالمين، اقرأ تلك الآيات تُنِر لك حياتك وتملأْها سعادةً وبشراً فلا تضلّ ولا تشقى"، فردّ عليه أحد المتابعين: "لا يجتمع حبّ القرآن وحبّ الغناء في قلب واحد". فكان ردّ الكلباني الذي حرّك به أرتالاً من الانتقادات: "قد اجتمع حب الله ورسوله عند شارب الخمر كما في الصحيح".
من إمام للحرم المكي إلى ممثل في موسم الرياض!
لم يكن تحليل الشيخ للغناء سوى البداية، إذ فاجأنا الكلباني، بمشاركته في موسم الرياض عام 2021، حيث ظهر في إعلان ترويجي، وبعدها ظهر في موسم الرياض عام 2022، متقمّصاً شخصيةً من الفيلم الشهير "game of thrones"، ثم أطلّ بشخصية الطبيب عام 2023.
أعادت مشاركة الكلباني في موسم الرياض، الانقسام بين صفوف الشارع الإسلامي الخليجي؛ فقد امتدح البعض مثل هذه الأعمال باعتبارها طريقاً إلى أن تكون السياحة مصدراً للدخل السعودي وليس فقط النفط، بينما قال مغرّدون إنّ مشاركة إمام حرم مكي في موسم الرياض هدفها تمييع الدين وتجريد السعودية من طابعها الديني بحجة الحداثة.
ودافع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ، عن موسم الرياض عموماً، وعن الكلباني خصوصاً، في فيديوهات نشرها، في وقت استنكر فيه بعض المشايخ على الكلباني الانجرار وراء عباءة تركي آل الشيخ.
لم تكن مشاركة الكلباني، كممثل في إعلان موسم الرياض وحده الصدمة، بل أيضاً ظهوره وهو يلعب لعبة "البلوت" كان صدمةً أيضاً؛ فقد لاقى فيديو الكلباني، وهو يوزع ورق البلوت، صدى كبيراً، حيث انهالت عليه التغريدات الساخرة، بينما عبّر الكلباني عن رغبته في تعلّم أصول لعبة البلوت، وندمه على وقت مضى لم يتعلم فيه هذه اللعبة، داعياً الشباب إلى اللعب بروح المنافسة بعيداً عن الغضب أو القمار.
اتُّهمَ بالصهيونية!
أثار الكلباني، بظهوره وهو يرتدي بنطال جينز وتيشيرت تبدو عليها مجموعة من الرموز والأعلام الغربية، راكباً على دراجة نارية من نوع "هارلي"، انتقاد الكثيرين، فبينما اعتبر البعض هذه الصورة حرية شخصية، رأى فيها البعض إساءةً كبيرةً إلى مكانة "الشيخ" الدينية.
فقد علّق أحد المتابعين على صورته: "صراحة يا شيخ لباسك على الدباب غير لائق ولا يخدم الإسلام"، فرد الكلباني متعجباً: "يعني لبس البشت هو اللي يخدم الإسلام!".
ثم نشر الكلباني، في تغريدة منفصلة: "كُل واشرب مما تحب مما أحلّ الله، واركب حصاناً أو حماراً أو جملاً أو دباباً، والبس ما تشاء، ولا تحاول إرضاء الناس فلن يرضوا أبداً".
أثار الكلباني، بظهوره وهو يرتدي بنطال جينز وتيشيرت تبدو عليها مجموعة من الرموز والأعلام الغربية، راكباً على دراجة نارية من نوع "هارلي"، انتقاد الكثيرين، فبينما اعتبر البعض هذه الصورة حرية شخصية، رأى فيها البعض إساءةً كبيرةً إلى مكانة "الشيخ" الدينية
وقد أخذت الصورة بعداً آخر حيث اتّهم البعض الكلباني بالتصهين، فأشار القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي، في تغريدة له، إلى أنّ صورة الكلباني هذه ما هي إلا ضمن سياسة الأمير محمد بن سلمان الممنهجة لصهينة المجتمع السعودي.
وردّ أيضاً الكلباني، في تصريح له لموقع مصراوي: "استهجان البعض لتصرفاتي هو تنمّر. ليس من حقهم الإنكار، وليس من اهتمامنا الرد عليهم". وأضاف: "إذا كان ركوب الدراجة حراماً، فليأتنا بالدليل، وإن كان حلالاً فعلام الإنكار؟".
هل يكفّر الكلباني الشيعةَ؟
يشير الكلباني، في لقاء له ضمن برنامج المختصر، أنه بقي يكفّر الشيعة حتى وقت قريب جداً، لكن الآن هو لا يكفّر الشيعة عامةً، ولا يكفّر من يقول لا إله إلا الله، ويقول إنّ هذه القناعة جاءت بعد قراءته كتاب "تكفير أهل الشهادتين"، للشريف حاتم العوني. وأشار الكلباني إلى أنّه كانت لديه نية لكتابة مقال في هذا الخصوص يبيّن فيه سبب التحوّل إلى عدم تكفير الشيعة، لكنه تراجع خشية أن يقول الناس إن هذا المقال جاء بضغوط حكومية، وتابع قائلاً: "نعم، لم أعد أكفّر من قال لا إله إلا الله، فكل من قال لا إله إلا الله ومن أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم، وفي التفاصيل هذا يحال إلى القضاء، هذا ما أدين الله به اليوم، والله لم يجبرني عليه أحد، ولم يكلّمني به أحد، ولم أشأ أن أنشره لكيلا يُؤول...".
ما زال الكلباني، بعد كل تصريح يطلقه، يخلق زحمةً من الانتقادات والاتهامات؛ منهم من يتهمه بتمييع الدين، ومنهم من يتهمه بالتصهين، وآخرون يتهمونه بمحاباة السلطة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، سواءً ابتغاءً لجاهٍ أو خوفاً من اعتقال، لكن الكلباني ماضٍ في مسيرته الفنية والدينية في آنٍ واحد معاً، ولربما يظهر في الفترة القادمة نوع من المشايخ يُعرف باسم "مشايخ موديرن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينالحبة الحمراء أيديولوجية يقتنع بها بعض من النساء والرجال على حد السواء، وبرافو على هذا الشرح الجميل
Hani El-Moustafa -
منذ يومينمقال أكثر من رائع واحصائيات وتحليلات شديدة الأهمية والذكاء. من أجمل وأهم ما قرأت.
حوّا -
منذ أسبوعشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ أسبوعاي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعوحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً